عندما لا يتفق احد الاطراف على تعيين المحكم الذي اقترحه الطرف الآخر في حالة المحكم الوحيد او اذا امتنع احد الاطراف عن تعيين المحكم في حالة الاتفاق على ان يكون عدد المحكمين ثلاثة اذ يعين كل واحد من الاطراف محكما اما الثالث فيتم تعيينه من قبل المحكمين المعينين من قبل الاطراف او عند عدم تمكن المحكمين الاثنين من تعيين المحكم الثالث. ففي هذه الحالات اذا لم تكن الاطراف قد حددت في اتفاق التحكيم شخصاً أو جهة كسلطة تعيين تقوم بتعيين المحكم عند عدم اتفاقهما. عندئذ لاحد اطراف النزاع الطلب من المحكمة تعيين المحكم وهذا ما تنص عليه القوانين الوطنية، مثال ذلك ما جاء في المادة (١/٢٥٦) من قانون المرافعات المدنية العراقي وقد جاء في الفقرة الثانية من المادة المذكورة أن قرار المحكمة بتعيين المحكم او المحكمين قطعي وغير قابل لاي طعن اما قرارها برفض طلب تعيين المحكمة فيكون قابلا للتمييز...».
ولكن في حكم حديث اصدرته محكمة بداءة الكرخ بتاريخ ١٩٨٨/٦/١١، عينت بموجبه احد المحكمين عن احد اطراف النزاع ولكنها ايضا ذهبت إلى تعيين المحكم الثالث رغم ان شرط التحكيم كان ينص على قيام محكمة التحكيم لغرفة التجارة الدولية بتعيين المحكم الثالث في حالة عدم اتفاق محكمي الطرفين على تعيينه خلال ١٤ يوما .
وقد بررت المحكمة قرارها المذكور بقولها « ولما كان تعيين المحكم الثالث من قبل محكمة التحكيم لغرفة التجارة الدولية في باريس فيه تجاهل للسلطة القضائية في العراق رغم ان العقد عقد في العراق ونفذ فيه، ولما كان القانون الواجب التطبيق هو قانون المرافعات المدنية العراقي ولما كانت المادة ٢٥٦ من القانون المذكور قد أعطت الحق للمحكمة في اختيار المحكم الثالث الذي لا يتفق عليه الطرفان كما هو الحال في اختيار المحكم الثاني الذي طلب وكلاء المدعية تعيينه نيابة عن المدعى عليها، ولما كانت قواعد المرافعات بهذا الخصوص من النظام العام وإن كل اتفاق على مخالفتها يعتبر باطلا راجع الدكتور احمد ابو الوفا التحكيم بالقضاء، وبالصلح صفحة ٨٠-٨٦) وعليه وبناء على طلب طالبة التحكيم والطلب المتقابل من المطلوب التحكيم ضـدهـا قـرر تعيين المهندس ح.م محكماً عن المطلوب التحكيم ضدها (رب العمل) وتعيين د.ر.ح. رئيساً لهيئة التحكيم وصدر القرار وفقاً للمادة ١/٢٥٦ من قانون المرافعات المدنية رقم ٨٣ لسنة ١٩٦٩ المعدل قراراً قطعياً غير قابل لأي طعن وفقاً للفقرة (٢) من المادة ٢٥٦ من قانون المرافعات المدنية ...».
وهذا الحكم يدعو إلى التأمل حيث أن المحكمة قد تجاهلت ارادة الطرفين اللذين اتفقا على كيفية تعيين المحكم الثالث وفي رأينا أنه كان على المحكمة ان لا تذهب إلى تعيين المحكم الثالث للأسباب التالية:
1- المحكمة استندت في حمكها المذكور إلى الفقرة الأولى من المادة ٢٥٦ من قانون المرافعات العراقي وهذه الفقرة تنص على ما يلي: إذا وقع النزاع ولم يكن الخصوم قد اتفقوا على المحكمين او امتنع واحد أو أكثر من المحكمين المتفق عليهم عن العمل او اعتزل او عزل او قام مانع من مباشرته ولم يكن هناك اتفاق بهذا الشأن بين الخصوم فلأي منهم مراجعة المحكمة المختصة بنظر النزاع بعريضة لتعيين المحكم أو المحكمين بعد تبليغ باقي الخصوم وسماع أقوالهم».
هذه الفقرة تبين متى يلجأ أحد الاطراف إلى المحكمة لتعيين المحكم أو المحكمين ولكنها تنص على أن اللجوء إلى المحكمة لا يكون إلا إذا لم يوجد اتفاق حول معالجة الموضوع وذلك بقولها ولم يكن هناك اتفاق في هذا الشأن» وهذا يتفق مع أساس التحكيم وهو ارادة الطرفين، فإذا كان الطرفان قد اتفقا على معالجة الأمر فعندئذ لا يجوز للمحكمة أن تعالج مسألة تعيين المحكم.
وفي هذه القضية كان الطرفان قد اتفقا على قيام محكمة التحكيم التابعة للغرفة التجارية الدولية بتعيين المحكم الثالث في حالة عدم اتفاق محكمي الطرفين على تعيينه خلال ١٤ يوماً.
وعلى هذا الاساس نستطيع القول ان المحكمة قد اهملت النص الذي يقضي باحترام ارادة الطرفين المتمثل في اتفاقهما على ترك الأمر إلى محكمة التحكيم التابعة للغرفة التجارية الدولية وهي بهذا قد اهملت النص الذي ورد في الفقرة الأولى من المادة ٢٥٦ .
2- أن المحكمة ذهبت إلى ان المادة ۲٦٥ قد اعطت الحق للمحكمة في اختيار المحكم الثالث الذي لا يتفق عليه الطرفان واضافت قائلة ولما كـانـت قـواعـد قـانون المرافعات بهذا الخصوص من النظام العام وان كل اتفاق على مخالفتها يعتبر باطلا»، ودعمت هذا القول بذكر الدكتور ابو الوفاء في كتابه التحكيم بالقضاء وبالصلح الصفحة ٨٠-٨٦. وعلى هذا الاساس قررت تعيين المحكم الثالث.
وتعليقنا على ذلك هو:
أ) ان ما جاء في المادة ٢٥٦ من قيام المحكمة بتعيين المحكمين ليس من النظام العام لان المادة المذكورة تجيز للطرفين الاتفاق على كيفية تعيين كل محكم وكيفية تعيين المحكم الثالث. وان دور المحكمة يأتي اذا لم يكن هناك اتفاق بهذا الشأن وهذا ما تأخذ به قوانين الدول العربية والاجنبية (المادة (٧٤٦) من قانون المرافعات الليبي، المادة (۸۱) من قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني، المادة (۸) من قانون التحكيم الاردني، المادة (١٤١) والمادة (٤/١٥٥) من قانون الاجراءات المدنية السوداني المادة (٥۱۲) من قانون اصول المحاكمات السوري المادة (٢٣٥) من قانون المرافعات المدنية والتجارية البحريني، والمادتين ١٤٤٤ و ١٥٤ من قانون المرافعات الفرنسي .
ب) ان المحكمة قد اشارت إلى الدكتور ابو الوفا في كتابه التحكيم بالقضاء وبالصلح واشارت في بعص صفحاته إلى ان الدكتور ابو الوفـا عـالـج موضوع التحكيم في اتفاقات البترول في الدول العربية وقد ذكر في الصفحة ٨٣ ما جاء في بعض اتفاقات البترول حول تعيين المحكم الثالث من قبل رئيس المحكمة العدل الدولية الدائمة بناء على طلب الطرفين. فقال وتعيين المحكم الثالث بواسطة رئيس محكمة العدل الدولية فيه تجاهل للسلطة القضائية في الدولة كما انه يشف عما ترغب فيه الدول الاجنبية من فرض دولي لحسم الخلافات الناشئة عن تنفيذ عقود البترول ان هذه العقود من قبيل الاتفاقات الدولية» ويقول المؤلف في الصفحة ٨٧ من الكتاب المذكور فإن الاتفاق على اجراء التحكيم في خارج الدولة عندما ينشأ إلى نزاع بصدد تنفيذ عقد استغلال منطقة بترولية هذا الاتفاق لا يعتد به لان استغلال مناطق البترول والمعادن في الدولة وان كان يعد من جانب الشركة عملا تجاريا بحتا الا انه من جانب الدولة عملا يمس المصلحة العامة والثروة الطبيعية فيها ويعد من صميم المسائل المتعلقة بالنظام العام فلا يعتد بأي اتفاق بصددها يخالف الاسس العامة المقررة في التشريع».
وقد أورد المؤلف المذكور امثلة على مجموعات من العقود الخاصة بالتنقيب عن البترول وقد ذكر في الصفحة (۱۰۸) من مؤلفه بأن النصوص الواردة في العقود الأولى قد تضمنت بوضوح الاسس الآتية:
(1) تشكل هيئة التحكيم من ثلاثة يختار كل طرف واحداً منهم، والثالث يعين باتفاقهما خلال ثلاثين يوما والا عين بواسطة محكمة التحكيم التابعة للغرفة التجارية الدولية بناء على طلب أي من الطرفين.
(2) اذا امتنع عن تعيين محكمه خلال الميعاد المحدد في العقد جاز للطرف الاخر ان يطلب من محكمة التحكيم التابعة للغرفة التجارية الدولية تعيين المحكم».
ولم يعلق الدكتور ابو الوفا هذه المرة على اختيار المحكمين او المحكم الثالث من قبل جهة اجنبية ولم يقل ان تعيين المحكم الثالث من قبل محكمة التحكيم التابعة للغرفة التجارية الدولية فيه تجاهل للقضاء.
كما تجدر الاشارة إلى ان المؤلف نفسه في كتاب اخر كرر ما سبق ذكره (۳). وعن تعيين المحكم بواسطة المحكمة المختصة أورد المؤلف نص المادة (٨٢٥) من القانون المصري السابق وهو يشابه تماما نص المادة (۲٥٦ عراقي) وانتهى إلى القول «وواضح كل الوضوح ان النص المتقدم لا يعمل به الا اذا لم يكن بين الخصوم شرط خاص» .
يتبين مما سبق ان محكمة بداءة الكرخ في حكمها موضوع المناقشة قد تجاهلت نص الفقرة الأولى من المادة ٢٥٦ حيث كان عليها ان تترك مسألة تعيين المحكم الثالث يتم وفقا للاتفاق أي من قبل محكمي الطرفين وفي حالة عدم اتفاقهما فمن قبل محكمة التحكيم التابعة للغرفة التجارية الدولية. ونعتقد أن محكمة بداءة الكرخ لم تصب الحقيقة عندما استندت إلى رأى احد الباحثين الذي كان قد طرحه قبل ربع قرن ولم يعد يتمسك به في مؤلفاته اللاحقة كما بينا. وكان على المحكمة ان لا تذهب إلى الاجتهاد في مورد نص المادة (٢٥٦) من قانون المرافعات.
ونضيف ان مسألة تعيين المحكم من قبل جهة او شخص من غير اطراف النزاع وتسمى بسلطة التعيين من المسائل المعروفة والمتبعة في التحكيم التجاري الدولي وقد نصت عليها اهم القواعد التحكيمية الدولية مثال ذلك ما جاء في الفقرة الثالثة من المادة (۱۸) من الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري لعام ۱۹۸۷ والتي صادق العراق عليها وكذلك النصوص الدولية المعروفة كالفقرة الثانية من المادة (٦) من قواعد (الاونسترال) والفقرة ۳/أ من المادة (۱۱) من القانون النموذجي للتحكيم والفقرة الثانية من المادة (٢١) من قواعد التوفيق والتحكيم والخبرة للغرف التجارية العربية والأوروبية.
وقبل ان ننتهي من هذه الصورة من صور تدخل القاضي اثناء اجراءات التحكيم نشير إلى ان تعيين المحكم من قبل المحكمة يكون ايضا في حالة تعيين المحكم البديل عند عزل المحكم او اعتزاله من تلقاء نفسه أو في حالة وفاته أو حدوث مانع قانوني او فعلي يجعله غير قادر على الاستمرار بمهمته.