المحكم وهيئة التحكيم / تعيين المحكمين بواسطة أطراف التحكيم أنفسهم / الكتب / بطلان حكم التحكيم ومدى رقابة محكمة النقض عليه (دراسة مقارنة) / اختيار هيئة التحكيم باتفاق الطرفين
يتم اختيار أعضاء هيئة التحكيم من قبل أطراف اتفاق التحكيم إما بطريقة مباشرة عن طريق اختيار أسمائهم، أو بطريقة غير مباشرة، أي بتحديد طريقة تعينهم ، أو الإحالة إلى جهة ثالثة تتولى مهمة التعيين.
وفي هذا المضمار أعطى المشرع المصري أطراف اتفاق التحكيم الحرية في اختيار أعضاء هيئة التحكيم، مع تقييدهم ببعض القيود، ومنها أن يكون عدد المحكمين وتراً، ويسري هذا الحكم على التحكيم الداخلي، والتحكيم التجاري الدولي الذي يتفق على إخضاع لأحكام قانون التحكيم المصري, سواء أكان عادياً أم مع التفويض بالحكم، وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف.
وأول ما يتبادر إلى الذهن ـ حين التعليق على المواد سالفة الذكر - إن المشرع المصري والأردني لم يستلزما أن يعين المحكم، أو المحكمين، أو أن يحدد عددهم في اتفاق التحكيم، لذا فإنه يمكن لأطراف اتفاق التحكيم أن يتفقا على اختيار أعضاء هيئة التحكيم قبل نشوء النزاع في اتفاق التحكيم ذاته ـ ومثال ذلك أن يتفق الأطراف علـى أن أي خـلاف قـد ينـشـأ بيـنهم يحـال إلى المحكـم فـلان، أو إلى هيئة تحكيم مشكلة من فلان وفلان وفلان ـ ويمكن أن يتم الاختيار بعد نشوء النزاع، هذا في حال إن لم يكن الأطراف قـد حـددوا عنـد إبرام الاتفاق اسم المحكم، أو المحكمين، أو عددهم، وتركوا أمر ذلك إلى ما بعد نشوء النزاع.
كما نلاحظ بأنهما قد سمحا لطرفي اتفاق التحكيم الاتفاق على تشكيل هيئة التحكيم من أي عدد فردي قد يرون فيه تحقيقاً لمصالحهم، إذ يمكن أن تتكون هيئة التحكيم من محكم واحد أو ثلاثة أو خمسة.....الخ.
ويرى البعض أن السبب في اشتراط المشرع المصري أن يكون عدد المحكمين وترا في حال تعـددهم، هـو تفـادي الـوقـوع بإشكالية تساوي آراء المحكمين المؤيدين والمعارضين عند المداولة ولكي يصدر الحكم دائما بالأغلبية.
وفي المقابل، إذا ما تم الاتفاق بين أطراف اتفاق التحكيم على تشكيل هيئة التحكيم بالشكل الذي يتطلبه القانون، فإنه يتعين احترام هـذا الاتفاق، فإن لم يحترم؛ فإن ذلك يكون سبباً يمكن الاستناد عليه في دعوى البطلان، وذلك طبقاً لنص المادة (1/53/هـ) من قانون التحكيم المصري والتي تنص على أنه: " لا تقبل دعـوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية : إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لإتفاق الطرفين".
ويتعين أن نأخـذ في اعتبارنـا بـأنـه لكـي تحكـم المحكمـة بـبطلان حكـم التحكيم، في حالة إن تم تشكيل هيئة التحكيم بشكل مخالف لما تم الاتفاق عليه
بين أطراف اتفـاق التحكيم، فإنـه يجـب أن يكـون الطـرف ذو المصلحة قـد تقـدم باعتراضه على هذه المخالفة، في الموعد المتفق عليه لتقديم مثل هذا الاعتراض، أو بوقت معقـول عنـد عـدم الاتفـاق، حيث إن استمرار أحـد طـرفي التحكيم في إجـراءات التحكيم، مع علمه بوقوع مخالفة في تشكيل هيئة التحكيم، وعدم الاعتراض على ذلك، يعتبر نزولاً منه عن حقه في الاعتراض، وفقاً لنص المادة (8) من قانون التحكيم المصري، ويقابلها نص المادة (7) من قانون التحكيم الأردني.
ولكن هذا لا يعني بأن الاستمرار في إجراءات التحكيم وحضور الأطراف أمام هيئة التحكيم، في حال إن تم تشكيل هيئة التحكيم من عدد شفعا يحول دون قبـول دعوى البطلان، إذ أن شرط وترية عدد أعضاء هيئة التحكيم كما أوضحنا يتعلق بالنظام العام.
ويتوافق موقف المشرع الكويتي مع موقف المشرع المصري والأردني في هذا المضمار، إذ أعطى أطراف اتفاق التحكيم حرية الاتفاق على عدد أعضاء هيئة التحكيم، مع مراعاة أن يكون العدد وتراً.
ونلاحظ بأنه لم يرد في قانون المرافعات الكويتي نص مقابل لنص المادة (15) مـن قـانون التحكيم المصري، فيما قررتـه مـن بـطـلان التحكيم إذا لم يكـن عـدد
المحكمين وتـراً، إلا أن بعض الفقـه يقـرر بأنـه يجـب أن يكـون عـدد أعضاء هيئة التحكيم وتراً في حال تعددهم، لتعلق هذا الأمر بالنظام العام، وإذا اتفق أطراف اتفـاق التحكيم على أن تتكون هيئة التحكيم من عدد زوجي؛ فإن حكم التحكيم الصادر منها يكون باطلاً، وفي حال صدور حكم التحكيم من هيئة تحكيم شكلت من عدد فردي، ولكن على الخلاف مما تم الاتفاق عليه بين أطراف اتفاق التحكيم، فانه يمكن رفع دعوى بطلان حكم التحكيم في هذه الحالة بالاستناد إلى نص المادة (3/186/ج) من قانون المرافعات، والتي تنص على أنه: " إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم".
وأعطى المشرع الفرنسي أطراف اتفاق التحكيم حرية الاتفاق على تشكيل هيئة التحكيم، على أن يكون عدد أعضاء هيئة التحكيم وتراً.
وفي هـذا اجـازة اتفاقية نيويورك (1958) وفقا للمادة (1/5/ د) رفض الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم إذا قـدم الخصم صاحب المصلحة للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ الدليل على: "أن تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم مخالفا لما أتفق عليه الأطراف أو لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الاتفاق".
وبهذا تكون الاتفاقيـة قـد أعطـت أطـراف اتفاق التحكيم الحرية المطلقة في اختيار عدد أعضاء هيئة التحكيم دون أن تفرض عليهم أي قيد أو شرط سواء ما يتعلق منهـا بوتريـة العـدد أم بالعـدد ذاته، إذ للأطـراف حـق تـشكيل هيئة التحكـيـم مـن محكمين أو من عشرة محكمين أيضاً، إلا أننا نلاحظ - أيضاً - ميل إلى أن يكون عدد أعضاء الهيئة وترا.
وقـد أجاز القانون النموذجي طلب إلغاء قرار التحكيم في حال إن تم تشكل الهيئة بشكل مخالف لاتفاق الأطراف، إذ تنص المادة (2/34 /4) منه على أنه: "لا يجوز للمحكمة المسماة في المادة (6) أن تلغي أي قرار تحكيمي إلا إذا قدم الطرف طالب الإلغاء دليلاً يثبت إن تشكيل هيئة التحكيم أو الإجراء المتبع في التحكيم كان مخالفـاً لاتفاق الطرفين، ما لم يكـن هـذا الاتفاق منافيـاً لحكـم مـن أحكـام هـذا القانون التي لا يجوز للطرفين مخالفتها، أو يكن في حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق مخالفاً لهذا القانون".
ويتعين أن نأخذ في اعتبارنا بأن القانون النموذجي ، قد اشترط لإلغاء قرار التحكيم، على أساس مخالفـة تـشكيل هيئة التحكيم لاتفـاق الأطراف، أن يكون صاحب المصلحة في إلغاء القرار قد تمسك واعترض علـى وقـوع المخالفة، إذ يعتبر متنازل عـن حقـه في الاعتراض، الطرف الذي يعلـم بوقوع مخالفة لحكم من أحكام هذا القانون الذي يجيز القانون للطرفين مخالفته، أو لشرط مـن شروط الاتفاق.