يتم اختيار هيئة التحكيم متعدد الأطراف وفق هذه الطريقة بحيث يتعدد المحكمون ويتزايد عددهم تبعاً لتزايد عدد الأطراف، ولكن وفق أسلوب محدد أو طريقة معينة، أو بالأخرى وفق أسلوبين محددين تفتق عنهما ذهن القضاء الأمريكي الذي أصدر أوامر بضم التحكيمات وبالتالي وجد نفسه في مرحلة جديدة يتعين فيها تغيير تشكيل هيئة التحكيم.
بيد أن القضاء الأمريكي في البداية وحتى لا تتم مخالفة التشكيل المتفق عليه من الأطراف سلفاً فى اتفاق التحكيم أشار باتباع أسلوب التنازل أو التخلي من قبل أحد الأطراف أو بعضهم عن حقه أو حقهم في تعيين محكمه أو محكميهم كما ذكرنا منذ قليل، غير أن العديد من الأطراف في العديد من القضايا رفضوا أسلوب التنازل أو التخلى، ومن ثم ظهر في القضاء الأمريكي أسلوبان لاختيار تشكيل هيئة التحكيم المنضمة أحدهما في دعوى "Espanola" والآخر فى دعوى "Manumante" ، وذلك على النحو الآتي:
بعد أن أمرت المحكمة الفيدرالية الأمريكية بضم التحكيمين في دعوى "Espanola" المشار إليها، وهما التحكيم بين (مالك السفينة والمستأجر) والتحكيم بين (مالك السفينة وضامن المستأجر) ، قررت المحكمة أنها تملك عند الأمر بضم التحكيمات سلطة تحديد أسلوب اختيار هيئة التحكيم وكذلك عدد المحكمين.
ولهذا أمرت المحكمة بأن تشكل محكمة التحكيم على النحو الآتي: يقوم مالك السفينة بتعيين محكم واحد رغم أنه كان طرفاً في كلا الدعويين لأنه يعد بمثابة الطرف الوسيط الذى لا تتغير مصالحه، ثم يقوم المستأجر بتعيين محكم، ويقوم الضامن بتعيين محكم ، فيكون العدد ثلاثة، ثم يقوم المحكمون الثلاثة المختارون من قبل الأطراف باختيار محكمين محايدين فيكتمل التشكيل خماسياً، وأعطت المحكمة للأطراف مهلة قدرها عشرون يوماً كما أعطت للمحكمين المختارين من قبل الأطراف مهلة قدرها عشرة أيام للقـيـام بمهمة تعيين المحكمين، فإن فشلوا أو قصروا، فإن المحكمة الابتدائية تقوم بهذا التعيين.
أجرى القضاء الأمريكي في هذه الدعوى تعديلاً على تشكيل هيـئـة التحكيم المنضم الذى تم تبنيه في الدعوى السابقة، حيث خـيـر الأطراف بين التشكيل الخماسي السابق بيانه فى دعوى "Espanola" وبين تقليل هذا العدد إلى أربعة محكمين، حيث يختار كل طرف محكماً، ثم يختار الثلاثة محكمين المختارين من قبل الأطراف محكماً رابعاً محايداً.
وهكذا فإن هذين الأسلوبين اللذين تم تبنيهما من قبل القضاء الأمريكي حال ضم التحكيمات يفضيان إلى زيادة عدد المحكمين بزيادة عدد الأطراف، ورغم أن هذه الطريقة تعطى الحرية لكل طرف في تعيين محكم خاص به، إلا أنها قد تؤدى إلى زيادة عدد المحكمين ربما إلى سبعة أو تسعة أو أكثر تبعاً لزيادة عدد أطراف النزاعات المنضمة، وهذه الزيادة لا تأتي في صالح العملية التحكيمية في ظل أطراف ومحكمين ينتمون إلى جنسيات مختلفة ويقطنون دولاً عدة، ويصعب اجتماعهم لعقد جلسات التحكيم، الأمر الذي يقضى على ميزة السرعة والمرونة التي يتمتع بها التحكيم كنظام لحل المنازعات التجارية.
كذلك فإن هذا التشكيل المتعدد لهيئة التحكيم يؤدى إلى زيادة نفقات التحكيم، ويضاعف من احتمالات تدخل القضاء الوطني في التحكيم مع زيادة احتمالات عدم الاتفاق بين الأطراف أو تقصيرهم فى تعيين محكميهم، الأمر الذي لايأتي في صالح العملية التحكيمية خاصة مع احتمال وجود بعض الأطراف الذى يتخذون من كثرة اللجوء للمحاكم الوطنية للتدخل في التحكيم ذريعة لتعقيد الإجراءات التحكيمية وإعاقة سيرها.
وأخيراً فإن هذا التشكيل المتعدد لهيئة التحكيم سيمثل خطراً على تنفيذ حكم التحكيم المنضم المنتظر إصداره، حيث يخالف هذا التشكيل ماتم الاتفاق عليه سلفاً في اتفاقات التحكيم المبرمة بين الأطراف والتي كانت تتضمن تشكيلاً ثلاثياً لهيئات التحكيم، وهذه المخالفة لاتفاق التحكيم هي أحد أسباب الطعن على الحكم بالإلغاء في اتفاقية نيويورك ١٩٥٨ بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، وفى غيرها من قوانين التحكيم في