يتجلى دور المحكمة في تعيين المحكم من خلال الحالات التي حددها المشرع في كل تشريع.
وسدا لأي عائق قد يحدث لعملية التشكيل فقد أناط المشرع بالمحكمة المختصة مسؤولية التدخل للقيام بأي عمل أو إجراء حيال تقاعس أحد الأطراف أو المحكمين المختارين . والسائد أن طلب تعيين المحكم يقدم في شكل طلب على عريضة، ولكن محكمة استئناف القاهرة اتجهت إلى أنه يلزم رفع دعوى إلى المحكمة المختصة، وقضت ببطلان حكم التحكيم تأسيسا على تعيين المحكمين دون اتباع طريق الدعوى.
وقد أكدت محكمة أبو ظبي الاتحادية العليا في أحد أحكامها على دور القضاء في تشكيل هيئة التحكيم حيث ذهبت إلى " أنه إذا أتفق الخصوم على التحكيم فيما قد ينشأ بينهم من نزاع في تنفيذ العقد المبرم بينهم، ولم يكونوا قد اتفقوا على أشخاص المحكمين أو أمتنع واحد أو أكثر من المحكمين المتفق عليهم عن العمل أو أعتزله أو عزل عنه أو حكم برده أو قام مانع من مباشرته له، ووقع نزاع بينهم في هذا الشأن عينت المحكمة المختصة بالنظر في موضوع النزاع المتعلق بالتحكيم وبناء على طلب أحد الخصوم - من يلزم من المحكمين، ولا يجوز الطعن في الحكم الصادر بذلك بأي طريقة من طرق الطعن".
ونجد أن المشرع المصري قد نص على ذلك من خلال م۱۷ تحكيم مصري التي بينت الحالات التي يكون فيها للقضاء دور بارز في تشكيل الهيئة، ونلمس من خلال هذا التدخل القضائي سعي المشرع إلى تجاوز العقبات التي قد يختلقها أحد الأطراف وهذه الحالات هي :
أولا في حالة عدم اتفاق الأطراف على المحكم الفرد:
أشرنا فيما سبق إلى أن سلطة اختيار المحكمين يمتلكها أطراف العملية التحكيمية ابتداء، إلا أن الواقع قد أثبت بأن الأطراف قد لا يتفقوا على أسماء أو طريقة اختيار الهيئة التحكيمية وبالتالي فإن التساؤل في مثل هذه الحالة ما هو الإجراء المتبع؟
من هنا يتجلى لنا دور المشرع الذي أسند للقضاء هذا المهمه، ففي حالة المحكم الفرد فإن الفقرة (أ) في الفقرة الأولى من م ۱۷ تحكيم مصري قد نصت على أنه "١- لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكمين وعلى كيفية ووقت اختيارهم فإذا لم يتفقا اتبع ما يأتي: (أ) إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد تولت المحكمة المشار إليها في المادة (۹) من هذا القانون اختياره بناءً على طلب أحد الطرفين." فالمشرع قد أسند هذه المهمة إلى محكمة المادة ٩، ومحكمة المادة 9 هي تلك التي تناولتها نص م 9 من قانون التحكيم المصري والتي نصت على أنه
۱ - يكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون إلى القضاء المصري للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً سواء جرى في مصر أو في الخارج فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر…." فالمشرع المصري قد ميز بين حالتين الحالة الأولى التحكيم الداخلي والمحكمة المختصة بتعيين هيئة التحكيم في مثل هذه الحالة هي المحكمة المختصة في الأصل بنظر النزاع، سواء أكانت هذه المحكمة محكمة أول درجة أو محكمة الاستئناف.
أما الحالة الثانية وهي التحكيم التجاري الدولي فإن المحكمة المختصة هي محكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى.
ثانيا في حالة تعدد هيئة التحكيم:
نظم المشرع شكل آخر لتدخل القضاء في تشكيل هيئة التحكيم، وهذا التدخل من القضاء يكون في حالة تعدد هيئة التحكيم. فكما هو معلوم أن الأطراف قد يتفقون على آلية الاختيار بناء على قيام كل طرف يختار محكمه، وقد يحدث أن يتقاعس أحد أطراف العملية التحكيمية عن اختيار محكمه، لذا فقد حدد المشرع مهلة زمنية محددة بثلاثين يوما من تاريخ تسلم الطرف الآخر طلبا بذلك من الطرف الأول هذا كحالة.
أو قد يتفق الطرفان ويختار كل منهما ،محكمه، إلا أن الخلاف يحدث في الاتفاق على المحكم المرجح لذا فإن المشرع قد حدد ذات المدة الثلاثين يوما لتعين هذا المحكم ويبدأ حساب هذه المدة من تاريخ تعيين المحكم الأخير. ففي هاتين الحالتين نجد إن المشرع المصري قد منح محكمة المادة 9 سلطة التدخل بناء على طلب يقدم لها من أحد الطرفين لاختيار المحكم، حيث نصت الفقرة ب من م۱۷ تحكيم مصري على أنه " .. إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاث محكمين يختار كل طرف محكماً ثم يتفق المحكمان على اختيار المحكم الثالث فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه خلال الثلاثين يوماً التالية لتسلمه طلباً بذلك من الطرف الآخر أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث خلال الثلاثين يوماً التالية لتاريخ تعيين آخرهما تولت المحكمة المشار إليها في المادة (٩) من هذا القانون اختياره بناءً على طلب أحد الطرفين، ويكون للمحكم الذي اختاره المحكمان المعينان أو الذي اختارته المحكمة رئاسة هيئة التحكيم، وتسري هذه الأحكام في حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من ثلاثة محكمين. وقد وضع المشرع المصري في اعتباره متطلبات إرادة الأطراف في اختيار المحكم المرجح من قبل المحكمة في حالة عجزهم عن الاتفاق عليه، حيث أشار إلى ضرورة مراعاة ما اتفق عليه الأطراف، وهذه المراعاة نرى أنها تتجسد من خلال النظر في طبيعة النزاع ذاته، لذا حري بالمحكمة عند اختيارها المحكم المرجح أن يكون من ذوي الإلمام بموضوع النزاع، كما هو الحال في دراستنا هذه بحيث يكون من أصحاب الخبرة في النزاعات المصرفية، وقد نصت م ۱۷ في فقرتها الثالثة على ذلك بقولها " وتراعي المحكمة في المحكم الذي تختاره الشروط التي يتطلبها هذا القانون وتلك التي اتفق عليها الطرفان وتصدر قرارها بإختيار المحكم على وجه السرعة ومع عدم الإخلال بأحكام المادتين (۱۸ و ۱۹) من هذا القانون لا يقبل هذا القرار الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن" كما نجد أن المشرع من خلال هذا النص قد حرص على عامل الزمن في سرعة الاختيار، كون السرعة تجسد الاتجاه الذي أراده الأطراف لفض نزاعهم بعيدا عن البطء المعتاد في النزاعات التي تنظر في ساحات القضاء.
وفي حالة عدم توفر أسباب الرد التي نظمتها المادتين ۱۸ و ۱۹(۱) من ذات القانون فإن اختيار المحكمة وقرارها لا يقبل الطعن فيه بصريح نص القانون، وهو ما ذهب إليه القضاء الأردني حيث رأت محكمة التمييز الأردنية في أحد أحكامها "بأن القرار الصادر من محكمة الاستئناف بتعيين محكم يكون غير قابل للطعن".
بقي لنا أن نشير إلى نقطه غاية في الأهمية تتعلق بتشكيل الهيئة بطريقة مخالفة للقانون، حيث أنه في حالة تشكيل الهيئة بطريقة مخالفة للقانون فإن مؤدى ذلك بطلان الحكم التحكيمي الصادر عنها، وفقا لنص ٥٣ تحكيم مصري التي عددت حالات البطلان وذكرت منها (هـ) إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين. وهو ما أكدته محكمة استئناف القاهرة في حكم لها عندما ذهبت إلى القول حيث أن المادة ٥٣ من قانون التحكيم قد حددت أحوال بطلان حكم التحكيم على سبيل الحصر ومن بينها ما قضت به الفقرة (هـ) من بطلان الحكم إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين ولما كان تشكيل هيئة التحكيم التي أصدرت الحكم المطعون فيه، قد تم تشكيلها على وجه مخالف للقانون إذ تم تعيين المحكم من الشركة الطاعنة بإجراءات مخالفة للقانون، ومن ثم يقع الحكم المذكور باطلا وهو ما تقضي به المحكمة دون حاجة إلى بحث باقي الأسباب .
ففي هذه القضية نجد انه قد تم تعيين محكم عن الشركة الطاعنة بطريقة مخالفة للإجراءات التي نص عليها المشرع ، حيث أنه تم تعيينه بأمر على عريضة وليس بحكم صادر في دعوى أقيمت بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى وكما اشرنا سابقا فإن م ١٧ من القانون قد حددت آلية اختيار المحكم عن طريق القضاء عندما أسندت هذه المهمة إلى محكمة المادة ۹ وبالطرق المعتادة لرفع الدعوى وتصدر بعد ذلك المحكمة حكما بتعيين المحكم ، وبما أن تعيين المحكم قد تم بأمر على عريضة فإن هذا التعيين يعد باطلا لكونه لم يتم وفق الإجراءات التي حددها القانون، وهذا البطلان يمتد إلى تشكيل الهيئة التي أصدرت الحكم، فيؤدي إلى بطلانه هو الآخر لأنه تشكيل تم بطريق مخالف للمسار الذي رسمه القانون.