أن الأطراف لهم مطلق الحرية في اختيار هيئة التحكيم - طالما يراعوا القواعد الأمرة فى هذا الشأن - وتحديد كل خصم للمحكم الذي يرتضيه فى هيئة التحكيم وحرية الأطراف هذه تصدق حينما يكون التحكيم غیر مؤسسى أى لا يتم وفقاً لقواعد مؤسسة تحكيم معينة. أما إذا اتفق الأطراف على الخضوع للتحكيم المؤسسى واتفقوا على أن يسير التحكيم خلال جميع مراحلة وفقاً لأحكام لوائح مؤسسة تحكيم معينه دون أن ينفقوا على تكوين هيئة التحكــيم فإن ذلك يعد تفويضاً لتلك المؤسسة فى اختيار هيئة التحكيم نيابة عن الخصوم.
وعلى هذا يمكن للخصوم تفويض الغير فى اختيار المحكمين سواء كان المفوض شخصاً طبيعياً أو اعتباريا قد يكون تفويضا صريحا أو تفويضا ضمنياً.
ومثال هذا الأخير الاتفاق على التحكيم بواسطة هيئة امعينة ووفقا لنظام ولوائح هذه الأخيرة فيتم اختيار المحكم وفقاً لهذه اللوائح إذا كانت تنظم اختيار المحكمين أو تحدد وسيلة اختياره. وهنا يكون الخصوم قد انفقوا ضمنا على تعيين المحكـم حسب قواعد هذه الهيئة. وعند رفض المحكم المختار من قبل هذه الهيئة مباشرة مهمة التحكيم، أو قام مانع يحول دون قيامه بذلك فإنه يجب إعمال قواعد الهيئة فيما يتعلق باختيار من يحل محله. وبناء على كل ما تقدم فإذا كان تعيين المحكـــم يتم بالإرادة المباشرة لأطراف الاتفاق على التحكيم فلا يشترط لصحة هذا الاتفاق أن يرد التعيين في صلبه وإنما يمكن وروده فى اتفاق لاحق مستقل عن اتفاق التحكيم كما سبق القول وأياً كان شكل التحكيم مشارطة أو شرط.
فالاتجاه السائد لدى مراكز التحكيم الدائمة هو السماح للأطراف بحرية اختيار وتكوين هيئة التحكيم. ولكن إذا اتفق الأطراف على اللجوء إلى المركز دون الاتفاق على تكوين هيئة التحكيم فإن هذا الاتفاق يفسر على أنه يعنى تفويض مركز التحكيم في تعيين المحكمين وفقا للإجراءات المنصوص عليها في لائحة المركز. وإذا تعذر الاتفاق بين الأفراد بسبب الاختلاف في وجهات النظر أو امتناع أحدهم أو إهماله في تعيين محكم فإن دور مركز التحكيم في هذه الحالات يظهر كدور مكمل أو احتياطي لسد النقص الذي يتركه الأطراف.
وقد حرصت القواعد التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي على محاولة تفادى مثل هذه الانتقادات وذلك بابتداع نظام يجعل للأطراف دور أكبر فى اختيار المحكم الثالث رئيس هيئة التحكيم سواء مباشرة بأنفسهم أو بطريق غير مباشر باتفاقهم على إسناد تلك المهمة إلى سلطة تعيين يختارونها. كما عالجت فى الوقت نفسه الفرض الذى يكون الأطراف قد أغفلوا فيه تعيين الجهة التي تتولى نيابة عنهم تسمية المحكمين حيث جعلت المادة السادسة منها تحديد "سلطة التعيين من صلاحيات الأمانة العامة لمحكمة التحكيم الدولية الدائمة فى لاهای .
كما جعلت هذه المادة المذكورة لهيئة التعيين ترشيح ثلاثة أسماء من بين الأسماء الواردة بالقائمة المعتمدة لدى المحكمة. يتم لابلاغها لأطراف النزاع ليقوم كل طرف خلال الخمسة عشر يوماً التالية بتسجيل ما قد تكون لديه من اعتراضات على الأسماء المقترحة. وفى ضوء ملاحظات الأطراف تقوم سلطة التعيين بالاختيار. فإذا تعذر التوصل إلى شخص مقبول من الطرفين كمحكـ مرجح كان لسلطة التعيين أن تختار بنفسها شرطة مراعاة اعتبارات تضمن استقلالية وحيدة المحكم وعدم انتمائه إلى جنسية أى من أطراف النزاع.
وقد جاء قانون التحكيم المصرى الجديد مؤيدا لذلك حيث نجد هذا المعنى واضحاً في نص المادة السادسة منه والتي تنص على أنه إذا اتفق طرفا التحكيم على اخضاع العلاقة القانونية بينهما لأحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو أى وثيقة أخرى. وجب العمل بأحكام هذه الوثيقة بما تشمله من أحكام خاصة بالتحكيم).
يتضح من ذلك أن الدور الذى تلعبه مراكز التحكيم في هذا المجال يكون في الواقع العملى دورا يتعدى مجرد المساعدة أو النقص إلى حق أصيل لهذه المراكز أو الهيئات والمنظمات فى تعيين المحكمين ابتداء أو الإشراف علـى المحكمين المختارين من قبل الأطراف بحيث يكون لهذه المراكز أو الهيئات حق رفض قبول الحكم الاتفاقي.
صور تفويض الغير فى اختيار هيئة التحكيم
1 - التفويض الصريح للغير في اختيار المحكم:
يتحدد إختيار المحكم تبعاً لحرية وإرادة الخصوم، ويبطل اختيار المحكم وحكمه إذا جاء هذا الاختيار مخالفاً لإرادة الأطراف وهذا الحق الثابت للأطراف قد يفوضون الغير في ممارسته إما تجنباً لصعوبة الاتفاق على شخص المحكم، أو لتعذر الوصول لقرار بشأنه فيحسم تدخل الغير هذا الخلاف. ويتم تفويض الغير بإقرار کتابى من كلا الطرفين معا أو بإقرار كتابي من كل منهما على حدة يفصح بوضوح عن تخويله سلطة اختيار المحكم.
ويلتزم الغير بحدود التفويض الممنوح له كمناط لصحة اختياره، فيتحرى توافر كافة الشروط والمؤهلات التي يتطلبها الخصوم في المحكم، فضلا عن الشروط التي يتطلبها القانون ويقع على عاتق الخصوم التحقق من توافر الشروط التي يتطلبها القانون أو تلك التي اتفقا عليها كمناط لقبوله. وفى تقديرنا أنه يحق . للأطراف مجتمعين الاعتراض على شخص المحكم رغم توافر كافة الشروط والمؤهلات المطلوبة إذا لم تتوافر لديهم الثقة الكاملة في قدرته على التصدى للنزاع، مع مراعاة أنه إذا صدر الاعتراض من أحد الخصوم فقط رغم توافر كافة الشروط القانونية والاتفاقية يجب أن يكون لهاذ الاعتراض ما يبرره حتى لا يكون ذريعة لتعطيل حسم النزاع.
2 - التفويض الضمني للغير في اختيار المحكم
لا يتصور صدور هذا التفويض أو الرضاء الضمني من كلا الطرفين، إذ تفترض فكرة اللجوء للغير لاختيار المحكم تعبير أحد الخصوم صراحة عن رغبته في تفويض الغير فى اختيار المحكم نيابة عن الخصوم مجتمعين، أو نيابة عن خصمه الآخر بناء على تفويض ضمنى منه بذلك، فمفهوم التفويض الضمني ينصرف دائما للخصم الممتنع عن اختيار محكمة أو المشاركة في اختياره، وهو ما يتحقق عند وجود نص اتفاقى يقر لجوء أحد الخصوم للغير إستقلالا بطلب اختيار المحكم، أو عند وجود نص قانونى يجيز للخصم ذلك، وأيضاً عند قبول الأطراف الاستعانة بنظام التحكيم المؤسسى بما تتضمنه لوائحها من إمكانية اختيار المحكم بناء على طلب أحد الخصوم بمفرده .
أولاً: وجود إتفاق بين الأطراف:
قد يتفق الأطراف على إمكانية استقلال أحدهما بتعيين المحكم عند امتناع الآخر عن المشاركة فى اختياره خلال المدة التى يحددونها، أو اللجوء للغير لإجراء هذا الاختيار تجنبا لتعطيل أثر اتفاق التحكيم، وهذا الاتفاق صحيح ونافذ. ويعد حضور الخصم أمام المحكم الذي اختاره الغير دون الاعتراض عليه قبولاً من جانبه له ومسقطاً لحقه فى الاعتراض على اختياره لاحقاً. ويتميز هذا الأسلوب فى اختيار المحكم بالمرونة ويعبر عن الطابع الودي الذي يسيطر على الإجراءات، ويبقى فى الوقت ذاته على الطابع الشخصي لاختيار المحكم.
ثانياً: وجود اتفاق على اللجوء للتحكيم المؤسسي
تمارس الهيئات التنظيمية في إطار التحكيم المؤسـسـى دوراً بارزاً فــي تعيين المحكمين وقد أقر المشرع المصرى لجوء الأطراف لنظام التحكيم المؤسسى، وأعطى الأولوية لقواعد هذه الأنظمة تغليباً للطابع الرضائي للتحكـ واحتراما لإرادة الإخصوم التي اختارت اللجوء لهذه المؤسسات، فقد نصت المادة السادسة على أنه: "إذا إتفق طرفا التحكيم على إخضاع العلاقة القانونية بينهما لأحكام عقد نموذجي أو إتفاقية دولية أو وثيقة أخرى وجب العمل بأحكام هذه الوثيقة بما تشمله من أحكام خاصة بالتحكيم".
ورغم أن هذا النص يأتى إعمالا للقواعد العامة التي تقضى بتقييد الخاص للعام، إلا أن الهدف الأساسي من تقرير هذا الحكم في تقديرنا وهو حرص المشرع على تدعيم نظام التحكيم المؤسسى وتأكيداً لصحة الإلتجاء إليه كنظام قانونی معترف به تتراجع أحكام النظام القانونى الوطنى فى مواجهته لتسرى كافة القواعد المتعلقة باختيار المحكم التى ترد في لوائح هذه المؤسسات التـى يتفق الخصوم على اللجوء إليها ولو كانت مغايرة لأحكام القانون ما لم تتعارض مع النظام العام. فالهدف من التجاء الأطراف إلى مؤسسات التحكيم هو تجنب أية عقبات إجرائية أو قانونية تؤدى إلى فشل التحكيم ، ومن أولى العقبات التي قــــد يواجهها التحكيم هي امتناع أحد الأطراف عن تعيين محكمه مما يهدد بفشل التحكيم .
ضوابط ممارسة الغير لسلطة اختيار المحكم:
أن أطراف التحكيم قد يفوضوا الغير فى اختيار هيئة التحكيم وأن هذا التفويض قد يكون صريحا أو ضمنيا وعلى هذا يتعين على هذا الغير أن يتأكد من صحة وجود هذا التفويض من عدمه كمفترض أساسي لمباشرة مهمة اختيار هيئة التحكيم. كذلك فى حالة التفويض الضمني على الشخص المفوض أن يتأكد من دلالة التصرف الضمني في تفويضه باختيار هيئة التحكيم، فمن صور التفويض الضمني أن يتفق الخصوم مسبقاً على إستقلال أحدهما باختيار المحكم عند امتناع خصمه عن اختياره أو المشاركة في ذلك ليأتي هذا الاتفاق معبراً عن تفويض الغير ضمنا في اختيار المحكم .