المحكم وهيئة التحكيم / تعيين المحكمين بواسطة المحكمة المختصة بالنزاع / الكتب / أثر النظام العام في الحد من اللجوء إلى التحكيم / تعيين المحكمين بواسطة المحكمة المختصة
قد لا يتفق الطرفان على تعيين المحكم المنفرد وقد يتقاعس أحدهما عن تعيين محكمه وقد لا يتفق المحكمان على تعيين المحكم الوتر الثالث أو الخامس ... هنا فإن تفعيل اتفاق التحكيم يستدعى اتخاذ التدابير اللازمة لتعيين هيئة التحكيم والمتمثلة في الالتجاء إلى السلطة أو المحكمة التي حددها الأطراف أو القانون لتعيين أعضاء هيئة التحكيم عند تقاعس أطرافه.
و تكون تلك السلطة عادة - هي إحدى محاكم قضاء الدولة التي يجري التحكيم على إقليمها.
وهذا ما أخذت به التشريعات محل المقارنة والاتفاقيات الدولية وتدخل المحكمة المختصة لابد أن تتوافر له شروط تبرره ويتم ذلك عن طريق إجراءات معينة حددها القانون لذلك علينا أن نبحث فى هذه المسألة:
أولاً : إقرار مبدأ تدخل للمحكمة المختصة عند تعثر الاختيار باتفاق أطراف النزاع في التشريعات والاتفاقيات الدولية :
أقرت التشريعات المقارنة والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم تدخل المحكمة المختصة في تعيين المحكمين عند عدم اتفاق الأطراف على اختيارهم وذلك حماية لاتفاق التحكيم وضمان فعاليته.
وهذا ما أخذ به قانون التحكيم المصري الحالي، حيث نصت المادة 17 منه على أنه: «إذا لم يتلق الأطراف على اختيار المحكمينك
1 - إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد تولت المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون اختياره بناء على طلب أحد الطرفين.
2 - فإذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين ... ولم يعين أحد الطرفين محكمه خلال الثلاثين يوماً التالية لتسلمه طلباً بذلك من الطرف الآخر، أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث خلال الثلاثين يوماً التالية لتاريخ تعيين آخرهما تولت المحكمة المشار إليها فى المادة 9 من هذا القانون اختياره بناء على طلب أحد الطرفين ...».
وقد حددت المادة 9 من القانون المحكمة المختصة بتعيين المحكمين بقولها إنها: «المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع. أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً، سواء جرى فى مصر أو في الخارج فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر».
واللجوء إلى المحكمة المحددة بالمادة 9 من القانون قاصر فقط على الحالات التي يكون فيها قانون التحكيم المصرى هو الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، ومناط ذلك أن يجرى التحكيم في مصر أو يكون الأطراف قد اتفقوا على اختيار القانون المصرى ليحكم إجراءات التحكيم لاسيما في التحكيم التجارى الدولى.
ويتلك المثابة، فإنه ليس هناك ما يمنع من أن تكون الجهة النظامية المختصة بالمعاونة فى تشكيل هيئة التحكيم هي محاكم دولة أخرى، أو مركز أو مؤسسة تحكيم دائمة، أو سلطة معينة يتفق عليها الأطراف كل ذلك طالما أن التحكيم لا يدخل في نطاق تطبيق قانون التحكيم المصرى بالمعنى المشار إليه.
وعلى هذا النحو أيضاً نص القانون البحريني للتحكيم التجاري الدولى فى المادة (2) فقرة (3) على أن: «فإن لم يكونا قد اتفقا على ذلك يتبع الإجراء التالي:
(أ) في حالة التحكيم بثلاثة محكمين يعين كل من الطرفين محكماً ويقوم المحكمان المعينان على هذا النحو بتعيين المحكم الثالث، وإذا لم يقم أحد الطرفين بتعيين المحكم خلال ثلاثين يوماً من تسلمه طلباً بذلك من الطرف الآخر، أو إذا لم يتفق المحكمان على المحكم الثالث خلال ثلاثين يوما من تعيينهما وجب أن تقوم بتعيينه بناء على طلب أحد الطرفين المحكمة المسماة في المادة (6) .
(ب) إذا كان التحكيم بمحكم فرد ولم يستطع الطرفان الاتفاق على المحكم وجب أن تقوم بتعيينه بناء على طلب أحد الطرفين المحكمة المسماة في المادة (6).
ومثل هذا - أيضاً - نص قانون التحكيم العماني (المادة 1/17 –ب )
أما قانون الإجراءات المدنية بدولة الإمارات العربية المتحدة فقد حدد المحكمة المختصة بتعيين المحكمين في حالة عدم اتفاق طرفي التحكيم بأنها المحكمة المختصة بنظر النزاع أصلا، فنص في المادة 204 منه على أن: «إذا وقع النزاع ولم يكن الخصوم قد اتفقوا على المحكمين أو امتنع واحد أو أكثر من المحكمين المتفق عليهم عن العمل أو عزل عنه أو حكم برده أو قام مانع من مباشرته له ولم يكن هناك اتفاق في هذا الشأن بين الخصوم عينت المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع من يلزم من المحكمين وذلك بناء على طلب أحد الخصوم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، ويجب أن يكون عدد من تعينهم المحكمة مساوياً للعدد المتفق عليه بين الخصوم أو مكملاً له.
وعلى هذا النحو نص القانون الكويتي في المادة (175) من قانون المرافعات ونظام التحكيم السعودي في المادة العاشرة منه. وفنون المرافعات القطرى في المادة (195) منه.
ثانيا : شروط تدخل المحكمة المختصة :
تبين لنا مما سبق أن كل النظم القانونية تعترف بسلطة طرفي التحكيم فى تعيين المحكمين باتفاقهم، لذلك فإن تدخل المحكمة المختصة لا يكون إلا عند عدم الاتفاق بين الطرفين، وبشروط معينة تستفاد من اللصوص سالفة الذكر، تذكر منها:
1 - يلزم انعدام اتفاق الأطراف، أو اختلافهم على تعيين أعضاء هيئة التحكيم، أو على كيفية تعيينهم أو عدم اتفاق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الوتر الثالث أو الخامس. وقد صرح بهذا الشرط المادة 17 من قانون التحكيم المصرى بخصوص تشکیل هيئة التحكيم القائمة على محكم واحد أو ثلاثة محكمين. فقد جاء بالفقرة (1) البند (ب) أنه: «فإذا لم يتفقا -- الطرفان أو المحكمان المعينان) - تولت المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون اختياره. وكذلك القانون البحريني للتحكيم التجارى الدولى المادة (3/2).
2 - يلزم أن تمضي المدة الزمنية المحددة للطرفين أو للمحكمين الآخرين لتعيين المحكم اختيارا.
وقد حدد القانون المصرى تلك المدة بثلاثين يوماً تبدأ من اليوم التالي لتسليم الطرف المتقاعس طلباً من الطرف الآخر بضرورة تعيين محكمه أو من اليوم التالى لتاريخ تعيين آخر المحكمين في هيئة التحكيم ثلاثية الأعضاء بالنسبة لاختيار المحكـم الثالث (المادة 1/17/ب)، وهو تقريباً نفس نص المادة 3/11) من القانون البحريني للتحكيم التجاري الدولي والقانون العماني المادة (1/17 - ب).
أما القانون الكويتى والإماراتي، والقطري، ونظام التحكيم السعودى فلم تحدد مدة معينة يبدأ بعدها تدخل المحكمة المختصة وإنما حصرت هذه المهمة فى بدء النزاع دون قيام الخصوم بالاتفاق على المحكمين أو امتناع أحد المحكمين أو أكثر من العمل أو اعتزاله أو عزلة أو الحكم برده أو قام مانع من مباشرته له ولم يكن هناك اتفاق في هذا الشأن بين الخصوم المواد 175 من قانون المرافعات الكويتي، 204 من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي 10 من نظام التحكيم السعودى و 195 من قانون المرافعات القطري).
ثالثا : إجراءات تدخل المحكمة المختصة :
من الطبيعي ألا تتدخل محاكم قضاء الدولة، التي يجرى التحكيم على إقليمها من تلقاء ذاتها فى تشكيل هيئة التحكيم، بل لابد أن يطلب منها ذتك أحد الخصوم، ومن هنا يبدأ أول إجراءات التدخل، وهو تقديم طلب إلى الجهة القضائية المختصة لتعيين محكم أحد الطرفين، أو المحكم الوتر أو تشكيل كامل هيئة التحكيم.
وفي هذا المعنى يقول البند (أ) من الفقرة (1) من المادة 17 من قانون التحكيم المصرى بخصوص هيئة التحكيم المشكلة من محكم واحد أن المحكمة المحددة فى المادة 9 من القانون تتولى الاختيار بناء على طلب أحد الطرفين. ويقول البند (ب) من ذات الفقرة وبخصوص هيئة التحكيم المشكلة من ثلاثة محكمين، أن المحكمة المحددة في المادة 9 تتولى تعيين محكم الطرف المتقاعس أو المحكم الثالث عند عدم اتفاق المحكمان المعينان" بناء على طلب أحد الطرفين .
وقد استلزم نفس الطلب نص الفقرة الثالثة من المادة (11) من قانون التحكيم التجاري الدولي البحريني . وجب أن تقوم بتعيينه بناء على طلب أحد الطرفين المحكمة المسماة في المادة (6) - ونص المواد 175 من قانون المرافعات الكويتي 204 من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي 10 من نظام التحكيم السعودي - على أن: «... عينت المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع من يلزم من المحكمين بناء على طلب أحد الخصوم ......
والظاهر من النصوص سالفة الذكر أن طلب تشكيل هيئة التحكيم يقدم من أحد الطرفين المحتكمين، وهذا ما يصرح به البند (ب) من المادة 1/17 من قانون التحكيم المصرى وبتلك المثابة لا يجوز تقديمه من أحد المحكمين المعينين بخصوص تعيين المحكم الثالث الوتر، وذلك لانعدام صفتهما بل ولانعدام مصلحتهما في ذلك.
والحق أن الأكثر اتفاقاً مع طبيعة تدخل المحكمة المختصة هو أن يرفع طلب تعيين المحكمين بالطريق العادى لرفع الدعوى ... إذ أن هذا الطريق يؤدى إلى إعمال مبدأ المواجهة بين أطراف خصومة التحكيم، إذ يتعين إعلانهم وحضورهم ومناقشتهم أسباب مشكلة تعتر اختيار المحكم المطلوب للمعاونة فى اختياره، ولا يتسنى ذلك إلا برفع الدعوى بالطريق العادى المعروف. كما أن نص المادة 3/17 استلزم أن يصدر القرار باختيار المحكم على وجه السرعة، كما أن هذا القرار لا يقبل الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن.
حدود تدخل للحكمة المختصة :
إذا قدم طلب تعيين المحكمين إلى المحكمة على النحو السابق بيانه، كان على المحكمة المختصة أن تنظر هذا الطلب بتشكيلها الذي تنص عليه القوانين المنظمة للسلطة القضائية، وتصدر قرارها بتعيين المحكم على وجه السرعة.
على أن تدخل المحكمة على هذا النحو له حدوده التي لا ينبغي تجاوزها حتى لا يجور على اختصاص هيئة التحكيم.
فيجب أولاً أن يكون تدخل المحكمة مقتصراً على الإجراء الخاص بتعيين المحكم المنفرد الذى لم يتفق الأطراف عليه أو في حالة امتناع أحد الأطراف عن تعيين محكمه، أو المحكم الوتر الرئيس أو المرجح الذي لم يقم الطرفان أو المحكمان المعينان بتعيينه.
ويجب ثانياً أن تلتزم المحكمة المختصة بمراعاة شروط الأهلية والصلاحية والكفاءة عند اختيار المحكم وهذا ما ينص عليه صدر الفقرة (3) من المادة 17 من قانون التحكيم المصرى، الذي جاء به وتراعي المحكمة في المحكم الذي تختاره الشروط التي يتطلبها هذا القانون وتلك التي اتفق عليها الطرفان ...». والشروط التي يتطلبها القانون هي تلك المنصوص عليها في المادة 16 منه.
ويجب ثالثاً، التزام المحكمة المختصة بالشروط المتعلقة بعدد المحكمين ووترية ذلك العدد والمقررة في المادة 15 من القانون ولا يسوغ لتلك المحكمة أن تقضى بتعيين غير العدد المحدد في اتفاق التحكيم دون زيادة أو نقصان (1) . فإن خلا اتفاق التحكيم من تحديد لعدد المحكمين كان للمحكمة أن تشكل هيئة التحكيم من محكم واحد أو أكثر. وفى هذه الحالة الأخيرة يجب أن يكون عدهم وتراً.