الأصل أن القضاء العادي هو المختص بالفصل في المنازعات بين الأطراف المتخاصمة، ولكنهم لسبب أو لآخر يلجأون إلى طريق قانوني آخر لفض منازعاتهم وهو التحكيم، إذ يحيلون نزاعاتهم إلى محكمين يختارونهم من الأشخاص الذين يثقون بهم أو يعهدون إلى هيئة تحكيم محلية أو دولية لاختيارهم، وهؤلاء المحكمون يعملون كقضاة خاصين يستمدون سلطاتهم من اتفاقية الأطراف المتنازعة بينما يستمد القضاة العاديون سلطاتهم من القواعد القانونية .
وعلى ذلك فيجب أن يطلع المحكم قبل البدء في التحكيم على كل ما يثير الريبة حول علاقته بأحد أطراف التحكيم، فإذا رأى أن الأمانة تفرض عليه ترك التحكيم فله أن يتنحى من تلقاء نفسه وإلا كان عرضة للرد .
وطالما أن المحكم قاضي فإن ما يطبق على القاضي وفقاً للمادة ١٥٧ مرافعات من أسباب للتنحي يمكن أن تطبق على المحكم وبالتالي فإن المحكم إذا كان غير صالح لنظر الدعوى أو قام به سبب من أسباب الرد الواردة في المادة ١٠٤ مرافعات فعليه أن يتنحى عن نظر النزاع، وحتى لو لم يقم به سبب من أسباب الرد وكان صالحاً لنظر النزاع واستشعر الحرج من نظر الدعوى لأي سبب، فله أن يتنحى عن نظر النزاع .
فإذا كان تنحيه وفقاً لما ذكر من أسباب فإنها تكون بلا شك أسباباً جدية للتنحي .
وفي هذا المعنى تنص الفقرة الثانية من المادة ۱۷۸ مرافعات على أنه إذا تنحى المحكم - بغير سبب جدي - عن القيام بعمله بعد قبوله التحكيم جاز الحكم عليه بالتعويضات.
ويتضح من ذلك أن التنحي بغير سبب جدي يكون بعد قبول المحكم للتحكيم، مما يعني أنه لا يشترط أن يكون التحكيم قد بدأ فعلا، فإذا اعتذر المحكم بعد قبوله، وسبب بذلك ضرراً لأطراف الخصومة جاز الحكم عليه بتعويضهم عن ذلك الضرر.
كما يتضح أن التنحي يجب أن يكون لسبب جدي كما لو أصابه مرض يمنعه عن العمل أو ظهرت أسباب تمنعه من البدء في التحكيم كانت خفية عند قبوله للتحكيم أو استجدت بعد البدء بالتحكيم أو قام به سبب من أسباب الرد أو استشعر الحرج من نظر النزاع لأي سبب وذلك قياساً على النصوص التي تطبق على القضاة وعلى النحو الذي أشرنا إليه آنفاً .