ليس من الضروري في حالة الاتفاق على قيام إحدى المؤسسات المتخصصة بتنظيم التحكيم ان يتفق الطرفان على كيفية اختيار المحكمين ذلك لان القواعد المتبعة من قبل تلك المؤسسة التحكيمية هي التي تعالج الامر وفقا لاهمية النزاع وطبيعته.
أولاً : اختيار المحكمين وفقا لقواعد غرفة التجارة الدولية فى باريس
وأول ما يلاحظ ان محكمة التحكيم المذكورة لا تفصل في النزاع بنفسها فقد جاء في المادة الثانية من القواعد المذكورة.
La Cour darbitrage ne tranche pas elle- meme les differends
وانما تشرف على التحكيم وتراقب اجراءاته، وتقوم بتعيين المحكمين طبقا للقواعد المذكورة الا اذا اتفق الطرفان على مخالفة هذه القواعد، أي الا اذا ذكر الطرفان صيغة اخرى لتعيين المحكمين تختلف عن تلك التي تنص عليها القواعد التي وضعتها الغرفة التجارية الدولية.
وتعالج الفقرات اللاحقة من المادة المذكورة كيفية تعيين المحكم الواحد او المحكمين الثلاثة ونورد فيما يلي نصوص الفقرات التالية الثالثة والرابعة من المادة المذكورة.
اذا اتفق الطرفان على ان يفصل في النزاع محكم واحد فلهما تعيينه باتفاق يعرض على الهيئة (المحكمة) لاقراره ، فإذا لم يتفقا خلال ثلاثين يوما من تاريخ ابلاغ الطرف الاخير بطلب التحكيم، قامت المحكمة بتعيين المحكم.
4- اذا كان الاتفاق على تعيين ثلاثة محكمين، قام كل من الطرفين في طلب التحكيم، وفي الرد عليه بتعيين محكم مستقل لاقراره من المحكمة، فاذا امتنع احد الطرفين يتم التعيين من المحكمة. وتتولى المحكمة تعيين المحكم الثالث الذي تعهد اليه مهمة رئاسة هيئة التحكيم ما لم يكن الطرفان قد خولا المحكمين المعنيين من قبلهما اختيار المحكم الثالث خلال مدة محددة، وفي هذه الحالة تتولى المحكمة اقرار تعيين المحكم الثالث، فاذا تعذر على المحكمين المعينين بعد انقضاء المدة المحددة من الطرفين او من المحكمة الاتفاق على تعيين الحكم الثالث، يتم تعيينه من قبل المحكمة كما عالجت الفقرة الخامسة من المادة المذكورة مسألة عدم ذكر الطرفين في اتفاقهما عدد المحكمين، ففي هذه الحالة تقوم محكمة التحكيم بتعيين محكم وحيد الا اذا تبين لها ان الخلاف يبرر تعيين ثلاثة محكمين وفي هذه الحالة الاخيرة تطلب من الطرفين تعيين المحكمين خلال ثلاثين يوما . وهذا ما نصت عليه المادة الثانية من القواعد في فقرتها الخامسة بقولها :
«اذا لم يكن الطرفان قد اتفقا على عدد المحكمين قامت المحكمة (محكمة التحكيم) بتعيين محكم واحد ما لم تر ان النزاع يبرر تعيين ثلاثة محكمين، وفي هذه الحالة الاخيرة، تعطي للطرفين مدة ثلاثين يوما لتعيين المحكمين».
ويلاحظ ان المدة التي يطلب فيها من الاطراف تعيين المحكمين كانت خمسة عشر يوما في ظل قواعد الغرفة المطبقة منذ ۱۹۷۵ ، ولكنها اصبحت في التعديل الاخير للقواعد المذكورة ثلاثين يوما . هذا التعديل اصبح مطبقـا كما ذكرنا منذ ۱۹۸۸/۱/۱.
اما عن كيفية قيام محكمة التحكيم بتعيين المحكم الواحد أو رئيس هيئة التحكيم فقد نصت على هذا الاجراء، الفقرة السادسة من المادة الثانية وملخص ذلك، ان محكمة التحكيم تختار احدى اللجان الوطنية التابعة للغرفة لترشيح المحكم علما ان هناك ٥٧ لجنة وطنية في جميع انحاء العالم الا ان المحكمة غير ملزمة باقتراح اللجنة الوطنية وقد تطلب من لجنة وطنية اخرى ترشيح من تراه مناسبا كمحكم. كل ذلك من اجل ايجاد الشخص الذي يمكن ان يقوم بهذه المهمة على الوجه الافضل. وعند اقتراح اللجنة الوطنية لشخص ما لتعيينه محكما فانها تأخذ بنظر الاعتبار طبيعة النزاع والقانون الواجب التطبيق واللغة المدونة فيها المستندات والوثائق الخاصة بالقضية وترشح الشخص الذي يكون موهلا للقيام بالمهمة المذكورة، وجرت العادة على أنه عندما لا يعين احد الاطراف المحكم او انه يمتنع عن التعيين، فإن محكمة التحكيم تطلب من اللجنة الوطنية الموجودة في بلد ذلك الطرف ان تقترح من تراه مناسبا ليكون محكما، وفي حالة عدم تأييد المحكمة للمقترح أو في حالة عدم وجود لجنة وطنية في بلد الطرف المذكور، فإن محكمة التحكيم تستطيع ان تعين اية شخصية تراها مناسبة للقيام بالمهمة، وفي هذه الحالة يتم التعيين مباشرة من قبل محكمة التحكيم، ويجري ابلاغ اللجنة الوطنية الموجودة في بلد الشخصية المختارة. وقد اعطت القواعد للاطراف حق الاعتراض على محكمة التحكيم عند اختيارها شخصا من احدى الدول التي لا توجد فيها لجنة وطنية للغرفة .
وقد قيل في سبب تقييد حرية محكمة التحكيم في اختيار المحكم الوحيد او في اختيار رئيس هيئة التحكيم، هو الاستجابة لما يقصده الطرفان عندما يتفقان على تحديد مكان التحكيم لأنهما غالباً ما يقصدان ضمنا تحديد جنسية المحكم الوحيد او جنسية رئيس هيئة التحكيم.
تلك هي اهم النصوص التي تضمنتها قواعد الغرفة حول تعيين المحكم او المحكمين ولا يفوتنا أن نشير إلى أن القواعد المعدلة للغرفة، قد نصت على ان الشخص الذي تم اختياره لكي يكون محكما سواء أتم اختياره من قبل الاطراف او من قبل محكمة التحكيم، يجب ان يبلغ امين عام المحكمة كتابة عن الامور او الظروف التي من شأنها ان تمس استقلالية المحكم من وجهة نظر الاطراف، وعند استلام هذه المعلومات يقوم امين عام المحكمة بابلاغها كتابة الى الاطراف المتنازعة ويحدد لهم مدة لكي يبدوا - رأيهم في تلك المعلومات. وعلى المحكم ايضا ان يقوم بإخبار الامين العام للمحكمة كتابة عن كل امر او ظروف مشابهة حدثت في الفترة الواقعة بين تعيينه، او اقرار تعيينه من قبل المحكمة وبين اعلان القرار النهائي للتحكيم . ونشير ايضا ان القواعد المذكورة قد نصت على انه يجب ان يكون المحكم الوحيد او الرئيس من دولة غير تلك التي ينتمي اليها الطرفان ولكن اذا اقتضت الظروف ذلك ولم يعترض احد الاطراف خلال المدة التي تحددها المحكمة (محكمة التحكيم، جاز لها ان تعين المحكم الوحيد او رئيس هيئة التحكيم من الدولة التي ينتمي اليها الاطراف المادة ٢ فقرة (٦).
اما عن رد المحكم لسبب يعود الى عدم حياده او استقلاليته او لاي . سبب كان فإن طلب الرد يرسل الى الامين العام كتابه متضمنا الامور والظروف التي يستند اليها الطلب. ومحكمة التحكيم في الغرفة هي المختصة في تقرير صحة الطلب من عدمه (المادة ۲ فقرة ٧).
وهناك حالات نصت عليها الفقرتان العاشرة والحادية عشرة من المادة السادسة من القواعد حول تبديل المحكّم وتنحصر الحالات المذكورة فيما يأتي:
1- موت المحكم.
2- قبول المحكمة لطلب الرد.
3- قبول استقالة المحكم.
4- عندما تجد المحكمة ان المحكم اصبح لا يتمكن قانونا او حكما من انجاز مهمته، او انه لم ينجزها طبقا للقواعد أو خلال المدة المحددة.
واخيرا نشير الى ان قرارات محكمة التحكيم في تعيين المحكمين او اقرار التعيين او البت في طلب الرد او تبديل المحكم غير قابلة للطعن (المادة السادسة فقرة ۱۳)، اما الاسباب التي تستند اليها محكمة التحكيم في اتخاذ قراراتها في الامور المذكورة فلا يصار الى اعلانها .
ثانياً: اختيار المحكمين وفقا للاتفاقية العربية للتحكيم التجاري لعام ١٩٨٧
نصت الاتفاقية المذكورة في الفصل الثاني منها (المادة ٤ ) على انشاء مركز عربي للتحكيم التجاري يتمتع بالشخصية المعنوية ويلحق اداريا وماليا بالامانة العامة لمجلس وزراء العدل العرب ويعتبر هذا المركز مؤسسة تحكيمية عربية حكومية وسوف نتطرق الى الاحكام الخاصة بكيفية تعيين المحكمين من قبل هذا المركز رغم ان المركز لم ينشأ بعد ذلك لأن الاتفاقية لم تصبح نافذة المفعول لحد الان ولكن اذا اصبحت كذلك وتم انشاء المركز فإنه سوف يصبح اول مركز تحكيم عربي اسسته الحكومات العربية. ونصت المادة الخامسة من الاتفاقية على كيفية تكوين المركز حيث جاء فيها :
1- يكون للمركز مجلس ادارة من شخصيات عربية من ذوي الخبرة في مجال القانون والتحكيم تختار كل دولة متعاقدة واحدا منهم لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد .
2- يختار مجلس الادارة من بين اعضائه بالاقتراع السري رئيسا للمركز ونائبين له لمدة ثلاث سنوات قابلة للتحديد ويكون الرئيس رئيسا لمجلس الإدارة.
3- يكون رئيس مجلس الإدارة ونائباه متفرغين لعملهم في المركز .
4- يكون للمركز مكتب يتكون من الرئيس ونائبه.
ونصت المادة (۸) على ان المكتب يقوم بتنظيم التحكيم التجاري وتثبيت أسسه وصياغة عقود نموذجية في القضايا التجارية الدولية، وإرساء قواعد ثابتة للتعامل التجاري، وتلخيص المبادئ التي تستند إليها القرارات التحكيمية .. وعلى هذا الاساس فإن مكتب المركز لا يقوم بالتحكيم بنفسه بل إنه ينظم عملية التحكيم ويراقب سير إجراءاته كما هو الحال في محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية.
أما عن عدد المحكمين وكيفية اختيارهم، فقد جاء في الاتفاقية المذكورة أن هيئة التحكيم : تتألف من ثلاثة أعضاء، هذا هو المبدأ ولكن يجوز للطرفين الاتفاق على محكم واحد (الفقرة الأولى من المادة (١٥) من الاتفاقية).
وهناك قائمة بعدها مجلس إدارة مركز التحكيم سنويا تتضمن أسماء المحكمين وقد نصت على ذلك المادة (١٤) من الاتفاقية حيث جاء فيها :
« 1 - يعد مجلس الادارة سنويا قائمة باسماء المحكمين من كبار رجال القانون والقضاء. او من ذوي الخبرة العالية والاطلاع الواسع في التجارة او الصناعة او المال ومتمتعين بالاخلاق العالية والسمعة الحسنة».
وهذه القائمة قد تفيد اطراف النزاع في تعيين المحكمين غير انهم لا يلزمون باختيارهم من تلك القائمة وهناك نص غير موجود في الاتفاقيات الخاصة بالتحكيم والتي سبق ان درسناها وهي ان يؤدي المحكمون اليمين قبل مباشرتهم لمهامهم سواء أكان اختيارهم قد تم من بين الاسماء في القائمة التي اعدها المركز او من خارجها.
ويؤدي المحكمون اليمين امام رئيس المركز او من ينيبه وقد وضعت الاتفاقية نصا للقسم المذكور (الفقرة الثانية من المادة (١٤) ، اما عن الاجراءات التي يتبعها المركز في تعيين المحكمين فقد نصت عليها الاتفاقية في المواد 16، 17، 18 من الفصل الرابع وقد وردت تلك النصوص تحت عنوان إجراء التحكيم .
فقد ذكرت المادة (١٦) كيفية الطلب للتحكيم الى رئيس المركز، ومن بين الوثائق والمعلومات التي يجب ان يشتمل عليها الطلب ان يذكر صاحب الطلب في طلبه اسم المحكم المقترح (الفقرة هـ من المادة ١٦) اي المحكم الذي اختاره طالب التحكيم (المدعي).
والمادة السابعة عشرة من الاتفاقية بينت ما يجب عمله من قبل رئيس المركز عند تلقيه للطلب وذلك بابلاغ المطلوب التحكيم ضده (المدعى عليه) بطلب التحكيم وعلى هذا الاخير ان يقدم مذكرة جوابية الى رئيس المركز خلال ثلاثين يوما من تاريخ تبلغه بدفوعه وطلباته واسم المحكم الذي اختاره .
ولكن ما العمل اذا لم يعين طالب التحكيم (المدعي) في طلبه اسم المحكم واذا لم يعين المطلوب التحكيم ضده (المدعى عليه) في مذكرته الجوابية اسم المحكم؟ عالجت المادة (۱۸) من الاتفاقية هذا الموضوع حيث نصت في فقراتها التالية على:
1- اذا لم يعين طالب التحكيم المحكم الذي يختاره في طلبه يتولى المكتب تعيين المحكم من القائمة خلال اسبوع من تاريخ وصول الطلب.
2- اذا لم يعين المطلوب التحكيم ضده محكمه خلال مدة الثلاثين يوما المنصوص عليها في المادة السابقة تولى المكتب تعيينه من القائمة.
3- يدعو رئيس المركز الطرفين الى الاتفاق على محكم ثالث من القائمة يكون رئيسا لهيئة التحكيم وذلك بعد أن يتم تعيين المحكمين الاثنين على ان يتم ذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ الدعوة، وفي حالة عدم اتفاقهما يتولى المكتب تعيين المحكم الثالث من القائمة.
4 - لا يجوز ان يكون المحكمون الذين يعينهم المكتب من مواطني احد الطرفين».
ويلاحظ ان الاتفاقية تفترض أن الطرفين قد اتفقا على تعيين ثلاثة محكمين عند نشوء الخلاف بينهما عن العقد الذي اتفقا فيه او اتفقا على تسوية المنازعات الناشئة عنه بالتحكيم حيث جاء في المادة الخامسة عشرة من الاتفاقية المذكورة وفي فقرتها الاولى على ان هيئة التحكيم تتألف من ثلاثة اعضاء ويجوز للطرفين الاتفاق على محكم واحد».
والملاحظة التي نود ان نشير اليها هي ان الاتفاقية لم تعالج مشكلة عدم توصل الطرفين الى تعيين محكم واحد رغم الاتفاق على ان التحكيم يتم بمحكم وحيد وهذا يعتبر نقصا في احكام الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري. ولكن اذا اردنا الاستنتاج قياسا على ما جاء في الفقرات المشار اليها اعلاه، نستطيع القول بأنه في حالة الاتفاق على حل النزاع بمحكم واحد وقدم احد الاطراف الى المركز طلبا للتحكيم دون ان يتوصل الطرفان الى تعيين المحكم الوحيد. فعندئذ على رئيس المركز ان يدعو الطرفين للاتفاق خلال ثلاثين يوما من تاريخ الدعوة وفي حالة عدم اتفاقهما يتولى المكتب تعيين المحكم من القائمة، وهذا الاستنتاج ينسجم مع ما جاء في الفقرة الثالثة من المادة (۱۸) من الاتفاقية التي عالجت موضوع تعيين المحكم الثالث