الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / تعيين المحكمين بواسطة هيئات ومنظمات التحكيم الدائمة / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 28 / تشكيل هيئة التحكيم وفق قانون التحكيم السوري رقم /4/ لعام 2008 والمقارن

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 28
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    149

التفاصيل طباعة نسخ

   نصت المادة /12/ من قانون التحكيم الجديد :

   1- تشكل هيئة التحكيم باتفاق طرفي التحكيم من محكم واحد أو أكثر، فإذا لم يتفقا كان عدد المحكمين ثلاثة.

   2- إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وترا، وإلا كان التحكيم باطلاً.

   المحكم (Arbitre): هو شخص يتمتع بثقة خصوم أولوه عناية الفصل في خصومة قائمـة بينهم، ووجوب أن يكون عند تعددهم وترا، تخلصاً من ضرورة الالتجاء فيما بعد إلـى مـرجح والاختلاف على تعيينه.

أولاً- تشكيل هيئة التحكيم الاختياري:

    ويقصد بتكوين هيئة التحكيم La constitution du tribunal arbitral عـدد المحكمـين الذين تتكون منهم محكمة التحكيم. وتشكل هيئة التحكيم من محكم واحد أو ثلاثـة، ذلـك طبقـاً لاعتبارات يقدرها أطراف النزاع، وفي هذا المجال يبرز الطابع التعاقدي لاتفاق التحكيم معطيـاً الأطراف كامل الحرية في تحديد عدد المحكمين الذين تتشكل منهم هيئة التحكيم، ويلاحـظ أن القوانين الوطنية التحكيمية ولوائح مراكز التحكيم الدائمة والمعاهدات تكرس مبدأ سيادة سـلطان الإرادة فيما يتعلق باختيار المحكمين". فالمبدأ الأساسي في تشكيل هيئة التحكيم هو الرجوع إلـى إرادة الأطراف، وهم أيضاً ينظمون ما تخضع له من أحكام.

   وقد أخذت اتفاقية نيويورك سنة 1958 الخاصة بالاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها بهـذا المبدأ، حيث نصت في المادة 1/5 على أن يرفض طلب الاعتراف بحكم التحكـيم الأجنبـي أو تنفيذه..... "وإذا لم يكن تشكيل هيئة التحكيم (المحكمة) مطابقاً لاتفاق الطرفين أو عند عدم الاتفاق لم يكن مطابقا لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم".

أولاً- وقت تكوين هيئة التحكيم:

   السؤال الرئيسي الذي يطرح: هل يلزم الاتفاق على تشكيل هيئة التحكيم وقت الاتفاق علـ مبدأ اللجوء إلى التحكيم، أم أنه من الممكن الاتفاق على تشكيل هيئة التحكيم في وقت لاحق بعـد إثارة النزاع بين الأطراف؟ وهل يجب أن يتضمن الاتفاق تعيين أسماء المحكمين؟

   الإجابة عن ذلك ترد في المادة /12/ من قانون التحكيم السوري، كما أن المشرع وضـع الضوابط في حال عدم الاتفاق بين الخصوم، كما يستخلص من مضمون هذه المـادة أنـه مـن الممكن أن يخلو اتفاق التحكيم من تعيين أسماء المحكمين في العلاقات الدولية الخاصـة. وكـان توجه المشرع السوري موفقاً لهذه الناحية، وذلك حتى لا يكون في امتناع أحد الأطراف عن هذا التعيين مجرد ذريعة للتنصل من نظام التحكيم الذي التزمه منذ البداية.

   وتجدر الإشارة إلى أن المادة الثانية من اتفاقية نيويورك لعام 1958، والتي تصدت لتعريف اتفاق التحكيم، لم تشر إلى ما يستوجب تضمنه لأسماء المحكمين، ومن ثم فلم يعد تعيين أسـماء هؤلاء متطلباً لسلامة الاتفاق أو صحته في مجال العلاقات الدولية.

   والواقع أن اتفاقية نيويورك لعام 1958 تمثل نوعاً من النظام العام الـدولي السائد بحكـم انضمام غالبية أعضاء الجماعة الدولية لقواعدها الموضوعية الموحدة، ومن ثـم، فإنـه يمكـن الاستناد إلى نص المادة الثانية من هذه الاتفاقية (والتي صارت جزءاً لا يتجزأ من النظام القانوني السوري باعتبار أن سورية منضمة إلى هذه الاتفاقية خلال فترة الوحدة مع مصر) التي لم تـشـر إلى ضرورة أن يتضمن اتفاق التحكيم أسماء المحكمين. فالقاعدة الواردة في هذه المادة تحكم كافة اتفاقيات التحكيم الدولية الخاصة بما تضمنه من قواعد موضوعية موحدة يطبقها القاضي السوري إذا طرح عليه الأمر، كما يحدث أمام القاضي الفرنسي أو القضاء الأجنبي لأي دولة أخرى مـن الدول التي انضمت إلى اتفاقية نيويورك، وهذا ما يتفق مع الفقرة /1/ من المادة الثانية من قانون التحكيم السوري الجديد، وذلك حول عدم الإخلال بالاتفاقيات الدولية المعمول بها في الجمهورية العربية السورية.

ثانياً- أسس الاختيار الإتفاقي لهيئة التحكيم:

   إن الأصل أن هيئة التحكيم يتم اختيارها وفق إرادة أطراف النزاع، وذلك وفق المادة 1/12 من قانون التحكيم السوري رقم /4/ لعام 2008، وبالتالي فإن ما يتم الاتفاق عليه في هذا المجال يكون واجب الاحترام، إعمالاً لمبدأ الثقة باعتباره أحد الأسس التي يستند إليها التحكيم. وإذا كـان التحكيم يتم في إطار مركز تحكيم أو مؤسسة تحكيم، فقد يحدث أن يخـضع اختيـار الأطـراف للمحكمين لرقابة وإشراف، ومثال ذلك التحكيم الذي يتم في إطار غرفة التجـارة الدوليـة فـي باريس، إذ أنه وفقاً لقواعد محكمة التحكيم لغرفة التجارة الدولية ICC، فـإن هـذه المحكمـة لا تفصل في النزاع بنفسها، وإنما تشرف على التحكيم وتراقب إجراءاته (م2).

   فإذا اتفق الطرفان على أن يفصل في النزاع محكم واحد فلهما تعيينه باتفاق يعـرض علـى الهيئة لإقراره. وإذا كان الاتفاق على تعيين ثلاثة محكمين، قام كل من الطرفين في طلب التحكيم وفي الرد عليه بتعيين محكم مستقل لإقراره من المحكمة. وتتولى المحكمة تعيين المحكم الثالـث الذي تعهد إليه رئاسة هيئة التحكيم ما لم يكن الطرفان قد خولا المحكمين المعينين منهما اختيـار المحكم الثالث خلال مدة محددة. وفي هذه الحالة تتولى المحكمة إقرار تعيين المحكم الثالث.

مدى سلطة الوكيل في اختيار المحكم:

  إن الوكيل إذا كان مفوضاً بالتحكيم، يجوز له المشاركة في اختيار هيئة التحكيم.

  أما إذا فوض الخصوم وكيلاً عنهم في اختيار المحكمين فلا يجوز لهذا الوكيل تفويض غيره هذا الاختيار، وإلا يبطل الحكم الصادر بعد ذلك.

    والأصل أنه في الأحوال التي يجيز فيها القانون لطرفي التحكيم اختيار الإجـراء الواجـب الإتباع في مسألة معينة، وتضمن ذلـك حقهمـاف التـرخيص للغيـر فـي اختيـار هـذا الإجراء، ويعتبر من الغير في هذا الشأن كل منظمة أو مركز للتحكيم في الجمهوريـة العربيـة السورية أو خارجها.

   وهناك حالات استثنائية يجري فيها تعيين المحكمين بصفتهم، ولكن يشترط أن تكون الصفة قاطعة في الدلالة على شخص المحكم مثل عميد كلية الهندسة بجامعة دمشق.

    أما إذا ذكر الاتفاق صفة معينة للمحكمين يمكن أن تتوافر في أكثر من شخص، فإن التعيين يكون باطلاً لعدم تعيين أشخاص المحكمين في اتفاق التحكيم. وإذا اختير شخص مـا بوظيفتـه محكماً كعميد كلية الحقوق بجامعة دمشق، وكان المنصب شاغرا عند طلب التحكيم تولى التحكيم من يشغل الوظيفة بعد ذلك.

   وحرية الأطراف في اختيار أو تشكيل هيئة التحكيم ورد النص عليها في غالبية المعاهـدات الدولية المتعلقة بالتحكيم وقوانين التحكيم الوطنية ولوائح مراكز التحكيم والعقود النموذجية، بحيث لا تعدو الطريقة الثانية في تكوين هيئة التحكيم، إلا بمثابة تكملة للاختيار الحر للأطراف أو سـداً لنقص أو جزاء لإهمال أو إغفال على تعيين المحكمين من قبل الأطراف.

   وفقاً للمادة الرابعة من الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجاري الـدولي لعـام 1961، تتـرك الحرية كاملة لاتفاق الأطراف على تعيين المحكمين أو لتحديد طريقة تعيينهم.

    والمادة 2/37/أ من اتفاقية واشنطن الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول ورعايا دول أخرى تنص على أنه "تتكون- المحكمة- من محكم واحد أو عدد فردي مـن الحكام الذين يعينون باتفاق الطرفين".

   والمادة 1/15 من اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري، التي أقرها مجلس وزراء العـدل العرب في دورته الخامسة في 1987/4/14، تنص على أنه "تتألف هيئة التحكـيـم مـن ثـلاثـة أعضاء ويجوز للطرفين الاتفاق على محكم واحد".

    وكذلك المادة 2/2 من الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية لسنة 1980، وقد أقر القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي بصيغته التي اعتمدتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي في 1985/6/21 حرية الأطراف في تحديـد عـدد المحكمـين (1/103) كما أن للطرفين حرية الاتفاق على الإجراء الواجب إتباعه في ذلك (2/113) وكـذلك قواعد التحكيم التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي عام 19765 "يونسترال".

ثالثاً- طبيعة الاتفاق على اختيار المحكمين:

    لا شك في أن التحكيم يجد مصدره في اتفاق الأطراف عليه، وإقرار القانون لهـذه الإرادة، وبمجرد ممارسة المحكم سلطته التي يستمدها من اتفاق الأطراف- فإنه يعمل مستقلاً عن إرادة الخصوم بهدف تطبيق القانون على النزاع موضوع التحكيم، ويتميز هذا العمل بطبيعة ذاتية. وقد ذهب البعض إلى القول بأن هيئة التحكيم هي هيئة قضائية خاصة، واعتنق البعض الآخر فكرة أن هيئة التحكيم هي هيئة قضائية شبيهة بالمحـاكم، ورأى البعض أنهـا هيئـة ذات اختـصاص قضائي.

   وإننا نؤيد الرأي الأخير، لأن هذه الهيئة تعتبر ذات اختصاص قضائي مستقل فهي ليـست من الهيئات التي تتشكل منها جهة القضاء العادي، وقد ارتضاها الطرفان للفصل فيما يتأزم بينهما من منازعات بخصوص عقد معين أبرماه. لذلك، ونظراً لما تتمتع به هيئة التحكيم الاختياري من طبيعة الهيئة ذات الاختصاص القضائي، فهذه الطبيعة كانت انعكاساً كبيراً علـى طبيعـة عمـل الهيئة، فجعلته موصوفاً بالقضائي.

   وقد تواترت أحكام القضاء الفرنسي على ضرورة احترام مبدأ التعيين الاتفاقي للمحكمـين. وقد أقرت محكمة النقض الفرنسية صراحة الطبيعة الاستشارية الاتفاقية لتعيين المحكمين، حيـث أوضحت محكمة النقض أن تعيين كل محكم ليس عملاً فردياً حتى، ولو تم بمبادرة من قبل أحـد الأطراف، ولكن على العكس، فإن هذا التعيين هو عنصر جوهري من اتفاق التحكيم ويتم بإرادة مشتركة من الطرفين. والواقع، فإن ذلك لا يتضح في المرحلة الأولى، ولكن بعد تشكيل الهيئـة تظهر بوضوح حقيقة عملية اختيار المحكم، حيث أن الاتجاه السائد في القانون المقارن يـرفض السماح بعزل المحكم، إلا باتفاق مشترك بين الطرفين. وقد أخذ بهذا الحكم القانون السوري، وفق المادة /20/ منه، والتي جاء فيها أنه لا يجوز عزل المحكم أو المحكمين، إلا باتفـاق الخـصوم جميعاً.

   أما ما يتعلق بوجوب أن يكون عدد المحكمين عند تعددهم وتراً، وفق الفقـرة الثانيـة مـن المادة /12/ فإن ذلك للتخلص من ضرورة الالتجاء فيما بعد إلـى مـرجح والاخـتلاف علـى تعيينه.

رابعاً- صلاحية هيئة التحكيم لبت الأعمال المتصلة باختصاصها:

  نصت المادة /21/ على التالي:

  1- تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو بعدم شموله موضوع النزاع.

  2- يجب تقديم الدفع المتعلق بعدم شمول اتفاق التحكيم لما يثيره الطرف الآخر من مـشاكل أثناء نظر النزاع فورا، وإلا سقط الحق فيه.

  3- لا يترتب على قيام أحد طرفي التحكيم بتعيين محكم أو اشتراكه في تعيينه سقوط حقـه في تقديم أي دفع من الدفوع المشار إليها في الفقرة الأولى.

  4- أ- لهيئة التحكيم أن تفصل في الدفوع المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية من هذه المادة باعتبارها مسألة أولية، أو تقرر ضمها إلى الموضوع لتفصل فيهمـا معـاً قرار الهيئة مبرم في الحالتين.

    ب- يجوز لمن رفضت دفوعه المذكورة أن يتمسك بها عن طريق رفع دعوى بطـلان حكم التحكيم، وفقاً للمادة (51) من هذا القانون.

    تعريف الاختصاص: يعرفه الدكتور أحمد أبو الوفا بأنه سلطة الحكم بمقتضى القانون فـي خصومة معينة، وعدم الاختصاص هو فقدان السلطة.

خامساً- تأصيل مبدأ صلاحية هيئة التحكيم للنظر في النزاعات المتعلقة بالأعمال المتصلة باختصاصها:

   لا شك في أن التوجه المعاصر للتحكيم يتمثل في منح المحكم سلطة الفصل في المنازعـات المتصلة بأصل سلطته (اختصاصه) وبنطاق هذه السلطة، وبعبارة أخرى، فإن هيئة التحكيم هـي المختصة ببت كافة أنواع الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها.

    وفي الواقع العملي، كثيراً ما نجد أن يتمسك أحد الأطراف بالدفع بعدم اختصاص هيئـة التحكيم أو بانعدام ولايتها، على أساس بطلان العقد الأصلي مع ما يستتبعه من عـدم صـحة اتفاق التحكيم ابتداء أو بسقوط اتفاق التحكيم وزوال أثره نتيجة لإلغاء العقد الأصلي أو فسخه. وبالتأكيد، فإن القول بارتباط اتفاق التحكيم وجوداً وعدماً بالعقد الذي يتضمنه، يترتب عليه عدم إمكانية السير في إجراءات التحكيم حتى يفصل القضاء الوطني فـي المنازعـات المتـصلة باختصاص هيئة التحكيم أو بانعدام ولايتها، مما يؤدي بالمحصلة إلى إطالة أمد النزاع. وعلى العكس من ذلك، فالأخذ بمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي الذي يتضمنه يؤدي إلى عدم تأثر اتفاق التحكيم بمصير العقد الأصلي، بحيث يعتبر التحكيم ملزماً ومرتباً لآثاره، مـن حيث عدم اختصاص القضاء الوطني. وبالتالي تختص هيئة التحكيم بولايتهـا ومـدى هـذه الولاية.

سادساً- تأصيل الاتجاه المعاصر في قانون التحكيم السوري الجديد:

   لقد حسم المشرع السوري الخلاف في مسألة أثارت بعض الخلافات في الفقه، وهي مـدى سلطة المحكم في حسم النزاعات المتعلقة باختصاصه، مؤصلاً بـذلك مبـدأ صـلاحية المحكـم للنظر في النزاعات المتعلقة بالأعمال المتصلة باختـصاصه، أو مـا يـسمى الاختـصاص بالاختصاص، وهو ما أخذت به التشريعات الحديثة من قبل بهدف تبسيط إجـراءات التحكـيم والاقتصاد بالوقت وإزالة العقبات التي تفترض بدء التحكيم والسير فيه. وهذا المبدأ مـن أبـرز المبادئ التي احتواها قانون التحكيم الجديد من خلال ما ورد في نص المادة /21/ والتي تتصف بالسمات التالية:

 1)- منح المشرع السوري صراحة هيئة التحكيم سلطة الفصل في الدفوع الخاصـة بعـد اختصاصها، فيكون لهيئة التحكيم دون غيرها ولاية الفصل في جميع الادعاءات التـي تتناول أساس اختصاصها ونطاقه.

ووفق هذه القاعدة، فإنه إذا تأزمت منازعة حول نطاق سلطة المحكمين، والذي يتحدد بالادعاءات المتبادلة للخصوم، فإنهم هم الذين يفصلون في هذه المنازعـة طـالمـا أن قضاء الدولة لم يقبل نظر الدعوى بكل ما يتعلق بهذه المنازعة بمجرد إبـرام اتفـاق التحكيم. وتطبيقاً لذلك إذا أثار الخصوم أمام المحكم بداءة في نطاق سلطة المحك القضائية، فإن المحكم هو الذي يفصل في المنازعة المتعلقة بصحة أو حـدود مهمتـه (المادة 1/21 من هذا القانون). والمشرع السوري لم يكتـف بحـسم مسألة نطـاق الاختصاص، ولكنه حسم أيضاً مسألة المنازعات المتعلقة بأصل ومصدر سلطة المحكم والمسند إلى المحكم مسألة الفصل فيها كقاعدة أيضاً.

فلهيئة التحكيم نظر النزاع، ولو كان أحد أطراف العلاقة ينازع في اختصاصها علـى أساس التمسك ببطلان اتفاق التحكيم بطلاناً مطلقاً أو عدم وجوده ابتداء أو سقوطه لأي سبب كاتفاق الطرفين لاحقاً على إلغاء شرط التحكيم من عقدهما الأصلي، أو إذا أثـار أحد الخصوم عيباً في الرضا، أو بطلانه إذا كان موضوع النزاع لا يجوز فيه التحكيم، أو مخالفته النظام العام، أو عدم شموله موضوع النزاع، وفقاً لأحكام القانون السوري الواجب التطبيق باعتبارها مسائل أولية دون رقابة عليها في ذلك من المحاكم العاديـة (المادة 2/1/21 من هذا القانون).

2) - يحرص المشرع على حق الأطراف في هذا الدفع رغم سبق تعيين الأطـراف لـنفس المحكم أو بالاشتراك في تعيينه، فهذا الإجراء لا يسقط حقهم في توجيـه هـذا الـدفع الجوهري (المادة 3/21 من هذا القانون).

3) - يوجب المشرع توجيه الدفع بعدم شمول اتفاق التحكيم لما يثيره الطرف الآخـر مـن مسائل أثناء نظر النزاع فوراً، وإلا سقط الحق فيه (المادة 2/21).

4) - لهيئة التحكيم أن تفصل في الدفوع المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية مـن هـذه المادة باعتبارها مسألة أولية، أو تقرر ضمها إلى الموضوع لتفصل فيهما معاً. وقرار الهيئة في كلتا الحالتين يكون مبرماً (م4/21/أ).

5) - إن المشرع السوري أتاح لمن لم تقبل دفوعه الواردة في هذه المادة أن يتمسك بها عن طريق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، وفقاً للمادة /51/ من هذا القانون (م4/21/ب).

موقف المشرع الفرنسي من هذه المسألة:

   تبنى المشرع الفرنسي الاتجاه الذي تزعمته محكمة استئناف باريس، والذي يسمح للمحكـم الفصل بصحة أو بطلان الاتفاق شريطة أن تكون محكمة التحكيم قد بدأت نظر النزاع.

   أما إذا لم يكن النزاع قد بدأ، فإن قضاء الدولة لا يختص بهذه المسألة، إلا إذا كـان اتفـاق التحكيم ظاهر البطلان، وهذا ما أكدته المادة (2/1458) مرافعات فرنسي، ويجـب أن يتمـسك بالبطلان الظاهر صاحب المصلحة.

   مما تقدم نجد أن المحكم يختص بالفصل في صحة أو بطلان اتفـاق التحكـيم، إذا كانـت خصومة التحكيم قد بدأت. فإذا قضت هيئة التحكيم برفض الطعن بعدم اختصاصها، فـلا يـجـوز التمسك به إلا عن طريق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم المنهي للخصومة كلها (مادة 4/21/ب من قانون التحكيم)، كما أن قضاء الدولة يختص بالفصل في مسألة صحة اتفاق أو بطلان اتفـاق التحكيم قبل أن يبدأ النزاع شريطة أن يكون الاتفاق ظاهر البطلان.

سابعاً- سلطات المحكم:

   يستمد المحكم سلطته من إرادة الأطراف المثبتة باتفاق التحكيم، وإن هذا الاتفاق هو قانونـه الأول الذي يتعين عليه التقيد بما منح فيه من سلطة في ضوء النصوص القانونية الأخرى التـي وردت حصراً في هذا الشأن، نظراً لطبيعة التحكيم ولكونه يـشكل مؤسـسـة اسـتثنائية لفـصل النزاع".

   بالتالي، فإن سلطة المحكم تنحصر بالفصل فيما يعرض عليه من نزاع بموجب اتفاق التحكيم وبين أطرافه فقط، وليس له أن يتعدى ذلك إلى نزاعات أخرى بين الخصوم أو إلـى أشـخاص آخرين غير أطراف النزاع المتفقين على التحكيم، حتى لو كان لهؤلاء علاقة وثيقة بموضـوع النزاع المحال على التحكيم. فعلى المحكم إذا أن يتقيد بحرفية اتفـاق التحكـيم سـواء بالنـسبة لموضوع النزاع المطروح عليه أم بالنسبة لأطراف التحكيم.

   ولا يملك المحكم السلطة في تفسير عقد التحكيم، وإنما يعود أمـر تفسير المقصود منـه والتعرف إلى نية الطرفين المشتركة في العقد إلى محكمة الموضوع، كما لا يملك المحكم إلقـاء الحجز الاحتياطي. ومع ذلك، فإنه يتعين على المحكم أن يتعرف من اتفاق التحكـيم إلـى مـدى الصلاحيات الممنوحة له بموجبه. أي هل محكم بالصلح أم بالقضاء؟ وأن يتبين كـذلك الموعـد المحدد له لإصدار الحكم.. إلى غير ذلك من الأمور التي لا بد من التعرف إليها قبـل مباشـرته المهمة، كأن يتحقق أيضاً من نطاق النزاع المطروح عليه من حيث موضوعه وسببه وأطرافـه. وبعد عقد الجلسات عليه أن يتحقق من صحة الخصومة أمامه، كما يتعين عليه أيضاً قبل مباشرة المهمة التحكيمية أن يتحقق من أن موضوع النزاع ليس من المواضيع التي لا يجوز فيها التحكيم، ومن أنه لا يتصل بالنظام العام .

   وكما سبق ونوهنا، فإن على المحكم أن يتقيد بالأصول والقانون والمواعيـد المتبعـة أمـام المحاكم ولا يملك التحلل منها، إلا إذا أعفي منها صراحة، أو كان محكماً بالصلح (المـادة4/38 من قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008) ومع ذلك، فإنه لا يملك سلطة التقيد بنص المادة /42/ من قانون التحكيم، والتي تحدد الشكل والبيانات التي يجب أن تتوافر في الحكم. ولا يملـك المحك الحكم في النزاع، إلا على أساس ما يقدمه له الخصوم من بيانات ومستندات في الميعاد المحـدد لذلك (المادة 1/42 من قانون التحكيم).

   كما أنه ليس للمحكم أن يعين له في الحكم (محكم آخر) ولا حتى بموافقة الخصوم، لأن في ذلك مخالفة لشرط وترية المحكمين، حيث لا يختلف المساعد عن المحكم في مثل هذه الحال، إلا أن له أن يعين لنفسه كاتباً يساعده في كتابة الضبط والأحكام.

   وكذلك، فإن المحكم ليس له إلا الحكم بالمسائل المدنية البحتة ومسائل التعويض عن الحقوق الشخصية فقط في الدعاوى الجزائية. وبالتالي، فهو ليس له سلطة الحكم بالعقوبات الجزائية مهما كان مستواها، أو التحقيق في مسألة جزائية تعرض له أثناء التحكيم، كأن يطعن أمامـه بتزويـر ورقة مثلاً، حيث تشكل مثل هذه الحالة بالنسبة إليه مسألة أولية تخرج عن ولايته، بما يتعين عليه والحالة هذه أن يوقف عمله، ويقف بذلك الميعاد المضروب للحكم إلى أن يصدر حكم نهائي هذه المسألة الأولية (المادة /40/ من قانون التحكيم)، وليس للمحكم أيضاً الحكم على من يتخلـف من الشهود عن الحضور أو من يمتنع منهم عن الإجابة بالجزاء، كما لـيـس لـه سـلطة اتخـاذ القرارات التي تتعلق بالإنابات القضائية، ولا بد له في مثل هذه الأحوال أن يرجع بـالأمر إلـى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع لإجرائها (المادة /34/ من قانون التحكيم) وليس للمحكم أن يقضي من تلقاء ذاته بأمتداد الموعد المحدد للحكم، إلا بموافقة الخصوم جميعاً، فقد نصت المـادة 1/37 أنه على هيئة التحكيم إصدار الحكم الفاصل في النزاع خلال المـدة التـي اتفـق عليهـا الطرفان، فإذا لم يوجد اتفاق، وجب أن يصدر الحكم خلال مدة /180/ يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة لهيئة التحكيم.

   وجاء في الفقرة الثانية من هذه المادة، أنه يجوز لهيئة التحكيم، إذا تعذر عليها الفصل فـي النزاع ضمن الآجال المذكورة في الفقرة السابقة، من أجل التحكيم لمدة لا تزيد على /90/ يومـاً ولمرة واحدة.

   أما فيما يتعلق بما يمكن أن يثار بين الخصوم على صفة المحكم وأهليته ومدى نطاق سلطته في الحكم، وفيما إذا كانت له سلطة الحكم في موضوع النزاع أم لا، فإن المحكم لا يستطيع أن يحكم بذلك ولا بد من الرجوع في هذا الشأن إلى المحكمة المختصة أصلاً نظر النـزاع لتقريـر ذلك .

   وبعد أن يصدر المحكم حكمه ويعطى هذا الحكم صيغة التنفيذ يصبح كأحكـام المحـاكم، ويمتنع على المحكم أن يصدر قراراً بإيضاحه أو تفسيره أو الرجوع عنه، ولا يجوز الطعن فـي صحة ما ورد فيه إلا بالتزوير، وكذلك إذا أودع الحكم ديوان المحكمة المختصة أصـلاً بنظـر الدعوى. وضمن هذا الإطار، فإنه لا يسوغ خلط تجاوز السلطة في الحكـم وبالاختـصاص. فولاية المحكم وتطبيق القانون في نزاع معيّن تختلف عن الاختصاص الذي هو توزيـع سـلطة الحكم بين أجهزة السلطة القضائية. وهذا التوزيع غير قابل للتطبيـق فـي مـادة التحكـيم، لأن المحكمين معينون بإرادة أطراف النزاع في المعيار الذي يقبل فيه هؤلاء تولي المهمة. وذلك مـا تظهره بدقة بعض القرارات القضائية الفرنسية وما درج عليه القضاء في سورية، حيـث تقـرر بعض الأحكام القديمة أنه لا يوجد في مادة التحكيم قاعـدة اختـصاص ينبغـي مراعاتهـا، لأن المحكمين الذين يستمدون سلطاتهم بالحكم من إرادة الخصوم فقـط، ولـيس مـن القـانون، ولا يتوزعونها مع غيرهم، لا بالنسبة لمادة الموضوع، ولا بالنسبة للسلطة الإقليمية، وكل ما يتوجب من أجل تحديد سلطات المحكمين، إنما هو استظهار إرادة الأطراف والرجـوع إلـى مـشارطة التحكيم أو شروطه.

   ولا بد من الإشارة إلى أنه يعود للمحكمين، وليس للقضاء، تقرير مـا إذا كانـت الـدعوى المقدمة إليهم تدخل ضمن سلطتهم أم لا، وأن يحددوا طبيعة سلطاتهم. وفي هذه الشروط ينبغـي تفسير العبارة الدارجة، وإنما غير الدقيقة، التي بموجبها يكون للمحكمين تقرير ذلك قبل الحكم في الأساس.

   ولكنه إذا ثار خلاف بين الخصوم حول التحكيم من ناحية صحته أو جوازه أو نطاقه أو أمر – بوجه عام– يتصل بسلطة أو مداها في الحكم، فإنه لا يملك بته، بل يمتنع على الفور عـن نظر هذا النزاع الذي يختص به القضاء العادي، وهذا ما أشار إليه قرار محكمـة الـنقض فـي سورية: (عقد التحكيم عقد يعود إلى المحكمة تفسير المقصود منه بتعرفها نية الطرفين المشتركين في المشارطة دون التوقف عند المعنى الحرفي للألفاظ، وفق ما هو مستفاد من المادة /151/ فقرة (2) مدني). وهو أيضاً ما أشار إليه قرار آخر لمحكمة النقض السورية، والذي جاءت خلاصته كما يلي: (إن القضاء مظهر من مظاهر سيادة الدولة، وإذا كانت الدولة تجيز التحكيم تيسيراً على الخصوم، فإن هذا لا ينزع من القضاء اختصاصه في التحقق من سلامة التحكيم أو انقـضائه أو زواله أو الرجوع عنه... ولو كان المحكم مفوضاً بالصلح، فإن التحكيم يزول بالوفاة أو الامتناع عن العمل أو التنحي ويكون رجوع المحتكم إلى القضاء صحيحاً، وما تتبينه محكمة الموضـوع في هذا الصدد لا معقب عليه).

   إذا بالنسبة إلى المحكم، يقال أن له سلطة الفصل في النزاع. أو أن هذه السلطة منتفيـة، أو أنه جاوزها أو لم يجاوزها، وهو على أي حال لا يملك إلا الفصل في الموضوع فقط بعد تحديـد نطاق سلطته في الحكم حتى لا يجاوزها فيبطل حكمه. والواقع أنه من العبث التمسك بمبدأ أن كل محكمة هي قاضي اختصاص، وأن هذه القاعدة قابلة للتطبيق على المحكمين.

   فالتحكيم يشكل قضاء استثنائياً يتعلق وجوده بإرادة الخصوم، وإذا كانت هـذه الإرادة غيـر موجودة أو معيبة، فإنه لا يوجد قضاء تحكيمي، وفي هذا ينبغي من حيث النتيجة القول بأن حـل هذه الصعوبات، إنما يعود إلى القضاء العادي .

    والواقع أن تحقيق التوازن بين استقلال التحكيم، وتدخل قضاء الدولة ليس بالأمر السهل، حيث أن مشكلة التحكيم تكمن في مدى استقلاله أو تبعته لقضاء الدولة، فرقابـة المحـاكم علـى التحكيم تتراوح بين الاتساع والضيق حسب نظام كل دولة. والرقابة على أعمال المحكمـيـن قـ تكون سابقة على صدور الحكم النهائي، وتكون هذه الرقابة لاحقة على صدور الحكم، وذلك عن طريق الطعن فيه- وهنا نكون بصدد رقابة حقيقية- أثناء تنفيذ الحكم.

أ- الرقابة السابقة على صدور الحكم النهائي:

    تتفق غالبية التشريعات ولوائح التحكيم على أنه ليس هنـاك مـا يمنـع مـن أن يـصـدر المحكمون قرارات متعددة في نزاع قبل الفصل في الموضوع، فقد يكون الحكم فأصلا في بعض الطلبات، أو حكم بعدم الاختصاص، أو أن تصدر القرارات عن الهيئـات والمراكـز المنظمـة للتحكيم.

ب- الرقابة اللاحقة على الحكم:

   وهي تتم من خلال مرحلتين:

   الأولى: الطعن في الحكم: فالتحكيم باعتباره عدالة خاصة لا يتواءم بسهولة مع طرق الطعن تهدف إلى إعادة فحص النزاع وإحلال حكم القاضي محل المحكم، فرقابة القـضاء تقتـصر على رقابة المشروعية والصحة، أي أنها تنصب فقط على رقابة الطريق الذي تم به إنفاذ المحكم قراره وليس عما تم تقريره أو الفصل فيه.

   أما المرحلة الثانية فهي أثناء تنفيذ الحكم: فالقاضي عليه أن يرفض الأمر بالتنفيذ إذا كـان الحكم المطلوب تنفيذه لا يعد حكم محكمين، كتقرير الخبير أو مجرد إبداء رأي، كمـا ألا ينطوي الحكم على اعتداء صارخ على النظام العام، والمخالفة الصارخة يمكن أن تستشف مـن البطلان الظاهر لاتفاق التحكيم.

     مما تقدم نرى أن التحكيم غير القضاء، فهو عدالة موازية لعدالة الدولة، وعلى قاضي الدولة أن يعاون المحكم من أجل ازدهار العدالة التحكيمية، وأن تقتصر رقابته كقاضي تحكيم، لا قاضي موضوع، على أن يكون المحكم لم يخالف ولم يخرق المبادئ الأساسية للتقاضي .