المحكم وهيئة التحكيم / تعيين المحكمين بواسطة المحكمة المختصة بالنزاع / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد18 / دعوة إلى كلمة سواء في تعيين المحكم من القضاء..
لا نزاع في أن التحكيم نظام قانوني لفض المنازعات يقوم أساساً على مبدأ سلطان الإرادة، فبمقتضاه يتم إخراج النزاع من اختصاص جهات القضاء صاحبة الولاية العامة وطرحـه علـى أشخاص عاديين ليست لهم ولاية القضاء ولا يتبعون أي سلطة من سلطات الدولـة، فيصدرون حكماً ملزماً ينهي النزاع ويتمتع بحجية الشيء المقضي به مثله في ذلـك مثـل الأحـكـام التـي تصدرها محاكم السلطة القضائية.
والمحكم هو روح التحكيم وبغيره يظل اتفاق التحكيم حبراً على ورق، فهـو الـذي يباشـر إجراءات التحكيم فيسمع طرفي النزاع ويحقق دفاع كل منهما وطلباته، ثم يصدر الحكم النهـائي الحاسم للنزاع برمته. ومن هنا فإن حسن سير إجراءات التحكيم وسرعتها، ثـم صـحة حكـم التحكيم وعدالته، كل ذلك يتوقف على نوعية المحكم أو المحكمين المختارين للحكم في النـزاع، ومن هنا فقد قيل بحق أن جودة التحكيم من جودة المحكم.
"An arbitration is only as good as the arbitrator" فكلما كان المحكم كفوءاً qualified ومنجزاً effective ومناسباً لنوع النزاع ومتحلياً بالنزاهة والحيدة والاستقلال، كلما كان التحكيم جيداً ومحققاً لمزاياه المرجوة منه. وهكذا تضحي الأهمية الخاصة لعملية إختيار المحكمين سواء تم هذا الاختيار من جانب أطراف النزاع أنفسهم أو الجهة التي فوضها في ذلك أو المحكمة المختصة حسب الأحوال.
- - والأصل – طبقاً للنظام القانوني للتحكيم – أن يكون اختيار هيئة التحكيم (سواء كانت مشكلة من محكم منفرد أو أكثر) بإتفاق طرفي التحكيم، فلهما الإتفاق على شخص المحكم أو المحكمين والشروط الواجب توافرها في كل منهم، كما أن لهم الإتفاق على اختيارهم أو تفويض الغير (شخصاً طبيعياً كان أو معنوياً) ليكون سلطة تعيين المحكم أو المحكمين appointing authority. بيد أنه قد يحدث في العمل ألا يتفق طرفا اتفاق التحكيم بشأن تشكيل هيئة، أو يكون هناك اتفاق بينهما في هذا الخصوص فيخل أحدهما به، كما قد تمتنع سلطة التعيين المختارة منهما عن القيام بما طلب منها – ففي مثل هذه الفروض يتعذر تشكيل هيئة التحكيم مما يحول دون البدء
اختياره أو في إجراءاته أو السير فيها، ويمنع إعمال أثر إتفاق التحكيم، بل قد يفرغه من مضمونه. ومن أجل التغلب على العقبات التي قد تعترض تشكيل هيئة التحكيم تجيز غالبية قوانين التحكيم الحديثة اللجوء إلى قضاء الدولة من أجل إختيار المحكم في حالة عدم اتفاق الأطراف على عدم الإتفاق على سلطة تعيين تقوم بذلك. وهكذا فقد نصت المادة 11 من قانون اليونسترال النموذجي للتحكيم على القضاء كسلطة تعيين للمحكمين في حال عدم اتفاق الأطراف على وسيلة أخرى للتعيين، وقد حذت الكثرة من قوانين التحكيم حذو القانون النموذجي المذكور، من ذلك المادتان (1452، 1460) من قانون المرافعات الفرنسي الجديد المعدل بالمرسوم رقم 2011/48، والقسم الخامس من قانون التحكيم الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تجيز للمحكمة المحلية district Court تعيين المحكم أو المحكمين في حال عدم الإتفاق على طريقة تعيين المحكمين أو قعود أحد الطرفين عن استعمال وسيلة التعيين المتفق عليها، أو كانت هذه الوسيلة غير قابلة للتطبيق، والمادة (2/179) من القانون الدولي الخاص السويسري، والمادتان (17، 18) من قانون التحكيـم الانجليزي، والمـادة (5/11) من قانون التحكيم التجاري الكندي، والمادة (1/16) من قانون التحكيم الاوسترالي، والمادة (3/1035، 4) من قانون التحكيم الالماني، والمادتان (1684- 1685) من التقنين القضائي البلجيكي، والمادة (1027) من قانون المرافعات الهولندي، والمادتان (809، 810) من قانون المرافعات الايطالي، والمادة (17) من قانون التحكيم الياباني. ويلاحظ أن غالبية قوانين التحكيم الجديدة، وإن اتفقت على اتخاذ القضاء كسلطة تعيين المحكمين وضمان سرعة إجراءات هذا التعيين بمنع الطعن في القرارات الخاصة به، إلا أنها قد اختلفت في ما بينها بالنسبة الى نظام الخاص بتلك السلطة وإجراءات مباشرتها .
وفي مصر جرت المادة (17) من قانون التحكيم على أن: 1- لطرفي التحكيم الإتفاق على اختيار المحكمين وعلى كيفية ووقت اختيارهم، فإذا لم يتفقا إتبع ما يأتي:
أ- إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد تولت المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون اختياره بناء على طلب احد الطرفين.
ب- فإذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين اختار كل طرف محكماً، ثم يتفق المحكمان على اختيار المحكم الثالث، فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه خلال الثلاثين يوماً التالية لتسلمه طلباً بذلك من الطرف الآخر، أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث خلال الثلاثين يوماً التالية لتاريخ تعيين آخرهما، تولت المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون اختياره بناء على طلب أحد الطرفين، ويكون للمحكم الذي اختاره المحكمان المعينان أو الذي اختارته المحكمة رئاسة هيئة التحكيم، وتسري هذه الأحكام في حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من ثلاثة محكمين. 2- وإذا خالف أحد الطرفين إجراءات اختيار المحكمين التي اتفقا عليها أو لم يتفق المحكمان المعينان على أمر مما يلزم اتفاقهما عليه، أو إذا تخلف الغير عن أداء ما عهد به إليه في هذا الشأن، تولت المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون بناء على طلب أحد الطرفين، القيام بالإجراء أو بالعمل المطلوب ما لم ينص الإتفاق على
كيفية أخرى لإتمام هذا الإجراء أو العمل.
3- وتراعي المحكمة في المحكم الذي تختاره الشروط التي يتطلبها هذا القانون، وتلك التي اتفق عليها الطرفان، وتصدر قرارها بإختيار المحكم على وجه السرعة، ومع عدم الإخلال بأحكام المادتين 18، 19 من هذا القانون، لا يقبل هذا القرار الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن.
- - ويلاحظ على هذا النص أنه وإن حدد المحكمة المشار إليها في المادة (9) كمحكمة تختص دون غيرها بإختيار المحكمين في حالة عدم الإتفاق على اختيارهم، إلا أنه - شأنه في ذلك شأن قانون التحكيم النموذجي لليونسترال وغالبية تشريعات التحكيم الجديدة - لم يبين صراحة نوع الإجراء الواجب إتباعه سواء بالنسبة الى طلب تعيين
المحكم أو بشأن القرار الذي تصدره المحكمة بإختياره، وبعبارة أخرى، لم يحدد نص المادة (17) من قانون التحكيم صراحة كيفية تقديم طلب تعيين المحكم إلى المحكمة المشار إليها في المادة (9) والقرار الذي يصدر فيه، أي ما إذا كان يقدم بموجب عريضة يصدر عليها أمر بتعيين المحكم طبقاً لنص المادة (194) وما بعدها من قانون المرافعات، أم أن الطلب يقدم بصحيفة تقدم بالطرق المعتادة لرفع الدعوى ليصدر فيها حكم بإختيار المحكم.
- إن المتأمل صياغة نص المادة (17) المذكورة والشروط الواردة فيها، فضلاً عما تضمنته الأعمال التحضيرية لقانون التحكيم، لا بد له أن ينتهي من كل ذلك إلى تأكيد أن المشرع قد قصد إلى أن يكون طلب تعيين المحكم بموجب صحيفة تقدم للمحكمة بالطرق المعتادة لرفع الدعوى، وأن قرار المحكمة الذي يصدر في ذلك الطلب يكون في صورة حكم قضائي، وليس – بالقطع - في شكل أمر على عريضة. - فيبين من إستقراء نصوص مواد قانون التحكيم المصري مجتمعة، أن المشرع قد استعمل كلمة (المحكمة) بمعنى واحد هو المحكمة بكامل هيئتها عندما تقوم بعمل قضائي يتمثل في الحكم في دعوى مرفوعة أمامها بالطرق المعتادة لرفع الدعوى، وتبدو هذه الحقيقة ساطعة من مجرد مطالعة نصوص المواد 13، 14، 17، 19، 20، 47، 2/53، 2/54، 57، 58 من القانون المذكور – وأما عن عبارة (رئيس المحكمة) فإنها وردت في أربع هي المواد 2/24، 37/ب، 2/45، 56 وقد أوردها المشرع بمعنى واحد، كذلك هو رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (9) من القانون عندما يصدر أمراً على عريضة، وقد أكدت الأعمال التحضيرية لقانون التحكيم الفرق الذي قصده المشرع من المغايرة في استعمال كلمة (محكمة) في بعض النصوص وعبارة (رئيس المحكمة) في نصوص أخرى، ذلك أنه عند مناقشة مشروع المادة (17) من القانون في مجلس الشعب لاحظ أحد السادة الأعضاء أن صياغة هذه المادة لم تبين كيفية تقديم طلب تعيين المحكم إلى المحكمة، وتساءل عما إذا كان تقديم ذلك الطلب سيكون إلى رئيس المحكمة بعريضة ليصدر عليها أمراً أم أنه سيقدم إلى المحكمة بكامل هيئتها بطريق الدعوى؟ ثم اقترح تعديل نص المشروع ليبين طريق اللجوء للمحكمة من أجل تعيين المحكم وما إذا كان ذلك عن طريق الدعوى المبتدأة أم بطلب على عريضة يقدم لرئيس المحكمة؟ وقد أجاب السيد مواد فقط
وزير العدل آنذاك عن تساؤل السيد العضو بقوله بحصر اللفظ: أولا، الطلب يكون في صورة دعوى، وهو الوضع الطبيعي، ويكون للمحكمة وهو الوضع الطبيعي، لأنه لو أراد رئيس المحكمة لنص على ذلك، مثل كل النصوص، فعندما يقول النص "محكمة كذا فيكون الاختصاص للمحكمة وليس لرئيس المحكمة، ويكون بالصورة الطبيعية وهي الدعوى، ..."، وإذ لم يعترض أحد من السادة النواب الحضور أو يعلق على هذا البيان من السيد وزير العدل، وكانت القاعدة الأصولية أن "لا ينسب إلى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان ويعتبر قبولا"، فقد وافق المجلس على نص المادة (17) بصياغتها الواردة في المشروع وقانون التحكيم".
- - أما الفقرة الثالثة من المادة (17) محل البحث فنراها، وقد أوجبت على المحكمة - التي تنظر طلب تعيين المحكم - أن تراعي في المحكم الذي تختاره الشروط التي يتطلبها القانون، وتلك التي اتفق عليها الطرفان، وان تصدر قرارها بإختيار المحكم على وجه السرعـة – ثم قضت بعد ذلك بألا يقبل ذلك القرار الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن ولسنا في حاجة إلى بيان أن المحكمة حتى تراعي الشروط التي اتفق عليها الطرفان في المحكم لا بد لها من سماع الطرفين للوقوف على حقيقة ما اتفقا عليه في الخصوص. كذلك فإن إشتراط صدور قرار اختيار المحكم على وجه السرعة لا ينطبق إلا على الأحكام القضائية، كما أن عدم قابلية القرار المذكور للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن لا يصدق إلا على أحكام القضاء، لأن الأوامر على العرائض لا يطعن فيها، بل يتظلم منها طبقاً لنص المادة (197) وما بعدها من قانون المرافعات. هذا
وإذا كانت عبارات نص المادة (17) المذكورة والأعمال التحضيرية قاطعة الدلالة على أن إرادة المشرع قد اتجهت إلى أن يكون اختيار المحكمة للمحكم بحكم وتصدره بكامل هيئتها في دعوى ترفع إليها بالطرق المعتادة لرفع الدعوى، فإن تلك الدلالة تتفق كذلك والطبيعة الرضائية لنظام التحكيم في المواد المدنية والتجارية، فضلاً عن الحاجة الى حماية المصالح المشروعة لطرفي اتفاق التحكيم، ذلك أن قرار المحكمة بإختيار المحكم
ذلك، ثم يجب أن يكون مستندا إلى اتفاق تحكيم صحيح على الأقل من حيث الظاهر، وإلى وجود نزاع حقيقي بين طرفي الإتفاق المذكور، وقيام المدعي بتقديم طلب لإجراء التحكيم بعد تنفيذ التزامه هو بشأن إختيار هيئة التحكيم، وأن يكون الطرف الآخر على بينة من كل تخلف عن تنفيذ التزامه طبقا للاتفاق سالف البيان، والتحقق من كل ذلك يتطلب سماع الطرف المذكور وتحقيق دفاعه إعمالا لمبدأ المواجهة بين الخصوم Principe de la Contradiction بإعتباره أحد المبادئ الجوهرية في التقاضي وركيزة حق الدفاع، فقد يكون اتفاق التحكيم ظاهر البطلان، كما لو كان محله مسألة لا يجوز التحكيم فيها قانوناً، أو يكون الإتفاق المذكور مزوراً على المحتكم ضده، أو كان الأخير لم يعلن في موطنه الحقيقي بطلب التحكيم، ففي مثل هذه الفروض وما يماثلها قد يصدر حكم تحكيم ضد المحتكم ضده بعد مضي فترة من الزمن وقد تطول، ثم يقضى ببطلانه في النهاية، وبذلك يكون تعيين المحكم عن طريق أمر على عريضة فيه إضرار بمصلحة المحتكمين وبحسن سير العدالة، ذلك أن إخضاع المحتكم ضده – سواء بعلمه أو خفية - لإجراءات تحكيم دون أن يكون من حقه إبداء دفاعه أو الاعتراض على القرار الصادر بتعيين المحكم، يجبره على الانتظار حتى يصدر حكم التحكيم ضده، ثم يطعن عليه بعد ذلك، فيقضى له ببطلانه حتماً، ولكن بعد إهدار وقته وماله وجهده دون مبرر من مصلحة مشروعة أو منطق، فليس من المعقول أو المقبول أن تقوم أي محكمة بتعيين محكم بقرار غير قابل للطعن، فيصدر حكماً حائزاً حجية الأمر المقضي وواجب النفاذ جبراً، دون أن يتم التحقق من توافر ما تقدم من شروط وسماع دفاع الطرفين بشأنها أو على الأقل
دعوتهما لتقديم دفاعهما.
- وقد استقر القضاء المصري، في غالبية أحكامه، على الأخذ بالإرادة الحقيقية للمشرع كما أفصحت عنها عبارات نص المادة (17) سالفة البيان، وأكدتها الأعمال التحضيرية لقانون التحكيم، وساندتها طبيعة التحكيم الرضائية، واقتضتها ضرورة توفير ضمانات التقاضي وحماية حقوق طرفي التحكيم. وهكذا، قضت الدائرة (91) بمحكمة استئناف القاهرة بتاريخ 2002/4/30 ولأول مرة، بأن طلب تعيين المحكم يجب تقديمه الى المحكمة المشار إليها في المادة (9) من قانون التحكيم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى لكي
تنظره بكامل هيئتها، وتصدر حكمها فيه، وأن هذا الطريق الذي رسمه القانون لإجراءات تعيين المحكم طبقاً للمادة محل البحث، هو من إجراءات التقاضي التي تتعلق بالنظام العام فيترتب البطلان على مخالفته، وأنه لما كان تعيين المحكم عن أحد طرفي التحكيم قد تم بموجب أمر على عريضة، وليس بحكم صادر في دعوى أقيمت بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، فقد انتهت المحكمة إلى بطلان ذلك التعيين لحصوله بغير الطريق الذي رسمه القانون، وبالتالي بطلان تشكيل هيئة التحكيم ومن ثم بطلان حكم التحكيم الذي أصدرته تلك الهيئة، عملا بنص الفقرة (هـ) من المادة (53) من قانون التحكيم 7
- ثم تواترت بعد ذلك، غالبية الأحكام الصادرة من دوائر محكمة استئناف القاهرة على أن طلب تعيين المحكم طبقاً للمادة (17) من قانون التحكيم يجب تقديمه إلى المحكمة بطريق الدعوى وليس بطريق الأمر على العريضة، وأن يتم تعيين المحكم بموجب حكم قضائي تصدره المحكمة المختصة بكامل هيئتها؟.
- ثم توجت كل تلك الأحكام بعد ذلك بقضاء محكمة النقض الصادر بتاريخ 2007/11/22 في الطعنين رقمي 17170 و75/17171 ق، إذ قضت ببطلان تعيين المحكم لمخالفته ما نصت عليه المادتان (9، 17) من قانون التحكيم، حيث تم تعيينه بأمر من رئيس المحكمة على عريضة وليس بدعوى ترفع بالطرق المعتادة لرفع الدعوى، وقد جاء بأسباب هذا القضاء وبحصر اللفظ: [ لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الشركة المطعون ضدها الأولى أقامت الدعوى رقم 2003/797 تجاري الجيزة الابتدائية بطلب تعيين
محكم عن الشركة الطاعنة في نزاع قام بينهما بشأن تنفيذ عقد مقاولة لإمتناعها كرب عمل عن تعيين محكم عنها، رغم إعذارها، فأصدرت المحكمة حكما بتعيين المحكم... صاحب الدور والذي تبين أنه كان قد توفي قبل صدور الحكم بتعيينه، ومن ثم فإن هذا الحكم يكون منعدماً لوروده على محل مستحيل، مما كان يتعين معه على المطعون ضدها الأولى أن ترجع إلى المحكمة لتعيين محكم آخر بديلا عنه بذات الإجراءات، وإذ ثبت تقديمها بطلب لرئيس المحكمة الذي أشر بتعيين محكم آخر من الجدول، وكان هذا الإجراء مخالفاً لما نص عليه القانون من أن المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع هي التي يطلب إليها تعيين المحكم عن الخصم الذي لم يعين محكماً عنه (المطعون ضدها الأولى) فإن هذا الإجراء يكون باطلاً وبالتالي يبطل حكم التحكيم الذي أصدرته الهيئة التي من أعضائها ذلك المحكم. ولا محل للقول بأن قرار تعيين المحكم لا يقبل الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن عملاً بنص المادة 3/17 من قانون التحكيم، إذ متى كان تعيين المحكم عن الطاعنة قد تم بإجراء مخالف لما نص عليه القانون، فإنه يكون منعدماً قانوناً، فهو والعدم سواء، ولا يرتب أثراً. وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يلتزم هذا النظر، إذ قضى برفض دعوى بطلان حكم التحكيم، فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة الى بحث باقي أوجه
الطعن ....
لفظ المحكمة هو وبتاريخ 2011/3/22 أكدت محكمة النقض المصرية قضاءها السابق الصادر بتاريخ 2007/11/22 سالف البيان، فقضت بأن: طلب تعيين المحكم يتم بموجب صحيفة تقدم بالطرق المعتادة لرفع الدعوى، وأن القرار الصادر فيها بمثابة حكم قضائي، وأن مفهوم المحكمة بكامل هيئتها، وأن استصدار أمر على عريضة من رئيس المحكمة المختصة بتعيين المحكم بعد اختلاف الطرفين على تعيينه يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً متعلقاً بالنظام العام. ونظراً لما لهذا القضاء من أهمية لموضوع البحث وحسمه لخلاف الرأي حوله فقد أوردنا فيما يلي بعضاً من أسبابه بحصر «... وكان إعمال التفسير اللغوي أو اللفظي لهذا النص" بإستنباط المعنى الذي أراده اللفظ: 10
دلالته الشارع من الألفاظ والعبارات التي يتكون منها النص سواء من عباراته أو إشارته أو - يؤدي إلى أنه لم يبين صراحة نوع الإجراء الواجب إتباعه سواء بالنسبة الى طلب تعيين المحكم أو بشأن القرار الذي تصدره المحكمة بإختياره، وإذا تعذر على القاضي الوقوف على قصد المشرع عن طريق التفسير اللغوي، فقد تعينه على الكشف عن هذا القصد عناصر خارجية أي غير مستمدة من الدلالات المختلفة للنص – كالاعمال التحضيرية، والمصادر التاريخية، والحكمة من النص، والجمع بين النصوص، فالتفسير يجب أن يتوخى الكشف عن المعنى أو المعاني التي ينطوي عليها النص اختياراً للحل الأقرب إلى تحقيق العدالة بإعتباره الحل المناسب الذي أوجب القانون إعماله، خاضعاً لرقابة محكمة النقض وهي تضطلع بمهمتها في توحيد فهم القانون، وإعمالا لهذه القواعد، فإن المشرع قد قصد بصياغة المادة 17 من تقنين التحكيم سالف البيان والشروط الواردة فيها، فضلاً عما تضمنته الأعمال التحضيرية لذات التقنين إلى أن يكون تعيين المحكم بموجب صحيفة تقدم الى المحكمة بالطرق المعتادة لرفع الدعوى وليس في شكل أمر على عريضة، وان قرار المحكمة الذي يصدر في ذلك الطلب يكون في صورة حكم قضائي، وأن المقصود بكلمة محكمة هي المحكمة بكامل هيئتها عندما تفصل في الدعوى المرفوعة أمامها بالطرق المعتادة لرفعها، وهو ما يبين من استقراء نصوص المواد 13، 14، 17، 20، 47، 2/53، 2/54، 57، 58 من ذات التقنين، أما عبارة رئيس المحكمة، فإنها وردت في نصوص المواد 2/24، 37/ ب، 2/45، 56 منه وقصد بها المشرع رئيس المحكمة المشار إليها في المادة التاسعة من التقنين المار بيانه عندما يصدر أمراً على عريضة، وهو ما أكدته الأعمال التحضيرية بأن الطلب يكون في صورة دعوى، ولو أراد المشرع أن يكون تقديم الطلب إلى رئيس المحكمة لنص على ذلك، إضافة إلى أن نظر المحكمة لهذا الطلب يوفر ضمانة أساسية من ضمانات التقاضي للمحتكم بتحقيق مبدأ المواجهة القضائية ومبدأ حضورية الأدلة ويحافظ على حقوق الطرفين في الدفاع، ومؤدى ذلك أن استصدار أمر على عريضة من رئيس المحكمة المختصة بتعيين المحكم بعد إختلاف الطرفين على تعيينه يكون باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام لمخالفة الإجراء الواجب إتباعه بالالتجاء إلى القضاء"11.
12 يجمع - وإذا كان ما سبق هو الحكم الذي استقر عليه قضاء محكمة النقض في مصر إعمالا لمهمتها في توحيد فهم القانون"، فإن الرأي في الفقه المصري يكاد كذلك على أن تعيين المحكم من المحكمة المشار إليه في المادة (9) من قانون التحكيم يجب أن يتم بحكم تصدره بكامل هيئتها وليس بموجب أمر على عريضة13. ولم ير عكس هذا النظر سوى أقلية14.
- وفي القانون المقارن تأخذ تشريعات كثيرة بنظام الدعوى المبتدأة كطريق قضائي لتعيين المحكم، ومن ذلك مثلاً المادة (1460) من قانون المرافعات الفرنسي المعدل بالمرسوم رقم 2011/48 حيث يتم تقديم طلب تعيين المحكم وتحقيقه والحكم فيه طبقاً لإجراءات القضاء المستعجل.
"La demande est Formée, instruite et jugée comme en matière de référé "15
ومن ذلك أيضاً المادة (3/1037) من قانون المرافعات الهولندي، والمادة السابعة من قانون التحكيم الدولي التركي، فضلا عن غالبية تشريعات التحكيم في الدول العربية كالمملكة العربية السعودية والكويت وقطر والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة وسوريا والأردن والعراق
وليبيا والسودان.
وبعد حكم محكمة النقض الصادر في 2011/3/22 الذي حسم الخلاف بشأن إجراءات تعيين المحكم طبقاً لنص المادة (17) من قانون التحكيم على نحو سالف البيان، كان الأمل في أن يتفق الرأي في مصر على كلمة سواء – ولكن كما قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد طالعنا رأياً في الفقه نشر في يونيو 162012 يصر على أن تعيين المحكم يكون بإجراءات الأوامر على العرائض وليس بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، كما رأينا حكماً صادراً من إحدى دوائر محكمة استئناف القاهرة بتاريخ 2012/4/4 يقضي بعدم قبول دعوى طلب تعيين محكم قولاً بأن تعيين المحكم يكون بطريق الأمر على عريضة وليس بطريق الدعوى المبتدأة17. ولذلك فقد رأينا تناول الرأي الفقهي المذكور بتعليق موجز بقدر ما يسمح به المقام، وفي السياق نفسه نرى أن نعرض بكلمة لحكم محكمة الاستئناف سابق الإشارة حيث خالف في عناد ظاهر – ما استقر عليه قضاء محكمة النقض بما يتعارض مع دورها في توحيد فهم القانون، ويضر بمصالح 18 المحتكمين
19 - إستند رأي الفقه سالف البيان إلى القول أن القرار الصادر بتعيين المحكم هو من طبيعة ولائية خاصة يصدر في شكل أمر على عريضة وليس في شكل حكم عن طريق الإجراءات المعتادة لرفع الدعوى. ثم تناول بالتعليق أسباب حكم أصدرته الدائرة (91) بمحكمة استئناف القاهرة منذ أكثر من عشر سنوات في القضية رقم 119/20 ق بتاريخ 2002/6/26 قضى ببطلان حكم تحكيم بسبب بطلان تشكيل الهيئة التي أصدرته لبطلان تعيين أحد أعضائها بموجب أمر على عريضة – وليس بحكم يصدر في دعوى مرفوعة بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى
- وعلى الرغم من أن قضاء محكمة النقض، خصوصاً حكمها الصادر في 2011/3/22 سالف البيان قد أكد صحة تلك الأسباب وبسلامة ما انتهت إليه من أن تعيين المحكم بأمر على عريضة باطل بطلاناً متعلقاً بالنظام ويبطل تشكيل هيئة التحكيم والحكم الذي
أصدرته، فقد ذهب بحث صاحب هذا الرأي المخالف إلى القول: إن قرار تعيين المحكم من طبيعة ولائية ويصدر في شكل أمر على عريضة وليس بحكم. وأن حكم الدائرة (91) المذكورة يعد الحكم الوحيد الذي شذ عن المستقر عليه العمل القضائي، وأنه يصيب التحكيم في مقتل، إذ يتعارض مع الحكمة من اللجوء الى التحكيم وهي سر المنازعات، وأن سلطة المحكمة في اختيار المحكم مقيدة بالقوائم التي يضعها وزير العدل طبقاً للمادة الثانية من مواد إصدار قانون التحكيم، وان رقابة محكمة البطلان على تشكيل هيئة التحكيم مقصورة على التأكد من وترية العدد المشكلة منه تلك الهيئة، وأن القانون لم ينص على البطلان إلا في حالة تشكيل هيئة التحكيم من عدد غير وتر، وأن إشتراط مبدأ المواجهة في إجراءات تعيين المحكم يتعارض مع عدم جواز الطعن في القرار الصادر فيها، وأن المسلم به فقها وقضاء انه ليس للمحكمة أن تثير مسألة البطلان الظاهر في اتفاق التحكيم من تلقاء نفسها، وأن بيان وزير العدل أثناء مناقشة مشروع قانون التحكيم بمجلس الشعب – بشأن طريق تقديم طلب تعيين المحكم هو عة حسم 1
تعبير عن وجهة نظر الحكومة قبل التصويت على النص لا وجهة نظر المشرع. - وفي رأينا غير صحيح القول "أن الحكم الصادر من الدائرة (91) بمحكمة استئناف بتاريخ 2002/6/26 بعد الحكم الوحيد الذي شذ عن المستقر عليه العمل القضائي وأن العمل
- - يجري أمام المحاكم الإبتدائية وبعض محاكم الاستئناف على التعيين بأمر على عريضة"، وذلك أن هذا القول – على الأقل – لم يبصر أحكام محكمة استئناف القاهرة التي اتبعت ذات ما قضى به الحكم المذكور، والتي بلغ عددها – في حدود علمنا – أكثر من سبعة عشر حكماً20، فضلاً عن أنه لم يشر بكلمة إلى قضاء محكمة النقض في سنتي 2007، 2011 والمؤيد لقضاء الدائرة (91) سالف البيان - أما القول أن قرار تعيين المحكم من طبيعة ولائية يصدر في شكل أمر على عريضة، فإنه محل نظر، ذلك أن الأعمال الولائية لا يختص بها القاضي إلا على وجه الاستثناء 21 22 وبنص خاص
.
- ونرى كذلك أن قصر رقابة محكمة البطلان على التأكد من وترية العدد المشكلة منه هيئة التحكيم، قول غير سديد، لمخالفته ما تقضي به صراحة الفقرة (هـ) من المادة 1/53 من قانون التحكيم رقم 1994/27 من قبول دعوى بطلان حكم التحكيم في حالة إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لإتفاق الطرفين، فرقابة البطلان هنا تتسع لأسبابه الأخرى مثل مخالفة شروط يتطلبها القانون في المحكم أو تلك التي اتفق عليها الأطراف، ومخالفة إجراءات اختيار المحكمين التي اتفق عليها الطرفان،
وعدم صلاحية المحكم لفقدانه شروط الحيدة والاستقلال... ألخ. ولا نتفق مع القول أن إعمال مبدأ المواجهة Principe de la Contradiction في إجراءات نظر طلب تعيين المحكم طبقاً للمادة (17) يتعارض مع ما قرره المشرع من عدم جواز الطعن في قرار تعيين المحكم، ذلك أنه من ناحية، أن مبدأ المواجهة أساس حق الدفاع ومن الضمانات الأساسية للتقاضي ويحافظ على حقوق الطرفين الناحية الأخرى إن عدم قابلية قرار تعيين المحكم للطعن المنصوص عليه في المادة المذكورة مقصور على قرار تعيين المحكم الذي يصدر طبقاً للإجراءات التي رسمها 23 ، ومن
- القانون، أما إذا تم تعيين المحكم بأمر على عريضة بالمخالفة لما نص عليه القانون، فإنه يكون منعدماً قانوناً فهو والعدم سواء ولا يرتب أثراً24. وبالنسبة للإعتراض على سلطة المحكمة في أن تثير مسألة البطلان الظاهر لإتفاق التحكيم من تلقاء نفسها عند نظر طلب تعيين المحكم وسلطتها عندئذ في عدم إجابة الطلب، فإن هذا الاعتراض لا يتمشى مع المنطق أو حماية حقوق المحتكمين، ذلك أنه إذا كان طلب تعيين المحكم مبنياً على وجود اتفاق تحكيم ظاهر البطلان، كما لو كان محل الإتفاق المذكور مسألة لا يجوز التحكيم فيها قانوناً أو كان من غير الممكن بوضوح إنفاذ اتفاق التحكيم كما لو تضمن إختيار محكم واحد معين بالاسم ورفض هذا قبول مباشرة التحكيم أو مات، فإن مآل مثل هذا الإتفاق هو البطلان وبطلان حكم التحكيم الذي قد يصدر بناء عليه، ومن ثم فليس من المنطق ولا من المصلحة تعيين محكم ليصدر حكماً مقضي عليه بالبطلان، فيهدر بذلك وقت الخصوم وأموالهم دون طائل وأموالهم دون طائل – ومن ثم يجوز للمحكمة المختصة في مثل تلك الحالات أن ترفض طلب تعيين المحكم، ولصاحب المصلحة عندئذ الطعن في الحكم الصادر برفض الطلب، وذلك إعتباراً بأن الفقرة (3) من المادة (17) وإن حظرت الطعن في الحكم الصادر بإختيار المحكم25، إلا أنها لم تحظر الطعن في قرار رفض تعيينه. وذات هذا الحكم قررته المادتان 1455، 1460 من قانون
المرافعات الفرنسي الجديد المعدل بالمرسوم رقم 2011/48. ومن ناحية أخرى، لا نتفق في الرأي مع القول أن تصريح وزير العدل لدى مناقشة مشروع قانون التحكيم لا يعبر سوى عن رأي الحكومة وليس رأي المشرع، وذلك لأن بيان وزير العدل سابق الإشارة كان رداً على استفسار أحد السادة نواب الشعب بشأن طريق تقديم طلب تعيين المحكم، ولم تلق إجابة السيد وزير العدل على هذا الاستفسار أي تعليق أو اعتراض من السادة النواب الحضور، وقد سبقت الإشارة إلى القاعدة الأصولية التي تقضي بأن لا ينسب إلى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان ويعتبر قبولا.
- القانون، أما إذا تم تعيين المحكم بأمر على عريضة بالمخالفة لما نص عليه القانون، فإنه يكون منعدماً قانوناً فهو والعدم سواء ولا يرتب أثراً24. وبالنسبة للإعتراض على سلطة المحكمة في أن تثير مسألة البطلان الظاهر لإتفاق التحكيم من تلقاء نفسها عند نظر طلب تعيين المحكم وسلطتها عندئذ في عدم إجابة الطلب، فإن هذا الاعتراض لا يتمشى مع المنطق أو حماية حقوق المحتكمين، ذلك أنه إذا كان طلب تعيين المحكم مبنياً على وجود اتفاق تحكيم ظاهر البطلان، كما لو كان محل الإتفاق المذكور مسألة لا يجوز التحكيم فيها قانوناً أو كان من غير الممكن بوضوح إنفاذ اتفاق التحكيم كما لو تضمن إختيار محكم واحد معين بالاسم ورفض هذا قبول مباشرة التحكيم أو مات، فإن مآل مثل هذا الإتفاق هو البطلان وبطلان حكم التحكيم الذي قد يصدر بناء عليه، ومن ثم فليس من المنطق ولا من المصلحة تعيين محكم ليصدر حكماً مقضي عليه بالبطلان، فيهدر بذلك وقت الخصوم وأموالهم دون طائل وأموالهم دون طائل – ومن ثم يجوز للمحكمة المختصة في مثل تلك الحالات أن ترفض طلب تعيين المحكم، ولصاحب المصلحة عندئذ الطعن في الحكم الصادر برفض الطلب، وذلك إعتباراً بأن الفقرة (3) من المادة (17) وإن حظرت الطعن في الحكم الصادر بإختيار المحكم25، إلا أنها لم تحظر الطعن في قرار رفض تعيينه. وذات هذا الحكم قررته المادتان 1455، 1460 من قانون
المرافعات الفرنسي الجديد المعدل بالمرسوم رقم 2011/48. ومن ناحية أخرى، لا نتفق في الرأي مع القول أن تصريح وزير العدل لدى مناقشة مشروع قانون التحكيم لا يعبر سوى عن رأي الحكومة وليس رأي المشرع، وذلك لأن بيان وزير العدل سابق الإشارة كان رداً على استفسار أحد السادة نواب الشعب بشأن طريق تقديم طلب تعيين المحكم، ولم تلق إجابة السيد وزير العدل على هذا الاستفسار أي تعليق أو اعتراض من السادة النواب الحضور، وقد سبقت الإشارة إلى القاعدة الأصولية التي تقضي بأن لا ينسب إلى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان ويعتبر قبولا.
28 وفضلا عن مخالفة هذا القضاء للفهم الصحيح لحكم المادة (17) من قانون التحكيم – في خصوص إجراءات اختيار المحكم – كما أكدته محكمة النقض في حكمها سالف البيان، فإن كلمة "طلب" demande تعني الإجراء القانوني الذي بموجبه يقدم شخص إدعاءه للقاضي سواء كان في صورة صحيفة دعوى acte introductive d'instance أو عريضة requête، كما أن "قرار" décision لفظ عام يشمل أي قرار يصدر من القاضي أيا كان موضوعه سواء كان هذا الموضوع قضائياً Contentieuse أو ولائياً gracieuse، وبذلك فإن كلمة قرار تشمل الحكم بالمعنى المعروف Jugement وهو الغالب، وأي أمر آخر يصدر عن المحكمة أياً كانت صيغته 29
أما في ما يتعلق بمزايا إتباع طريق الأوامر على العرائض في اختيار المحكمين، فإن هذه المزايا – أياً كان وجه الرأي في صحتها أو ملائمتها – لا تبرر مخالفة الفهم الصحيح لإرادة المشرع وما قضى به قضاء محكمة النقض في مسألة طريق تعيين المحكم طبقاً لنص المادة (17) من قانون التحكيم، ومن ثم فإن دعوة الحكم إلى سلوك طريق الأمر على عريضة لا يمكن التسليم بها، إلا إذا كانت موجهة إلى المشرع ليختار الطريق المذكور، وفي جميع الأحوال فإن دور القضاء يجب قصره على تطبيق القانون، كما أراده المشرع، وليس كما رغب فيه القاضي.
ثانياً - الحكم رقم 128/24 ق تحكيم بتاريخ 2012/4/4:
وفيه التزمت المحكمة التي أصدرته بقضائها السابق في الدعوى رقم 126/38 ق تحكيم سالفة البيان، فقضت كذلك بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون، قولا منها أن طلب تعيين المحكم يكون بطريق الأمر على عريضة وليس بطريق الدعوى المبتدأة – وقد استند هذا القضاء إلى أسباب لا تخرج عن تلك التي أوردها الحكم الصادر في الدعوى السابقة عليه، وزاد عليها القول أنه يجب تفسير عناصر التشريع بصورة كلية واختيار المعنى المنطقي مع باقي النصوص.. إلخ30. المتماسك
وغني عن البيان هذا الحكم بأسبابه يمثل معاندة غير مبررة لما استقر عليه قضاء محكمة النقض، فلا يسوغ القول أن المحكمة التي أصدرته لم تطلع على قضاء محكمة النقض الصادر في سنتي 2007، 2011 سالفي البيان، وبالتالي فإنه فضلا عن مخالفة الحكم المذكور وسابقه للقانون والخطأ في تطبيقه، فقد تنكر لدور محكمة النقض في توحيد فهم القانون المقرر طبقاً للمادة الرابعة من قانون السلطة القضائية والمادة (269) من قانون المرافعات وأضر بحقوق المحتكمين وبنظام التحكيم – كما لا يسوغ القول كذلك أن الطعن في حكمي الاستئناف المذكورين لا بد وأن ينتهي إلى إلغاء كل منهما، فقد لا يطعن فيهما حتى يصدر المحكم المعين بأمر على عريضة حكمه فيطعن فيه عندئذ ويقضى حتماً ببطلانه لبطلان تعيين ذلك المحكم لمخالفة الإجراء الواجب إتباعه بالالتجاء إلى القضاء31، وليس يخفى ما في كل ذلك من إضرار بمصالح المحتكمين واستقرار المعاملات، فضلا عن تعطيل إجراءات التحكيم والفصل فيه، بل قد يؤدي إلى إفراغ اتفاق التحكيم من جدواه وعدم إمكان تطبيقه.
- وفي رأينا أن الرغبة في تيسير إجراءات تعيين المحكم والإسراع بها يجب ألا تكون على حساب التضحية بحقوق أطراف التحكيم ومبدأ المواجهة القضائية وحضورية الأدلة عند نظر طلب التعيين، كما ينبغي – من باب أولى – ألا تكون تلك الرغبة مبرراً لمخالفة حكم القانون في المسألة، واستبدال رغبة القاضي بإرادة المشرع الواضحة. ومن هنا، وجب التوفيق بين دواعي السرعة في إجراءات تعيين المحكم وتبسيطها من ناحية، وبين توفير ضمانات التقاضي الجوهرية والمحافظة على حقوق طرفي التحكيم من الناحية الأخرى. وبلوغ هذه الغاية لن يتحقق بإستبدال طريق الأوامر على العرائض بطريق الدعوى المبتدأة في تعيين المحكم، وإنما يكون في رأينا واسوة بنهج القانون . بدعوة المشرع إلى تعديل نص المادة (17) من قانون التحكيم المصري وذلك بمنح الاختصاص بتعيين المحكم لرئيس المحكمة المنصوص عليها في المادة (9) من قانون التحكيم، ولكن على أن يباشر هذا الإختصاص بإجراءات الدعاوى المستعجلة Comme en matière de référé فيكون تقديم طلب تعيين المحكم ونظره والحكم فيه طبقاً لتلك الإجراءات، وبعبارة أخرى يقدم الطلب المذكور لرئيس المحكمة المختصة - 32 الفرنسي
بصحيفة تعلن للطرف الآخر عن طريق المحضرين مع تكليفه بالحضور في الميعاد المقرر في الدعاوى المستعجلة طبقاً للمادة (66) من قانون المرافعات، وينظر رئيس المحكمة الطلب بعد إعلان الصحيفة بما يضمن تحقيق مبدأ المواجهة القضائية، وله أن يمنح الطرفين مهلة قصيرة للإتفاق على المحكم في حالة اختلافهما في هذا الخصوص، كما له أن يعطي الطرف المتقاعس ميعاداً قصيراً لإختيار محكم من قبله، وإلا قام هو بتعيينه، ويكون الحكم بتعيين المحكم غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، وعلى أن يجوز الأمر بتنفيذ الحكم المذكور بموجب مسودته فضلا عن النص على جـواز رفـض الأمر بتعيين المحكم عندما يكون اتفاق التحكيم ظاهر البطلان أو غير قابل بشكل ظاهر أيضاً – للتطبيق inapplicable، مع إجازة الطعن في حالة رفض طلب التعيين، وإلى أن تتحقق الدعوة إلى تعديل نص المادة (17) من قانون التحكيم على النحو سالف البيان، فإننا ندعو إلى توحيد أحكام القضاء في مسألة إجراءات تعيين المحكم طبقاً لما استقر عليه قضاء محكمة النقض، ونبذ الخلاف العنيد بشأنها، كل ذلك تحقيقاً لوحدة فهم القانون في البلاد، ومنعاً للإضرار بمصالح العباد.