الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / طرق التعيين / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / تعيين المحكم واستقلاله وحياده

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    649

التفاصيل طباعة نسخ

    تكرس قواعد تحكيم اليونسترال مبدأ يقضي بأن كل محكم قابل للرد اذا وجدت ظروف مـن طبيعتها اثارة شك جدي حول حياده واستقلاليته، وقد وضعت على عاتق المحكم موجب اعـلام الفرقاء بالظروف والوقائع التي من شأنها ان تثير هذا الشك. فإذا لم يعترض الفرقاء، يقبل هـذا المحكم. هذه القواعد تبنتها جميع انظمة مؤسسات التحكيم وجميع قـوانين اصـول المحاكمـات المدنية وهي برأينا تدخل في عداد "المبادئ الكلية" للتحكيم التي تشكل جوهره واساسه.

    ان دراسة الإجتهاد التحكيمي تظهر لنا ان موجب الإعلام (او موجب التصريح او موجـب الإبلاغ) ليس فقط مجرد وسيلة لضمان مبدأ الحياد والإستقلالية، وانما هو هذا المبدأ بذاته. الحياد والإستقلالية يختزلان بموجب الإعلام (193 – 192 .Thomas Clay, Rev Arb. 2009, p).

     ما هو مضمون موجب الإعلام؟ وما هي المفاعيل القانونية لموجب الإعلام؟ اي مـا هـي عقوبة الإخلال به؟

اولاً: مضمون موجب الإعلام:

    مسألتان قانونيتان هما الأهم استوحيتهما من الإجتهاد، اثارتا جدلاً فقهياً وقضائياً، قد تساعد دراستهما لتقديم مقترحات ضمن اطار هذا المؤتمر عل يكون من شأنها ان تساهم ايجابي تطوير قواعد اليونسترال لجهة حياد واستقلالية المحكم.

المسألة الأولى: التعيين المتكرر للمحكم ذاته:

   هل التعيين المتكرر للمحكم ذاته من الجهة ذاتها يؤثر على حياده واستقلاله؟ Reputation“ "is repetition يقول الأنكلوساكسون. وفي هذا السياق، كتب احـد فقهـاء التحكيم Marc (722 .Henry, Rev. Arb. 2005, p انه بمقدار ما يعمل المحكمـون لـشهرتهم بمـضاعفة الأعمال الفقهية والمشاركة في مؤتمرات التحكيم ومهماته، بمقدار ما قد يسيؤون الـى طمـوحهم المهني بإيجاد ظروف قد تشكل طعناً بحيادهم. واقع مرفوض يسمح الإجتهاد الحديث بأن نتساءل حول ابعاده.

أ- اشكال التعيين المتكرر:

    ان التعيين المتكرر للمحكم يأخذ اشكالاً عدة:

1- قد يعين المحكم ذاته لمرات عدة في المواضيع ذاتها، مما يوجد خطر ما يسمى "بـالحكم المسبق" (Préjugé). فإذا نظر المحكم في قضية متلازمة مع تحكيم سابق، يفرض الإجتهاد معرفة ما اذا كان صدر في المحاكمة السابقة قرار من شأنه ان يـشكل "الحكـم المـسبق" (محكمة استئناف باريس، 2/6/1989 مجلة التحكيم 1991، ص. 87). اكثر من استقلال القاضي، ان حياده على المحك رغم ان بعض الفقه لا يجـد فائـدة للتمييـز بـين الحيـاد والإستقلال.

2- الشكل الآخر هو التعيين المتكرر للمحكم ذاته. طرحت المسألة ضمن اطـار مـا يـسمى "التحكيم المهني" (L'arbitrage professionnel) حيث توجد لوائح مقفلـة بـالمحكمين، كالتحكيم في الجمعيات المهنية والحرفية، اذ اعتبر القـضاء (محكمـة اســتئناف بـاريس، 27/6/2002، مجلة التحكيم 2003، ص. 427) انه "لا يطلب من المحكم التقيد المتزمـت بقواعد الحياد والإستقلالية". وخارج اطار "التحكيم المهني"، اعتبرت محكمة استئناف باريس (قــرار تــاريخ 28/10/1999، مجلـة التحكـم 2000، ص. 299) ان تعيـيـن شـركة Franchisor للمحكم ذاته في ثلاث محاكمات تحكيمية بوجه شركات Franchisee لا يكفي للقول بوجود مخالفة لموجب الحياد والإستقلالية، ما دام ان المحكم لا يتمتع "بإحتكار تعيينه" Le monopole de designation نقضت محكمة التمييز الفرنسية (محكمة التمييز، الغرفة الثانية، 6/12/2001، مجلـة التحكـيم 2003، ص. 1231، تعليـق Gaillard القـرار الإستئنافي للتناقض في التعليل لأن محكمة الإستئناف اعتبرت من جهة ان المحكم قد اخـل بموجب الإعلام، دون ان تقضي من جهة ثانية انه خالف مبدأ الحياد والإستقلالية. هل يمكن ان نستنتج من هذا القرار التمييزي ان تعيين المحكم بصورة متكـررة مـن قبـل الجهـة المتقاضية ذاتها يشكل ظرفاً مسيئاً الى مبدأ الحياد والإستقلالية؟ تبنى البروفسور Gaillard هذا التفسير، بينما لم يتبناه البروفسور Obs. In RTD com, 2002, p. 657) Loquin). في قرار لاحق لها صادر بتاريخ 10/2/2005 (مجلة التحكيم 2005، ص. 719) اعتمدت محكمة استئناف باريس تفسير البروفسور Gaillard واعطت اهمية خاصة لمعرفـة عـدد المرات التي تم فيها تعيين المحكم من الجهة ذاتها. وفي قـرارين صـدرا عنهـا بتـاريخ 16/5/2002 (مجلة التحكيم 2003، ص. 1231، تعلیق Gaillard 2/4/2003 (المرجع ذاته)، عينت محكمة استئناف باريس خبراء لتحديد "وتيرة" Fréquence تعيين المحكم فـي نزاعات ناشئة عن عقود تلزيم من الباطن مبرمة من شركة مقاولات، كما وفـي نزاعـات ناشئة بين شركة Franchisor وشركة Franchisee. في القضية الثانية، اشارت المحكمة الی احتمال عدم استقلالية المحكم. في قرارها تاريخ 29/1/2004، مجلة التحكـيم 2005، ص. 719، تعلیق Marc Henry)، ابطلت ذات المحكمة القرار التحكيمي لمجـرد تعيـين المحكم بصورة متكررة من قبل شركة مقاولات.

    من "المعيار الذاتي" لموجب الحياد، تطور الإجتهاد نحو "المعيار الموضوعي". نشير في هذا السياق ان تعاميم الـ IBA International Bar Association عن "تعارض المـصالح في التحكيم الدولي" تعتبر ان تعيين المحكم لمرتين خلال ثلاث سنوات، ومن الجهة ذاتهـا، يضعه على "اللائحة البرتقالية" (La liste orange)، ومن شأن ذلك خلق الـشكوك حـول حياده واستقلاليته.

 باء – المعيار: المنافع المشتركة (Le courant d'affaires):

    كي يشكل التعيين المتكرر للمحكم خروجاً عن مبدأ الحياد والإستقلالية، يجب ان يؤدي الـى خلق ما يسميه الإجتهاد "المنافع المشتركة" بينه وبين الجهة التي تعينه. هذه "المنـافـع المـشتركة" تنتج عن الظروف التالية:

1- الصفة المنتظمة للتعيينات المتكررة.  

2- الإنتظام في التعيينات لمدة زمنية طويلة.

3- وحدة العقود التي تضمنت البنود التحكيمية.

4- عدم ندرة المحكمين للنظر في النزاعات التي تم فيها التعيين المتكرر.

5- كل ذلك دون تمييز بين ما اذا تم التعيين المتكرر للمحكم من فرقاء النزاع انفسهم ام من مستشاريهم.

المسألة الثانية: موجب الإعلام بوقائع يجهلها المحكم شخصياً:

    المسألة الثانية التي تطرق لها الإجتهاد للمرة لأولى تتمحور حول السؤال التالي: هـل ان موجب الإعلام يفرض على المحكم ان يعلم الفرقاء بظروف يجهلها شخصياً وانما كان يفتـرض به ان يعلمها؟

أ- موجب الإعلام المتمادي في الزمان:

    الجواب بالإيجاب يضعف المحكم، الجواب بالنفي يضعف التحكيم. هذا ما قاله البروفسور Thomas Clay في تعليقه على قرار محكمة استئناف باريس الصادر بتـاريخ 12/2/2009 (مجلة التحكيم 2009، ص. 186). في النزاع الذي انتهى بصدور هذا القرار، اعيب على رئيس الهيئة التحكيمية اربعة انواع من العلاقات:

1- انتماؤه الى مكتب للمحاماة كان مستشاراً للشركة الأم لإحدى جهات التحكيم.

2- كان هذا المكتب مستشاراً لفرع لهذه الجهة.

3- احد محامي المكتب عين محكماً منفرداً في تحكيم احد اطرافه هذا الفرع للشركة الأم.

4- المحامون العاملون في فرع هذا المكتب في الصين استشيروا من قبل الشركة الأم.

    اما الحجة القانونية التي آثارها الفريق الآخر فهي بالتأكيد جهل المحكم شخصياً لهذه الوقائع. لم تأخذ محكمة الإستئناف بهذه الحجة، واعتبرت ان هذه الوقائع من شأنها ان تثير الشكوك حول حياد المحكم واستقلاليته، رغم ان المحكم بشخصه كان محايدا، مختزلة بـذلك موجـب الحيـاد بموجب الإعلام، مما يجعل من موجب الإعلام موجبـاً متماديـاً فـي الزمـان obligation) (permanente يلزم المحكم بأن يبحث بصورة دائمة عن آية واقعة قد تؤثر على حياده في سياق المحاكمة التحكيمية.

ب - المفاعيل العملية لهذا القرار:

   يلحظ البروفسور Thomas clay انها المرة الأولى التي يبطل فيها القضاء قراراً تحكيميـاً لوقائع غير مرتبطة بالمحكم شخصياً، مما يعطي لقرار الإبطال مفاعيل عملية عدة:

1- كيفية التوفيق بين عولمة العلاقات القانونية والإقتصادية من جهة، من جهـة ثانيـة اتساع مضمون موجب الإعلام بحيث يشمل وقائع قد يجهلها المحكم شخصياً.

2- كما توجد شركات واستثمارات عابرة للقارات، توجد كذلك مكاتب للمحاماة عابرة للقارات. مع صدور هذا القرار الإستئنافي، سوف تولي هذه المكاتب عنايـة خاصـة لمنـع وجـود "تعارض مصالح" بين المحامين العاملين فيها. ان نظام ما يسمى "Conflicts cheeks“ معتمد لدى هذه المكاتب، ولكنه تنظيم داخلي لا يجوز قانوناً التذرع بـه لا بوجـه فـرقـاء التحكيم ولا بوجه القضاء. وانما قد يثبت حسن نية المحكم.

3- هذا القرار الإستئنافي يجعلنا نسأل: من هو المسؤول عن بطلان التحكيم؟ المحكم ام مكتـب المحاماة المنتسب اليه؟ المحكم بالتأكيد نظراً لوجود العلاقة القانونية التعاقديـة بينـه وبـين الفرقاء، على ان يعود بالمسؤولية تجاه مكتبه. ولكن هذه النتيجة ليست الحل الأمثل.

4- كما يلاحظ البروفسور Thomas Clay، سيكون لهذا القرار الإستئنافي تأثيره على تنظـيم بعض مكاتب المحامين العاملين بصورة رئيسية في حقل التحكيم، بحيث سيفـضـل هـؤلاء العمل من ضمن مكاتب اصغر حجماً واقل عولمة.

5- سوف يعزز هذا القرار القضائي دور المستشارين القانونيين الذين يعملون بصفة "Of counsel“.

ثانياً: المفاعيل القانونية لموجب الإعلام:

    نميز بين المفاعيل القانونية للإخلال بموجب الإعلام قبل صدور القـرار التحكيمـى وبعـد صدور القرار التحكيمي.

1- قبل صدور القرار التحكيمي:

    اذا اكتشفت الظروف المشككة قبل صدور القرار التحكيمي، يكون من حق الفرقاء طلب رد المحكم وفقاً لأصول واجراءات حددتها قواعد اليونسترال.

   أ- من ضمن هذه القواعد، ضرورة ان يقدم طلب الرد خلال الخمسة عشر يومـاً التاليـة للتاريخ الذي تبلغ فيه من يطلب الرد تسمية المحكم، او الخمسة عشر يوماً التالية لتـاريخ علمـه  وتبليغه من المحكم المسمى من غيره بالظروف المشككة بهذا المحكم. ما هي الفعاليـة القانونيـة لمهلة الخمسة عشر يوما؟

    بمعنى آخر، هل يحق لأحد فرقاء التحكيم طلب رد المحكم مباشرة امـام القـضاء دون ان يكونقد طلب رده مسبقاً ضمن مهلة الخمسة عشر يوماً امام سلطة التسمية؟

    اجابت محكمة استئناف باريس بالإيجاب متجاهلة نظام التحكيم لمركز التحكيم التابع لغرفـة التجارة الدولية في باريس، مما عرض قرارها وبحق للنقد من البروفسور Thomas Clay، بما في ذلك تجاوز لقواعد التحكيم الملزمة للفرقاء الا بما اتفقوا على خلافها. بمعنى ان عدم طلب رد المحكم خلال مهلة الخمسة عشر يوماً امام سلطة التسمية يعتبر دفع عدم قبول لطلب الرد امـام القضاء، بحيث يكون طالب الرد قد تنازل عن حقه في رد المحكم. اضافة الى ان هذا الحل يمنع طالب الرد سيء النية من انتظار القرار التحكيمي لتحديد موقفه.

ب-ان قبول رد المحكم قد يؤدي ايضاً الى الأخذ بمسؤوليته التعاقدية

2- بعد صدور القرار التحكيمي:

    اذا اكتشفت الظروف المشككة بعد صدور القرار التحكيمي، يبطل هذا القرار مـع امكانيـة الأخذ بمسؤولية المحكم شبه الجرمية. ولكن ما هو الأساس القانوني للبطلان؟ اجمع الإجتهاد على ان سبب البطلان هو "عدم قانونية تعيين المحكـم" Constitution irrégulière du tribunal) (arbitral. برأينا ان الأساس القانوني للبطلان هو في مكان آخر، انه في مخالفة القرار التحكيمي للنظام العام الدولي، لأن المسألة ليست اجرائية وانما تمس جوهر التحكيم واساسه.

خاتمة: الإقتراحات:

تأسيساً على ما تقدم، نقترح الآتي:

1- يجب على المحكم ان يصرح عن عدد النزاعات التحكيمية التي تم تعيينه فيها من قبل احدى جهات النزاع او المرتبطين معها بمصالح مشتركة؛ ومن اجل ذلك، يعفي المحكم من موجب السرية.

2- يشمل موجب الإعلام حتى الوقائع والظروف التي يجهلها المحكم شخصيا ولكن يفترض به ان يعلمها.

3- اذا لم يطلب فرقاء التحكيم رد المحكم وفقاً للإجراءات وضمن المهلة المحددة فـى قواعـد التحكيم، يعتبر انهم تنازلوا عن طلب الرد امام القضاء.