الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / تعيين المحكمين بواسطة المحكمة المختصة بالنزاع / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 11 / حكـم Jivraj الصادر عن القضـاء الانكليزي: هل يصح اشتراط انتقاء المحكمين من مجموعة دينية دون سواها؟ الحكم قال: لا

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 11
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    15

التفاصيل طباعة نسخ

الحكم الصادر عن القضاء الانكليزي منذ أشهر، والذي ننشره في ما يلي (مترجماً الى العربية) يثير جدلاً كبيراً في أوساط التحكيم الدولي في كل بلدان العالم.

   وهو يطرح مجموعة من الأسئلة الخطيرة المتعلقة بالتحكيم الدولي، عن حدود حرية الأطراف في انتقاء المحكمين، وهل هي مطلقة ام ان النظام العام يضع حدوداً لهذه الحرية؟

   ووفقاً لأي معايير تكون هذه الحدود اذا كان ثمة حدود؟

   لقد قرر الحكم الذي نحن في صدده ابطال الشرط التحكيمي المتضمن هذا التمييز، بعدما اجاب عن الكثير من الأسئلة!

   ذلك ان الحكم المذكور يطرح سؤالاً ثانياً عن الشرط التحكيمي، وهل يمكن إبطاله جزئياً؟ وفي أي ظروف؟

   هذا الحكم في أول سطر يقول حرفياً:

   "نقطة الخلاف في هذه الدعوى: السؤال المطروح في هذا الاستئناف يكمن في معرفة ما اذا كان اطراف الاتفاق التحكيمي المدرج في عقد تجاري من الجائز ان يشترطوا انتقاء اعضاء الهيئة التحكيمية من بين افراد ينتمون الى مجموعة دينية معينة، وفي هذه الحالة الطائفة الاسماعيلية".

    في القوانين العربية، الحرية متروكة للأطراف لاختيار المحكمين، الا في قانون التحكيم السعودي الذي وضع حدوداً لحرية الارادة، اذ اشترط ان يكون المحكم "مسلماً ورجلاً التطبيق العملي لهذا النص هو في التحكيم الداخلي السعودي دون التحكيم الدولي، ومن جهة ثانية فالتفسير هو أن القانون السعودي هو القانون الاسلامي ويجب ان يكون المحكم مسلماً بالقانون المطبق!

   أسئلة كثيرة يطرحها هذا الحكم القضائي الانكليزي!

   مثلاً يطرح الطبيعة القانونية لمهمة المحكم: هل يقوم بعمل حر أم انه يتولى وظيفة ويؤدي عملاً لمصلحة من عينه؟

    والأجابة عن هذا السؤال تختلف باختلاف الأنظمة القانونية، وبمدى حرية أطراف النزاع في اختيار المحكمين من دون قيود ولا حدود، فهل ذلك مرتبط بنوع التحكيم! أهو تحكيم بالصلح أم تحكيم بالقانون؟

    واذا كان النظام العام يحد من حرية الأطراف في الاتفاق على ان يكون المحكمون من دين معين، فهل يمكن أبطال هذا الشق من الشرط التحكيمي ليبقى الشرط الذي ينزع اختصاص القضاء ويحيل النزاع الى التحكيم، ليبقى هذا الشق قائما؟

   حملت "مجلة التحكيم العالمية" هذا الحكم الى مجموعة من علماء القانون الاوروبيين والعرب ليعلقوا عليه ويجيبوا من وجهة نظرهم القانونية عن كل الأسئلة التي يطرحها، ويعلقوا على المنحى القانوني الذي اتخذه هذا الحكم القضائي الانكليزي في اجابته عن الأسئلة التي يطرحها. اختارت "مجلة التحكيم العالمية":

أولاً- من علماء القانون الاوروبيين:

1- المحامي والاستاذ الجامعي والوزير الايطالي السابق ورئيس مجلس التحكيم التجاري الدولي (ICCA) السابق جورجيو برنيني Giorgio Bermini.

 2- المحامي الاسباني وأستاذ القانون ورئيس محكمة التحكيم الاسبانية البروفسور برناردو کریمادیس Bernardo Cremades. وتعليقه أن "قانون الحماية ضد التمييز نفسه يشير الى امكانية السماح بفروقات في المعاملة ما دام ان الهدف من ذلك هو مطلب شرعي والضرورة متناسبة".

3- المحامي الفرنسي ورئيس هيئة التحكيم الوطنية الفرنسية في محكمة تحكيم غرفـة التجـارة الدولية سيرج لازاريف Serge Lazareff. وتعليقه "ان التمييـز الايجـابـي فـي اختيـار المحكمين يجب تأييده: من حق كل شخص أن يقول أريد محكمين على اطلاع على عـاداتي وسلوكي".

   وقد ترجمت هيئة تحرير المجلة تعليقات العلماء الاوروبيين الثلاثة الى اللغة العربية.

ثانياً- من الجانب العربي:

1- البروفسور أحمد القشيري (مصر)- المحامي ونائب رئيس محكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية وعضو محكمة العدل الدولية. وتعليقه ان "اي اشتراط لجنسية أو جنس او ديانة مبرر كاف لإبطال الشرط التحكيمي".

2- البروفسور فايز الحاج شاهين (لبنان) – المحامي وعميد كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف. وتعليقه "انه في القانون اللبناني يجب استبعاد كل اقصاء مبني على المبدأ الديني، و"الاستوبل" يطبق في هذه الحالة، الاقصاء مرفوض والاختيار مقبول - اختيار المحكمين على أساس الانتماء الديني مشروع حسب المادة (9) من الدستور اللبناني.

3- الدكتور حمزة حداد (الأردن) المحامي- وزير العدل الاردني السابق ورئيس مركز تحكيم عمان. وتعليقه "ان اشتراط أن يكون المحكمون من دين او عرق أو طائفة أو جنس معين هو اتفاق صحيح".

وننشر في ما يلي تعليق كل من علماء القانون الستة وعنوان هذا التعليق.

                                                                              هيئة التحرير

 

(أحكام محكمة الاستئناف، الدائرة المدنية- قضية رقم 2A/2009/1963 – - محاكم العدل الملكية ستراند، لندن، WC2A 2LL - تاریخ 22 يونيو 2010)

أمام القضاة

 [...]

المدعى / المستأنف: صدرالدين هشواني

المدعى عليه / المستأنف عليه: نور الدين جيفراج

تاريخ الجلسات: 2 مارس 2010

الحكم

كما صدقته المحكمة

اللورد القاضي [...]:

1- هذا هو حكم المحكمة الذي ساهم فيه أعضاء المحكمة كافة.

نقطة الخلاف في هذه الدعوى:

2- السؤال المطروح في هذا الاستئناف يكمن في معرفة ما إذا كان أطراف الاتفاق التحكيمي المدرج في عقد تجاري من الجائز أن يشترطوا انتقاء أعضاء الهيئة التحكيمية من بين أفراد ينتمون الى مجموعة دينية معينة، وفي هذه الحالة الطائفة الإسماعيلية. في يناير من العام 1981، أبرم كل من المستأنف السيد صدرالدين هشواني والمستأنف عليه السيد نورالدین جیفراج، اتفاقية تعاون مشترك للإستثمار في المجال العقاري في مختلف أنحاء العالم وخاصة كندا، ومن بعدها في مكان آخر. وقد نص البند الثامن من العقد في هذا الإطار على ما يلي:

"(1) إذا نشأ في ما بعد أي نزاع أو خلاف وفي أي وقت كان بين المستثمرين في ما يتعلق بتفسير هذا العقد أو بالنسبة الى ما هو وارد في هذا العقد أو ناشئ عن هذا العقد أو بكل ما يتعلق بحقوق ومسؤوليات وواجبات المستثمرين أو أي واحد منهم أو ناشئ (دون الحصر) عن أعمال أو أنشطة التعاون المشترك المتفق عليها بالطريقة نفسها (خاضع للبند الفرعي 8(5) أدناه) يحال الى ثلاثة محكمين (يقومون بمهمتهم بالأغلبية). يعين كل طرف محكماً واحداً على أن يكون المحكم الثالث رئيس المجلس الوطني للمملكة المتحدة في مؤسسة آغا خان في الوقت الحاضر. يجب أن يكون المحكمون من بين الأعضاء الذين يتسمون بالإحترام في الطائفة الإسماعيلية ومن أصحاب المناصب العليا في الطائفة.

(2) يكون مكان التحكيم في لندن ويكون قرار المحكمين نهائياً وملزماً للطرفين."

3- في العام 1998 قرر الأطراف إنهاء عقد التعاون المشترك الموقع بينهم. عيّن الأطراف ثلاثة أعضاء من الطائفة الإسماعيلية كهيئة توفيق لمساعدتهم في تقاسم الأصول، غير أن بعض المسائل بقيت عالقة، كما أن محاولة حل خلافاتهم المتبقية عن طريق تحكيم خاص باءت بالفشل، علق الأمر حتى شهر يوليو 2008، حين قدم محامون يمثلون السيد هشواني دعوى في وجه السيد جيفراج بقيمة 1.412.494 باوند (جنيه استرليني) إضافة الى الفائدة الفصلية المركبة من 31 مايو 1994، بعد أن أبلغهم بتعيين السير أنطوني كولمان محكماً بموجب البند الثامن من العقد. وقد طلب محامو السيد هشواني من السيد جيفراج تعيين محكم من قبله خلال سبعة أيام. 4- كان رد السيد جيفراج مباشرة الإجراءات أمام المحكمة التجارية (2008 رقم الأوراق 1028) ملتمساً إعلاناً بعدم صحة تعيين السير أنطوني كولمان كونه ليس فردا" من الطائفة الإسماعيلية. بعد ستة أسابيع أودع السيد هشواني دعوى تحكيمية (2008 رقم الأوراق 1182) ملتمساً صدور أمر بتعيين السير أنطوني كولمان محكماً فرداً، استناداً الى الفصل 18(2) من قانون التحكيم لعام 1996. وقد بني الإستدعاء على أساس أن شرط التحكيم نص على أن يكون المحكمون من الطائفة الإسماعيلية، رغم كونه شرطاً قانونياً وقت إبرام العقد، إلا أنه أصبح شرطاً غير قانوني وباطلاً، لأنه يخالف المساواة التوظيف (الدين والمعتقد) أنظمة عام 2003 ("الأنظمة"). وقد طلب أيضاً السيد هشواني الإعتماد على قانون حقوق الإنسان لعام 1998 وعلى النظام العام دعما في لقضيته.

   التشريعات الداخلية وتشريعات الإتحاد الأوروبي حول التمييز في التوظيف:

   5- تنص هذه الأنظمة، في هذا الإطار، على ما يلي:

      "2. التفسير:

       [...]

       (3) في هذه الأحكام –

      الإشارة الى "رب العمل" عند تطبيقها على أي شخص يسعى الى توظيف شخص آخر تشمل الشخص الذي ليس لديه موظفون في ذلك الوقت؛

"التوظيف" يعني التوظيف بموجب عقد خدمة أو تدريب مهني أو عقداً للقيام شخصياً بأي عمل ويجب أن تفسر التعابير ذات الصلة وفقاً لذلك؛

[...]

3. التمييز على أساس الدين أو المعتقد:

(1) لأهداف هذه الأحكام، يقع تمييز من قبل شخص ("أ") ضد شخص آخر ("ب") إذا –

   (أ) على أساس الدين أو المعتقد، قام "أ" أو قد يقوم بمعاملة "ب" بطريقة أقل تفضيلاً نسبة إلى طريقة معاملته أشخاصاً آخرين؛

[...]

6. طالبو العمل والموظفون:

(1) لا يجوز لصاحب العمل، بالنسبة الى التوظيف الذي يقوم به في مؤسسة ما بريطانيا العظمى، ممارسة التمييز ضد أي شخص -

(أ) في الترتيبات التي يتخذها لغرض تحديد الشخص الذي سيقدم إليه فرصة العمل؛ أو

(ب) بالنسبة الى الشروط التي على أساسها يقدم الى هذا الشخص فرصة العمل؛ أو (ج) من خلال رفضه تقديم فرصة العمل اليه، أو رفضه عمداً تقديم هذه الفرصة. [...]

7. إستثناء للشرط المهني الأساسي:

(1) في ما يتعلق بالتمييز الذي يندرج تحت النظام رقم 3 (التمييز على أساس الدين أو المعتقد) –

(أ) لا يطبق النظام رقم 6 (1) (أ) أو (ج) على أي توظيف [...]

حيث تطبق الفقرة [...] (3).

[…]

(3) تنطبق هذه الفقرة حيث يكون لصاحب العمل معتقدات قائمة على أساس الدين أو المعتقد مع الأخذ في الإعتبار هذه المعتقدات وطبيعة العمل أو السياق الذي ينفذ فيه (أ) كونه ينتمي الى دين معين أو عقيدة هو شرط مهني أساسي للحصول على الوظيفة؛

(ب) يكون من الملائم تطبيق هذا الشرط في الحالة المعينة؛ و

(ج) إما

       (i) أن لا يكون الشرط متوافراً في الشخص الذي ينطبق عليه، أو

       (ii) أن يكون صاحب العمل غير راض، وفي كل الظروف التي يكون فيها منطقياً بالنسبة إلى هذا الأخير أن يكون غير مقتنع بأن هذا الشخص يتوافر فيه هذا الشرط."

6- إن هذه الأنظمة قد وضعت لتفعيل توجيه المجلس الأوروبي رقم EC/ 2000/78 الذي أرسى إطاراً للمساواة في المعاملة في التوظيف والمهنة. لذلك كان من الضروري أن تفسر هذه الأنظمة بطريقة تفعل هدف التوجيه قدر الإمكان. ونجد مثلاً بارزاً بالنسبة الى المدى الذي قد تذهب إليه المحكمة لتفعيل هذا المبدأ في قضية Litster v Forth 546 .Dry Dock & Engineering Co Ltd [1990] 1 A.C. وقد تقرر إخضاع الاتفاق التحكيمي في الوقت الحالي لأحكام الأنظمة المذكورة على الرغم من أنه قد كان قانونياً وقت إبرامه.

7- من غير الضروري بحسب نظر المحكمة الإشارة بالتفصيل الى حيثيات التوجيه الأوروبي، مع الإشارة الى أن أهداف التوجيه معبر عنها في هذه الحيثيات بعبارات واسعة توحي بأن هدفه هو منع التمييز حيثما وجد في ما يتعلق بالتوظيف والمهنة وبأي شكل كان. إن الأحكام الأكثر صلة بالإستئناف الحاضر موجودة في المواد 1 الى 3، والتي تنص الأجزاء الجوهرية منها على ما يلي:

"المادة الأولى: الهدف

إن هدف هذا التوجيه هو وضع إطار عام لمكافحة التمييز على أساس الدين أو المعتقد أو الإعاقة أو السن أو الميل الجنسي، وذلك بالنسبة الى التوظيف والمهنة، بالإضافة الى توجه لوضع مبدأ المساواة في المعاملة موضع التنفيذ في الدول الأعضاء.

المادة الثانية: مفهوم التمييز

1. لأهداف هذا التوجيه، إن "مبدأ المساواة في المعاملة" يعني انتفاء أي تمييز مباشر أو غير مباشر، أياً كان على أساس أي من الأسباب المشار إليها في المادة الأولى. ،

المادة الثالثة: النطاق

1. ضمن حدود مناطق الإختصاص الممنوحة للإتحاد، يطبق هذا التوجيه على الأشخاص كافة سواء بالنسبة إلى القطاع العام والخاص، بما في ذلك الهيئات العامة، وذلك في ما يتعلق بـ:

    (أ) شروط الحصول على الوظيفة والعمل الحر أو المهنة، بما في ذلك معايير الإختيار وشروط التوظيف، مهما كان فرع النشاط وعلى كافة مستويات الهيكلية المهنية بما في ذلك الترقية؛

    (ب) الحصول على كافة أنواع ومستويات الإرشاد المهني والتدريب المهني والتدريب المهني المتطور وإعادة التدريب، بما في ذلك الخبرة العملية؛

    (ج) شروط العمل والتوظيف بما في ذلك الصرف والتعويض؛

    (د) العضوية والمشاركة في منظمة للعمال أو الموظفين أو أية منظمة أخرى يمارس أعضاؤها مهنة معينة، بما في ذلك الفوائد التي تمنحها تلك المنظمات."

8- يعني التوجيه بالتمييز على أساس الدين أو المعتقد والإعاقة والسن أو الميل الجنسي. فهو إذا أوسع نطاقاً الأنظمة التي تعنى حصراً بالتمييز على أساس الدين أو المعتقد. يكمن التفسير في واقعة أن المملكة المتحدة سبق وأدخلت تشريعاً يعالج التمييز على أساس الأسباب الأخرى التي يعالجها التوجيه الأوروبي ذو الصلة بالتوظيف والمهنة. التمييز على أساس الجنس والميل الجنسي قد أصبح مخالفاً للقانون بموجب قانون التمييز الجنسي لعام 1975، والتمييز على أساس العرق بموجب أنظمة العلاقات العرقية لعام 1968 و1976 والتمييز على أساس الإعاقة بموجب قانون التمييز ضد المعوقين لعام 1995. وما زالت هناك حاجة إلى التشريعات التي تتناول التمييز على أساس السن والدين أو المعتقد لضمان العمل بموجب التوجيه. وتتناول الأنظمة التمييز على أساس الدين أو المعتقد والتمييز على أساس السن ترعاه حالياً المساواة في التوظيف (السن) أنظمة عام 2006.

9- إن شكل الأنظمة يتبع عن كثب شكل التشريع السابق، وبالأخص في تعريفه "التوظيف" كعقد للقيام شخصياً بعمل من أي نوع. علاوة على ذلك، إن أسلوب النظام رقم 6 مماثل أو يكاد لا يختلف عن ذلك المستعمل في التشريعات الأخرى التي تعالج مسألة التمييز. ويستتبع ذلك أن الأنظمة يجب أن تفسر كتكملة لكافة التشريعات الأخرى التي تمنع التمييز، وتبعاً لذلك فإن قرارنا يتمتع بأهمية أوسع بكثير من القضية الحاضرة. إن هذا التوحيد للقانون المتعلق بكافة المجالات المحظر فيها التمييز قد تم دعمه بموجب قانون المساواة لعام 2010، الفصل الأول والذي ستمتد أحكامه لتطال كافة القضايا المصونة بالتشريعات السابقة، وذلك عند وضعه موضع التنفيذ.

قرار القاضي ستيل والإستئناف أمام هذه المحكمة:

10- تم سماع الإستدعاءات في الوقت نفسه أمام القاضي ستيل. وقد قرر هذا الأخير بأنّ الأنظمة لا تطبق على المحكمين، لأنهم ليسوا بموظفين ولا وجود لشيء في قانون حقوق الإنسان أو النظام العام من شأنه أن يجعل الشرط بأن يكون المحكمون من الطائفة الإسماعيلية شرطاً باطلاً أو غير قابل للتنفيذ. لذلك أعلن أن تعيين السير أنطوني كولمان هو تعيين غير صحيح ورد دعوى السيد هشواني. وأعرب في سياق قراره عن رأي مفاده أنه حتى وإن كانت الأنظمة تطبق، إلا أن هذه القضية تقع ضمن الإستثناء الوارد في النظام رقم 7، الذي ينص على الحالة التي يكون فيها الانتماء الى دين أو معتقد معين هو شرط مهني أساسي. أخيراً، أعرب عن رأي مفاده أن شرط انتماء المحكمين الى الطائفة الإسماعيلية لا يمكن فصله عن بقية البند التحكيمي، وتبعاً لذلك اذا كان هذا الشرط باطلاً فإن البند التحكيمي بأكمله هو باطل.

11- رفض القاضي نفسه إعطاء الإذن بالإستئناف، ولكن هذه المحكمة قد منحت الإذن نسبةً الى ثلاثة مسائل:

   (i) سواء كان شرط انتماء المحكمين للطائفة الإسماعيلية يقع تحت النظام رقم 6 (1)؛ وعليه،

   (ii) ما إذا كان يقع تحت النظام رقم 7؛ وإذا لم يكن،

   (iii) ما إذا كان من الممكن فصله عن بقية البند التحكيمي.

   تم رفض إعطاء الإذن المتعلق بالدعاوى المستندة إلى قانون حقوق الإنسان شكلاً، ولم يتم تجديد هذه الإستدعاءات.

هل المحكمون "موظفون" بحسب الأنظمة؟

12- إن السؤال الأول الذي يجب النظر فيه يكمن في معرفة ما إذا كانت الأنظمة تطبق بشكل مطلق على المحكمين. واعتبر القاضي أنها لا تنطبق على المحكمين. كما اعتبر أن التوجيه الأوروبي لا يشمل ما يمنع التمييز عند استخدام شخص ما لتقديم خدمات شخصية أو أي عمل دون أن يكون متمتعاً بصفة موظف، وقال بأنه مهماً كانت طبيعة العلاقة بين المحكم وأطراف النزاع، فهي ليست عقد عمل سواء بالمعنى التقليدي أو بالمعنى المقصود حسب الأنظمة. بوصوله الى هذه النتيجة، تأثر القاضي بطبيعة دور المحكم الذي شبهه بدور القاضي وبواقعة أن القضاة ومن يتولون المنصب ذاته لا يعتبرون عادة موظفين. ودعماً للنتيجة التي توصل اليها، استند الى: Knight v A – G [1979] I.C.R. 19 (magistrates) Perceval Price v Department of Economic Development [2000] IRLR 380 (tribunal chairman) and Department for Constitutional Affairs v O'Brien [2008] EWCA Civ 1448.

13- عرض الوكيل القانوني للسيد هشواني أن القاضي ركز كثيراً على طبيعة منصب المحكمين ولم يعترف بأن التوجيه الأوروبي والأنظمة قد وضعت لتطبق على كافة أشكال التوظيف بمعناه الأشمل بما في ذلك تقديم الخدمات تحت أي شكل من العقود. كما عرض أن الأنظمة تطبق على عملية تعيين محكم ما، لأن الشخص الذي يعين شخصاً آخر ليؤدي هذا الدور يوظف هذا الشخص لتقديم خدمة ما. من أجل ذلك، يعرف "التوظيف" بكونه يضم أي عقد للقيام شخصياً بأي عمل و"العمل" في هذا السياق يشمل تقديم الخدمات من أي نوع كانت. وعرض أيضاً أن الطبيعة المحددة للعلاقة بين المحكم وأطراف النزاع لا علاقة لها بالموضوع؛ إن جل ما يهم هو نشوؤها عن عقد يوافق المحكم بموجبه على فصل النزاع المحال إليه.

14- توافق المحكمة على ما عرضه الوكيل القانوني للسيد هشواني. مهما كان التحليل الصحيح لطبيعة تلك العلاقة، يجب أن تكون حالة نادرة حيث لا تدعم تلك العلاقة بعقد ما. عادة، يتوقع المحكم أن يتلقى أجراً مقابل الخدمات التي يقدمها، ونشك كثيراً في ما إذا كان حقه في استعادة أتعابه من الممكن تأييده على أساس مختلف عن أن عقداً ما قد أبرم بينه وبين كل طرف من الأطراف. بالتأكيد، كانت تلك وجهة النظر المقبولة حتى هذه اللحظة. هذا لا يعني أنه عندما يشير الى مرجع ما لا يلتزم المحكم موقفاً معيناً يحدد بعض أوجه سلطاته وواجباته. إلا أنه في معظم الحالات، يفترض هذا الوضع فقط كنتيجة لإبرامه عقداً للقيام بذلك. تحديداً إن وقت وكيفية دخول هذا العقد حيز الوجود مسألة مثيرة للإهتمام، ولكنها ليست ضرورية للتعمق فيها أكثر من ذلك لغايات هذا الإستئناف، وقيل بأن أفراد الطائفة الإسماعيلية لا يطلبون أو يقبلون أية مكافأة لكونهم محكمين، ولكن حتى لو كان ذلك صحيحاً، نشك في أن ذلك يعني عدم وجود أي عقد من أي نوع كان بين المحكم وأطراف النزاع. ويرتكز التحكيم في الأساس على اتفاق بين الأطراف أنفسهم واتفاق بين الأطراف والمحكم. ليس من الم تحديد القيمة العقدية لتأييد عقد ينتقل من طرف الى آخر.

نطاق التوجيه الأوروبي والأنظمة كما هي مطبقة على هذه القضية:

15- تحدد المادة الأولى من التوجيه الاوروبي هدفها بمحاربة التمييز بالنسبة الى التوظيف والمهنة ("travail" حسب النص الفرنسي). وتعين المادة الثالثة، نطاقها والتي تُحيل المعاهدة الى شروط الحصول على الوظيفة والعمل الحر والمهنة بما في ذلك معيار الإختيار وشروط التوظيف مهما كان فرع النشاط. وتمتد لتطال أيضاً كافة أنواع الإرشاد المهني والتدريب وشروط التوظيف والعمل وعضوية الإتحادات والنقابات المهنية. ولم يوجه انتباهنا الى أي حالة من الحالات التي أخذت فيها محكمة العدل التابعة للإتحاد الأوروبي بعين الإعتبار معنى المادة الثالثة، ونرى تبعاً لذلك أنها يجب أن تفسر في ضوء الحيثيات الملحقة بالتوجيه، ونظرا الى معناها الطبيعي الذي يتوافق مع واجتهاد المحكمة الموجود. إن الحيثيات الملحقة بالتوجيه، الأوروبي وهيكلية وأسلوب المادة 3 (1) تشير ككل الى أنها معنية بالتمييز الذي يؤثر في الحصول على وسائل النشاط الإقتصادي، سواء عبر التوظيف أو العمل الحر أو بعض أسس المهنة الأخرى والحصول على الإرشاد المهني والتدريب (والذي يتوقع أن يؤمن وسيلة للولوج الى النشاط الإقتصادي) وشروط التوظيف (ما يؤثر في الذين حصلوا على وسيلة للنشاط الإقتصادي) وعضوية الهيئات التي يكون هدفها التأثير في شروط الإستخدام والتوظيف ضبط الدخول الى شكل معين من النشاط الإقتصادي، كالهيئات المهنية التي تراقب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة الدخول الى الوظيفة أو وسيلة مهمة للحصول على فرصة العمل.

16- إن القضية النموذج لتعيين محكم تقتضي الحصول على خدمات شخص معين لفصل نزاع ما بالتوافق مع الاتفاق الحاصل بين الأطراف وسنداً الى أحكام القانون، بما في ذلك تلك الموجودة في التشريعات التي ترعى التحكيم. ليس هناك اختلاف في هذا السياق عند تكليف محام لمعالجة ناحية معينة من مسألة قانونية ككتابة وصية أو استشارة طبيب حول مرض معين أو محاسب حول عائد الضريبة. بما أن المحكم (أو أي شخص مهني) يتعاقد للقيام شخصياً بعمل ما، يقع تقديم خدماته ضمن تعريف "التوظيف" فإن ذلك يستتبع أن من عينه يجب أن يكون رب العمل بحسب معنى النظام رقم 6 (1). وقد عزز الوكيل القانوني للسيد هشواني هذه النتيجة بلفت انتباهنا الى واقعة أن المحكمين قد عوملوا على أساس أنهم يقدمون خدمات؟.

17- كما لفت الوكيل القانوني للسيد هشواني انتباهنا إلى قضية Kelly v Northern 428 .Ireland Housing Executive [1991] 1 A.C و Percy v Church of Scotland Board of National Mission [2005] UKHL 73, [2006] IRLR 195 والتي وإن كانت تعالج نقاطاً مختلفة بعض الشيء عن الإجراءات الحالية، إلا أنها توضح مدى شمولية عبارة "عقد للقيام شخصياً بأي عمل" والموجودة في كافة التشريعات التي تمنع التمييز. إن ما لفت انتباهنا إليه يؤكد وجهة نظرنا، بأن هذه العبارة يمكنها أن تشمل وضع الشخص الذي يقدم خدمات كمحكم، والسبب الذي من أجله نعتبر أن القاضي كان على خطأ عندما قرر أن طبيعة مهمة المحكم تقود تعيينه الى خارج نطاق الأنظمة. علاوة على ذلك، إن إبرام عقد من هذا النوع يعتبر عقد عمل بالمعنى المنصوص عليه في الأنظمة. لذلك، يستنتج لغايات هذه الأنظمة أن الشخص الذي أبرم عقدا، والذي بموجبه سيحصل على مثل هذه الخدمات هو رب عمل، والشخص الذي استخدم لتقديم هذه الخدمات يكون العامل.

هل إن التمييز مسموح في ما يتعلق بالتوظيف الخاص أو عندما يوجه الى من يعمل لحسابه الخاص؟

18- ينازع الوكيل القانوني للسيد جيفراج في أن هذه الاستنتاجات لا تتماشى مع القضية الحاضرة لسببين: أولاً، عرض بأن النظام رقم 6 ككل لا يطبق على مجرد الإختيار من بين الذين يقدمون خدماتهم في السوق ككل، لشخص معين ليقدم خدماته من النوع المطلوب؛ باختصار، إن المحكم ليس "موظفاً" بالمعنى المنصوص عليه في الأنظمة، أكثر من أي شخص آخر يقدم خدماته إلى العموم. إن ما عرض، وعلى فرض صحته، هو ذو أهمية كبيرة.

19- إن اختيار محام أو سمكري أو محكم سواء على أساس الدين أو العرق أو ما الى ذلك ينبغي أن يندرج تحت النظام رقم 6 (1)، وإن تم بطريقة خاصة بالكامل قد الدهشة لدى البعض. إلا أن النائب العام مادورو أعرب عن رأي في قضية Centrum voor Gelijkheid van Kansen en voor Racismebestrijding v  Firma Feryn NV (Case C-54/07) I.C.R

 [2008] 1390 . مفاده أن التوجيه الأوروبي يجب أن يفهم في إطار سياسة أوسع لتعزيز الشروط اللازمة لسوق عمل شامل اجتماعياً ولضمان تطوير مجتمعات ديمقراطية ومتسامحة، تسمح بمشاركة كل الأشخاص بغض النظر عن جذورهم العنصرية أو العرقية. ونشأت هذه القضية عن تصريح شركة تقوم بتجهيز وتركيب أبواب للمرآب، بأنها لن توظف مهاجرين للعمل فنيين، لأن زبائنها كانوا يرفضون تواجدهم في منازلهم. ويمكن للمرء أن يرى جيداً لما قد يعتبر تصريحاً عاماً مماثلاً، وكأنه تمييزي: كان من شأنه إقصاء طالبي الوظيفة المحتملين عن العمل، وهوما يتنافى بالتالي مع سوق عمل شامل إجتماعياً. لم تتبنّ المحكمة صراحة الرأي الذي عبر عنه النائب العام، بل اقتصرت على القول بأن التصريح العام كالتصريح الذي هو قيد البحث يشكل تمييزاً مباشراً، لأنه كان من المحتمل أن يردع بعض من كان يطلب وظيفة، ويعيق بالتالي وصولهم الى سوق العمل (المقطع 25). ومع ذلك، إن وجهة نظر النائب العام في ما يتعلق بهدف السياسة الواسعة للتوجيه الأوروبي تدعمها بنظرنا الحيثيات الملحقة بالتوجيه. وهي أيضاً وجهة نظر غير متطابقة أساساً قبول حق التمييز بين أي ممن يقدمون الخدمات على مع أساس العرق والجنس والدين أو أي من الأسباب الواردة في التوجيه الأوروبي.

20- طلب وكيل السيد جيفراج الأخذ بهذا التحليل الشامل من خلال قوله بأن الهم الأساسي للتوجيه الأوروبي هو الدخول الى الوظيفة والنشاط الإقتصادي، وليس الخيارات الخاصة التي يقوم بها أرباب العمل بين من دخلوا أصلاً سوق العمل. إن الأسلوب المستعمل في المادة الثالثة يمكن تفسيره بهذه الطريقة الضيقة، ولكن عبارة "الحصول على فرصة عمل وعلى العمل الحر أو على مهنة" قابلة لتفسير أوسع نطاقاً يتماشى مع سياسة الأهداف التي وصفناها. في أي حال، ما يهمنا هو الأسلوب المعتمد في التشريعات الداخلية، غير المحصور بنطاق التوجيه الأوروبي والمدعوم على نطاق واسع بسياسة الإعتبارات نفسها كالتي حددها النائب العام مادورو في قضية Firma feryn سواء قدمت قبل نشر التوجيه الأوروبي أو بعده.

21- ثانياً، عرض الوكيل القانوني للسيد جيفراج أن التمييز الدقيق لغايات النظام رقم 6 يكمن بين من هم موظفون ومن يقومون بعمل حر، ويندرج المحكمون كما هو واضح تحت فئة من يقومون بعمل حر. دعما لما عرضه، استند الوكيل القانوني المذكور الى مقطع وارد في خطاب البارونة هايل في قضية Percy v Church of Scotland Board of National Mission (الفقرة 16 أعلاه)، في الفقرة 146، والتي أيدت فيها البارونة هايل أوف ريشموند لهذا الغرض تعليقاً وارداً في المقطع [4]A لهارفي حول العلاقات الصناعية وقانون العمل ( Industrial Relations and (Employment Law. إلا أننا لا نجد أن ذلك من شأنه تقديم المساعدة التي أراد وكيل السيد جيفراج الإستفادة منها. إن المسألة المطروحة أمام المحكمة في هذه القضية تكمن في معرفة ما إذا كانت الآنسة Percy هي "موظفة" بموجب قانون التمييز الجنسي لعام 1975، والذي بموجبه يعرف "التوظيف" كعقد مبرم للقيام شخصياً بأي عمل أو جهد، كما هو الحال في الأنظمة. ونعتقد أنه من الواضح في هذا السياق أن ما كان يدور في ذهن الليدي هايل كان التمييز بين من يقومون "بعمل حر" بالمعنى الذي يكون لهؤلاء الرقابة التامة على ترتيبات عملهم، وبين من هم "موظفون" بالمعنى الواسع الذي تكون فيه ترتيبات عملهم خاضعة لدرجة مراقبة أكثر أو أقل حداً من قبل الآخرين. فالقضاة مثلاً، ينبغي النظر إليهم كموظفين في إطار ذلك المعنى الواسع، لأن نمط عملهم يمليه عليهم الى حد كبير الآخرون، على الرغم من أنه في مجمل النواحي الأخــرى تقريباً يشبه وضعهم وضع من يقوم بعمل حر. الأشخاص الذين يشغلون هذه المناصب، كما كان الحال مع الآنسة Percy، وعلى الرغم من كونهم غير موظفين بمعايير عادية، هم مستخدمون بموجب عقد للقيام شخصياً بعمل من نوع معين. وفقا لذلك، نكون غير قادرين على قبول هذا الجزء مما عرضه وكيل السيد جيفراج.

تطبيق النظام رقم 6 (1) على القضية الحاضرة:

22- ننتقل بعد ذلك للبحث في كيفية تطبيق النظام رقم 6 (1) على القضية الحاضرة، وبالأخص ما إذا كان اختيار محكم بالاستناد إلى المادة 8(1) من الاتفاقية يندرج تحت إطار هذا النظام. لم يكن من المقترح تطبيق الفقرة (1) (ب) في هذه الحالة، ولكن الفقرات (1)(أ) و(1)(ج) تنطبق على الموضوع.

23- إن كلمة "ترتيبات" الواردة في الفقرة (1)(أ) قد فسرت بشكل واسع، كما يظهر بوضوح في قضية 52 .Brenan v J.H. Dewhurst Ltd [1984] I.C.R حيث اعتبر السياق الذي تمت فيه مقابلة ما مندرجاً تحت نطاق هذه الكلمة. إن تعيين شخص للقيام بمهمة محكم تنشئ عقداً بين ذلك الشخص وطرفي النزاع مما يؤدي بنظرنا الى اعتبار أن الاتفاق التحكيمي يشكل "ترتيبات" يقوم بها الطرفان لتعيين محكم أو أكثر، والتي بحسب العبارات الواردة فيه قد تضيق رقعة الأشخاص الذين سيقدمون اليهم فرصة العمل.

24- تشترط المادة 8 (1) من الاتفاقية أن يرفض كل من الطرفين أو يتعمد رفض تقديم فرصة القيام بمهمة محكم لأي شخص لا ينتمي الى الطائفة الإسماعيلية. بنظرنا، إن أسلوب القرار 6 (1) (ج) ("من خلال رفضه تقديم فرصة العمل اليه، أو رفضه عمداً تقديم هذه الفرصة") يشمل بالكامل الحالة التي يقوم فيها الشخص، مرتكزاً على أسباب دينية محضة، بتجنب تقديم فرصة العمل إلى آخر يعتقد أنه قادر على القيام بها. لذلك، نعتبر أن الإلتزام بشروط المادة 8 (1) سيكون مخالفاً للنظام رقم 6 (1) (ج). قد تكون النتيجة المنطقية الوحيدة لهذا الإستنتاج، من الناحية النظرية على أية حال، أن عدد الشكاوي المحتملة قد يبلغ في بعض الأحيان عدداً كبيراً، ولكن من الناحية العملية، إذا كان أي من الأشخاص الذين كانوا على استعداد أو كانوا قادرين على تقديم خدماتهم، والذين قد يعانون تبعاً لذلك من تمييز مخالف للقانون، من المرجح أن يصبحوا على علم بالواقع؛ وإن السياسة الكامنة وراء هذه الأنظمة تتلخص في أن كل من عانى من التحيز يجب أن تتوافر له الحماية نتيجة لذلك. نعتقد أن هذا التحليل اعتمد في سياق ملاحظات المحكمة في المقطع 51 من حكمها في قضية Lord .Chancellor v Coker [2002] ICR 321

إستنتاج في شأن نطاق الأنظمة في هذه القضية:

25- لكل هذه الأسباب لا نعتقد أنه يمكن تفسير الأنظمة بطريقة يتم استثناء التمييز الخاص من دائرتها وهو النوع الذي نحن في صدد دراسته.

26- إن الفقرة (1) (1) من الجدول 4 الملحق بالأنظمة ينص على أن أجل العقد يكون باطلاً عندما يكون إبرام هذا العقد، بسبب إدراج الأجل، مخالفاً للقانون بموجب الأنظمة أو حيث ينص العقد على القيام بفعل ما يكون مخالفاً للقانون بموجب الأنظمة. بحسب وجهة نظرنا، لأن الجملة الأخيرة من البند 8 (1) تخالف كلا النظامين رقم 6 (1)(أ) ورقم 6 (1)(ج)، فيكون إذا باطلاً، إلا إذا كان يندرج تحت النظام رقم 7.

النظام رقم 7:

27- طلب وكيل السيد جيفراج الإستناد الى الفقرة الفرعية (3) من النظام رقم 7، مجادلاً بأن السيد جيفراج، كفرد ينتمي الى الطائفة الإسماعيلية، لديه معتقدات معينة مبنية على الدين أو المعتقد، وبأنه نظراً إلى طبيعة مهمة المحكمين، فإن الأنتماء الى الطائفة الإسماعيلية هو شرط مهني أساسي للتعيين يكون تطبيقه مناسباً، ولا يمكن لأي شخص لا ينتمي الى الطائفة الإسماعيلية أن يتوافر فيه.

28- قبل القاضي هذه الحجة. واعتبر أنه يجب اعتماد مقاربة صارمة عند النظر في ما إذا كان هذا الإستثناء قابل للتطبيق. مع الأخذ في عين الإعتبار تاريخ الطائفة الإسماعيلية وتطورها، اعتبر القاضي أن أحد أبرز وأهم اتجاهاتها السائدة هي الحماسة لحلّ النزاعات الموجودة في الطائفة. لم يكن من الصعب عليه أن يستنتج أن هذه الإتجاهات "معتقدات قائمة على الدين" بالمعنى المنصوص عليه في النظام رقم 7 السائدة هي (3)

29- إن ما توصل اليه القاضي حول طبيعة الطائفة الإسماعيلية ومعتقداتها لم تنقض، ولكن بحسب وجهة نظرنا، فشل في إيلاء الشروط الأخرى الواردة في النظام رقم 7 (3) الإهتمام الكافي، وخاصة، بالنظر الى معتقدات هذه الطائفة وطبيعة مهمة المحكم، إذا كان الإنتماء الى الطائفة الاسماعيلية هو شرط مهني أساسي لإقالته وفقاً للأصول. لو كان البند التحكيمي قد خول الهيئة التحكيمية سلطة الفصل في النزاع، وفقاً لقواعد العدل والإنصاف، لكان من الممكن أن نبين أن من ينتمي الى الطائفة الإسماعيلية فقط يمكن أن نتوقع منه أن يطبق المبادئ الأخلاقية وأن يفهم العدالة والإنصاف المعروفة بشكل عام في هذه الطائفة، كما يتم تطبيقها بين أفرادها، ولكن طبيعة مهمة المحكمين تحت البند 8 (1) هي فصل النزاع بين الأطراف وفقا لمبادئ القانون الإنكليزي. إن ذلك يتطلب بعض الإلمام بالقانون المذكور في حد ذاته، بما في ذلك أحكام قانون التحكيم لعام 1996، كما القدرة على السير بالإجراءات بإنصاف وفقا لقواعد العدالة الطبيعية، ولا يستلزم أية معتقدات معينة. إن الإنتماء الى الطائفة الإسماعيلية ليس ضرورياً لإقالة المحكم من مهماته وفقاً لاتفاق من هذا النوع، كما يظهر جلياً ولا نستطيع أن نقبل، تبعاً لذلك، بإثارة الإستثناء المنصوص عليه في النظام رقم 7 في هذه القضية.

30- يترتب على ذلك أن الجملة الأخيرة من البند 8 (1) من العقـد مخالفـة للأنظمـة وباطلة. الفصل:

31- نتيجة لذلك، تطرح مسألة ما إذا كان من الممكن فصل شرط انتماء المحكمين الى الطائفة الإسماعيلية، مع ترك البند التحكيمي صحيحاً، أو ما إذا كان يعتبر البند التحكيمي لاغياً بأكمله. من المقرر، أن البند التحكيمي يجب النظر إليه كعقد منفصل عن اتفاقية التعاون المشترك في حد ذاتها، وإن يكن ملحقاً بها. وقد كان من المقرر أيضاً أن الجملة الأخيرة من البند 8 (1) من الممكن شطبها دون أن يصبح الباقي مجرداً من أي مفعول. إن فصل جزء من البند بهذه الطريقة ممكن فقط، إذا لم تجعل عملية الفصل تلك ما تبقى من هذا البند شيئاً مختلفاً اختلافاً جوهرياً عما أراده الأطراف أصلاً. أما إذا كان من شأن ذلك التأثير بشكل جوهري في ما تبقى من البند، فإما أن يؤخذ به أو أن يسقط ككل. بناء على ذلك، تكمن المسألة المطروحة في سياق هذه القضية، فيما إذا كان الإتفاق التحكيمي الذي لا يشترط أن يكون المحكمون من أفراد الطائفة الإسماعيلية يختلف اختلافاً جوهرياً عن الإتفاق الذي يشترط ذلك.

32- اعتبر القاضي أن البند لا يمكن أن يستمر بصيغته المعدلة، لأنه ينطوي على اتفاق مصوغ بعبارات دقيقة للتخلي عن فصل النزاعات من قبل المحاكم، وإن حذف الجملة الأخيرة قد يؤدي الى إعادة صياغة هذا الإتفاق. وعبر عن وجهة النظر القائلة بأن اختيار التحكيم وسيلة لحل المنازعات تنطوي على مجموعة كبيرة من الإعتبارات بما ذلك الخصوصية وحق الإستئناف والكلفة وحجم الهيئة التحكيمية والقدرة على تحديد كيفية تشكيلها. اعتبر أن حذف شرط انتقاء المحكمين من الطائفة الإسماعيلية، مع ما يرتب ذلك من امكانية لزيادة تكاليف الإجراءات، قد يجعل العملية بكاملها مختلفة اختلافاً جوهرياً عن تلك المتوخاة أصلاً.

33- اعتمد الوكيل القانوني للسيد جيفراج التحليل الذي أورده القاضي، لكن وكيل السيد هشواني عرض أن وجهة نظر القاضي المذكور كانت خاطئة، وأن الاتفاق التحكيمي من الممكن أن يبقى صحيحاً دون أي تقييد. يجوز للسيد هشواني تعيين محكم من اختياره؛ إذا أراد السيد جيفراج تعيين محكم من الطائفة الإسماعيلية فتكون له الحرية للقيام بذلك وفي أي حال من الأحوال يكون العضو الثالث في المحكمة من الطائفة الإسماعيلية، بما أن أحداً ما كان يسعى الى نقض التعيين التعاقدي للمحكم الثالث. يمكن للمرء أن يضيف (على الرغم من أن وكيل السيد هشواني لم يعبر عن ذلك صراحة) أن التكاليف قد تكون مسألة مهمة بالنسبة الى الهيئة التحكيمية التي قد تتمتع بسلطة تقرير قيمة التكاليف التي تكبدها السيد هشواني والتي يحق له استردادها إذا ما كسب الدعوى.

34- على الرغم من أنه لن تكون هناك أية صعوبة في إعمال البند التحكيمي، إذا ما حذفت الجملة الأخيرة، إلا أننا نعتقد أن القاضي كان على حق عندما اعتبر أن من شأن ذلك أن يجعل الإتفاق التحكيمي مختلفاً اختلافاً جوهرياً عما كان مقرراً في الأساس. يجوز للأطراف الإتفاق على إحالة النزاعات الى التحكيم لعدد كبير من الأسباب، وقد تؤثر عدة عوامل على كل واحد منهم بشكل كبير وبطريقة متفاوتة. والخصوصية هي في كثير من الأحيان عامل محفز، ولكن القدرة على التأثير في عملية تأليف الهيئة التحكيمية من خلال تعيين أحد أعضائها غالباً ما تعتبر ذات أهمية أساسية. بمساواة ذلك، إن القدرة على حصر عملية التعيين بأشخاص يتمتعون بخبرة أومؤهلات محددة قد تكون عصيبة في نيل موافقة أطراف التحكيم. من وجهة نظر موضوعية وبالرغم من أن هذه الخبرة أو المؤهلات قد لا تكون مطلوبة لحل النزاعات بطريقة عادلة وفعالة، إلا أن وجهة نظر الأطراف لهذه المسألة تستحق الإحترام. اشترط الأطراف في القضية الحاضرة انتقاء المحكمين من الطائفة الإسماعيلية ولا شك في أنه كان لديهم سبب وجيه للقيام بذلك. بحسب رأينا، إن هذا الاختيار يجب الأخذ به كجزء لا يتجزأ من الإتفاق على التحكيم ولا يجوز إهماله، وكأنه من دون أهمية. لذلك، نوافق القاضي على أن البند 8 (1) يجب الأخذ به أو إهماله ككل، وإذا كانت الجملة الأخيرة باطلة فإن ما تبقى من البند لا يمكن الأخذ به.

خاتمـة

35- لهذه الأسباب توصلنا الى استنتاج مفاده أن البند 8 (1) من اتفاقية التعاون المشترك هو باطل بكامله، وأن الإستئناف يجب أن يكون مسموحاً لإبطال الإعلان الأول الذي قام به القاضي. ويترتب على ما ذكر في المقاطع 31 الى 34 من هذا الحكم أن الإعلان الذي قضى باعتبار تعيين السيد هشواني للسير أنطوني كولمان محكماً هو تعيين غير صحيح، يجب التصديق عليه.

تعليق البروفسور جورجيو برنيني (ايطاليا) لل

- فارق بين التمييز المعقول والمقبول والتمييز المفرط الذي يجب أن يحظر لأنه يبدو مغيظاً.

- ان للأطراف الحق في خيار واسع في اختيار المحكمين شرط الا يكون هذا الخيـار مـجـرد نزوة... واختيار المحكمين من "قائمة" ليس نزوة! ويمكن أن تعادل الاشارة الـى اعـضاء محترمين من الطائفة الاسماعيليـة، الاشارة إلى نظام "القوائم" في التحكــم وهـو لـيس تمييزا.

1. خلفية الوقائع:

   تعد الاحكام المتضاربة التي وضعتها المحكمة التجارية ومحكمة الاستئناف (الشعبة المدنية) في قضية "جيفراج" ضد "هشواني" في غاية الاهمية، لأنها تعالج بعض القضايا التي من المحتمل أن تؤثر الى حد كبير في عدد من القوانين والمبادىء المطبقة على التحكيم المحلي والدولي.

   ان نقطة انطلاق الحكمين تستدعي تفسيراً لاتفاقية التحكيم التي يصح اعتبارها غير عادية، الى حد ما. في الواقع انه من المألوف أن يتطلب الاطراف، عند صياغة اتفاقية التحكيم، توافر مجموعة معينة من المؤهلات تنطبق على المحكمين، وبالتالي تؤثر في تشكيل هيئة التحكيم وتنفيذ الاجراءات .

   هذا بالتأكيد ليس بجديد. فمنذ قرون مضت، ناقشت المؤسسات التجارية بنود العقود التجارية التي تنص على التحكيم، وتقليديا تعتبر لندن الانسب لتسوية نزاع معين a forum conveniens (لحظ التحكيم في لندن)

   وقد ذكر اخيراً ميخائيل موستيل Michael Mustill أن " آليات حل الخلافات في العالم التجاري في مرحلته ما بعد الكلاسيكية كانت تجري داخل جماعات تتألف، اما من مشاركين في تجارة فردية، واما من أشخاص مسجلين في هيئات منشأة برعاية ورقابة المراكز التجارية الجغرافية" وتستمد قوتها منها. وعلى نحو متواصل، لاحظ رينيه دافيد أو أوجينيو مينولي أن "التحكيم نشأ في الماضي كأداة في بناء مؤسسة السلام، والغرض منه كان الحفاظ على الوئام بين الأشخاص".

   بعد أن اعتمـد الرأي المذكور أعلاه، أشار فابريتزيو ماريلا الى "أن مفهوماً، دون أي شك، قريباً جداً من القيم الدينية والاخلاقية السائدة تقليدياً في العديد من البلدان والمناطق، تجسد الآونة الاخيرة بشكل متزايد لمصلحة الوسائل البديلة لتسوية المنازعات. لا يزال التحكيم البحري والتحكيم المتعلق بالبضائع يتصفان بحقيقة أن المحكمين ينتمون الى "مجموعة" محددة، وربما يعود حسن سير التحكيم الى المهارات المهنية والحيادية واستقلال هؤلاء الاشخاص أنفسهم .

    تقوم الملاحظات المذكورة أعلاه على أسس متينة بناء على حقيقة لا تقبل الجدل: وهي أن عددا متزايداً من البلدان تستخدم التحكيم الدولي. ومع ذلك، لا تزال هذه البلدان تختلف اختلافاً كبيراً في الخلفية السياسية والثقافية وفي الخبرة في التحكيم. في بعض الاماكن، يعامل التحكيم الدولي بتحفظ، خاصة عندما تكون الدول ذات سيادة أو الهيئات العامة طرفاً في هذا التحكيم؛ وفي حالات أخرى، يكون مقبولاً كحقيقة من الواقع، خاصة في التجارة الدولية". يستدعي هذا الوضع حذراً أولياً لا غنى عنه. وينبغي أن يتسم الاستخدام الموسع للتحكيم الدولي بوعي في ما يتعلق بالاختلافات القائمة في العديد من البلدان و/أو المناطق. لا تقتصر هذه الاختلافات على المجال القانوني، ولكن تتطرق الى المسائل الاجتماعية والسياسية والدينية على حد سواء، رحبت التشريعات المحلية التي تسعى جاهدة للتوحيد أو، على الاقل، للتجانس، بتطوير التحكيم الى حدّ كبير. وقد أنشئت هيئات التحكيم والمؤسسات في مختلف أنحاء العالم بهدف تعزيز التحكيم المستوى الاقليمي .

    تكشف الحالة المذكورة أعلاه أن الشخص معرض لمواجهة ظاهرتين يحتمل أن تكونا متضاربتين، فهي موجودة وممثلة، في الواقع، في المسألة الرئيسية في هذه القضية. من جهة، هناك حاجة الى التنسيق على المستوى العالمي لتلبية احتياجات المؤسسات التجارية العاملة في اطار ما يسمى السوق العالمية. ومن جهة أخرى، من المرجح أن يؤدي بروز الخلافات على المستوى الوطني و/أو المحلي الى وضع حواجز ثقافية وقانونية لا تؤثر فقط في استخدام التحكيم الدولي على الصعيد العالمي، ولكن من المرجح أن تضعف الميزات الاساسية للتحكيم كأداة مقبولة لحل النزاعات.

    هذه النتيجة غير المرغوب فيها قد تكون ناجمة عن الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف هذه القضية. وكاجراءات تصحيحية، وعلى أمل أن تنقض المحكمة العليا قرار محكمة الاستئناف، يمكن تلخيص بعض الحجج الأساسية عن طريق اقتراحات جديرة بالاعتبار.

    يهدف التحكيم الدولي، مقارنة بالتحكيم المحلى، إلى تلبية الاحتياجات العامة التابعة من التعاون التجاري والاقتصادي على المستوى العالمي. ينبغي التشديد على تضافر هذه الاحتياجات في مختلف أنحاء العالم والسعي إلى الاتفاق على عدد من المبادىء المقبولة عموماً، إذا كان التحكيم في اطاره الدولي. يجب على قدر المستطاع عدم وضع التشريعات الوطنية في تنازع مع المبادىء العامة المعترف بها دولياً.

    تشكل هذه المبادىء التعبير الخارجي لمتطلبات العدالة والشرعية الاساسيتين، وهذه المبادئ ينبغي ان تعتبر كضمانات للأطراف وللمحكمين، وهي غير قابلة للتصرف بها. ان الامتثال للمبادىء المطروحة سوف يكون لمصلحة استخدام التحكيم الدولي، وذلك من منظور قانوني، ثقافي، وجغرافي سياسي أوسع، وبالتالي لتجنب أوجه اختلاف مع القواعد الوطنية غير مرغوب فيه. من أجل ضمان الانسجام، يجب على المحكمين قبل كل شيء أن يلتزموا بشدة بنية الاطراف التعاقدية، في ما يتعلق بتنفيذ اجراءات التحكيم التي تتميز عن اجراءات التوفيق. ان التوفيق المشار اليه من ضمن تقنيات الطرق البديلة لحل النزاعات، له مزاياه المهمة، ولكن ينبغي اتمامه فقط عندما يطلب الافرقاء ذلك.

    ويجوز للمحكمين تسوية النزاع عن طريق الانصاف، أو حسب مبادىء العدالة والانصاف، أو كمحكمين بالصلح، وذلك فقط بناء على اذن صريح من الاطراف.

    ينبغي أن يتمتع المحكمون باستقلالية تجاه الاطراف، وحيادية، وألا تحصر مؤهلاتهم في ما خص الجنسية و/أو الدين و/أو المعتقدات السياسية.

   ان طريقة اختيار المحكمين وتعيينهم يجب أن تؤمن دوماً احترام استقلالية الاطراف الى أقصى حد ممكن، خاصة بالنسبة إلى المؤهلات المحددة لتعيين المحكمين.

    عند توقيع اتفاقية التحكيم، تعد الدول، والجهات العامة الأخرى، كأنها تنازلت عن أي من الامتيازات والحصانات السيادية أو كلها.

    في التجارة الدولية، لا يصح الاحتجاج بشكل مناسب بالقوانين الوطنية بهدف مخالفة الالتزامات التعاقدية التي تشمل الدول والجهات العامة الأخرى التي دخلت فيها بكامل حريتها، كما لا يسمح لها بالطعن بشكل مناسب، بعد نشوء الخلاف، في موقفها الشخصي للمثول في التحكيم.

    سواء كان التحكيم الدولي موضوع تشريعات وطنية ومحورها أو لم يكن، ينبغي أن يعترف المشرعون والسلطات القضائية الوطنية بخصوصيته، كما ينبغي أن تتكيف الى حد كبير أنظمته مع مبادىء تتوافق وأحكام معاهدة نيويورك لعام 1958، ومع الفلسفة التي ألهمت قانون الاونسيترال النموذجي.

   من خلال انشاء القواعد الاجرائية، على المحكمين أن يلحظوا وضع معايير عادلة تضمن من جملة أمور، حق الاطراف الاساسي في أن يسمعوا ويعارضوا على قدم المساواة.

    في التجارة الدولية، أن الأسباب التي بموجبها يبطل القرار التحكيمي يجب أن تتطابق مع الأسباب التي بموجبها يرفض الاعتراف وتنفيذ هذا القرار، وان نطاق هذه الأسباب يجب أن يتوافق الى حد كبير مع أحكام اتفاقية نيويورك لعام 1958.

    ينبغي تفسير السبب المبني على النظام العام بشكل ضيق عندما يثار في مجال التجارة الدولية، وينبغي أن يقتصر نطاقه على النظام العام الدولي الذي يقابله النظام العام الوطني (أو المحلي). وأيضاً عند الضرورة القصوى، ينبغي الاستناد الى النظام العام الوطني فقط، كما ينبغي الحفاظ على ارادة الاطراف المشتركة بقدر المستطاع كتعبير عن سلطتهم التعاقدية.

ومن هنا، احدى أهم سمات التحكيم (ان لم تكن الأهم) هي الامكانية المفتوحة أمام الاطراف لاختيار المحكم الخاص بهم (وتحمل مخاطر هذا الخيار)، وهو أمر في حد ذاته يبرر الحاجة إلى وجود نظام خاص (دولي ووطني) للحفاظ على التحكيم كعملية مختلفة عن المقاضاة أمام محاكم الدولة الوطنية.

   اذاً، ليس من المفاجيء أن نجد شروط تحكيم تحوي متطلبات في ما خص الجنسية وغيرها من الصفات الخاصة بالمحكم: وهي تعبير عن مبدأ أساسي يتعلق بسلطة الاطراف. ولكن الى أي مدى يمكن ان نصل في تحديد المتطلبات الخاصة بالمحكمين في ظل الاحترام الكامل لهذه المبادىء المشار اليها أعلاه؟

    وبصفة عامة، تم دوماً تجنب تقييد حرية الاطراف حتى عندما كانت تنتج منها اتفاقيات تنص على تعيين المحكمين على أساس الجنسية، الدين أو المعتقد، السن، العرق، الجنس أو الميول الجنسية. فلطالما اعتبر اتفاق الاطراف على مثل هذه الامور حجر الاساس في عملية التحكيم، ولكن شرط أن تكون ارادة هذه الاطراف حقيقية ولا يعيبها الخطأ، الغش و/أو غيرها.

   والمثير للاهتمام هو أن، لكل من غرفة التجارة الدولية (مادة 9(1)) ومحكمة لندن للتحكيم الدولي (مادة 6) قواعدها التي تنص على تعيين المحكم على أساس الجنسية لضمان حياد المحكمين (مثلاً رئيس محكمة التحكيم) وقد ثبت نجاح هذه الممارسة في حل النزاعات. ويمكن قول الشيء نفسه عن المؤسسات الدينية التي تؤمن خدمات تحكيم لأفراد مجتمعها، بما في ذلك البيت الديني للمجتمع اليهودي .

    في هذا السياق، يمكن للمرء أن يلاحظ أن محكمة الاستئناف في المملكة المتحدة الناظرة في قضية "هشواني" ضد "جيفراج" قد نصت على "حل انكليزي" لمشكلة معقدة تتخطى الحدود القومية. وبالتالي، يعتبر التفسير الصحيح لهذه الحالة مفيداً لتوضيح القضايا المطروحة ولبدء نقاش حولها، وفي هذا الصدد، الجدير بالملاحظة هو التذكير بأن قرار محكمة الاستئناف سبق أن أحيل أمام المحكمة العليا، وأنه سبق أن استمع الى الدعوى". ويفترض أن يصدر الحكم في المستقبل القريب جدا.

2. المسائل المطروحة في هذه القضية:

    بعد هذه المقدمة الهادفة إلى وضع القضية في اطارها الصحيح، سوف نستعرض بعض الملاحظات بالنسبة الى مسألة محددة تهدف الى تحديد ما إذا كان ممكناً أن تنص اتفاقية تحكيم على انتماء المحكم الى دين معين، وهي مسألة تتعلق بقضية أوسع نطاقاً وهي تطبيق حقوق الانسان في اتفاقيات التحكيم التجاري الدولي. بالاضافة الى ذلك، سيناقش ما اذا كان المحكم "موظفا" لدى الاطراف، وأخيراً، سواء أكانت أو لم تكن اتفاقية التحكيم التي تنص على انتماء المحكم الى دين معين باطلة.

    في القضية المطروحة هنا، ومن جملة ما اتفق عليه الاطراف، نجد ما يلي: "(1) اذا نشأ في ما بعد أي نزاع، اختلاف أو تساؤل في أي وقت بين المستثمرين في ما يتعلق بانشاء هذه الاتفاقية في شأن أي شيء وارد أو ناشيء من هذه الاتفاقية أو في ما يتعلق بحقوق، التزامات أو واجبات المستثمرين أو أي منهما، أو التي تنشأ (بدون قيود) من أي من الشركات أو أنشطة المشروع المشترك المتفق عليها في هذه الوثيقة (مع مراعاة البند الفرعي 8(5) أدناه) وقد اتفق هنا، أن هذه الأخيرة نفسها سوف تحال الى ثلاثة محكمين (يتصرفون بالاغلبية) يعين واحد من كل طرف و يكون المحكم الثالث رئيس المجلس الوطني لصاحب السمو الآغا خان في المملكة المتحدة في الوقت الحاضر. يتعين على جميع المحكمين أن يكونوا أعضاء محترمين في المجتمع الاسماعيلي وأصحاب المناصب العليا داخل المجتمع.

    (2) يجري التحكيم في لندن ويكون قرار المحكمين نهائياً وملزماً لكلا الطرفين.

3. الشرط التحكيمي:

    عام 1981، أبرم السيد "جيفراج" والسيد "هشواني" اتفاق مشروع مشترك متعلق بالاستثمار في القطاع العقاري حول العالم. تضمن الاتفاق شرط تحكيم يفرض أن "يكون جميع المحكمين أعضاء محترمين في المجتمع الاسماعيلي وأصحاب المناصب العليا داخل هذا المجتمع."

     ان مسلمي الطائفة الاسماعيلية الشيعية يشكلون مجتمعاً أخلاقياً وثقافياً معروفاً ويمكن التعرف اليه جيداً، ويرأسه صاحب السمو الامير كریم آغا خان بصفته زعيمهم الروحي. سترد لاحقاً اشارة اضافية الى السمات التي تميز الطائفة الاسماعيلية، تتعلق بجوهر معرفة ما اذا كان المجتمع الاسماعيلي، في السياق المحدد لشرط التحكيم، يعبر عن القيم وقواعد السلوك والمبادىء الاخلاقية المتعلقة بتسوية المنازعات ويكون قابلاً لدعم وتأكيد أعراف فريدة من نوعها على نحو سليم (مثلاً الاعراف المقبولة) تكون متجذرة بعمق ونابعة من التقاليد التاريخية والثقافية، وهذا ما يمكن أن يقال لوصف المجتمع الاسماعيلي على هذا النحو .

4. النزاع والأحكام المتضاربة الصادرة عن المحكمة التجارية ومحكمة الاستئناف:

     عام 1988 قرر الاطراف وضع حد لاتفاق المشروع المشترك، وتعيين ثلاثة أعضاء من الطائفة الاسماعيلية كموفقين في عملية قسمة الاعيان. لم يتمكنوا من تسوية جميع المسائل حبياً عن طريق التوفيق فبقى بعضها دون حل.

    وبناء على ذلك، أكد السيد هشواني عام 2008 مطالبه، وبلغ السيد جيفراج أنه عين السير أنطوني كولمان محكماً مختاراً. ناقش السيد هشواني هذا الواقع، معتبراً أن اشتراط تعيين عضو من الطائفة الاسماعيلية محكماً باطل في ضوء الأحكام المناهضة للتمييز في قانون التوظيف الانكليزي، ولا سيما أنظمة 2003 المتعلقة بالمساواة في التوظيف (الدين والمعتقد) (فيما يلي "الانظمة").

    رفض السيد جيفراج هذا الادعاء، ومن ثم أحيل النزاع المتعلق باشتراط تعيين عضو من الطائفة الاسماعيلية كمحكم إلى المحكمة التجارية. أصدر المستشار السيد ديفيد ستيل حكمه لمصلحة السيد جيفراج. ووضعت المحكمة التجارية مبدأ وهو أن العلاقة بين المحكم وأطراف التحكيم ليست عقد عمل يندرج في نطاق الانظمة. وعلاوة على ذلك، حتى لو لم يكن الأمر كذلك، رأت المحكمة أن القضية تندرج في اطار الاستثناء الوارد في الانظمة في ما خص المتطلبات المهنية العامة.

   استأنف السيد هشواني القرار. قبلت محكمة الاستئناف حجته، ووجدت أنه يجب اعتبار المحكمين "كالموظفين" لأغراض الانظمة، لأنهم يتصرفون بموجب "عقد شخصي للقيام بأي عمل". من خلال هذا التعليل، اعتمدت محكمة الاستئناف تفسيراً واسعاً للأنظمة، بمعنى أنه تم تحديد الغرض من هذه الانظمة بصورة عامة مع تعزيز المساواة والقضاء على التمييز غير المبرر. بناء على ذلك، ردت محكمة الاستئناف قرار المحكمة التجارية الذي استثنى المحكمين من شرط الانتماء الى الطائفة الاسماعيلية. كما رأت محكمة الاستئناف أنه اذا وجد أحدهم أن اختيار المحكم على أسس دينية يخالف المحظورات المنصوص عليها في الانظمة، عندها سيترتب على ذلك منطقياً أن الشرط الذي يقتضي انتماء جميع المحكمين الى الطائفة الاسماعيلية لا يمكن فصله عن باقي اتفاقية التحكيم، بحيث تصبح كامل الاتفاقية، كما وافق عليها الطرفان لاغية وباطلة.

ان تقلبات الحال الراهنة تضع موضع تحقيق عدداً من المسائل المهمة التي تمس قواعد ومبادىء تخطت بمداها حدود نطاق قانون التحكيم، كونها تعالج الانتظام العام الدولي والمحلي (ordre public)، مسائل تتعلق بقانون الالتزامات التعاقدية عموماً، العلاقة بين الاطراف والمحكمين، الحياد الثقافي والعدالة التحكيمية؛ الفصل والاستقلالية عن الشروط التعاقدية.

5. طلب تعيين محكم واشتراط انتمائه إلى الطائفة الاسماعيلية:

   يتضح من الحكمين أن طلب تعيين محكم قدم عملاً بالفقرة 18 (2) من قانون التحكيم الانكليزي لعام 1996. وقد أسند الطلب إلى افتراض أن شرط انتماء المحكمين الى الطائفة الاسماعيلية، على الرغم من قانونيته عند ابرام الاتفاق، قد أصبح غير قانوني وباطلاً لمخالفته أنظمة عام 2003 المتعلقة بالمساواة في التوظيف (الدين والعتقد). كما فكر السيد هشواني بالاعتماد على قانون حقوق الانسان لعام 1998 كعبارة عن قيم الانتظام العام دعما لقضيته. وعلاوة على ذلك، وضعت الانظمة لتفعيل توجيه المجلس الاوروبي 2000/78/EC الذي أرسى اطاراً للمساواة في المعاملة في التوظيف والمهنة. يتعلق هذا التوجيه (رقم 8 من قرار المحكمة التجارية) بالتمييز على أساس الدين أو المعتقد، العجز، السن أو الميل الجنسي. لذا فهو أوسع من حيث نطاقه من الانظمة المتعلقة فقط بالتمييز على أساس الدين أو المعتقد.

    يكمن التفسير في حقيقة أنه سبق للمملكة المتحدة أن أدخلت تشريعات تعالج موضوع التمييز في ما خص معظم الأسباب الاخرى الواردة في التوجيه المتعلق بالتوظيف والمهنة. وقد أشير بالتفصيل في كلا الحكمين الى التشريع الذي يحظر التمييز على أساس الجنس والميل الجنسي، العرق، العجز، السن والدين أو المعتقد.

    تشير وجهة نظر محكمة الاستئناف الى أن الانظمة تتبع عن كثب التشريعات السابقة، ولا سيما في تحديد "التوظيف" بطريقة كما لو كانت تشمل عقداً شخصياً للقيام بعمل من أي نوع. يترتب على ذلك أنه يجدر تعريف نطاق التمييز غير القانوني بمعنى أوسع، بحيث، كما أقرته المحكمة نفسها، يكون لقرارها أهمية أوسع بكثير من القضية الراهنة.

6. المحكم ليس موظفاً:

     يثير إدراج المحكمين في نطاق عقد توظيف عدداً من التعقيدات والارتباكات المبنية على أسباب سليمة. تجمع الاطراف والمحكمون علاقة بموجبها يختار المحكم لغرض الاستماع الى "ادعاءات" الاطراف ولإصدار الحكم بينهما، الذي يكون ملزماً (القرار التحكيمي) للأطراف بموجب القانون.

    من وجهة نظر القانون المدني، تصنف العلاقة قانوناً كما لو كانت عقد توكيل، مجاني في أصله التاريخي، وموافق عليه لمصلحة الاطراف المشتركة. أما في اطار القانون العرفي، علما أن عنصر المجانية المذكور أعلاه يصطدم مع مبدأ العوض، تدخل العلاقة بين الاطراف والمحكمين بصورة عامة ضمن نطاق علاقة وكالة.

    سواء كان الامر، من وجهة نظر قانونية بحتة، أن اتفاق التحكيم ينطوي على تنازل عن الولاية القضائية في ظل القانون المدني، أم في اطار القانون العرفي، تكون الموجبات المتبادلة التابعة من علاقة الوكالة باعثاً على شرط تعليق ينص على واجب أن تنفذ اجراءات التحكيم قبل تقديم أي طلب أمام القضاء. منطقيا وبالتماشي مع ذلك، اذا رفعت الدعوى أمام محكمة العدل قبل بدء التحكيم، في اطار القانون المدني، سوف يعد القاضي أنه أنها غير مختصة ، أما في القانون العرفي، فسيصدر القاضي أمراً بوقف الاجراءات.

    مرة أخرى، من الامور المشتركة لكلا النظامين هو الاستنتاج أن المحكم، سواء اعتبر مفوضاً أو صنف في خانة علاقات التوكيل، فهو يتصرف باستقلالية تامة، يمارس (أو تمارس هيئة التحكيم) مهنته بحرية في غياب أي تبعية في ما يتعلق بالاطراف الذين عينوه، المفوضين المشتركين أو الاشخاص الذين يملكون مجتمعين سلطة تعيين وكيل كما قد يتم تصنيفهم .

7. هنالك حاجة ماسة لتحقيق توازن عادل ومستقر بين النطاق الذي يحظر التمييز والمجال الذي يتمتع فيه الاطراف باستقلالية في وضع أحكام العقد وشروطه، بما في ذلك الاتفاق على التحكيم:

    إن التمادي في تطبيق مبدأ حظر التمييز، سوف يؤثر سلباً في استقلالية الاطراف، خاصة على حق هذه الاطراف ومصلحتها في ادراج مؤهلات تفصيلية تراها من جوهر اتفاقية التحكيم، وبشكل عام في الفرض المسبق للقواعد التي تجيز بشكل معقول التحكيم، كما وضع حد له بطريقة صحيحة. أن حظر التمييز بشكل مطلق قد يؤدي الى شل التحكيم، لأنه بالكاد يمكن للمرء تصور أن الاطراف لم يضعوا أي قاعدة في شأن مؤهلات المحكمين والطريقة التي من خلالها ستتم الاجراءات. من الواضح أن وضع قواعد صارمة جداً سيؤدي الى استبعاد عدد أكبر من الاشخاص من امكانية تعيينهم كمحكمين. ومع ذلك، يجب اعتبار وجود المبادىء التوجيهية عند الاختيار، وبالتالي عند تحديد طريقة عمل modus operandi المحكم كواقعة من الحياة. يترتب على ذلك، أنه كلما اعتبرت الشروط والمؤهلات الموجودة كشرط أساسي ولازم لاختيار مرشح مناسب، يتم حتماً استبعاد الشخص الذي لم يصلح في أن يكون محكماً.

ولكن هذا لا يعني أن كل استبعاد يتساوى مع التمييز. بالعودة الى الواقع، يبدو من العادل والمشروع، التحديد الحسن النية والمعقول، للفرق بين "التمييز المعقول" والمقبول على هذا النحو، و"التمييز المفرط" الذي سوف يحظر. يبدو من المستحيل، لدرجة أن يصبح مغيظاً، التطبيق العشوائي وغير المميز للقواعد والمبادىء الواسعة بغية منع جميع أنواع التمييز. أي خيار يسبب انتقاء على أساس مواصفات محددة سلفا. وسوف يكون التناقض ظاهراً، اذا سمح لشخص استبعد الادعاء بالتمييز لعدم وجود المؤهلات المناسبة والمشروعة.

    من شأن ذلك وفي كل الظروف أن يكون صحيحاً، خصوصاً في مجال التحكيم، حيث يجدر أن يتم كل تقييم يتعلق بالنموذج الأولي للمحكمين المطلوبين، الذين يختارهم طرف ما، بطريقة أن تؤخذ كل حالة على حدة. قد تكون هنالك حالات لا تستلزم ميزات خاصة في ما يتعلق بالمحكمين، وحالات على العكس، يطلب فيها من الشخص المصنف محكماً، مؤهلات خاصة لاتمام مهمته.

8. الانتظام العام (ordre public) كحد حاسم بين التمييز المقبول والتمييز المحظور:

    هل يمكن التذرع بالانتظام العام كحقل اختبار للحكم على حدود مشروعية التمييز؟ من حيث المبدأ، الجواب ايجابي، ولكن عملية الانتقاء ليست سهلة التطبيق. أن نطاق هذه المسألة ونهايتها يبدوان واضحين تماماً: حتى ولو سلمنا بأن الاطراف قد يضعون معايير تصنيف صارمة، عرضة لزيادة عدد الاشخاص المحتمل استبعادهم، هل بإمكان أحد أن يثير مجموعة قواعد الانتظام العام (ordre public) و/أو غيرها من المبادىء التي تهدف إلى الحفاظ على المصلحة م العامة عموما؟

    نقول بحذر أن الجواب ايجابي، بمعنى أن المشكلة تطرح نفسها مع ذات الحدود الموجودة كلما اعتبر العقد لاغياً وباطلاً عموماً، وذلك كلما خالف قواعد الانتظام العام و/أو غيرها من القواعد التي يحظر على الاطراف التحايل عليها.

    لا يصح اعتبار أن كل أنواع التمييز تتعارض مع قواعد الانتظام العام، كذلك لا يمكن اعتبار أنها تقيم بالاشارة الى الانتظام العام المحلي والدولي، حسب ما تكون الحالة. وبشكل أكثر دقة، وبالاشارة الى المبادىء المتعلقة بالتحكيم، يجب أن يقتصر أثر التمييز الذي يعرض اتفاقية التحكيم للابطال والالغاء على حالات يكون فيها حق الاطراف في وضع القواعد والمواصفات التي تنظم التحكيم معاباً بمبررات متقلبة و/أو بلا فائدة.

     هذه هي القضية التي يشار اليها لتبرير عدم تأييد قرار محكمة الاستئناف، وذلك على الأغلب لسببين. في المقام الأول، لم يعط الأهمية الكافية لتعريف التمييز بعبارات عامة. وفي المقام الثاني، لم يدرس بالاهتمام المطلوب والمتوقع عند مواجهة قضية من هذا القبيل وبهذا الزخم، الأهمية المحتملة للعضوية في الطائفة الاسماعيلية في ما يتعلق بالتعيين في مهمة المحكم.

    يوفر القرار توضيحاً عن الطائفة الاسماعيلية الذي لا يخترق القيم الاساسية لمجتمع من هذا القبيل، ولا سيما فيما يتعلق بتحديد الصفات التي يمكن أن تعتبر في وئام، وبالتالي متماسكة، مع صحة شرط التحكيم.

    أغفل القرار أن مناقشة هذه المسألة الحاسمة بعمق ما جعله عرضة للانتقاد، خاصة أن القدرة على حصر التعيينات بأشخاص من ذوي الخبرة الذين يملكون المواصفات المطلوبة، هي أمر أساسي بالنسبة الى اتفاق الاطراف على أن تحترم أرادتهم ونياتهم.

    في حالتنا الحاضرة، اشترط الاطراف أن ينتمي المحكمون الى الطائفة الاسماعيلية ومما لا شك فيه أنهم لديهم أسباب وجيهة للقيام بذلك. في الواقع، يجب أن ينظر إلى هذا الخيار كجزء أساسي من الاتفاق على التحكيم، وليس كشرط يمكن تجاهله، باعتبار أنه ليس ذا أهمية حقيقية. انه من الصعب على أحد أن ينكر واجب أن تقيم صورة الطائفة الاسماعيلية بعناية، لأنها تؤيد بوضوح التحكيم. وهذا أمر لا يمكن ويجب أن لا يتجاهل.

    9. ملاحظات حول الطائفة الاسماعيلية: في حالتنا الحاضرة، اشير الى الطائفة الاسماعيلية بصفتها طائفة مثيرة للإهتمام، خصوصاً كونها تمثل جزء من المجتمع الاسلامي. وبشكل أكثر دقة، يشار الى الاسماعيلية كثاني أكبر فرع من المعتقد والمذهب الشيعي. علاوة على ذلك، وكما أكد لورينزو أسانيو، قد يلحظ ترابط دقيق بين الطائفة الاسماعيلية وسلطاتها القضائية والرسمية، كما يظهر واضحاً من جملة أمور من خلال سلسلة من الوثائق التي تركز على مختلف الاجراءات، النماذج والقواعد لتسوية النزاعات داخل الطائفة، بغية إقامة نظام مؤسسي يهدف الى تشجيع حل الخلافات داخل الطائفة: وذلك بأسلوب أكثر ملاءمة، أقل تكلفة، وبالتأكيد أقل إزعاجاً مقارنة بالتقاضي أمام المحكمة. بالاضافة الى ذلك، يهدف النظام الى تعزيز الوحدة القانونية والقضائية لطائفة، كالطائفة الاسماعيلية، الموجودة في العديد من البلدان المختلفة، ولكنها تعمل على الصعيد الدولي، تحت السلطة العليا للإمام الذي يمارس سلطته في اطار احترام العادات، التقاليد وقوانين المسلمين الاسماعيليين .

 10. الطائفة الاسماعيلية بعبارات قرار محكمة الاستئناف:

    لم يتوان القرار عن استعمال العبارات عن " تاريخ الطائفة الاسماعيلية وتطورها"، ميزة مهمة تنبثق منها "حماسة لتسوية المنازعات، واردة في الطائفة الاسماعيلية" (رقم 28). ومع ذلك، اعتبر القرار أيضاً أنه " اذا مكن شرط التحكيم الهيئة التحكيمية من الحكم بمقتضى قواعد العدالة والانصاف، لربما كان من الممكن اظهار أنه بالنسبة الى الاسماعيلي، يجوز توقع تطبيق المبادىء الاخلاقية ومفاهيم العدالة والانصاف المعترف بها عموماً داخل الطائفة، كما تطبق على أعضائها، ولكن مهمة المحكمين بموجب الشرط 8 هي تحديد الخلاف بين الاطراف وفقا لمبادىء القانون الانكليزي. ذلك يتطلب بعضاً من معرفة القانون نفسه، بما في ذلك أحكام قانون التحكيم لعام 1996 والقدرة على تسيير الاجراءات بصورة عادلة وفقاً لقواعد العدالة الطبيعية، لكن ذلك لا يتطلب أي سلوك اضافي. من الواضح أن العضوية في الطائفة الاسماعيلية ليست ضرورية لأداء المحكم مهامه بموجب اتفاق من هذا النوع، وبالتالي نحن غير قادرين على قبول امكانية الاحتجاج في هذه القضية بالاستثناء المنصوص عليه في النظام رقم 7. يترتب على ذلك أن الجملة الاخيرة من الشرط 8 (1) الوارد في العقد يخالف الانظمة وهو باطل" (رقم 30).

    ولكننا باحترام، نرفض هذا الاستنتاج. ونسند هذا الرفض إلى الاستنتاجات المستخلصة من قانون الالتزامات التعاقدية الذي بموجبه يضع الاطراف بحرية القواعد الخاصة بهم بالنسبة الى المؤهلات المطلوبة لتعيين محكم، شرط أن تكون لديهم مصلحة حقيقية معقولة ومشروعة لوضع معايير ترمي الى الحد من نطاق خياراتهم.

    اذا اعتبر أحدهم، كما فعلت محكمة الاستئناف عند أخذ تاريخ الطائفة الاسماعيلية وتطورها في الاعتبار، أن هذه الطائفة هي التي نودع لديها "المبادىء الاخلاقية ومفاهيم العدالة"، عندها لا  حاجة إلى إفتراض ضرورة استخدام السلطات مبادىء الانصاف والعدالة. وكان سبق للاطراف ان وضعوا من خلال اتفاقهم المتبادل في العقد، معايير مهمة للعدالة التحكيمية. ويمكن اضافة أن وضع المعايير الخاصة ليس بجديد في مجال اتفاقيات التحكيم. وذلك كلما نصت هذه الاتفاقيات على احالة خلافات ذات طابع خاص الى التحكيم، فتعيين المحكمين يستلزم في الواقع مؤهلات خاصة. إنها الحالة من بين أمور أخرى حيث يتعامل المرء مع تحكيمات ذات قيمة أو مع تحكيم في مجالات تتطور حديثاً، وحتى من منظور تاريخي، نرى سوابق شهيرة تشير الى العلاقات بين التحكيم والطائفة في نظام النقابة، وفي ضوء ما ورد أعلاه، يستنتج أن قضية جيفراج تفتح مجالاً لنقاش ثقافي مثير للاهتمام، يتعلق بالنظرة الى التحكيم كوسيلة لتجسيد صوت المجتمعات التي تقوم على دين أو تقليد معين والتعبير عنها. وعلاوة على ذلك، فإن انطباعاً من هذا النوع يثير مسألة أوسع تتعلق بدور مجتمع ما، منظور اليه في جانبه الاجتماعي والسياسي، في ما يتعلق بتشكيل القواعد القانونية، الهيئات القضائية والتقاليد الدينية والعرفية. على سبيل المثال، نذكر مصطلحاً قانونياً مأخوذاً من القانون الروماني، يمكن التعريف عنه من خلال العبارة اللاتينية "ubi societas ibi ius" أي اذا كان هناك مجتمع ما، سوف يكون هنالك قانون، وبالتالي فإن هذا الجانب الاجتماعي والسياسي يحده تقييم جغرافي وسياسي.

    يشكل هذا الانفتاح على الغنى الثقافي "ضرورة" منهجية عند مواجهة تفسير اتفاقيات التحكيم المتعددة الجنسيات، مما أدى الى الحاجة الى ضمان الحياد الثقافي كشرط أساسي للعدالة التحكيمية. ينبغي أن يكون مفهوماً بشكل عام أنه من أجل أن يكون المرء محايداً ثقافياً، عليه أن يكون ملماً بشكل معقول بالمسألة المطروحة. تأسيساً على ذلك، يكون الافتراض الاساسي الذي يعتمد عليه الاطراف من أجل تحقيق الحياد مؤلفاً من شقين: الاول، يفترض مسبقاً معرفة تشمل البيئة حيث يجري التحكيم؛ والثاني الالزام بالتعبير عن موقف فكري وأخلاقي يجب التحقق منه في كل حالة على حدة، أي ضمن نطاق اختصاص المحكمين الخاص، بالنسبة للمسألة المنوطة بهم من خلال اتفاق الاطراف.

    لهذه الأسباب السالفة الذكر، ونظرا الى الاجماع على الميل نحو الطائفة الاسماعيلية في ما يتعلق بتفضيلها طريقة تسوية النزاعات خارج المحاكم، نستنتج أن الشرط الذي يقيد تعيين 50

المحكمين "بأعضاء محترمين من الطائفة الاسماعيلية" ليس باطلاً، وبالتالي يكون نطاقه التقييدي صحيحاً.

    أكثر من ذلك، لا يعتبر النطاق الذي من خلاله تم تقييم القيود التي وضعت لتعيين المحكمين عقد عمل. فالمحكمون ليسوا بموظفين. وكما أشير اليه أعلاه، أن مهمتهم قضائية بطبيعتها وعلاقتهم بالاطراف (جميع الاطراف وليس فقط مع الطرف الذي عين المحكم) تستوجب، على عاتق المحكم، أداء مستقلاً، وغير تبعي، لعمل تقديري هو بالمعنى الواسع "قضائي".

11. الانتظام العام كعنصر خارجي قد يؤدي إلى التعطيل:

   حتى ولو صح اعتبار الشرط الاسماعيلي صحيحاً في ضوء قانون الالتزامات التعاقدية، ذلك على كل الاتفاق، ولكن لا يزال هنالك اختبار آخر يتعين القيام به. أي اذا ما كان بالامكان تعطيل الشرط التعاقدي الصحيح الذي يضع مطلباً خاصاً لتعيين المحكم على أساس انتهاك مزعوم لمبادىء الانتظام العام التي تحظر التمييز. وذلك من أجل الحفاظ على الصالح العام الذي يدعو الى حماية الحقـوق الاساسيـة بما يعود بالنفع علـى جميـع يسري أعـضاء المجتمع التمييز.

    تشیر محكمة الاستئناف تحديداً الى القانون الانكليزي الذي يصح اعتباره صارماً في منع التمييز. مع ذلك على حد تعبير المحكمة، يسند التشريع الانكليزي في الواقع إلى مبادىء القانون الدولي، كما وردت بالتحديد في أنظمة المجلس، التي سبق ذكرها. يترتب على ذلك، أنه في ما يتعلق بالتأثير الاجمالي للمصادر الخارجية للمبادىء والاتفاقيات على الشروط التعاقدية التي اتفق عليها الاطراف، فإن مسألة التمييز المنبثقة من النظام الدولي لحقوق الانسان تستحق مرتبة الاولوية القصوى.

12. لا يقصد تطبيق معاهدة حقوق الانسان الاوروبية لعام 1950 على التحكيم الاختياري:

   يتضح من خلال تاريخ معاهدة حماية حقوق الانسان والحريات الأساسية تاريخ 4 نوفمبر 1950، أن الغرض من ورائها كان ادخال المسؤولية الدولية للدول لاعمال نظام المحاكم فيها؛ فلم يقصد بها أن تطبق على العدالة الخاصة. تشير صياغة المادة 6 الى "محكمة منصوص عليها في القانون". انما لا تشير الى محكمة تحكيمية، حتى لو أنشئت بموجب اتفاق بين الاطراف، فهي في نهاية المطاف قد تستمد قوتها الالزامية من القانون  .

    إن مفهوم التنازل التعاقدي من قبل المفوضية الاوروبية لحقوق الانسان تأسس منذ قرارها الاول الذي تناول مسائل تخص التحكيم، X v. Federal Republic of Germany وطورتها محكمة ستراسبورغ في Deweer v. Belgium، حيث نصت بوضوح على أن:

   " في النظام القانوني المحلي للدول الموقعة، كثيراً ما نصادف تنازلا من هذا النوع سواء في المسائل المدنية، لا سيما في شكل شروط تحكيم في العقود ... للتنازل مزايا لا يمكن انكارها بالنسبة الى الفرد المعني، كما بالنسبة الى اقامة العدالة، فهو من حيث المبدأ لا يسيء الى الاتفاقية ".

    أشير إلى الفكرة نفسها في Axelsson v. Sweden حيث لاحظت المفوضية أنه بقدر ما يرتكز التحكيم على اتفاق بين الاطراف في النزاع، يكون ذلك نتيجة طبيعية لحقهم في تنظيم علاقاتهم المتبادلة على النحو الذي يرونه مناسباً. من منظور أوسع، يصح اعتبار أن اجراءات التحكيم تهدف الى تحقيق هدف مشروع وهو تشجيع التسوية غير القضائية والتخفيف عن المحاكم عبء القضايا المفرط. وبالتالي، وفي هذا الصدد، لم يعثر على أي مخالفة للمادة 6 من المعاهدة الاوروبية لعام 1950.

    وعلاوة على ذلك، فإن المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان اتخذت موقفاً يميل الى التحكيم من خلال تسهيل تنفيذ القرارات التحكيمية.

    عام 1994، قررت المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان في قضية تقدمت بها شركة، Stran Greek Refineries، ضد الحكومة اليونانية. ادعت هذه الاخيرة، أنها أنهت كلاً من عقد بناء معمل تكرير وشرط التحكيم الوارد فيه، وفقاً للقانون، وذلك على الرغم من وجود قرار تحكيمي سبق أن صدر على أساس شرط التحكيم. قررت محكمة ستراسبورغ أن الفسخ المنفرد للعقد لا يؤثر في مفاعيل أو صحة بعض شروط العقد الاساسية، كشرط التحكيم، في حين أنه يساهم في الاعتراف بمبدأ استقلالية اتفاقية التحكيم من منظور حقوق الانسان. أخيراً، خلصت المحكمة ذاتها الى كان هنالك تدخل حتى في حق الملكية العائدة الى مقدمي الطلب المكرس في المادة 1 من البروتوكول رقم 1.

    وهكذا، حكمت المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان ضد الحكومة اليونانية، مؤيدة صحة القرار التحكيمي ونفاذه.

12.1. عدل أخيراً موقف المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان المؤيد للتحكيم، وذلك في Kin-Stib & Majkic v. Serbia. في هذه القضية، رأت المحكمة أن عدم التمكن من تنفيذ القرار التحكيمي يساوي انتهاكاً لحق الاستفادة الهادئة للحيازة.

    على وجه الخصوص، قررت أن صربيا خالفت المادة 1 من البروتوكول 1 من المعاهدة الاوروبية لحقوق الانسان- حق التمتع الهاديء للحيازة من خلال عدم تنفيذها الجزئي للقرار التحكيمي الصادر لمصلحة Kin-Stib، وهي شركة مقرها في جمهورية كونغو الديموقراطية، ومواطن كان سابقاً من الجنسية الصربية Milorad Majkic. ان عدم التمكن من تنفيذ قرار تحكيمي يساوي مصادرة للملكية فقط اذا كان القرار نهائياً وقابلاً للتنفيذ على هذا النحو، وعملياً غير قابل للتنفيذ في نطاق قضاء آخر.

    يمكن الاطلاع على أسباب إضافية في هذا الصدد في الحكم الصادر عن المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان في قضية "Regent Company v. Ukraine" في 3 أبريل 2008. نشأت هذه القضية من خلال الطلب (رقم 03/773) الموجه ضد أوكرانيا في 12 أكتوبر 2002 والمودع لدى المحكمة بموجب المادة 34 من اتفاقية حماية حقوق الانسان والحريات الاساسية؛ تقدمت شركة Regent Company بهذا الطلب بصفتها تملك مكتباً مسجلاً في جزر السيشل ("الشركة المتقدمة بالطلب"). وقد شكت بالتحديد، بموجب المادة 6-1 من الاتفاقية والمادة 1 من البروتوكول رقم 1، عدم تنفيذ القرار التحكيمي الصادر في 23 ديسمبر 1998 عن المحكمة الدولية للتحكيم التجاري في الغرفة الاوكرانية للتجارة والصناعة. كما زعمت أن الحكم لا يزال غير منفذ بسبب الاهمال الصادر عن خدمات الموظف الرسمي في الدولة واصدار القانون رقم 2864-III تاريخ 29 نوفمبر 2001 عن ادخال التأجيل في سداد الدين في البيع الجبري للملكية.

    ذكرت المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان (الفقرة 4) أثناء تقييم الاعتراضات الاولية المقدمة من الحكومة الاوكرانية حول المادة 6 أنه " بقدر ما تعترض الحكومة على تطبيق المادة 6-1 من الاتفاقية على اجراءات التحكيم، تؤكد المحكمة أن المادة 6 لا تمنع انشاء محاكم تحكيمية لتسوية النزاعات بين كيانات من القطاع الخاص. في الواقع، لا يفهم بالضرورة من كلمة "محكمة" الواردة في المادة 6-1 أنها تعني محكمة قانون من النوع الكلاسيكي، المندمجة ضمن معيار الآلية القضائية في البلد (مراجعة من جملة أمور، Lithgow and Others v. the United Kingdom، حكم صادر في 8 يوليو 1986، سلسلة A رقم 102، صفحة 72-73، قسم 201). كذلك اعتبرت المحكمة أن المحكمة التحكيمية هي "محكمة منصوص عليها في القانون"، تتصرف بطريقة تتلاءم مع قانون التحكيم التجاري الدولي والقواعد الاجرائية الداخلية. ان الاجراءات أمام المحكمة التحكيمية تتطابق مع تلك القائمة أمام المحاكم العادية المدنية أو التجارية في الدولة، وقد تم تخصيص نص لاستئناف القرارات التحكيمية أمام محكمة استئناف كييف (كما تطبق في الأوقات المهمة) التي بأمكانها ان تراجع القرار التحكيمي على أسس محددة في قانون التحكيم لعام 1994. ولا تزال المحكمة التحكيمية، الهيئة التحكيمية الوحيدة في أوكرانيا، وفقاً لقانون التحكيم لعام 1994، التي تستطيع الفصل في" النزاعات التجارية التي تتضمن عنصراً أجنبياً". وبموجب قانون التحكيم لعام 1994 والباب 3(1) من قانون اجراءات التنفيذ، يعامل قرار المحكمة التحكيمية على نحو يتطابق مع حكم قضائي واجب التنفيذ".

  12.2. في الختام، إذا كان نظام تسوية النزاعات الوحيد المتوافر في دولة ما لبعض المسائل التي يحددها القانون التشريعي هو التحكيم، عندها لا يوجد اتفاق حقيقي للتحكيم، إذاً، كونه تحكيم الزامي، عليه اتباع جميع متطلبات اجراءات الدولة. وقد يتحول التحكيم الالزامي في الواقع، الى أداة ظلم أو للحد من الحريات التي تسعى الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان لعام 1950 الى منحها وحمايتها؛ وبالتالي، يساوي الانتقال الكامل، من قبل الدولة، للوظيفة القضائية الى المحكمين، انتقالاً للالتزام باحترام القانون الدولي لحقوق الانسان الى الهيئات التحكيمية.

  12.3. وبالعكس، في ظل "عقيدة التنازل"، أيدت هيئات حقوق الانسان في كثير من الأحيان شروط التحكيم التجاري الدولي الطوعية والاجراءات.

    هذا الموقف المؤيد للتحكيم هو وثيق الصلة بتفسير البنود المتفق عليها من الاطراف، والتي اذا اعتبرت باطلة ولاغية، قد تحد بشدة من تطبيق اتفاق التحكيم ككل. يبدو لنا أن الميزة الاساسية لهذه القضية، حيث تسبب التأثير الناجم عن تفسير واسع لمفهوم التمييز الى إبطال اتفاق ككل والغائه، وبالتالي الى احباط نية الاطراف المشتركة في احالة نزاعهم أمام عدالة التحكيم خاصة خارج اطار المحاكم.

    هذه النتيجة تصطدم، إضافة إلى النقد المرتكز على قانون الالتزامات التعاقدية، بالقضية المذكورة أعلاه بالاشارة الى محكمة ستراسبورغ. ومن الصحيح أن القضايا المطروحة تعالج بشكل رئيسي التحكيم الالزامي، ولكن المبادىء التي تضعها كافية من أجل تغطية واسعة للتحكيم: أي لتشمل أيضاً التحكيم الاختياري. يمكن اذا عرض هذا الاستنتاج بأمان وبعبارات عامة، رغم أنه حتى الآن لا يوجد تمييز واضح بين التحكيم الاختياري والالزامي، في ما يتعلق بالاحكام النابعة من مصادر دولية، كما هو الحال في المقام الأول بالنسبة الى الاتفاقية الاوروبية لحماية حقوق الانسان والحريات الاساسية لعام 1950، مع الاخذ في الاعتبار من جملة أمور أنه لا يسمح للتحكيم الالزامي بموجب تشريعات وطنية معينة.

    ومع ذلك، في ما يتعلق بالجانب المتعلق بحقوق الانسان بالنسبة الى الموضوع المطروح، حيث نضع أيضاً مسألة التمييز، على المرء أن يبقى متيقظاً دوماً أن الاتفاقية تنشىء الموجبات على عاتق الحكومات التي وقعتها والمحاكم الخاصة بها. يترتب على ذلك أنه اذا كان نشاط المحكمة التحكيمية يتعارض مع المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان (وقانون حقوق الانسان لعام 1998 هو مجرد أداة لانفاذ الاتفاقية الاوروبية في المملكة المتحدة) أو المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق السياسية والمدنية لعام 1966 (ICCPR)، لا يمكن اعتبار أي حكومة في حد ذاتها مسؤولة مباشرة. كما يترتب على ذلك بالنسبة إلى التمييز أن حدود التعايش بين نطاق الحظر المنصوص عليه في الاتفاقية الدولية وبين حرية الاطراف واستقلاليتهم في وصف المواصفات التي تنطبق على تعيين المحكم عند اختياره تحددها في نهاية المطاف سلطة المحاكم الوطنية الاستنسابية، وذلك مع الاخذ في الاعتبار أن الحماية التي توفرها الاتفاقية المناهضة للتمييز لا تنطبق على هذا النحو على التحكيم الاختياري، حيث يقصد بارادة الاطراف أن تسود هذه الاخيرة، اذا عبر عنها بحرية وقانونية.

13. الاشارة إلى "الطائفة الاسماعيلية" كحالة خاصة في التحكيم حسب "نظام القائمة":

    حتى ولو لم يمنع القانون الدولي لحقوق الانسان التحكيم الخاص، ذلك يعني أنه منح، كما رأينا، حرية واسعة لرجال الاعمال للتعاقد، فيبقى جدلا نهائيا يضعف قرار محكمة الاستئناف الانكليزية. في الواقع، وعلى المستوى العالمي وبالاخص في العديد من مؤسسات التحكيم وحتى في قواعد الاونسيترال الاجرائية، هنالك اعتراف واسع وقبول لوجود ممارسة "قوائم المحكمين" التي يختار منها الاطراف. اذا وضعنا جانباً "اعتماد القوائم" المستخدمة من قبل محاكم مرموقة كالمحكمة الدائمة للتحكيم (التي لم تشوه سمعة أحد على مدى أكثر من قرن!) نلحظ أن العديد من غرف التجارة أو الجمعيات التجارية تعد قوائم للمحكمين المحتملين. نذكر ملاحظة ألن ريدفرن ومارتن هانتر القصيرة والواضحة المعالم في عملهما الكلاسيكي، حيث لاحظا أن العديد من المجموعات أو جمعيات أصحاب المتاجر والتجار في جميع أنحاء العالم، سواء تجار الماس في نيويورك أو تجار السلع في لندن، يفضلون حل نزاعاتهم عن طريق التحكيم في ما بينهم بدلاً من اللجوء الى المحاكم الوطنية أو التحكيم في النمط الكلاسيكي وقد كانوا محقين في اضافة أن "المحاكم الانكليزية، كانت تقليدياً تتسامح مع هذه الممارسة احتراماً لاستقلالية الاطراف".

    اذا أيدت المحكمة العليا القرار في قضية جيفراج، عندها يصبح حقل التحكيم التجاري الدولي عرضة للاندثار أو على الاقل سوف يتأثر سلباً الى حد كبير.

   مرة أخرى، الحكمة هي في القول المأثور أن للاطراف الحق في خيار واسع شرط ألا يكون هذا الخيار مجرد نزوة. هل يعد نزوياً اختيار محكم من اللائحة المقدمة من محكمة التحكيم للرياضة، في التحكيم الرياضي؟ اعتبرت المحكمة الفيديرالية السويسرية أنه حتى قائمة المحكمين تتطابق و"متطلبات الاستقلالية والحياد الواردة في الدستور والمطبقة على المحاكم التحكيمية.

   من خلال الملاحظات المذكورة أعلاه، نستنتج أنه في قضية جيفراج، يمكن أن تعادل الاشارة الى "أعضاء محترمين من الطائفة الاسماعيلية" بشكل معقول "نظام القوائم" في التحكيم. تكون القائمة مفتوحة وتتضمن أعضاء من هذا القبيل. لذلك، اذا كان خيار الاطراف في شرط التحكيم خياراً مشروعاً، عندها لا يمكن الادلاء جدياً بأي حجة تمييز.

تعليق البروفسور برناردو كريمادیس Bernardo Cremades (اسبانيا)

قانون الحماية ضد التمييز نفسه يشير الى امكانية السماح بفروق في المعاملة

ما دام الهدف من ذلك هو مطلب شرعي والضرورة متناسبة

    ينتظر المجتمع الدولي للتحكيم بفارغ الصبر والترقب قرار المحكمة العليا في الموضوع الحاضر.

    في هذه القضية تطرح مسألة احتمال اختيار محكم على أساس انتمائه الى مجموعة دينية معينة، في ضوء تفسير القاضي البريطاني للتشريع المعتمد في المملكة المتحدة ردا على ادراج التوجيه الاوروبي 2000/78/ .CE هذا التوجيه يحدد معايير الحد الادنى من الحماية، في الاتحاد الاوروبي، لمكافحة التمييز على أساس الدين أو المعتقدات، الاعاقة، السن أو الميل الجنسي، في ما خص التوظيف والعمل.

    على أثر هذه القضية، طرحت أسئلة جديرة بالملاحظة تتعلق بصورة التحكيم، ولا سيما بدور المحكم وأهمية الحرية الممنوحة للاطراف عند اختيارهم المحكمة التحكيمية ضمن الحدود الملحوظة قانوناً والاجتهاد الاوروبي واجتهاد المملكة المتحدة.

أولا- لمحة تاريخية:

1) مبدأ عدم التمييز وفقا لقانون الاتحاد الاوروبي:

    مبدأ عدم التمييز يشكل جزءا من المبادىء العامة لقانون الاتحاد الاوروبي. بهذا المعنى، يبرز تكريس هذا المبدأ في المعاهدة الحالية حول عمل الاتحاد الاوروبي (TFUE)، معاهدة الاتحاد الاوروبي (TUE)، ميثاق الحقوق الاساسية للاتحاد الاوروبي (الميثاق) واجتهاد محكمة العدل التابعة للاتحاد الاوروبي (CJUE). تجدر الاشارة على وجه الخصوص الى المواد التالية في المعاهدات:

  • بموجب المادة 2 من معاهدة الاتحاد الاوروبي: "يقوم الاتحاد على قيم احترام كرامة الانسان، الحرية، الديمقراطية، المساواة، دولة القانون، كما واحترام حقوق الانسان، بما في ذلك حقوق الاشخاص المنتمين الى أقليات. هذه القيم هي مشتركة بين الدول الأعضاء في مجتمع يتميز بالتعددية، عدم التمييز، التسامح، العدالة، التضامن والمساواة بين النساء والرجال".

  • وفقاً للمادة 10 من المعاهدة الحالية حول عمل الاتحاد الاوروبي (TFUE): "ضمن سياق تعريف وتنفيذ سياساته وأعماله، يسعى الاتحاد الى مكافحة أي تمييز مبني على الجنس، الاصل أو العرق، الدين أو المعتقدات، الاعاقة، السن أو الميل الجنسي".

  • المادة 18 من المعاهدة الحالية حول عمل الاتحاد الاوروبي (TFUE) تحظر أي تمييز على أساس الجنسية.

    أما في ما يتعلق بميثاق الحقوق الاساسية للاتحاد الاوروبي، أصبح يملك القيمة القانونية نفسها كالمعاهدات، وذلك عقب أحدث التعديلات عليها، يتطرق العنوان III من الميثاق الى مبدأ المساواة. بهذا المعنى، تجدر الاشارة الى المواد 21 و22.

    تنص المادة 21 على مبدأ عدم التمييز، وهي معنونة كالتالي: "1. يحظر أي شكل من أشكال التمييز خاصة المبني على أساس الجنس، العرق، اللون، الاصول العرقية أو الاجتماعية، الميزات الوراثية، اللغة، الدين أو المعتقدات، الآراء السياسية أو غيرها، الانتماء الى أقليات قومية، الثروة، الولادة، الاعاقة، السن أو الميل الجنسي. 2. في نطاق تطبيق المعاهدة التي أنشأت المجموعة الاوروبية و معاهدة الاتحاد الاوروبي، ودون التعرض للأحكام الخاصة لتلك المعاهدات، أي تمييز على أساس الجنسية محظور".

   كذلك الامر بالنسبة الى المادة 22 التي تؤكد احترام التنوع الثقافي والديني واللغوي داخل الاتحاد.

    يجب تفسير المادة 21 من الميثاق في ضوء المادة 14 من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان ("الاتفاقية")، التي تنص أيضاً على حظر التمييز. في هذا السياق، تدرس المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان (CEDH) كل حالة على حدة. تتأكد المحكمة من وجود معاملة مختلفة لحالات متطابقة أو متشابهة أو من وجود معاملة متساوية للحالات التي يختلف بعضها عن بعض بشكل ملحوظ، وغياب تبرير موضوعي، ومعقول. تتمتع الدول الاعضاء في هذه الاتفاقية بهامش من التقدير لتحديد الى أي مدى تكون هذه الاختلافات مبررة. وتوسيع هذه السلطة يختلف باختلاف الظروف والاوساط والمجالات والسياق. كذلك، فأن وجود أو غياب عامل مشترك في الأنظمة القانونية للدول الأعضاء، قد يشكل عاملاً ملائماً للرقابة إضافة إلى ذلك، تمنع اجتهادات المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان (CEDH) التمييز غير المباشر.

    في قانون الاتحاد الاوروبي، يشمل التمييز أيضاً معاملة الحالات المتطابقة بشكل مختلف أو معاملة حالات مختلفة بالطريقة نفسها. مما يعني أنه من غير المحظور أن تختلف المعاملة بالنسبة إلى الحالات المختلفة، ولكن شرط أن يكون هذا النهج موضوعيا وأن يحترم الهامش الموجود بين هذه الاختلافات ضمن الحذر الممارس. الاختلاف أو غياب الاختلاف يجب أن يكون مبرراً والاختلاف في المعاملة يجب أن يتناسب والهدف الذي تسعى اليه السلطة.

     أما التمييز غير المباشر، فهو محظور أيضاً في القانون الاوروبي. نرى أنفسنا في مواجهة التمييز غير المباشر عندما يكون لتصرف ما مفاعيل تعادل أو تشبه معيار تمييز محظور. ومع ذلك، يصح وصف اختلاف في المعاملة على أساس معيار يبدو للوهلة الاولى حيادياً بالتمييز اذا، أذى، هذا التمييز عملياً الى حرمان فئة محمية من الاشخاص .

2) التوجيه 2000/78/CE الذي أنشأ أطاراً عاماً لمصلحة المساواة في المعاملة في التوظيف والعمل:

    يشكل هذا التوجيه جزءاً من الاطار القانوني للاتحاد الاوروبي للحماية ضد التمييز، فهو يحدد الحد الادنى من المتطلبات من خلال منح الدول الاعضاء امكانية الابقاء على الأحكام أو إعتماد أحكام تناسبها أكثر.

    ان هدف هذا التوجيه هو وضع اطار عام لمكافحة التمييز على أساس الدين أو المعتقد، الاعاقة، السن أو الميل الجنسي، وذلك بالنسبة الى التوظيف والعمل، بغية تطبيق مبدأ المساواة في المعاملة لدى الدول الاعضاء.

    من خلال تحليل دقيق لمجمل التوجيه، وللمبادىء الناتجة من الحيثيات ومنطوق النص، يمكن استنتاج مبدأ حماية واسعة لأهداف المعاهدة كمستوى التوظيف والحماية الاجتماعية العالية، رفع نوعية المعيشة، التماسك الاقتصادي والاجتماعي، التضامن وحرية تنقل الافراد.

   المادة 2 من التوجيه تستخدم مفهوم التمييز المباشر وغير المباشر. يكفي أن يؤدي التمييز المتنازع فيه الى حرمان عدد كبير من الاشخاص من عرق أو أصل عرقي، من دين أو معتقد، من سن، بسبب عجز أو ميل جنسي معين حتى يكون الاختلاف في المعاملة تمييزياً. ان تعريف التمييز غير المباشر في التوجيه يعني أي ممارسة يمكن أن ينتج منها تمييز مباشر أو غير مباشر، والتي تشمل العلاقات بين الافراد.

   في ما يتعلق بنطاق تطبيق التوجيه، تنص المادة 3 (1) على ما يلي:

"1. ضمن حدود الصلاحيات الممنوحة للمجموعة، يطبق هذا التوجيه على الأشخاص كافة، سواء بالنسبة الى القطاع العام، كما الى القطاع الخاص، بما في ذلك الهيئات العامة، وذلك في ما يتعلق بـ:

(أ) شروط الحصول على فرص عمل، النشاطات غير المأجورة او العمل، بما في ذلك معايير الإختيار وشروط التوظيف، مهما كان فرع النشاط وعلى كافة مستويات الهيكلية المهنية، بما في ذلك الترقية؛

(ب) الحصول على كافة أنواع ومستويات الإرشاد المهني والتدريب المهني والتدريب المهني المتطور وإعادة التدريب، بما في ذلك الخبرة العملية؛

(ج) شروط التوظيف والعمل بما في ذلك شروط الصرف والتعويض؛

(د) العضوية والمشاركة في منظمة للعمال أو اصحاب العمل أو أية منظمة أخرى يمارس أعضاؤها مهنة معينة، بما في ذلك الامتيازات التي تمنحها تلك المنظمات."

     وتجدر الاشارة الى أن الاختلاف في المعاملة على أساس الجنسية يخرج عن نطاق التوجيه (المادة 3 (2)).

    كذلك الأمر، يحدد التوجيه في مادته الرابعة 4 (1) أنه يجوز للدول الاعضاء الابقاء على الأحكام أو إعتماد أحكام خاصة بالمتطلبات المهنية الاساسية، المشروعة والمبررة التي قد تطلب من أجل ممارسة نشاط مهني.

    أخيراً، في إطار هذا التوجيه، وفي ظروف محددة، يمكن تبرير الاختلاف في المعاملة عندما تشكل ميزة مرتبطة بالدين أو المعتقدات، الاعاقة، السن أو الميل الجنسي، ضرورة مهنية أساسية وحازمة، شرط أن يكون الهدف مشروعاً والضرورة متناسبة.

3) أنظمة 2003 المتعلقة بالمساواة في التوظيف (الدين والمعتقدات):

   هذه الانظمة تشكل جزءا من التنظيمات المعتمدة في المملكة المتحدة من أجل ادراج التوجيه الاوروبي CE/78/2000.

    أما في ما يتعلق بالحماية من التمييز على أساس الدين أو المعتقدات، وعلى عكس الدول الاخرى الاعضاء في الاتحاد الاوروبي، عمدت المملكة المتحدة إلى نقله ذهبت أبعد من التوجيه الاوروبي .

    في حين أن دولاً أعضاء أخرى كفرنسا أو اسبانيا ركزت انتباهها على تعديل التشريعات القائمة بشكل عام وأفقي، فإن المملكة المتحدة عدلت تشريعاتها القائمة وأضافت إليها، في الوقت عينه، انظمة محددة حسب كل موضوع، مثل أنظمة المساواة في التوظيف بغض النظر عن الميل الجنسي، الانظمة المتعلقة بالمدارس المستقلة (وتوظيف المعلمين في المدارس ذات الطابع الديني)، نظام التوظيف الصحيح وتنظيم المعاملة، والأنظمة الحاضرة.

   ان أنظمة عام 2003 مفصلة للغاية فهي تحتوي على معايير للعاملين بشكل عام، وعلى معايير خاصة بالمحامين، بمنظمات التجارة، بالمشاركة، بالذين يقدمون تدريباً مهنياً، والهيئات التي تصدر شهادات كفاءة تؤكد فيها قدرة ومهنية شخص أو شركة للقيام بعمل ما...الخ.

    في حالتنا الحاضرة، الموسعة أدناه، يدور جوهر النقاش حول تفسير المواد المتعلقة بتعريف رب العمل والتوظيف (المادة 2(3))، التمييز على أساس الدين أو المعتقدات (المادة 3(1) و6(1))، وامكانية الاستثناء استناداً إلى فلسفة مؤسسة رب العمل (المادة 7(3)).

    بهذا المعنى، يعرف النظام: رب العمل، كالشخص الذي يسعى الى توظيف شخص آخر في أي وقت ويشمل ذلك الشخص الذي ليس لديه موظفون في ذلك الوقت، والتوظيف، بما في ذلك التوظيف بموجب عقد خدمة وتدريب، أو عقد للقيام شخصياً بأي عمل.

    أما في ما يتعلق بتعريف التمييز المطروح في هذه القضية أمام القاضي البريطاني، تؤكد المادة 3 (1) (أ) أن التمييز يقع من قبل شخص (أ) ضد شخص آخر (ب) اذا على اساس الدين أو المعتقدات، قام (أ) بمعاملة (ب) بطريقة أقل تفضيلاً نسبة الى طريقة معاملته الحالية أو المستقبلية لأشخاص آخرين.

    كذلك الامر، المادة 6(1) (أ) و(ب) ، "مقدمو الطلبات وموظفون"، تؤكد أنه من غير القانوني على صاحب العمل، التمييز ضد أي شخص، في الاجراءات التي يقوم بها للتوظيف، عندما يقوم بخطوات يرفض من خلالها منح طالب العمل الوظيفة، أو عندما يرفض صراحة منحه هذه الوظيفة.

   أخيرا، تنص المادة 7 (3) على امكانية وجود استثناء لقاعدة منع التمييز على أساس فلسفة مؤسسة صاحب العمل، اذا كان قائماً على أساس دين أو معتقد معين، ولكن تكون حقيقة الانتماء الى هذا الدين أو المعتقد المعين هي فعلاً شرط مهني للعمل وأن هذا الشرط متناسب معينة.

ثانياً- قرار نور الدين جيفراج:

فقرة 1- موضوع النزاع:

    السؤال المطروح أمام القاضي البريطاني يكمن في معرفة ما اذا كان يحق لأطراف الاتفاق التحكيمي المدرج في عقد تجاري أن يشترطوا انتقاء أعضاء الهيئة التحكيمية على أساس الانتماء الى مجموعة دينية معينة (في الحالة الحاضرة، الطائفة الاسماعيلية). في هذه الحالة، ان القانون الواجب التطبيق على التحكيم هو القانون الانكليزي. حالة مع

فقرة 2- الوقائع:

عام 1981، أبرم السيد هشواني والسيد جيفراج ("الاطراف") اتفاقية مشروع مشترك  joint venture  a .

   وفي العام 1988، قرر الاطراف وضع حد للمشروع المشترك. فعينوا ثلاثة أعضاء من الطائفة الاسماعيلية كهيئة توفيق لمساعدتهم في تصفية الممتلكات، المتبقية من النزاعات العالقة التي تنتظر حلاً. علق الاجراء حتى عام 2008، وأقام محامو السيد هشواني دعوى في وجه السيد جيفراج مطالبين بمبلغ يوازي 1.413 مليون باوند، اضافة الى الفائدة منذ عام 1994، وأبلغوه بتعيين السير أنطوني كولمان محكماً وطلبوا من السيد جيفراج تعيين محكم من قبله.

      رفض السيد جيفراج تعيين السير أنطوني كونه ليس فرداً من الطائفة الاسماعيلية، وقدم طلباً أمام المحكمة التجارية Commercial Court.

   نتيجة لذلك، قدم السيد هشواني دعوى تحكيمية دفاعاً عن صحة تعيين السير أنطوني، مستنداً الى قانون التحكيم Arbitration Act لعام 1996، متذرعاً بأن شرط الانتماء الى الطائفة الاسماعيلية كان شرطاً قانونياً وقت ابرام العقد، الا أنه أصبح في ما بعد شرطاً غير قانوني، لأنه يخالف أنظمة عام 2003 من أجل المساواة في التوظيف (الدين والمعتقد) ("أنظمة عام 2003") Employment Equality (Religion and Belief) Regulations

    وقد ارتكز السيد هشواني في دفاعه على قانون حقوق الانسان Human Rights Act لعام 1998 وعلى النظام العام.

فقرة 3- قرار المحكمة القضائية العليا، قسم المحكمة الملكية (المحكمة التجارية):   

   استنتج القاضي ستيل أنه:

1. استناداً إلى أنظمة عام 2003، لا يصح اعتبار المحكمين بمثابة الموظفين. ان دور المحكم يشبه الى حد بعيد دور القاضي (juge ou magistrat) الذي لا يعتبر عادة بمثابة الموظف.

2. حتى ولو اعتبرنا أن أنظمة العام 2003 تطبق على الحالة الحاضرة، فان الدين يشكل شرطاً مهنياً حقيقياً.

3. ان شرط الانتماء الى الطائفة الاسماعيلية لا يتعارض مع قانون حقوق الانسان Human Rights Act ولا مع النظام العام.

4. ان شرط الانتماء الى هذه الطائفة هو متداخل وغير قابل للانفصال عن باقي الشرط التحكيمي، وإن إبطاله يؤدي الى أبطال الشرط التحكيمي في مجمله.

فقرة 4- محكمة الاستئناف (الشعبة المدنية):

  توصلت المحكمة إلى اعتبار أنه:

1. استناداً إلى الانظمة، يصح اعتبار المحكمين كالموظفين، وذلك لأن الانظمة تعتبر أي عقد شخصي لتنفيذ أي عمل هو بمثابة توظيف.

   بهذا المعنى، نشأت العلاقة بين المحكم والاطراف عن عقد من خلاله وافق المحكم على الفصل في نزاع معين. يقوم التحكيم على الاتفاق بين الاطراف وبين الاطراف والمحكم.

2. بعد تفسير التوجيه 2000/78/CE في مجمله، استنتجت المحكمة أن نطاق تطبيق التوجيه (المادة 3(1)) يتضمن الحصول على وسائل النشاط الاقتصادي.

3. ينطوي التحكيم على الحصول على خدمة شخصية لتسوية النزاع وفقاً للاتفاق بين الطرفين ولمبادىء القانون. بهذا المعنى، فأن المحكم لا يختلف عن المحامي أو الطبيب. يندرج المحكم ضمن فئة الموظفين، وفي المقابل، يندرج الشخص الذي عينه ضمن فئة "صاحب العمل" المنصوص عليها في المادة 6(1). كذلك الامر، تأخذ المحكمة في الاعتبار واقعة ان المحكمين هم بمثابة مقدمي الخدمات في اطار الضريبة على القيمة المضافة TVA بمفهوم محكمة العدل الأوروبية CJUE.

4. في ما يتعلق بحظر التمييز بالنسبة الى مقدمي الخدمات، تعتمد المحكمة في المقام الاول على مذكرات النائب العام في محكمة العدل في الاتحاد الاوروبي، بواریس مادورو Poiares Maduro، في القضية 07/54-C، والتي لم تؤخذ في الاعتبار في القرار الصادر عن محكمة العدل الأوروبية.

    في هذه القضية، طرحت محكمة العمل في بروكسل أمام محكمة العدل الاوروبية مسألة أولية لبتها في شأن تفسير توجيه أوروبي آخر، التوجيه 2000/43/CE، المتعلق بتفعيل مبدأ المساواة في المعاملة بين الاشخاص بغض النظر عن العرق أو الاصل الاثني. طلب الى المحكمة بت التصريحات العامة التي قامت بها شركة متخصصة ببيع وتركيب أبواب متحركة في اطار عملية توظيف حيث رفضت طلبات الاشخاص الذين ينتمون الى أصل عرقي معين وذلك لارضاء زبائنها.

 أما في ما يتعلق بموضوع هذا التوجيه، فقد خلص النائب العام بواريس مادورو الى "على التوجيه 43/2000 أن يدخل ضمن اطار سياسة أوسع تشدد على الحاجة الى تعزيز سوق عمل منفتح نحو الاندماج الاجتماعي"، "من أجل تحقيق تطور المجتمعات الديموقراطية والمتسامحة التي تجيز مشاركة جميع الافراد بغض النظر عن عرقهم أو أصلهم الاثني (...)".

    دمجت محكمة الاستئناف Court of Appeal مطالعة النائب العام مع نص المادة 3(1)(أ) من التوجيه 2000/78/CE وأدخلت المحكمين ضمن فئة النشاطات غير المأجورة (activités non salariées)، وشددت على أن هذه الاهداف لها الافضلية على الخيارات الخاصة المدرجة في اتفاقية التحكيم.

5. بالنسبة إلى تطبيق أنظمة عام 2003، خلصت محكمة الاستئناف Court of Appeal الى أن هذه الأنظمة تطبق على المحكمين، لانهم يتصرفون ضمن اطار عقد نشأ عند اختيار المحكم.

6. بالنسبة الى شرط الانتماء الى الطائفة الاسماعيلية، خلصت المحكمة الى أن هذا الشرط ليس ضرورياً لتنفيذ مهمات المحكم بموجب اتفاق من هذا القبيل، وأنه ذلك شرط غير مقبول. أشارت المحكمة أيضاً، إلى أن هذا الاستثناء قد يكون ممكناً ضمن اطار مع هيئة تحكيمية تحكم بالانصاف وليس من خلال تطبيق القانون الانكليزي كما هو الحال، بالنتيجة، يتضح أن الشروط الدينية ليست ضرورية.

7. إضافة الى ذلك، في ما خص فصل هذا الشرط عن شرط التحكيم، لاحظت المحكمة أن هذا الشرط يجب اعتباره جزءاً لا يتجزأ من الاتفاق المرتبط بشكل وثيق بشرط التحكيم، وبالتالي ينبغي إبطال شرط التحكيم برمته، لأن الاطراف وضعوا شرط الانتماء الى الطائفة الاسماعيلية لأسباب محددة. تقر المحكمة بأن امكانية تسمية أو عزل المحكم لها أهمية جوهرية، وإن اهلية حصر التسمية بأشخاص يتمتعون بخبرة أو بمواصفات معينة، يمكن ان يتصف بالأهمية من أجل الحصول على موافقة الطرف الآخر.

فقرة 5- الوضع الحالي للإجراءات:

الطعن أمام الـSupreme Court المحكمة العليا.

ثالثاً- الخلاصة:

    في ما يتعلق بالغاية من التوجيه 2000/78/CE، نشير إلى أنه من خلال تحليل هذا التوجيه بمجمله، نستخلص من صياغته أنه يدخل أيضاً ضمن الاطار القانوني للاتحاد الاوروبي لحماية أهداف المعاهدات المتعلقة بتأمين مستوى توظيف وحماية اجتماعية عاليين، رفع نوعية العيش، التماسك الاقتصادي والاجتماعي، التضامن وحرية تنقل الافراد. ومع ذلك، بهذا المعنى، يتبين أن التحليل الذي أجرته محكمة الاستئناف لاجتهاد محكمة العدل الأوروبية بالنسبة الى تفسير توجيه آخر (2000/43/CE) لم يكن ضرورياً لان الجواب يكمن في حيثيات التوجيه 2000/78/CE نفسه.

    ومع ذلك، وبالرغم من التزام الدول الاعضاء بالمساهمة في حماية الاهداف الاوروبية المذكورة أعلاه، تتمتع هذه الدول، ووفقاً لاجتهاد المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان واجتهاد محكمة العدل الاوروبية، بهامش تقديري لتبرير الفروقات. هذا الهامش يختلف باختلاف المجال، الاطار، ووجود أو عدم وجود قاسم مشترك في النظم القانونية، كذلك الأمر في القانون الاوروبي سواء في ما يتعلق بالتمييز المباشر وغير المباشر، الاختلاف أو غياب الاختلاف يجب تبريره وأنه على المعاملة أن تكون متناسبة مع الهدف المنشود.

    في هذا الاطار، فأن التوجيه نفسه يشير الى امكانية السماح بفروقات في المعاملة، طالما أن الهدف من ذلك هو مطلب شرعي والضرورة متناسبة. يجوز للدول الاعضاء الإبقاء على الأحكام او اعتماد أحكام خاصة في شأن الضرورات المهنية الجوهرية والمشروعة والمبررة والواجبة من أجل ممارسة نشاط مهني.

    أيضاً، هذا التوجيه يؤكد حقيقة أنه لا يفرض توظيف شخص غير مختص، أو غير قادر غير مؤهل لتنفيذ المهمات الاساسية لمركز معين.

    كان قد سبق للمملكة المتحدة أن منحت، حتى قبل الموافقة على التشريع الاوروبي، مستوى عال جداً من الحماية ضد التمييز، وفي هذا الاطار، استفادت المملكة المتحدة من ادراج التوجيهات الاوروبية لتعزيز هذه الحماية. ولكن، ينبغي ايجاد توازن لتسهيل "العيش المشترك" بين هذه التنظيمات الشكل الخاص للتحكيم.

    أما بالنسبة الى خصائص التحكيم والى تسمية المحكمين، فأن أطراف النزاع يرون في اختيار "صناع القرار" (decision makers) أمراً إيجابياً وجوهرياً، والقدرة على استعمال حق النقض veto يطمئنهم الى أن هذه المسألة سوف تعالجها شخصيات عادلة ومؤهلة.

    كذلك، يبحث الاطراف عن شخصيات حرة من القيود والميول الفقهية أو الآراء المسبقة بالنسبة الى وضعهم قد تؤدي الى التأثير سلباً أو إلى الاضرار بالحالة الحاضرة. يسعى صاحب الدعوى الى تسمية شخص من جنسية محددة، أو يشاطره رأيه الفقهي، وحتى أحياناً يتقاسم معه ايديولوجيته.

    في هذا الاتجاه، سوف يكون لقرار المحكمة العليا Supreme Court المنتظر أثر مهم جداً في أوساط التحكيم الدولي، لأن عدداً من مؤسسات التحكيم، كغرفة التجارة الدولية (CCI) ومحكمة لندن للتحكيم الدولي (LCIA)، قدموا طلبات تدخل أمام المحكمة العليا، خشية أن يؤدي قرارها الى ابطال عدد كبير من اتفاقيات التحكيم القائمة والتي تنص على تعيين محكمين على أساس الجنسية، الدين والمعتقد والسن والعرق والجنس.

    اضافة الى ذلك، تخشى المؤسسات الدينية التي تؤمن خدمات تحكيم لأبناء طائفتها من قرار المحكمة العليا، لأن ذلك سيؤدي الى خفض عدد خدمات التحكيم بشكل ملحوظ.

    أما اذا افترضنا سيناريو يكون فيه قرار المحكمة العليا مشابهاً لقرار محكمة الاستئناف، سيكون لهذا القرار أثر لا يستهان به على القانون الواجب التطبيق على العقود أو على اجراءات التحكيم. نصت أنظمة العام 2003 على استثناءات لقاعدة عدم التمييز على أساس الشروط المهنية، ومع ذلك يبدو أن شرط الانتماء الى طائفة دينية معينة هو معقول ومنطقي وموضوعي ومبرر بوجه اتفاق يطبق فيه قانون الطائفة الدينية.

    كذلك، فان القرار المنتظر قد يسبب احتكاكاً بين المنظمات العلمانية والمنظمات الدينية.

    حتى اذا خلا التوجيه والانظمة المعنية من معيار التمييز على أساس الجنسية، فالقرار المنتظر من المحكمة العليا سوف يؤدي الى تشكيل سابقة قانونية لتفسير النصوص التشريعية الأخرى كقانون المساواة Equality Act لعام 2010.

    أخيراً، لا يمكننا سوى أن نأسف على ضعف التسبيب في ما يتعلق بالعلاقة بين الاطراف والمحكمين، بدور المحكم، بالتفريق بين التحكيم المؤسسي (الذي يتمتع بقواعده الاجرائية الخاصة) والمستقل والنتائج المحتملة التي قد تنتج منهما، كذلك الأمر بالنسبة الى التفسير الموسع لانظمة العام 2003 في ضوء التوجيه، القانون الاوروبي في شأن عدم التمييز، والاجتهاد في هذا الصدد.

     وبالاضافة الى ذلك، يتضمن قرار محكمة الاستئناف العديد من التناقضات، خاصة في يتعلق بفصل شرط التمييز عن باقي الشرط التحكيمي، تؤكد المحكمة أهمية السرية، الثقة والتأثير في تشكيل هيئة التحكيم، ومهارة القدرة على الحد من تكوينها، بهذا المعنى، تعترف بأهميتها في شكل التحكيم، في حين أنها تبطل في الوقت عينه تشكيل هيئة التحكيم، لأنها ليست مبررة.

    لا يبقى لنا سوى أن ننتظر قرار المحكمة العليا Supreme Court الذي يمكن، في أفضل الحالات ان يؤدي الى الاعتراف بالتحكيم كمجال له اعتباراته الخاصة نظرا إلى تأثيره الذي يتخطى حدود المملكة المتحدة، وبهذا المعنى، أقله يؤدي الى اكتشاف الفرص لتكييف المفاهيم الاوروبية، التي تضع مستوى أدنى من الحماية، مع خصائص شكل التحكيم. في هذا الصدد، تجدر الاشارة الى ان الدول الاعضاء تتمتع بهامش تقديري لتبرير الاختلافات التي تتكيف مع التحكيم، وأنه من خلال عملية تحليل هذا الهامش، يبدو مناسباً دراسة وجود أو غياب عامل مشترك في مختلف الانظمة القانونية الاوروبية وأثره خارج الحدود الاوروبية. آخذين دوما في الاعتبار أنه في القانون الاوروبي، يجب التبرير دوما في ما يتعلق بالتمييز المباشر أو غير المباشر، الاختلاف أو غياب الاختلاف، وأنه على المعاملة أن تتناسب والهدف المنشود.

تعليق المحامي سيرج لازاريف (فرنسا)

التمييز الايجابي في اختيار المحكمين يجب تأييده: من حق كل شخص

أن يقول أريد محكمين على اطلاع على عاداتي وسلوكي

   إنه لشيء عجيب!

    هذه هي وجهة نظري إزاء القرار الغريب الصادر في قضية "جيفراج" عن محكمة استئناف انكلترا وويلز (الدائرة المدنية) بتاريخ 22 يونيو 2010.

    كان يجب أن تكون المسألة بسيطة جداً: هل يجوز لأطراف الاتفاق التحكيمي في عقد تجاري أن يشترطوا أن تكون الهيئة التحكيمية مؤلفة من أعضاء ينتمون الى مجموعة دينية معينة، وفي هذه الحالة الطائفة الإسماعيلية.

    وكان الأطراف قد أبرموا اتفاقية تعاون مشترك، تنص المادة 8 منها المخصصة لحلّ النزاعات، على ما يلي:

   "إذا نشأ في ما بعد أي نزاع أو خلاف، وفي أي وقت كان بين المستثمرين في ما يتعلق بتفسير هذا العقد أو بالنسبة الى ما هو وارد في هذا العقد أو ناشئ عن هذا العقد أو بكل ما يتعلق بحقوق ومسؤوليات وواجبات المستثمرين أو أي واحد منهم أو ناشئ (دون الحصر) عن أعمال أو أنشطة التعاون المشترك المتفق عليها بالطريقة نفسها (خاضع للبند الفرعي 8(5) أدناه) يحال الى ثلاثة محكمين (يقومون بمهمتهم بالأغلبية). يعين كل طرف محكماً واحداً على أن يكون المحكم الثالث رئيس المجلس الوطني للمملكة المتحدة في مؤسسة آغا خان في الوقت الحاضر. يجب أن يكون المحكمون من بين الأعضاء الذين يتسمون بالإحترام في الطائفة الإسماعيلية ومن أصحاب المناصب العليا في الطائفة.

يكون مكان التحكيم في لندن ويكون قرار المحكمين نهائياً وملزماً للطرفين."

      لأول وهلة، لا يبدو أن هذه المادة يشوبها الخطأ. منذ تكوين المجتمع، أولاً في قبائل، ثم في هيكليات أوسع، لجأ أفرادها إلى الرجال الحكماء في مجتمعاتهم أكانت اجتماعية أو دينية أو تجارية لحل نزاعاتهم. إن التحكيم التجاري كما نعرفه اليوم، نشأ منذ العصور الوسطى في الشركات التجارية، التي أراد أعضاؤها حل نزاعاتهم على يد شخصيات محترمة ومعروفة في محيطها. لقرون عديدة، كان اليهود يلجأون الى الحاخامات من رجال الدين لحل خلافاتهم، المسلمون الى إمام من رجال الدين، أما إذا كانوا يعيشون في قرية ما، فإلى رئيس الطائفة؛ تجار الصوف الى تحكيمهم الخاص، ولم تزل العادات على حالها في عالم المعادن والسينما والكاكاو والعالم البحري، الخ... كثير من البلدان لا يزال لديها محاكم عسكرية، وللكنيسة الكاثوليكية نظامها القضائي الخاص. ووفقاً لعدد من المؤلفات التي تتمتع بشهرة واسعة، حتى المافيا لديها "قاضي الصلح" الخاص بها!

    بناء عليه، إن العرف والمنطق السليم عادة ما يأخذان في هذه الحالة في الاعتبار واقع أن التحكيم هو عملية توافقية حيث يكون خيار الأطراف مقيداً فقط لجهة المخالفات المحتملة للنظام العام الدولي أو المحلي. لذلك، كان من المتوقع أن تنظر المحكمة الإنكليزية في مسألة ما اذا كان اللجوء الى أبناء إسماعيل، ولد أبراهيم، لحل النزاع بين الإسماعيليين، يعتبر مخالفاً للنظام العام الإنكليزي. قد يتساءل المرء لماذا يكون ذلك مخالفاً للنظام العام؟ قد يكون البند التحكيمي واجب النفاذ، والذي بحسب وجهة نظري، كان ينبغي أن يكون استنتاجاً عادياً دون ابتكار محكمة استئناف لندن الذي أوجد متعة للمحامين من خلال رفض تنفيذه.

    إن بعض الدول الأخرى، الداعمة للتحكيم، تفعل أي شيء ممكن قانوناً لدعم التحكيم.

    قضت محكمة التمييز الفرنسية في قرار NIOC ضد اسرائيل، بأن اللجوء الى القاضي، في الحالة التي يكون فيها محكم، هو حق للأطراف وهو جزء من النظام العام الدولي؛ إن تعذر ممارسة هذا الحق يشكل إنكاراً للعدالة. إن المبدأ واضح: يتمتع الأطراف بحق اختيار محكميهم، وللمحاكم واجب الإعتراف بذلك ما لم تقع مخالفة للنظام العام. إن محكمة التمييز نفسها في قضية  Dutco أضافت أن مبدأ المساواة بين الأطراف في اختيار المحكمين هي مسألة تتعلق بالنظام العام.

   من وجهة نظري، إن التمييز الإيجابي في اختيار المحكمين ليس عادياً فقط، وإنما يجب تأييده: لكل شخص الحق في القول "أريد محكمين حكماء، على اطلاع على عاداتي وما يجب أن يكون عليه سلوكي". في البند التحكيمي الراهن، ورد بوضوح أن المحكمين يجب أن يكونوا من بين الأعضاء الذين يتسمون بالإحترام في الطائفة الإسماعيلية، ومن أصحاب المناصب العليا في الطائفة .

    إن المقاربة المماثلة تتفق والمادة 17 فقرة 2 من قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية التي تنص على أنه في كل الأحوال تأخذ هيئة التحكيم في الاعتبار أحكام العقد والعرف التجاري ذا الصلة.

    وبالعكس، إذ أجد أن التمييز الإيجابي مقبول تماماً، يجب إذا رفض التمييز السلبي، كاشتراط أن لا يكون المحكم امرأة أو فرداً ينتمي الى الطائفة الإسماعيلية إلخ...

    إن وجهات النظر هذه تبدو بالنسبة الي نابعة من المنطق السليم الذي يعتبر أحد الدعائم الأساسية للتحكيم التجاري.

    من المستغرب جداً أن تذهب محكمة الاستئناف في طريق مغاير تماماً.

    لجأت أولاً الى التشريعات الداخلية والأوروبية المتعلقة بالتمييز في العمل. لماذا؟ إن نقطة انطلاق المحكمة في استنتاجها يتمثل بوضوح في أن المحكم هو مستخدم لدى الأطراف!!! بما أنّ هذا الإفتراض قد استبعد، فبالـتأكيد لا يمكن قبول التمييز على أساس الدين أو المعتقد. بعبارة أخرى، افترضت المحكمة أولاً أن المحكم هو موظف وأن التمييز ليس ممكناً باستثناء حالة الشرط المهني الأساسي، التي قررت المحكمة أنها غير متوافرة في هذا النزاع.

    وخصصت صفحات عديدة في القرار لهذه المقاربة الغريبة وصولاً الى استنتاج مفاده أن البند التحكيمي أساء إلى الأنظمة الإنكليزية، وتبعاً لذلك فهو باطل. بالفعل، ما إن تقوم بافتراض معيّن، يجب أن تتبع المنطق ولا أرغب هنا بذكر تعليق Polonius حول Hamlet! كان باستطاعة المحكمة أن تطبق الاستثناء للشرط المهني الأساسي حيث يكون لصاحب العمل معتقدات قائمة على أساس الدين أو المعتقد مع الأخذ في الإعتبار هذه المعتقدات وطبيعة العمل أو السياق الذي ينفذ فيه. لكن هذا ليس هو الحال هنا، ولذلك استنتجت المحكمة أن مبدأ المساواة في المعاملة يعني انتفاء أي تمييز مباشر أو غير مباشر أيا كان وعلى أي أساس.

    مع كل الاحترام الواجب، يذكرني هذا الأمر بجملة مفضلة لجدتي التي كانت تقول بأن الأشخاص المعقدين يمسكون أذنهم اليمنى بيدهم اليسرى.

    بالنسبة إلى المحكم العادي الممارس، إنه القرار الأكثر إثارة للدهشة.

    لعل ما كان يدور في ذهن القضاة الأجلاء، هو استذكار المقولة الإنكليزية القديمة بأن المحكم هو خادم الأطراف. إن وجهة النظر هذه، على الأقل بحسب رأيي، تنتمي الى الماضي ولم تستمر على قدر ما استمر حكم الملكة فيكتوريا. من المسلم به الآن أن المحكم هو قاض يخضع بالطبع لرقابة قضاة الدولة. يملك المحكم ميزان العدالة، ولكنه لا يملك السلطة الأمرية .Imperium

    ولكن إذا أردنا التقيد تماماً بالمقاربة التي اتبعتها المحكمة، فيجب بحسب رأيي أن نستخلص كافة النتائج.

    إذا كان المحكم موظف لدى الأطراف، أفترض إذا أن يقوم رب العمل بالتصريح عنه لدى الضمان الإجتماعي ويجب أن يدفع إضافة الى الأتعاب قيمة العطل التي هي من حق الموظف وفوق كل شيء يجب أن يكون قادراً على توجيه الأوامر إليه بما أن صاحب العمل مخول القيام بذلك تجاه أي موظف.

    بعبارة أخرى، ومن وجهة نظري لقد ضلت المحكمة الإنكليزية طريقها، ولو اضطررت للتكرار، لم تأخذ في الإعتبار المقاربات الأكثر عقلانية التي يمليها المنطق السليم.

    إن العقد بين المحكم والأطراف، وبين الأطراف ومؤسسة التحكيم، وبين المحكم ومؤسسة التحكيم كان أساساً للعديد من الدراسات والتي لا أنوي إثارتها مجدداً.

   بالطبع كان هذا القرار موضوعاً لأكثر من تعليق، وإنه لشرف لي أن أساهم في ذلك.

    وأكثر ما أدهشتني هي مسألة جنسية المحكم التي تناولها عدد كبير من المعلقين في حين أنه يبدو لي أن المحكمة لم تعالج هذا الموضوع مباشرة.

    وكانت مؤسسات تحكيمية عديدة تتساءل عما إذا كان ينبغي أن تعدل قواعدها. إن محكمة لندن للتحكيم الدولي LCIA وغرفة التجارة الدولية ICC (حيث تظهر كلتاهما كأصدقاء للمحكمة amici curiae) تتساءل ما إذا كان يجب على محكمة لندن للتحكيم الدولي أن تجري إعادة النظر بالمادة 6 فقرة 1 بما أنها تنص على أنه عندما يكون الأطراف من جنسيات مختلفة لا يجوز أن يكون المحكم الفرد أو رئيس الهيئة التحكيمية من جنسية أحد الأطراف، إلا إذا وافق الأطراف الذين لا يحملون نفس جنسية المحكم المقترح تعيينه كتابة على ذلك. إن المسألة نفسها قد تمت مناقشتها بالنسبة الى غرفة التجارة الدولية، إذ تنص المادة 9 فقرة 5 على أنه يتعين أن يكون المحكم الفرد أو رئيس هيئة التحكيم من جنسية مختلفة عن جنسيات الأطراف. وقررت كلتا المؤسستين أن تنتظر صدور قرار المحكمة الإنكليزية العليا. وبالفعل إن الدعوى عالقة الآن أمام المحكمة العليا التي نظرت فيها أوائل مايو 2011 وحيث يتوقع أن تصدر قرارها خلال شهر يونيو.

    لذلك قد تنشأ مسألة معرفة ما إذا كان قرار المحكمة الإنكليزية سيؤدي الى رفض التمييز الإيجابي أو السلبي في تعيين محكم ما بسبب جنسيته.

   ليس أمراً مستحيلاً عرض هذه المسألة أمام محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ.

   آمل شخصياً أن يسود الصواب والمنطق السليم وأن تنقض المحكمة العليا هذا القرار الذي يلحق الضرر ليس بلندن فحسب، وإنما بالتحكيم عموماً.

 

تعليق البروفسور أحمد صادق القشيري (مصر)

أي اشتراط لجنسية أو جنس أو ديانة مبرر كاف لإبطال الشرط التحكيمي

1. طرحت أمام المحاكم البريطانية أخيراً قضية طريفة تتناول موضوعاً غير مألوف يتعلق بمدى صحة إتفاق تحكيم ورد ضمن إتفاقية إنشاء مشروع مشترك في مجال الإستثمارات العقارية أبرمت في بداية 1981 بين رجال أعمال ينتمون بديانتهم إلى الطائفة الإسماعيلية، وإتفقوا على أنه إذا نشأ نزاع في ما بينهم يتعلق بهذا النشاط المشترك (Joint Venture) يحسم بواسطة محكمين ينتمون بدورهم الى الطائفة الإسماعيلية.

2. وعندما تقرر عقب عدة سنوات عام 1988 إنهاء تلك المـشاركة بتراضـي الأطـراف المعنية، طالب أحدهم ويدعى HASHWANI بمبلغ معين مع فوائده وعيّن محكماً عنه لا يتوافر فيه شرط الإنتماء الى الطائفة الإسماعيلية. وعندئذ لجأ الطرف الآخر ويدعى JIVRAJ إلى المحكمة التجارية طالباً تقرير أن المحكم الذي عينه خصمه باطل لكونه من غير الطائفة الإسماعيلية، تمسك HASHWANI بأنه إذا كان مثل هـذا الـشرط المتعلق بالإنتماء الى طائفة دينية معينة صحيحاً وقت إبرام إتفاقية المشاركة، إلا أنـه صار باطلاً منذ عام 2003 عندما صدرت اللوائح التي تحظر مخالفـة المـساواة ف التعيين (Employment Equality)، وهي أمـور تتعلق بالنظـام العـام ويحميهـا قانون حقوق الانسان الصادر عام 1998 والتعليمات الصادرة مـن مجلـس الإتحـاد الأوروبي.

3. عندما طرحت القضية أمام قاضي أول درجة David Steel إنتهى إلى أن اللوائح المذكورة لا تنطبق على المحكمين، لأنهم لا يعدون من "العاملين" "Employees"، وليس في إشتراط إنتماء المحكمين لطائفة دينية معينة مخالفة للنظام العام أو لتشريعات حماية حقوق الإنسان. ومن ثم، فإن تعيين المحتكم لشخص لا يتوافر فيه شرط الإنتماء للطائفة الإسماعيلية يعد باطلاً، وهو بطلان يلحق شرط التحكيم في جملته، بما يفيد أن النزاع يصير الفصل فيه من إختصاص القضاء.

4. ورغم عدم إعطاء قاضي أول درجة إذنا كي يستأنف حكمه، فقد أقيم الإستئناف أمام الدائرة المدنية المشكلة من القضاة: اللورد Moore-Bick واللورد Alkens والسير Richard Buxton للفصل في عدد من النقاط المهمة التي نوجزها على النحو التالي:

5. (أولاً)- هل يعد المحكمون في عداد "العاملين" الذين تنطبق عليهم اللوائح الصادرة عام 2003 التي تحظر التفرقة في المعاملة بسبب العقيدة الدينية؟

 كان قاضي أول درجة قد ركز على طبيعة الخدمة التي يقوم بها المحكم، وكونه ليس موظفاً يؤدي عملاً لصالح من عينه، وإنما يقوم بوظيفة أقرب إلى مهمة القاضي في حسم المنازعات. ولكن قضاة محكمة الإستئناف إتجهوا الى تبني تعريف واسع لمفهوم العاملين لتشمل المحكمين الذين تربطهم بمن عينهم علاقة تعاقدية لأداء نوع من العمل يجب في شأنه أن ينتفي التمييز لأي سبب كان، بما في ذلك التفرقة نتيجة المعتقد الديني. ومن ثم، فإن قاعدة حظر التمييز بسبب الديانة الواردة في المادة 6، الفقرتين (A) و(C) من اللوائح الصادرة عام 2003 تمتد لتسري على المحكمين الذين يعهد إليهم بحل المنازعات التي تنشأ بين أطراف العقد، وبالتطبيق لشرط التحكيم الوارد في ذلك العقد.

6. إمكانية قبول نوع من التمييز بالنسبة إلى إعتبارات خاصة تتعلق بسلطة المحكمين:

    وتجدر الإشارة إلى أن قضاة محكمة الإستئناف قد إستطردوا لتناول مدى تأثر هذه النتيجة بالقاعدة الإستثنائية الواردة في الفقرة (3) من القاعدة اللائحية رقم (6) التي تسمح بقدر من التمييز لمراعاة خصوصية الحالات التي تتطلب "أخلاقيات دينية" "( Ethos based on religion)". فقد أوضح الحكم الإستئنافي أن طبيعة العقد موضوع النزاع بوصفه عقد مشاركة تجارية بين أطراف ينتمون جميعاً إلى الطائفة الإسماعيلية كان من الممكن أن يدخل في إطار هذا الإستثناء لو كان شرط التحكيم قد أناط بالمحكمين سلطة التفويض بالصلح (Amiable Compositeur)، بناء قرارهم على مقتضيات العدالة دون تقيد بأحكام القانون، إذ من المفهوم أن مضمون فكرة العدالة وفقاً للأخلاقيات السائدة لدى طائفة الإسماعيلية قد يكون مغايراً لما يعد كذلك لدى الآخرين. ولكن الحال ليس على هذا النحو في الحالة المطروحة، لأن شرط التحكيم لم يخول المحكمين هذه السلطة، بحيث يلتزمون بالفصل في النزاع وفقاً لقواعد القانون الإنجليزي. وبعبارة أخرى، فإن إشتراط أن يكون إختيار المحكمين من بين أفراد الطائفة الإسماعيلية ليس مبرراً بمقتضى ذلك النص الإستثنائي، ويكون شرط التحكيم متضمناً إخلالا بقواعد عدم التمييز الواجبة الإتباع.

7. مدى تأثير عدم مشروعية التمييز الديني في إختيار المحكمين على صحة شرط التحكيم:

    قضاء محكمة الإستئناف البريطانية بعدم مشروعية إشتراط أن يكون إختيار المحكمين مقصوراً على أفراد ينتمون لطائفة الإسماعيليين يثير بالضرورة تساؤلاً مهماً، عما إذا كان هذا الإشتراط يستتبع بطلان شرط التحكيم في مجموعه بحيث يعود الإختصاص للقضاء الوطني، أم أن شرط التحكيم يظل قائماً ويتم فقط فتح باب أمام إختيار محكمين لا ينتمون للطائفة الإسماعيلية للفصل في النزاع الذي نشب بين الأطراف المتعاقدين؟

   كان قاضي أول درجة قاطعاً في إعتبار أنه يتعين النظر إلى شرط التحكيم كما إتجهـت إليه إرادة المتعاقدين في مجموعه، بما في ذلك تقرير أن يكون إختيار المحكمين من بين أبناء الطائفة الإسماعيلية، ولذلك فإن تخلف هذا الشرط الذي يعد عنصراً مهماً في ما تم الإتفاق عليه بين الأطراف المتعاقدة يؤدي بالضرورة إلى بطلان شرط التحكيم والعودة إلى ولاية القضاء للفصـل في النزاع الموضوعي الناشئ عـن العقـد المبـرم بـين الأطراف.

     في حين أن الحكم الإستئنافي ذهب هو الآخر إلى ضرورة إحترام ما كانت قد إتجهت إليه إرادة الأطراف عند الإتفاق على شرط التحكيم بالنسبة الى ما إعتبروه أصلاً من العناصر الجوهرية الواجبة الإتباع لإعمال شرط التحكيم بحيث يعتبر جزءاً لا يتجزأ من إتفاقهم. وبالتالي، فإن إتفاق التحكيم إما أن يعمل به في مجموعه كما وافق عليه أطراف العقد، إذا ذلك الإشتراط قانوناً، وإما أن يسقط بأكمله لبطلان ذلك الإشتراط ما يستتبعه من مع صح إستبعاد أثره السالب لولاية القضاء الوطني.

     وعلى أساس هذه النتيجة الأخيرة، المغايرة لما كان قد إنتهى إليه قاضي أول درجة، خلصت المحكمة الإستثنائية إلى أن شرط التحكيم الوارد في المادة (8) من إتفاق المشاركة the Joint Venture) (المبرم في بداية عام 1981، يعد باطلاً في مجموعه، مما يقتضي تأييد الشق الوارد في حكم قاضي أول درجة بالنسبة الى عدم صحة تعيين أحد الطرفين محكماً لا ينتمي الى الطائفة الإسماعيلية وهوSir Anthony Colman، وذلك بالنظر إلى إنعدام اي أثر قانوني لشرط التحكيم.

8. وخلاصة الأمر، أن القضية محل التعليق تثير عدة نقاط مهمة لا تتعلق فقط بالقانون الإنجليزي، وإنما يمكن من زواية القانون المقارن تلخيصها على النحو التالي:

(أ)- في مجال العلاقات القانونية التي تنسم بأهمية الإعتبارات الشخصية بين الأطراف، مثل المشاركة في الأنشطة الإقتصادية القائمة على إنتماءات خاصة ثقافية أو دينية أو عائلية، يمكن تصور أن يتضمن إتفاق التحكيم الوارد في العقد أو في مشارطة تحكيم شروطاً تقيد عملية إختيار المحكمين، بحيث يتوجب في مفهوم المتعاقدين، وما إتجهت اليه ارادتهم أن ينتموا الى ديانة أو إتجاه عقائدي معين، ومثل هذا الإشتراط لا يعد من حيث المبدأ مخالفاً للنظام العام متى كان له ما يبرره بحسب طبيعة تلك العلاقة، وعلى وجه الخصوص إذا كان الإتفاق على التحكيم يتضمن تفويضاً للمحكم أو لهيئة التحكيم للفصل في النزاع وفقا لمقتضيات العدالة (ex aequo e bono) أي بتخويله سلطة التحكيم بالصلح (Amiable Compositeur).

(ب) - ما إنتهت إليه محكمة الإستئناف البريطانية في حكمها محل التعليق من تكييف العلاقة بين المحكم والمحتكمين على أساس انها نوع من علاقات العمل (Employment) بالمعنى الواسع، أمر محل نظر في ضوء طبيعة المهمة المسندة إلى المحكم حيث يمارس وظيفة أقرب إلى القضاء بما يتميز به من إستقلالية وحيدة دون تبعية لمن عينوه بإعتباره يمارس نشاطاً مهنياً لا يفترق كثيراً عن الفنان المكلف برسم لوحة أو نحت تمثال أو تصميم مبنى أو تأليف سمفونية موسيقية. وفي تقديري أن تطبيق القواعد المتعلقة بالمساواة في المعاملة بين العاملين وعدم التمييز بينهم بسبب الجنس أو اللون أو الديانة حتى عن طريق القياس ليس مبرراً قانوناً في غالبية النظم القانونية الوطنية. وقد يكون من الأفضل على المحيط العالمي الإستناد في إقتضاء المساواة في المعاملة القانونية إلى المواثيق الدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان.

(ج)- خارج إطار العلاقات الحميمية وذات الطابع الشخصي، كما في الحالة المطروحة، لا يخالجني شك في أن أي إشتراط لجنسية معينة أو جنس معين أو ديانة أو الإنتماء إلى طائفة عقائدية معينة يجب النظر اليه بإعتباره مبرراً كافياً لإهدار شرط التحكيم وتقرير بطلانه، وهو بطلان ينصرف الى شرط التحكيم في جملته، بحيث يتعين إستبعاده في مجموعه، كما انتهى إليه قضاء المحكمة البريطانية على درجتي التقاضي، وبالضرورة يتم اللجوء لاحقاً الى القضاء الوطني المختص، ما لم يبرم الأطراف بمقتضى إتفاق لاحق إتفاق تحكيم جديداً تتوافر فيه شروط الصحة المطلوبة حتى يصير ملزماً ونافذاً دولياً.

تعلیق البروفسور فايز الحاج شاهين (لبنان)

 في القانون اللبناني: - يجب استبعاد كل أقصاء مبني على المبدأ الديني و"الاستوبل" يطبق في هذه الحالة

 -  الاقصاء مرفوض والاختيار مقبول- اختيار المحكمين على أساس الانتماء الديني مشروع حسب المادة 9 من الدستور اللبناني.

1- أمام محكمة الاستئناف المدنية في محاكم العدل الملكية في لندن طرحت مسألتان: - معرفة ما اذا كان يمكن للأطراف في بند تحكيمي أن يختاروا محكمين ينتمون الى مجموعة دينية معينة، وبالتالي معرفة، اي معرفة ما إذا كان مثل هذا التعيين صحيحاً او باطلاً؟

- وفي حال كان هذا التعيين باطلاً، هل يبقى البطلان محصوراً بالتعيين أم يمتد ليشمل البند التحكيمي بكامل مندرجاته؟

     بتاريخ 22 تموز 2010 اصدرت محكمة الاستئناف المذكورة قراراً قضى بإعلان بطلان التعيين الوارد في البند التحكيمي، وباعتبار ان البطلان يشمل هذا البند بكامله.

2- لن نعلق على هذا القرار من زاوية القانون الانكليزي، بل من زاوية امكانية الاسترشاد به في القانون اللبناني.

    ان هذا القرار لا يمكن، حسب رأينا، الاسترشاد به في الشق المتعلق بمبدأ ابطال تعيين محكمين ينتمون الى مجموعة دينية معينة (أولاً)، انما يمكن الاسترشاد به في الشق الثاني منه، اي في الشق المتعلق بمدى البطلان، وبالتالي بشموله البند التحكيمي بكامله (ثانياً).

أولاً- في أن القانون اللبناني لا يسمح مبدئياً باعلان بطلان التعيين المتفق عليه في البند التحكيمي في حال توافق الفرقاء على تعيين محكمين ينتمون إلى مجموعة دينية معينة:

   ان القانون اللبناني لا يسمح باعلان بطلان التعيين المشار إليه أعلاه لا في الشكل ولا في الاساس.

(أ) في عدم قبول طلب الابطال شكلاً في القضية موضوع التعليق:

   يتبين من القرار موضوع التعليق ما يلي:

   أن الفريقين اختارا بملء ارادتهما أن يكون المحكمون الثلاثة من بين الاعضاء الذين يتمتعون بالاحترام في "الطائفة الاسماعيلية ومن اصحاب المناصب العليا في الطائفة .

ان أحد الفريقين وهو السيد "هشواني"، نقض هذا التعيين واقدم على تعيين محكم لا ينتمي الى الطائفة الاسماعيلية وهو السير انطوني كولمان.

   ان السيد "هشواني" لم يمانع بأن يقوم السيد "جيفراج" بتعيين محكم ينتمي الى الطائفة الاسماعيلية، كما انه لم يمانع بأن يكون العضو الثالث في المحكمة التحكيمية من الطائفة الاسماعيلية (الفقرة 33 من القرار موضوع التعليق).

   يستفاد مما تقدم ان السيد "هشواني" لم يبد اي اعتراض في المبدأ على تعيين محكمين اثنين يكونان من الطائفة الاسماعيلية، انما سمح لنفسه بنقض البند التحكيمي في ما خص المحكم المعين من قبله، بحيث بادر الى تعيين محكم لا ينتمي الى هذه الطائفة.

    ان هذه المعطيات تسمح، في القانون اللبناني، بتطبيق قاعدة "الاستوبل" ESTOPPEL المعمول بها في القانون الانكليزي التي تقضي بمنع المتقاضي من ان يريد الشيء وعكسه، وان يتناقض على حساب الفريق الآخر، والتي تؤدي بالتالي الى رد سبب البطلان الذي يدلي به السيد "هشواني" والمبني على عدم جواز تعيين محكم على أساس الانتماء الطائفي.

   ان الاجتهاد اللبناني طبق مبدأ "الاستوبل" في قرارات عديدة. واستند من أجل ذلك، الى المادة 100 من مجلة الأحكام العدلية التي لا تزال سارية المفعول عملاً بأحكام المادة 1106 موجبات وعقود، والتي تنص على ما يلي:

   "من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه".

    ان السيد "هشواني" وافق بملء رضاه على ان يكون المحكمون منتمين إلى الطائفة الاسماعيلية لكنه بعد ذلك تراجع، دون سبب مشروع، عن موافقته هذه وعيّن محكماً من قبله لا ينتمي الى هذه الطائفة.

    بعد ذلك لم يعارض في تعيين المحكمين الآخرين من ضمن أبناء الطائفة الاسماعيلية، إنما حصر الاستبعاد بالمحكم المعين من قبله مما يعني أنه لم يكن لديه أسباب جوهرية عامة تبرر هذا الاستبعاد.

    ان انعدام الطابع العام، وبالتالي الطابع المبدئي، الذي من شأنه ان يبرر بطلان التعيين المبني على الانتماء الديني، يشكل دعما لتطبيق القاعدة المنصوص عليها في المادة 100 من المجلة والتي تكرس، في أحد وجوهها، قاعدة "الاستوبل".

(أ) في أن البند التحكيمي الذي تناوله القرار موضوع التعليق صحيح في القانون اللبناني:

    ان الانتماء الديني في حد ذاته هو مسألة حيادية ومن أجل معرفة ما اذا كان يجوز أو لا يجوز اعتماده معياراً لاختيار المحكم ينبغي وضعه ضمن اطار استعماله.

   ينبغي التفريق بين استعمال هذا الانتماء كسبب للإقصاء exclusion أو كمعيار للاختيار .choix

   مما لا شك فيه انه يجب ابطال كل اقصاء مبني على الانتماء الديني.

    ان کل بند تعاقدي يتضمن مثل هذا الاقصاء يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً، لأنه مخالف للنظام العام، وذلك استناداً إلى أحكام المادة 166 من قانون الموجبات والعقود، واستناداً إلى أحكام المادة 7 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والمادة 26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

    اما الاختيار التعاقدي المبني على الانتماء الديني والذي لا ينطوي على أي اقصاء فهو صحیح للاسباب الآتية:

    السبب الأول: أن المادة 166 موجبات وعقود تكرس مبدأ الحرية التعاقدية وتنص على ما يلي:

   "ان للأفراد ان يرتبوا علاقاتهم القانونية كما يشاؤون بشرط ان يراعوا مقتضيات النظام العام والاحكام القانونية التي لها صفة الزامية".

    ان عبارة "كما يشاؤون" التي يستعملها المشترع في المادة 166 أعلاه والتي تقابلها بالنص الفرنسي عبارة A leur gré واضحة ولا تحتاج الى تفسير.

    يستفاد من هذا النص أن الاصل هو الحرية وان القيد هو الاستثناء. مما يعني ان كل ما ليس ممنوعا هو جائز.

    ان هذه القاعدة تطبق من باب أولى في مادة التحكيم التي توصف بأنها أرض الحريات88 La .terre des libertés

    لا يوجد في لبنان أي نص يحظر اختيار المحكمين على اساس انتمائهم الديني، كما انه لا يوجد، حسب معرفتنا، قرارات قضت بإبطال بند تعيين المحكمين على اساس الانتماء الديني لعلة مخالفة النظام العام أو الآداب العامة أو النصوص الالزامية.

   ان تطبيق المادة 166 موجبات وعقود، في الحالة التي نحن بصددها، يستدعي اعطاء الايضاحات الآتية:

الايضاح الاول:

1- أن مبدأ حرية اختيار المحكم متوافق مع المبدأ العام المعمول به في مادة التحكيم والمكرس في المادة 768 من قانون أصول المحاكمات المدنية ومفاده أن كل شخص طبيعي مؤهل، لأن يكون محكماً ما لم يكن قاصراً او محجوراً عليه او محروماً من حقوقه المدنية أو مفلسا، ما لم يرد له اعتباره .

    ان المادة 768 المذكورة لا تعتبر ان الانتماء الديني للمحكم يشكل عائقاً يحول دون تعيينه، ولو كانت تعتبر ذلك لكانت نصت عليه صراحة، كما فعلت بالنسبة إلى القصر او الحجر أو الحرمان من الحقوق المدنية أو الافلاس.

الايضاح الثاني:

    ان البند التحكيمي يشكل اتفاقية بين طرفي النزاع. من ناحية أخرى، بعد ان يقبل المحكم م مهمته ينشأ عقد بين كل من المحتكمين litigants وبين المحكم، وهذا العقد يطلق عليه الفقه في فرنسا اسم "عقد المحكم" Contrat d'arbitre. أن المحكم يتمتع بأهلية انشاء هذا العقد، عملاً بأحكام المادة 215 موجبات وعقود، والتي تنص على ما يلي:

    "كل شخص اتم الثامنة عشرة من عمره هو أهل للالتزام / ما لم يصرح بعدم أهليته في نص قانوني" .

    من المسلم به انه لا يوجد في القانون اللبناني اي نص يعلن عدم أهلية اي شخص للالتزام بالقيام بمهمة محكم بسبب انتمائه الديني.

    Tout juriste, tout technicien, en fait toute personne à vocation à être nommé arbitre.

السبب الثاني: أن الاتفاقية التي يتم بموجبها اختيار المحكم هي اتفاقية منظور في انشائها الى شخص العاقد convention conclue - intuitus personae

     ان الاختيار الذي يمارس ضمن اطار مثل هذا العقد يكون من الصعب اعتبار أنه مشوب بعيب التمييز Discrimination. في مثل هذه الحالات يتم يختار المتعاقد الآخر لسبب عائد لشخص هذا الاخير مثل موهبته أو تفوقه في مهنة أو في حرفة أو بسبب انتمائه العقائدي او الديني أو العائلي أو الوطني. لا يوجد في هذا الاختيار أي سبب يبرر الابطال. ان المشترع يسمح، في هذه العقود، بتغليب بعض الاعتبارات الشخصية ومنها الانتماء الديني أو الوطني. في الحالة التي نحن في صددها، آن اتفاق الفريقين المحتكمين مع المحكم هو اتفاق منظور في انشائه الى شخص العاقد، وتحديداً الى الانتماء الديني للمحكم. نذكر بأن الفريقين اختارا بملء رضاهما ان يكون كل المحكمين، وعددهم ثلاثة، منتمين الى الطائفة الاسماعيلية.

    يستفاد مما تقدم أن التذرع بالأحكام المطبقة على التمييز Discrimination والتي استند اليها القرار موضوع التعليق لم يكن في محله، وذلك لأن مثل هذه الأحكام يجب أن تفسر بصورة ضيقة في مادة العقود المنظور في انشائها الى شخص العاقد intuitus personae.

يراجع بهذا المعنى:

     L'infraction de discrimination, qui est intentionnelle, suppose établie par l'accusation, la volonté discriminatoire et il convient de se montrer assez exigeant car les textes prohibant les attitudes discriminatoires ne effet de faire disparaître l'intuitus personae qui est de pour avoir doivent pas l'essence de certains contrats.

     Il ne suffit pas qu'un individu présentant certaines caractéristiques personnelles très différentes de celles des autres candidats (la couleur de sa peau ou sa religion, par exemple) se voit refuser un emploi pour qu'on en déduise qu'il a été victime d'une pratique discriminatoire car bien d'autres considérations peuvent expliquer ce refus d'embauche (diplômes, âge, expérience professionnelle, exigences en matière de salaire pour nous en   tenir aux plus communs). Il faut exiger, en outre, et au minimum, soit la la contradiction entre preuve de la fausseté du prétexte invoqué soit plusieurs motifs successivement présentés.

    Michéle - Laure RASSAT- Droit_pénal spécial - Dalloz 1997 n° 434 page 434.

    بالرجوع الى القضية التي تناولها القرار موضوع التعلق يتبين ان هناك أسباباً مشروعة كانت تبرر اختيار المحكمين على أساس انتمائهم إلى الطائفة الاسماعيلية مثل الاطمئنان الذي يولده هذا الانتماء في نفوس المحتكمين ومثل امتناع المحكمين الذين ينتمون إلى هذه الطائفة من تقاضي الاتعاب مما يخفف من كلفة التحكيم.

    وهنا لا بد من اعطاء الايضاحات الآتية:

 الايضاح الاول:

    ان الانتماء الديني، الذي نحن في صدده، ليس شرطاً فرضه المشترع (كما هو الحال في التشريعات التي تفرض أن يكون المحكم منتمياً الى دين معين او الى طائفة معينة (مثل قانون المملكة العربية السعودية الذي ينص على ان يكون المحكم مسلماً) بل شرط ارتضاه الفريقان.

    أن الفرق شاسع بين الحالتين: ففي الحالة الاولى، يشكل شرط الانتماء الديني قيداً على حرية الفرقاء باختيار المحكم، اما في الحالة الثانية فان هذا الشرط نابع من حرية الفريقين، وهو بالتالي يتوافق مع هذه الحرية ولا يتعارض معها، ولذلك يجب اعلان صحته.

الايضاح الثاني:

    لقد اجرينا، أعلاه، تفريقاً بين الاقصاء بسبب الانتماء الديني exclusion وبين الاختيار بسبب هذا الانتماء، واعتبرنا ان الاقصاء مرفوض وأن الاختيار مقبول.

ان هذا التفريق يحتاج الى التوضيح الآتي:

     ان كل اختيار ينطوي على استغناء، وذلك لأننا عندما نختار شخصاً او اشخاصاً معينين، انما نكون قد استغنينا عن كل الاشخاص الذين لم نختارهم .

    ان البند التحكيمي، موضوع النزاع، الذي نص على وجوب اختيار المحكمين من بين ابناء الطائفة الاسماعيلية، ينطوي على رفض لكل الاشخاص الذين لا ينتمون إلى هذه الطائفة، ولكل الاشخاص الذين ينتمون الى هذه الطائفة باستثناء الاشخاص الذين يكون قد وقع عليهم الاختيار.

   مما لا شك فيه أن هذه الحالة لا ينطبق عليها وصف الاقصاء exclusion، بل وصف الاستبعاد بمعنى الاستغناء élimination.

    ان الاقصاء الذي يشكل تمييزاً discrimination هو الذي ينطوي على بعد تحقيري péjoratif أي على ركن الاساءة إلى شخص أو على حرمانه من حق مشروع بسبب انتمائه الديني او العرقي.

    ان البعد التحقيري وركن الاساءة وركن الحرمان غير المشروع من الحقوق غير متوافرين القضية الحاضرة.

الايضاح الثالث:

   ان العقد القائم بين المحكم والمحكمين Litigants لا يجوز التوسع في تحديد طبيعته القانونية ومن باب أولى A fortiori لا يجوز، تحت ستار التوسع في التفسير، أن يصار الى تشويه هذه الطبيعة.

    لا يمكن وصف هذا العقد بأنه عقد عمل، لأن هذا العقد الأخير يتميز بعلاقة التبعية de subordination وهذه العلاقة تنسف عقد التحكيم من جذوره، لأنها تنفي استقلالية المحكم التي هي من صلب مؤسسة التحكيم.

    لا يمكن وصفه بأنه يمنح وظيفة. ان المحكم ليس موظفاً عند أحد. ان القاضي مستقل في اصدار الأحكام لكنه ينتمي الى سلك، هو سلك القضاء، مما يفرض على القاضي الخضوع لأحكام معينة (مثل المادة 132 من قانون القضاء العدلي المرسوم الاشتراعي رقم 150/83 تاريخ 16 ايلول 1983 التي تطبق على القضاة انظمة الموظفين في كل ما لا يتعارض مع أحكام المرسوم الاشتراعي المذكور).

    إن وضعية المحكم مشابهة لوضعية القاضي من حيث الاستقلالية في اصدار القرار، وليس من حيث الانتماء الى سلك معين والخضوع لأحكام معينة مثل انظمة الموظفين.

    ان المحكم في القانون اللبناني يقوم بمهمة Mission (يراجع المواد 768، 769، 772، 773 800 فقرة 3 817 فقرة 3 التي تستعمل كلمة مهمة) وليس بإداء خدمة service.

   ان الفرق شاسع بين المهمة والخدمة.

   فالمهمة يمكن تعريفها بأنها القيام بعمل مصحوب بسلطة pouvoir.

اما الخدمة service فلا تتضمن مثل هذه السلطة.

   بما أن المحكم يملك سلطة الفصل في النزاع فإن عمله ينطبق عليه وصف المهمة Mission وليس وصف الخدمة service .

    لذلك لا نستطيع، في القانون اللبناني، القبول بحيثيات القرار موضوع التعليق التي تناولت فيها طبيعة دور المحكم والتي تختلف عما قلناه أعلاه.

الايضاح الرابع:

    ذكرنا أعلاه أن مبدأ الحرية التعاقدية المكرس في المادة 166 موجبات وعقود يكفي لتبرير صحة البند التحكيمي موضوع التعليق.

    بعبارة أخرى، أن هذا المبدأ لا يلزم الفرقاء بتبرير اختيارهم. أي انهم غير مجبرين على ان يدلوا بالاسباب التي حملتهم على اختيار محكمين ينتمون الى طائفة دينية معينة.

    على الفريق الآخر الذي يدلي بأن الاختيار المبني على الانتماء الديني مخالف للنظام العام أو للآداب الحسنة أو لنص الزامي ان يثبت ذلك. أن عبء هذا الاثبات يقع على عاتق الفريق الذي يطعن في صحة هذا الاختيار، عليه ان يثبت، مثلا، أن اختيار المحكم على أساس الانتماء الديني كان بهدف الاستقواء بالطائفة. واذا كان هذا الاختيار ناشئا عن ارادته عليه ان يثبت، اذا اراد التخلص من البند، آن رضاه كان مشوبا بعيب من عيوب الرضى.

    بالعودة الى القرار موضوع التعليق يتبين ان الحيثيات التي اعتمدتها المحكمة الانكليزية لا يمكن تبنيها في القانون اللبناني للأسباب التي ذكرناها اعلاه.

   أكثر من ذلك، انه يتبين من هذا القرار أن الاسباب التي أدلى بها السيد "جيفراج" لتبرير اختيار المحكمين من أبناء الطائفة الاسماعيلية تبدو وجيهة، وهي الآتية:

    من حق المحتكمين أن يختاروا المحكمين الذين يرتاحون اليهم ويبدو أن الانتماء الى الطائفة الاسماعيلية كان من شأنه أن يخلق جواً من الاطمئنان للفرقاء. يضاف إلى ذلك انه يبدو أن الاختيار مبرر ايضاً

 بأن المحكمين الذين ينتمون إلى هذه الطائفة لا يتقاضون اتعاباً. ان الرغبة في اجتناب تكاليف المقاضاة امام المحكمة التحكيمية أو التخفيف منها يشكل سبباً مشروعاً اختيار محكمين ينتمون إلى الطائفة الاسماعيلية.

   جاء في الصفحة 13 من النص المترجم للقرار موضوع التعليق ما يلي:

   "اشترط الاطراف في القضية الحاضرة انتقاء المحكمين من الطائفة الاسماعيلية ولا شك في انه كان لديهم سبب وجيه للقيام بذلك. بحسب رأينا، ان هذا الاختيار يجب الاخذ به كجزء لا يتجزأ من الاتفاق على التحكيم ولا يجوز إهماله وكأنه من دون أهمية".

   ونحن نسأل. اذا كان الامر كذلك، فلماذا اعلان بطلان التحكيم؟

     كما نلاحظ ان القرار موضوع التعليق لا يخلو من التناقض. عندما أبطلت محكمة الاستئناف تعيين المحكم على اساس الانتماء الديني، لم نتوقف عند فكرة احترام إرادة الفريقين اللذين عبرا صراحة عن رغبتهما في اعتماد هذا المعيار. لكنها عندما قضت بأن أبطال التعيين يشمل البند التحكيمي بكامله اشارت الى ضرورة احترام إرادة الفريقين.

    تجدر الاشارة الى ان الفريق الطاعن في البند التحكيمي موضوع النزاع لم يعط برهانا على وجود أي ضرر يلحق به من جراء تعيين المحكم على اساس انتمائه الى الطائفة الاسماعيلية.

الايضاح الخامس:

    يبدو أن القرار موضوع التعليق يفرق بصورة ضمنية بين التحكيم العادي والتحكيم المطلق، ويعتبر ان البند التحكيمي موضوع النزاع كان يمكن ان يكون صحيحاً لو ان المحكمين كانوا مدعوين الى فصل النزاع وفقا للمبادىء الاخلاقية والعدالة والانصاف وليس وفقا لمبادىء القانون الانكليزي (صفحة 11 من النص المترجم لهذا القرار).

   اننا لا نؤيد هذا التفريق فالبند المبني على الانتماء الديني اما ان يكون صحيحاً واما ان يكون باطلا وذلك بصرف النظر عن طبيعة التحكيم.

    ان جواز او بطلان البند يجب أن يستمد من مشروعية أو عدم مشروعية الاختيار المبني على الانتماء الديني وليس على طبيعة التحكيم (عادي او مطلق).

    لدينا في القانون اللبناني سبب اضافي يبرر القول بمشروعية اختيار المحكمين على أساس الانتماء الديني.

   نصت المادة 9 من الدستور اللبناني على ما يلي:

    "حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الاجلال الله تعالى تحترم جميع الاديان والمذاهب وتكفل حرية اقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على ان لا يكون في ذلك اخلال في النظام العام وهي تضمن أيضاً للاهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الاحوال الشخصية والمصالح الدينية".

    ان الطائفة الاسماعيلية الكريمة معترف بها رسميا بموجب القرار 60 ل/ر الصادر في 13 اذار 1936 المتعلق "باقرار نظام الطوائف الدينية 16".

    يستفاد مما تقدم أنه لا يجوز في لبنان اعلان بطلان تعيين المحكم بسبب انتمائه إلى الطائفة الاسماعيلية أو أية طائفة أخرى من الطوائف المعترف بها قانوناً.

    تجدر الاشارة الى أنه لا يحق للمحكم الذي اختير على اساس انتمائه الديني ان يتستر وراء هذا الانتماء من أجل ممارسة سياسة الانحياز. آن موجب المحكم التقيد بمبدأ الحياد متعلق بالنظام العام ولا يمكن الخروج عنه لأي سبب من الأسباب. ان اعتماد الانتماء الديني شرطاً لاختيار المحكم مباح، شرط الا يصار الى اساءة استعماله، او الى تجاوز الغرض الذي من اجله سمح المشترع اللبناني باعتماد مثل هذا المعيار.

الايضاح السادس:

يستفاد من القرار موضوع التعليق ان البند التحكيمي، لجهة تعيين المحكمين، كان صحيحا في اثناء توقيع العقد، الا أنه أصبح باطلاً بصورة لاحقة بسبب ظهور تشريع جديد يحظر التمييز على اساس الانتماء الديني.

   ان مسألة تنازع القوانين في الزمان كانت مطروحة.

   Les conflits de loi dans le temps en matière de validité des contrats

    من المسلم به في القانون الفرنسي والقانون اللبناني ان صحة العقد تبقى خاضعة للقانون الذي كان سارياً المفعول بتاريخ إنشائه، فإذا كان صحيحاً في تاريخ الانشاء، فإنه يبقى صحيحاً حتى ولو جاء القانون اللاحق ينص على سبب بطلان جديد. (ما لم يكن المشترع قد اعطى القانون الجديد صراحة الطابع الرجعي).

يراجع بهذا المعنى:

 Code civil - Dalloz 2011 page 10.

    La loi  nouvelle ne s'applique pas, sauf rétroactivité expressément stipulée par le législateur, aux conditions de l'acte juridique conclu antérieurement. Même si elle intéressait l'ordre public, cette loi ne pourrait frapper de nullité les actes valablement passés avant sa promulgation.

    Les conditions de validité d'un contrat et les conséquences de sa nullité sont régies par la loi en vigueur au jour ou il a été passé.

القسم الثاني: في أن القانون اللبناني متوافق مع الشق الثاني من القرار موضوع التعليق لجهة مدى مفعول البطلان:

    قضى القرار موضوع التعليق بأن بطلان تعيين المحكم بسبب الانتماء الديني يجب ان لا يبقى محصوراً بمسألة التعيين، بل يجب ان يتعداه إلى البند التحكيمي بكامل مندرجاته.

    برر القرار موضوع التحكيم شمولية البطلان بفكرة مفادها أن تسمية المحكمين واشتراط أن يكونوا منتمين الى الطائفة الاسماعيلية يعتبران جزءاً لا يتجزأ من الاتفاق على التحكيم.

    كما برر هذه الشمولية بأن انتماء المحكمين الى الطائفة الاسماعيلية يتمتع، في القضية موضوع النزاع، بالطابع الجوهري بحيث أن حذف المقطع من البند التحكيمي الذي يشترط هذا الانتماء من شأنه ان يجعل الاتفاق التحكيمي مختلفاً جوهرياً عما كان مقرراً في الاساس.

   ان هذا الحل متوافق مع المادة 82 موجبات وعقود التي تنص على ما يلي:

   "ان اشتراط الشيء المستحيل أو المخالف للآداب او للقانون باطل ومبطل للاتفاق المعلق عليه. وأن صيرورة الشرط ممكناً، في ما بعد من الوجه المادي أو الوجه القانوني، لا تجعل الاتفاق صحيحا".

    "بيد أن الأمر يكون خلاف ذلك اي ان الشرط المستحيل أو غير المباح يعد كأنه لم يكتب اذا كان الفريقان لم يجعلا له شأناً جازماً ولم يكن له في التعاقد شأن السبب الدافع الحامل على انشاء الموجب".

    يستفاد من هذا النص أن المبدأ هو ان يكون البند التحكيمي باطلاً بكامله اي بكامل مندرجاته الا اذا تم الاثبات على أن الشق من البند المطلوب أبطاله لم يكن السبب الدافع والحامل على البند بكامله، وفي هذه الحالة يكون البطلان جزئياً بحيث يكون الشق المتعلق بالتعيين بمثابة غير المكتوب clause réputée non écrite.

   اما في حالتنا الحاضرة فالبند يجب ان يكون من باب أولى A fortiori باطلاً بكامله، لأن الشق المتعلق باختيار المحكم وصفه القرار موضوع التعليق بأنه جوهري.

   تجدر الاشارة الى ان الفقرة الاخيرة من المادة 764 اصول مدنية تنص على ان البند التحكيمي الباطل يعتبر كأنه لم يكن. مما يعني انه في القضية الحاضرة يبقى العقد الاساسي الذي تضمن البند التحكيمي قائماً في القانون اللبناني على الرغم من ابطال البند التحكيمي بصورة شاملة .

خاتمة:

    ان الاسترشاد بالقانون المقارن أمر مستحسن شرط الا يتعارض مع أحكام القانون اللبناني. ان القياس ممكن، بل مستحب، ولكن ليس على حساب خصوصية المبادىء والنصوص القانونية المعمول بها في لبنان.

تعليق الدكتور حمزة حداد (الاردن)

اشتراط أن يكون المحكمون من دين او عرق أو طائفة أو جنس معين هو اتفاق صحيح

أولاً- مختصر الوقائع ونطاق النزاع القضائي:

1- خلال شهر يناير 1981، تم إبرام عقد استثمار مشترك بين السيد هشواني (Hashwani) والسيد جيفراج (Jivraj)، وكلاهما ينتمي الى للطائفة الإسماعيلية. 2- تضمن العقد اتفاق (بند) تحكيم يقضي بتسوية الخلافات العقدية عن طريق التحكيم في لندن امام هيئة تحكيمية ثلاثية، يعين كل طرف محكماً عنه، ويكون رئيس المجلس الوطني لمؤسسة آغا خان (المدعى عليه) في المملكة المتحدة هو المحكم الثالث. ويجب أن يكون جميع المحكمين من الطائفة الاسماعيلية.

3- حصل خلاف بين الطرفين، فعيّن السيد هشواني محكماً عنه، ليس من الطائفة الإسماعيلية، وهو السيد أنتوني (Anthony) وطلب من السيد جيفراج تعيين محكم عنه، إلا أنه لم يقم بهذا التعيين.

4- أ- خلال سنة 2008، تقدم السيد جيفراج بطلب الى المحكمة المختصة، ملتمساً إصدار قرار بأن تعيين المحكم المذكور غير قانوني، لكونه ليس من الطائفة الاسماعيلية.

ب وفي المقابل، تقدم السيد هشواني (أيضاً سنة 2008) بطلب للمحكمة لتعيين ذلك الشخص (السيد أنتوني)، محكماً منفرداً لتسوية النزاع، وذلك استناداً الى المادة (18/2) من قانون التحكيم الانكليزي لسنة 1996. وكان من وجهة نظر السيد هشواني أن اشتراط كون المحكم من الطائفة الإسماعيلية، هو شرط غير قانوني لمخالفته مبدأ المساواة في التوظيف من حيث الدين والمعتقد حسب أنظمة 2003، ولمخالفته كذلك قانون حقوق الإنسان لسنة 1998 وللنظام العام في المملكة المتحدة. 5- ويتبين مما سبق، أن النزاع بين الطرفين كان محصوراً في مدى صحة اشتراط الطرفين ان يكون المحكم من طائفة دينية معينة هي الطائفة الاسماعيلية، وأثر ذلك على شرط التحكيم ككل.

ثانياً- القواعد القانونية التي تحكم النزاع (القضائي):

6- طبقت المحاكم على النزاع القواعد القانونية السارية المفعول في المملكة المتحدة، وهي بشكل خاص أنظمة سنة 2003. ومما تقضي به تلك القواعد ما يلي:

أ- يعني مصطلح صاحب العمل الشخص الذي يسعى في أي وقت لإستخدام شخص آخر لديه، ويشمل ذلك صاحب العمل الذي ليس لديه أي عامل في أي وقت.

ب- أما مصطلح الاستخدام، فيعني الاستخدام بموجب عقد خدمة أو تدريب مهني، أو عقد للقيام شخصياً بأي عمل.

ج- يعتبر الشخص قد مارس تمييزاً ضد شخص آخر على أساس عنصر العقيدة أو الدين، إذا عامل ذلك الشخص بطريقة أقل تفضيلاً من معاملته أشخاصاً آخرين.

د- لا يجوز لصاحب العمل في الترتيبات التي يقوم بها من أجل تعيين شخص لديه (موظف)، أن يمارس التمييز ضد ذلك الشخص (أو غيره)، سواء في تلك الترتيبات أو بالنسبة الى الشروط التي على أساسها يقدم الى ذلك الشخص فرصة العمل، أو من خلال رفضه تقديم فرصة العمل لديه أو رفضه عمداً تقديم هذه الفرصة.

هـ- يستثنى من التمييز في التعيين في وظيفة ما على أساس العقيدة أو الدين، الوضع الذي يكون فيه لصاحب العمل معتقدات قائمة على أساس أي منهما. وعندئذ، فإن هذه المعتقدات وطبيعة العمل أو السياق الذي ينفذ فيه، وكون الانتماء لدين معين أو عقيدة معينة، هو شرط مهني أساسي للحصول على تلك الوظيفة، كل ذلك يؤخذ في الاعتبار للتعيين في الوظيفة.

ثالثا- قرار المحكمة:

7- قرر القاضي المختص بأن المحكم لا يعتبر عاملاً (موظفاً) بالمعنى القانوني، وبالتالي لا تطبق تلك القواعد المشار إليها أعلاه على تعيين المحكمين. كما أنه لا يوجد في قانون حقوق الإنسان ولا في النظام العام، ما يؤدي إلى القول ببطلان بند التحكيم الذي ينص على أن يكون المحكمون من الطائفة الإسماعيلية. لذلك، فإن تعيين المحكم السيد أنطوني الذي لا ينتمي لتلك الطائفة هو تعيين غير صحيح. وعلى فرض تطبيق تلك القواعد، فإن تعيين المحكم المذكور يدخل ضمن الاستثناء الوارد في الفقرة (هـ) المشار إليها في البند (ثانياً/6/أعلاه)، التي تجيز تعيين عامل ما، شريطة انتمائه لدين أو طائفة معينة كشرط مهني أساسي. وأخيراً، حتى لو فرضنا بطلان الجزء في بند التحكيم الذي يشترط أن يكون المحكم من تلك الطائفة، فإن هذا الاشتراط يؤثر في كامل بند التحكيم، ما دام أنه لا يمكن فصله عن بقية البند التحكيمي، مما يؤدي الى بطلانه كاملا.

8- ولدى استئناف هذا القرار من قبل السيد الهشواني، نقضت محكمة الاستئناف الحكم، وقررت ما يلي:

1- أن مصطلح "الاستخدام أو التوظيف" في القواعد القانونية المشار إليها في البند (ثانياً/أعلاه)، يشمل أي عقد للقيام شخصياً بأي عمل. ومصطلح "العمل" في هذا الشأن، يشمل تقديم الخدمات من أي نوع كان، بما في ذلك العقد الذي يوافق فيه المحكم على فصل النزاع المطروح عليه.

2- إن اشتراط أن يكون المحكم منتمياً لطائفة معينة (الإسماعيلية)، ربما يكون صحيحاً إذا كانت مهمته الفصل في النزاع وفق قواعد العدل والانصاف (اي التحكيم بالصلح). في هذه الحالة نتوقع منه تطبيق المبادئ الأخلاقية وقواعد العدالة والإنصاف المعروفة بشكل عام لدى تلك الطائفة. ولكن وفق بند التحكيم في هذه القضية، فإنه يتوجب الفصل في النزاع حسب القانون الانكليزي، ولا يستلزم ذلك أية معتقدات معينة.

3- ويترتب على ذلك القول، بأن هذا الاشتراط مخالف للقواعد القانونية المطبقة في المملكة المتحدة، مما يعني بطلانه. ولكن بطلانه يؤثر بشكل جوهري في شرط التحكيم ككل، مما يؤدي الى القول ببطلان شرط التحكيم كاملاً، تماماً كما قال قاضي الدرجة الأولى.

4- والخلاصة في الظروف المحيطة، هي تقرير محكمة الاستئناف بطلان شرط التحكيم بكامله، الذي يوجب ان يكون المحكم منتمياً إلى الطائفة الاسماعيلية.

 رابعاً- الرأي في الحكم الاستئنافي:

9- وباعتقادي أن حكم الاستئناف المذكور محل نظر في الظروف المحيطة. ففريقا العقد ينتميان إلى الطائفة الاسماعيلية، ويرغبان في أن يكون المحكمون من الطائفة نفسها لغرض معين لم يفصحا عنه، وهذا شأنهم ولا يستطيع أحد أن يجبرهم على التحكيم أمام أشخاص آخرين من غير تلك الطائفة، ولا على الإفصاح عن سبب اشتراط كون المحكمين من الطائفة التي ينتميان إليها، أي الطائفة الاسماعيلية. وعلى سبيل المثال، فإن المحكمين من طائفة معينة (الاسماعيلية)، قد يقدمون خدماتهم بدون مقابل، لأن هدفهم من التحكيم هو خدمة الطائفة مجاناً، بل يمكن أن نستنتج من الحكم محل التعليق أن المحكمين من الطائفة الإسماعيلية، كانوا سيقدمون خدمة التحكيم لطرفي النزاع بدون مقابل، وهو سبب وجيه لاشتراط كون المحكمين من الطائفة الاسماعيلية.

10- ومما قالته محكمة الاستئناف في هذا الشأن، بأنه لو كان المحكمون مفوضين بالصلح حسب قواعد العدالة المطبقة لدى الطائفة الاسماعيلية، لكان من المفهوم اشتراط كون المحكمين من تلك الطائفة. ولكن المحكمين سيطبقون قواعد القانون الانجليزي، وهذا لا علاقة له بالطائفة الاسماعيلية. ولكن يمكن أن يرد على ذلك بالقول ما يلي:

1- أن طرفي التحكيم من حقهما الاتفاق في أي وقت أثناء إجراءات التحكيم على تفويض المحكمين بالصلح بينهما، بحيث ينقلب التحكيم من تحكيم بالقانون الى تحيكم بالصلح. وهما قد لا يتفقان على التحكيم بالصلح، إلا إذا كان المحكم الذي ينظر نزاعهما ينتمي الى الطائفة التي اشترطاها فيه أي الطائفة الاسماعيلية. والمحكمة إذ حرمتها من التحكيم ابتداء بسبب اشتراط انتماء المحكم الى الطائفة الاسماعيلية، تكون قد فوتت الفرصة عليهما للاتفاق على التحكيم بالصلح أمام المحكم.

2- لا علاقة لتطبيق القانون الانجليزي ولا لأي قانون وطني آخر بتعيين المحكم، وكل منهما أمر يختلف عن الآخر ويفترض أن لا رابطة بينهما. فقد يتم الاتفاق على تعيين محكم فرنسي، على أن يطبق القانون الانجليزي أو العكس، في حين أن المحكم المتفق عليه من رجال الأعمال الذي لا يعرف شيئاً عن القانون الواجب التطبيق على النزاع. ولا شك أن المحكم في مثل هذه الأحوال، سيلجأ إلى الخبرة القانونية، وهو أمر جائز وصحيح ومطبق كثيراً في الحياة العملية. لذلك، من غير الجائز القول، كمبدأ عام، بعدم صحة الاتفاق على تعيين محكم من طائفة معينة أو دين معين ما دام المحكم لن يطبق القواعد القانونية المتبعة في تلك الطائفة أو ذلك الدين، وإنما قواعد قانونية أخرى.

11- وباعتقادي إن اشتراط الطرفين في أن يكون المحكم من طائفة معينة، لا يختلف كثيراً عن اشتراطهما في أن يكون من جنسية معينة، وهو أمر جائز في التحكيم الدولي والوطني على حد سواء، وعلى سبيل المثال، تقضي المادة (11/1) من القانون النموذجي لليونسترال لسنة 1985، بأنه لا يحرم شخص من العمل كمحكم بسبب جنسيته ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك. ومن القوانين العربية يمكن أن نشير في هذا الشأن الى المادة (16/2) من قانون التحكيم في كل من مصر وسلطنة عمان، والمادة (15/ب) من قانون التحكيم الاردني، وكل منها تقضي بأن لا يشترط أن يكون المحكم من جنس محدد أو جنسية معينة، إلا إذا اتفق طرفا التحكيم.......... على غير ذلك. فهذه النصوص واضحة من حيث أنها تغلب إرادة الأطراف في اشتراط أن يكون المحكم من جنس معين (ذكر أو أنثى مثلاً)، أو من جنسية معينة. ويمكن أن يضاف الى ذلك دين أو عقيدة معينة. فالعبرة في هذه القوانين العربية هي لإرادة الأطراف الذين يلجأون الى التحكيم بمحض اختيارهم. فإن لم يفصحوا عن إرادتهم، فلا يجوز عندئذ حرمان شخص من العمل محكماً بسبب جنسه أو جنسيته أو دينه أو أي معتقد آخر له.

12- ومن جهة أخرى، أعتقد أن حكم محكمة الاستئناف، يصعب تطبيقه في الحياة العملية في التحكيم المؤسسي الدولي. فعلى فرض أن الاتفاق بين السيد هشواني والسيد جيفراج كان ينص على التحكيم لدى محكمة تحكيم لندن LCIA مثلاً، أمام محكم منفرد ينتمي الى الطائفة الاسماعيلية. وبناء عليه، تم تقديم طلب تحكيم من السيد هشواني الى تلك المحكمة، طالبا منها تعيين محكم من غير الطائفة الاسماعيلية، بحجة بطلان الاتفاق من هذه الناحية، لمخالفته حقوق الإنسان والنظام العام والقواعد القانونية السارية في المملكة المتحدة منذ سنة 2003، واعترض السيد جيفراج على ذلك. في هذا المثال، أرى أن محكمة الـ LCIA لن تأخذ بوجهة نظر السيد هشوانی، ستعين محكماً من الطائفة الاسماعلية حسب اتفاق الطرفين. وعندئذ سيقرر المحكم بناء على طلب أو دفع أمامه، فيما إذا كان مثل هذا الاشتراط في البند التحكيمي هو اشتراط بأطل أم صحيح. ومع أنني لست في موقع أستطيع أن أجزم من خلاله ماذا ستكون وجهة نظر المحكم بالنسبة الى هذه المسألة، إلا أن الظروف غالباً ما توحي بأنه سيكون من رأيه صحة هذا الاتفاق، ما دام الطرفان من الطائفة الاسماعيلية واتفقا على أن يكون المحكم بينهما من الطائفة نفسها، ولا ضير في ذلك كمبدأ عام، بمعزل عن القانون الموضوعي الواجب التطبيق على النزاع.

13- وبالإضافة الى ما سبق، يتبين من حكم الاستئناف محل البحث أن الطرفين عندما أبرما اتفاق التحكيم سنة 1981، كان يجوز لهما اشتراط أن يكون المحكمون من الطائفة الاسماعيلية، ولكن عند تقديم الدعوى لتعيين المحكم لسنة 2008، كانت قوانين التمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدين مطبقة وسارية المفعول. أي أن القضاء الانكليزي، طبق القواعد الجديدة على اتفاق التحكيم السابق على نفاذ القواعد الجديدة، مما يثير التساؤل عن تنازع القوانين من حيث الزمان والحقوق المكتسبة، وما قد تثيره من جدل حول جواز أو عدم جواز ذلك من الناحية القانونية، وهي مسألة يطول البحث والجدال في شأنها، وتخرج عن نطاق بحثنا الحالي.

14- والخلاصة، أن حكم محكمة الاستئناف محل البحث بعدم جواز اشتراط الطرفين أن يكون المحكم من دين معين أو عقيدة معينة، تحت طائلة بطلان اتفاق التحكيم، هو محل نظر كبير وأرى، من حيث النتيجة، صحة الاتفاق ووجوب العمل به.