المحكم وهيئة التحكيم / تعيين المحكمين بواسطة المحكمة المختصة بالنزاع / الكتب / نطاق الرقابة القضائية على التحكيم فى منازعات العقود الإدارية / دور القضاء في اختيار المحكم
فعلى صعيد الوضع في فرنسا أفرد المشرع الفرنسي نص المادة ١٤٤٤ من قانون الإجراءات المدنية لمعالجة تعيين المحكم من قبل القضاء بالنسبة للتحكيم الداخلي بنصه على أنه " إذا حصل بعد نشوب النزاع صعوبة في تشكيل محكمة التحكيم. يعين رئيس المحكمة الكلية المحكم أو المحكمين، غير أنه يمكن لرئيس المحكمة التجارية القيام بهذا التعيين إذا نص الاتفاق على ذلك صراحة".. بينما عالج المشرع الفرنسي تلك المسالة بصدد التحكيم الدولي في المادة ٢/١٤٩٣ من نفس القانون، والتي نصت على أنه ..." إذا حدث في تحكيم يجرى في فرنسا أو في تحكيم اختار فيه الأطراف تطبيق قانون الإجراءات الفرنسي صعوبة في تشكيل محكمة التحكيم، جاز للطرف الأكثر عجلة ـ ما لم يتفق على غير ذلك أن يطلب مساعدة رئيس المحكمة الكلية بباريس وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة ١٤٥٧.
ويستخلص من نص المادتين ١٤٤٤، ٢/١٤٩٣ من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي أن المشرع الفرنسي أناط برئيس المحكمة الكلية، أو رئيس المحكمة التجارية - حال اتفاق الأطراف على ذلك صراحة – تعيين المحكـــم إذا تعلق الأمر بتحكيم داخلي، بينما ينعقد الاختصاص بتعيين المحكم لرئيس المحكمة الكلية بباريس إذا كان التحكيم يجرى في فرنسا، أو اتفق الأطراف على تطبيق القانون الفرنسي وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية بحكمها الصادر بتاريخ ۲۰ فبراير ۲۰۰۷م.
بيد أن قيام القضاء بدوره المساعد في تعيين المحكم يتم بطلب من أحد طرفي خصومة التحكيم وليس من تلقاء نفسه، وسواء أكان ذلك بسبب عدم اتفاق طرفي التحكيم على اختيار المحكمين أو على كيفية ووقت اختيارهم، أو بسبب مخالفة إجراءات اختيار المحكمين.
وعلى صعيد الوضع في مصر أفرد المشرع المصري نص المادة 17 من قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ لبيان الدور المساعد للقضاء بشأن تعيين المحكم واختياره، حيث أوضحت تلك المادة في فقرتيها الأولى والثانية حالات تدخل القضاء بسبب عدم اتفاق طرفي التحكيم على اختيار المحكمين، أو على كيفية ووقت اختيارهم، وكذلك مخالفة إجراءات اختيار المحكمين.
وقد فرقت المادة 17 من قانون التحكيم المصري بين حالتين بشأن تدخل القضاء بالمساعدة لتعيين هيئة التحكيم.. الحالة الأولى عندما تكون هيئة التحكيم مشكلة من محكم ،واحد والثانية عندما تكون مشكلة من ثلاثة محكمين أو أكثر.
ففى الحالة الأولى المتعلقة بتشكيل هيئة التحكيم من محكم واحد فيتعين تدخل المحكمة لتعيين ذلك المحكم في إطار جملة ضوابط تتمثل في اتفاق طرفا التحكيم على هيئة التحكيم من محكم واحد.
وفي الحالة الثانية الخاصة بتشكيل هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين أو أكثر، فإن الفقرة الأولى من المادة ١٧ من قانون التحكيم فرقت بين فرضين.. الأول يتمثل في عدم قيام أحد الطرفين بتعيين محكمه، وهنا تتولى المحكمــة تعيين هذا المحكم شريطة أن يقوم الطرف الآخر بتعيين مُحَكَّمَهُ مع تقدمه بطلب إلى المحكمة لتعيين المُحكّم الآخر .. وهذا المحكم الثالث هــو الذي يتولى رئاسة هيئة التحكيم، سواء تم تعيينه من قبل المحكمين أو بواسطة القضاء.
والمحكمة المختصة بتعيين المحكم الواحد حال تشكيل هيئة التحكيم من محكم واحد، أو تعيين المحكم الذي ينكل أحد الطرفين عن تعيينه وكذلك المحكم المرجح حال تعيين هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين أو أكثر هي المحكمة المشار إليها في المادة (۹) من قانون التحكيم وهي المحكمة المختصة اصلا بنظر النزاع بالنسبة للتحكيم الداخلي، ومحكمة استئناف القاهرة بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي ما لم يتفق الطرفان على محكمة استئناف أخرى.
وبتطبيق تلك القواعد على التحكيم في منازعات العقود الإدارية، فإن الاختصاص بتعيين المحكم الفرد، أو أحد المحكمين أو المحكم المرجح ينعقد للمحكمة الإدارية أو محكمة القضاء الإداري المختصة أصلا بنظر النزاع. ونظرا لأن قيمة العقود الإدارية تتجاوز الآن الملايين من الجنيهات فإن الاختصاص بتعيين المحكم ينعقد لمحكمة القضاء الإداري... بيد أننا ننوه إلى ما أشرنا إليه سلفاً بشأن اقتراح تعديل نص المادة التاسعة من قانون التحكيم بحيث ينص على اختصاص محكمة القضاء الإداري بالقاهرة أو محكمة استئناف القاهرة بنظر المسائل المتعلقة بالتحكيم تبعاً لما إذا كان النزاع محل التحكيم متعلقاً بعقد إداري أم بغيره من العقود مع تخصيص دائرة بكل من هاتين المحكمتين للفصل في المسائل المتعلقة بالتحكيم لضمان توحيد المبادئ والأحكام الصادرة في مجال التحكيم، ومنعاً لتضارب الأحكام المتعلقة بالتحكيم الواحد إذا تعددت الدوائر التي تنظر المسائل المتعلقة به .
ولا يقتصر تدخل القضاء بالمساعدة في تشكيل هيئة التحكيم على الحالات السابقة فحسب، وإنما يتدخل كذلك بطلب من أحد الطرفين - طبقاً لصريح نص الفقرة الثانية من المادة ۱۷ من قانون التحكيم المصري ــ حــــال مخالفة الطرف الآخر إجراءات اختيار المحكمين التي اتفقا عليها، وحال عدم اتفاق المحكمين المعينين على أمر مما يلزم اتفاقهما عليه، وحالة ما إذا تخلف الغير عن أداء ما عهد إليه به في هذا الصدد .
ويجدر التنويه إلى أن تدخل القضاء لتعيين المحكم أو المحكمين حــــال تعددهم إنما يتم في إطار مجموعة من الضوابط يأتي في مقدمتها مراعاة الشروط التي يتطلبها القانون في المحكمين، وتلك التي اتفق عليها الطرفان وأن يتم ذلك بطلب من أحد طرفي التحكيم في صورة دعوى كما أسلفنا.
والحكم الصادر من المحكمة المختصة بتعيين محكم أو أكثر يعد حكماً نهائيا لا يقبل الطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية بغية وضع حد للخلاف حول استكمال تشكيل هيئة التحكيم، ودعماً لها في سرعة تفرغها لنظر الدعوى التحكيمية والفصل فيها.
وصفوة القول أن دور القضاء في تعيين المحكم على نحو ما سلف هو دور داعم ومؤازر لهيئات التحكيم بغية تفادى العقبات التي تعترص سير إجراءات خصومة التحكيم وصولاً بها إلى منتهاها، فضلاً عن تسليط رقابته على تشكيل هيئة التحكيم عبر تحققه من صحة اتفاق التحكيم ومدى قابليـــه للتنفيذ، ووجود نزاع قائم بالفعل يندرج في نطاق اتفاق التحكيم.. كل ذلك بهدف إنقاذ عملية التحكيم من الانهيار، ولضمان التشكيل السريع لهيئة التحكيم حتى تتفرغ للفصل في خصومة التحكيم.