المحكم وهيئة التحكيم / تعيين المحكمين بواسطة أطراف التحكيم أنفسهم / الكتب / أثر النظام العام في الحد من اللجوء إلى التحكيم / تعيين المحكمين باتفاق الأطراف
إن تعيين المحكمين باتفاق أطراف النزاع يختلف بحسب نوع التحكيم الذي يختاره هؤلاء الأطراف.
تعيين المحكمين في التحكيم الحر الفردي"
التحكيم الحر (أو الفردى) هو التحكيم الذى يختار الأطراف اللجوء إليه للفصل في نزاع بعينه بحيث يبدأ ببداية هذه القضية وينتهي بنهايتها ، و فيه يختار الأطراف المحكم أو المحكمين الذين يفصلون في هذا النزاع فإذا تم الفصل فيه الفضت هيئة التحكيم وقد أطلق عليه التحكيم الحر لأن المحكمين فيه لا ينتمون إلى مؤسسة أو مركز معين .
وقد اعترفت التشريعات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم بمبدأ تعيين المحكمين باتفاق أطراف النزاع، الأمر الذي أعطى المشروعية لأعمال ذلك المبدأ بمعرفة أطراف النزاع في الوقت المحدد .
أولاً : الاعتراف بمبدأ تعيين للمكمين باتفاق أطراف النزاع :
إن مبدأ تعيين المحكمين باتفاق أطراف النزاع يشكل بديهية من بديهيات التحكيم إذ أن جوهر التحكيم هو الإرادة والاتفاق، من أجل ذلك تحرص كافة التشريعات والاتفاقيات الدولية على النص على هذا المبدأ.
من ذلك القانون التمطى للتحكيم التجاري الدولي الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة للتحكيم التجارى الدولى عام 1985 والذي نص في المادة العاشرة منه على أن: 1 - للطرفين حرية تحديد المحكمين 2- للطرفين حرية الاتفاق على الإجراءات الواجب اتباعها في تعيين المحكم أو المحكمين».
وقد اتبع ذات النهج قانون التحكيم المصرى، حيث حددت المادة 17 منه إجراءات تشكيل هيئة التحكيم، حيث أعطت المادة لطرفي التحكيم حرية الاتفاق على اختيار المحكمين وعلى كيلية ووقت اختيارهم، فإذا لم يتفقا اتبع ما يأتي:
أ - إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد تولت المحكمة المشار إليها في المادة (9) من القانون اختياره بناء على طلب أحد الطرفين. .
ب- فإذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين اختار كل طرف من أطراف التحكيم محكماً ثم يتفق المحكمان على اختيار المحكم الثالث. فإذا لم يعين أحد الطرفين المحكم الخاص به خلال الثلاثين يوماً التالية لتسلمه طلباً بذلك من الطرف الآخر، أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث خلال الثلاثين يوما التالية لتاريخ تعيين أحدهما. تولت المحكمة المشار إليها في المادة التاسعة من هذا القانون اختيار ذلك المحكم بناء على طلب أحد الطرفين، ويكون للمحكم الذي اختاره المحكمـــان المعينان أو الذي اختارته المحكمة رئاسة هيئة التحكيم، كما تسرى هذه الأحكام فى الحالة التى تشكل فيها هيئة التحكيم من أكثر من ثلاثة محكمين وهي الحالة الغالبة.
وحذا حذو القانون المصرى والقانون النمطي قانون التحكيم التجارى الدولي البحرينى إذ نص فى المادة 11 منه على أن: للطرفين حرية الاتفاق على الإجراء الواجب اتباعه في تعيين المحكم أو المحكمين».
وعبر عن ذلك قانون المرافعات الكويتى في المادة 174 منه بقوله: «كما يجب تعيين المحكم فى الاتفاق على التحكيم أو في اتفاق مستقل».
ويستفاد من نظام التحكيم السعودى أن الأولوية في تعيين المحكمين تكون باختيار الأطراف حيث جاء بالمادة الخامسة منه النص على أن: «يودع أطراف النزاع وثيقة التحكيم لدى الجهة المختصة أصلاً بنظر التحكيم، ويجب أن تكون هذه الوثيقة موقعة من الخصوم أو من وكلاتهم الرسميين، ومن المحكمين، وأن يبين بها موضوع النزاع وأسماء الخصوم، وأسماء المحكمين وقبولهم نظر النزاع
بينما جاء بالمادة العاشرة أنه إذا لم يعين الخصوم المحكمين أو امتنع أحد الطرفين عن تعيين المحكم أو المحكمين الذين ينفرد باختيارهم أو امتنع واحد أو أكثر من المحكمين من العمل أو اعتزله أو قام به مانع من مباشرة التحكيم، أو عزل عنه ولم يكن بين الخصوم شرط خاص - عينت المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع من يلزم من المحكمين، وذلك بناء على طلب من يهمه التعجيل من الخصوم .
وعلى هذا النحو جاء نص المادة 204 من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي الباب الثالث المتطق بالتحكيم)، على أن إذا وقع النزاع ولم يكن الخصوم قد اتفقوا على المحكمين أو امتنع واحد أكثر من المحكمين المتفق عليهم عن العمل أو اعتزله أو عزل عنه حكم برده أو قام مانع من مباشرته له ولم يكن هناك اتفاق في هذا الشأن بين الخصوم عينت المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع من يلزم من المحكمين بناء على طلب أحد الخصوم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى ...».
وهو نفس الحكم فى قانون المرافعات القطرى (المادة (195).
وكذلك نص القانون العماني للتحكيم فى المنازعات المدنية والتجارية الصادر سنة 1997 في المادة 15-1 منه على أن: تشكل هيئة التحكيم باتفاق الطرفين من محكم واحد أو أكثر ، فإذا لـم يتفقا على عدد المحكمين كان العدد ثلاث ...
ونصت المادة (117) على أن الطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكمين وعلى كيفية ووقت اختيارهم». ونصت الفقرة (3) من المادة الثامنة من نظام تحكيم الغرفة التجارية الدولية .I.C.C على أن: «إذا اتفق الطرفان على أن يفصل في النزاع محكم واحد فلهما تعيينه باتفاق بينهما لتثبيته من قبل الهيئة ...».
وهكذا أثبتت التشريعات سالفة الذكر حق الأطراف في اختيار وتعيين هيئة التحكيم باتفاقهم الحر،
إذا أراد أطراف النزاع تعيين محكم منفرد فإنه يتعين الاتفاق بينهم على شخصه وذلك في اتفاق التحكيم ذاته أو في اتفاق مستقل على أنه يشترط أن تتوافر فيه الشروط والمؤهلات اللازمة لأداء مهمته وينبغي أن يكون التعيين محدداً ومفصلاً من حيث تحديد اسم المحكم، ولقبه وجنسيته وموطنه إلا أنه ليس هناك ما يمنع من الاكتفاء بذكر صفته المميزة، كأن يتفق الطرفان على اختيار رئيس محكمة التمييز في البحرين أو نقيب المحامين في دولة محددة أو رئيس مركز تحكيم معين والعبرة بمن يشغل المنصب لحالة بدأ إجراءات التحكيم.
ولما كان المحكم المنفرد يعين باتفاق الطرفين فإنه لا يجوز عزله أو تغييره بالإرادة المنفردة لأحدهما، فإن أعلن أحد الطرفين عزله أو تغييره، فلا عبرة لإعلانه، وعلى المحكم الاستمرار في مهمته ما لم يطرأ سبب لرده أو تنحيته وفقاً للقانون وهذا حكم عام تؤكد عليه بعض التشريعات صراحة، ومن ذلك القانون البحريني للتحكيم التجارى الدولى الذى نص فى المادة الثانية عشرة منه على أن: «. ... ولا يجوز لأى من طرفى النزاع رد محكم عينه هو أو اشترك في تعيينه إلا لأسباب تبينها بعد ان تم تعيين هذا المحكم». وهو نفس الحكم في قانون التحكيم المصرى المادة (18) وكذلك قانون الإجراءات المدنية بدولة الإمارات العربية المتحدة الذي نص في الفقرة الثالثة من المادة 208 على أن لا يجوز عزله إلا بموافقة الخصوم جميعا... ونظام التحكيم السعودى الذى نص في العادة الحادية عشرة منه على أن لا يجوز عزل المحكم إلا بتراضى الخصوم».
وقانون المرافعات الكويتى الذى نص فى الفقرة الثالثة من المادة 178 على أن ولا يجوز عزل المحكم إلا بموافقة الخصوم جميعاً».
(ب) العيين هيئة التحكيم متعددة الأطراف :
أوردنا فيما سبق نصوص التشريعات والاتفاقيات الدولية ولوائح مراكز التحكيم التي تكاد تجمع على أنه إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً، ولا يضع قانون التحكيم المصرى أو البحريني أو غيرهما من التشريعات المقارنة حداً أعلى لعدد المحكمين، وإنما وضع حداً أدنى له بنص القانون المصرى فى المادة 1/15 منه على أن : إذا لم يتفق الطرفان على عدد المحكمين كان العدد ثلاثة
والقانون البحرينى فى المادة (10) على أن: «1 - للطرفين حرية الاتفاق على عدد المحكمين 2 - فإن لم يفعلا ذلك كان العدد ثلاثة»، وهذا أيضاً نص القانون العماني (المادة 1/15).
وسبق أن ذكرنا أنه يتضح من نص القانون المصرى أنه يرتب جزاء البطلان على مخالفة وترية عدد أعضاء التحكيم ... ومن هنا يجب أن يكون العدد وترأ حتى يتوفر المرجح بين الطرفين أو الرأيين.
أما عن كيفية تعيين هيئة التحكيم متعددة الأعضاء فتكاد تتفق القوانين المقارنة على أنه : إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين اختار كل طرف محكماً وبديهي أنه إذا كان عدد المحكمين خمسة أو سبعة اختار كل طرف محكمين أو ثلاثة أو أكثر) - ثم يتفق المحكمان على اختيار الثالث.
وعلى هذا جاء نص القانون النمطى للتحكيم التجارى الدولى للجنة الأمم المتحدة للتحكيم التجارى الدولى لعام 1985 في الفقرة الثالثة من المادة 11 منه على أن: « فإن لم يكونا قد اتفقا على ذلك تتبع الإجراءات التالية:
(أ) في حالة التحكيم بثلاثة محكمين يعين كل من الطرفين محكماً ويقوم المحكمان المعينان على هذا النحو بتعيين الثالث ......
ونص المادة (17) من قانون التحكيم المصرى الفقرة الأولى: ..... فإذا لم يتفقا أتبع الآتي:
(ب) إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين اختار كل طرف محكماً ثم يتفق المحكمان على اختيار المحكم الثالث ....».
وعلى هذا النحو جاء نص القانون البحريني المادة 3/11 والقانون العماني المادة (17-1).
غير أن البعض يرى - وبحق - أن الفهم الصحيح للنصوص سالفة الذكر وأمثالها يؤدى إلى أن سلطة المحكمين المعينين في اختيار المحكم الثالث لا يمارساتها إلا إذا لم يتفق الطرفان على اختياره ... ذلك أن النصوص سالفة الذكر قد تصدرت بعبارة: «فإذا لم يتفقا اتبع الآتى: ....» مما مؤداه أن دور المحكمين المختارين لا يكون إلا في حالة عدم اتفاق طرفي النزاع فإن اتفق الأخيرين على تعيين هيئة التحكيم ثلاثية الأعضاء فلا دور للمحكمين المختارين في اختيار المحكم الثالث ... لأن اختيار الهيئة بأكملها من صلاحيات أطراف النزاع.
تشكيل هيئة التحكيم فى التحكيم النظامي (المؤسسى)
غنى عن البيان أن لائحة أو نظام أى مركز أو مؤسسة للتحكيم لابد وأن تتضمن القواعد المنتظمة لكيفية تشكيل هيئة التحكيم.
وفي حالة اختيار أطراف نزاع ما حل نزاعهم عن طريق مؤسسة أو مركز تحكيم دائم فإن ذلك سوف يوفر عليهم العديد من الإجراءات الخاصة بالتحكيم ومنها تشكيل هيئة التحكيم ... حيث أن لائحة مؤسسة أو مركز التحكيم واجبة التطبيق ويلتزم الأطراف بما فيها من أحكام وقواعد تتعلق بتشكيل هيئة التحكيم.
ولا ينال تطبيق القواعد اللائحية لمراكز التحكيم أو مؤسساته الدائمة بخصوص تشكيل هيئة التحكيم من إرادة طرفي التحكيم، وذلك لأن الأطراف بلجونهم إلى المركز أو مؤسسة التحكيم المنتظمة أو الدائمة يكونون قد عبروا عن إرادتهم وارتضالهم تشكيل هيئة التحكيم طبقاً للقواعد المعمول بها لدى ذلك المركز أو تلك المؤسسة حيث أنهم يعلمون أن لدى هذا المركز أو تلك المؤسسة قواعد تنظيمية تكون واجبة التطبيق أمامه، مثلما تحكم قواعد المرافعات أو الإجراءات المدنية عمل المحاكم القضائية.
كما أن الأطراف لا يفقدون على وجه الإطلاق حريتهم في تعيين هيئة التحكيم العاملة تحت مظلة مؤسسة أو مركز التحكيم الدائم أو المنظم. فالملاحظ أن معظم مؤسسات وهيئات التحكيم تفسح المجال واسعاً أمام الأطراف، وتقرر لهم الأولوية والتقدم في اختيار وتعيين أعضاء هيئة التحكيم، بحيث لا تنطبق القواعد اللائحية في شأن تشكيل تلك الهيئة، إلا إذا العدم اتفاق الأطراف.
وعلى ذلك تنص لائحة تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس النافذة من أول يناير 1998 في المادة 3/8 صراحة على أن للأطراف، في حالة المحكم المنفرد الاتفاق على تعيينه، كما أن لكل منهم تعيين محكمه في حالة تعدد أعضاء هيئة التحكيم (م4/8 (2) ولا تتدخل المحكمة الدولية للتحكيم بالغرفة لتعيين هؤلاء أو المحكم الوتر إلا إذا انعدم اتفاق الأطراف.
وهذا هو ما تقرره لائحة محكمة لندن للتحكيم الدولي LCIA لعام 1985( الفقرات 3 4 5 من المادة الثالثة)، ولائحة جمعية التحكيم الأمريكية لعام 1992) ولائحة جمعية التحكيم الإيطالية لعام 1985 (م/32). وكذلك لائحة إجراءات مركز التحكيم التجارى الدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لعام 1995 (م 12).
ولائحة تحكيم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي نصت في المادة (6) على أن: «عندما يتعلق الأمر بتعيين محكم واحد يجوز لكل من الطرفين أن يقترح على الآخر ما يلي:
(أ) اسم شخص واحد ليكون الحكم الوحيد أو أسماء جملة أشخاص يمكن اختيار المحكم الواحد من بينهم.
(ب) اسم مؤسسة واحدة أو أسماء عدة مؤسسات أو اسم شخص واحد أو أسماء جملة أشخاص يمكن اختيار سلطة التعيين من بينها أو من بينهم وذلك إذا لم يكن الطرفان قد اتفقا على تسمية سلطة تعيين.
وكذلك القواعد المطبقة أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى، والواردة في اتفاقية واشنطن لعام 1965 (م 2/37).