تتشكل هيئة التحكيم بإرادة الأطراف، فالتحكيم نظام قضائی خاص يتأسس على الإرادة الفردية، ومن أهم مزاياه ترك الحرية للأطراف الاختيار من يرونه حكما بينهم، وقد كانت هذه المزية من الأسباب الرئيسية الازدهار نظام التحكيم وانتشاره. وتمتد سلطة الأطراف لتحديد عدد المحكمين أيضا، وبما يتفق مع توقعاتهم المشروعة، فقد يفضل هؤلاء اختيار محكم واحد، وقد يفضل آخرون ضرورة التعدد كثلاثة أو خمسة محكمين مثلا. وفي ذلك تنص المادة 1/15 من قانون التحكيم المصري على أن «تشكل هيئة التحكيم باتفاق من الطرفين من محكم واحد أو أكثر، فإذا لم يتفقا على عدد المحكمين كان العدد ثلاثة».
وهكذا يتكفل الأطراف بتشكيل هيئة التحكيم وتحديد عدد المحكمين، والأمر لا يخرج عن ثلاثة فروض:
- اختيار الأطراف للمحكمين بالاسم، وهنا يتولى هؤلاء الأشخاص الفصل في النزاع استنادا للإرادة المشتركة لأصحاب النزاع.
- الاتفاق على وسيلة معينة لاختيار المحكمين، كترك الأمر لمركز التحكيم
الذي سيتم اللجوء إليه أو للمحكمة المختصة مثلا، وهنا تعتبر إرادة الأطراف هي الأساس في الاختيار أيضا ولو بطريقة ضمنيا.
-عدم اتفاق الأطراف على تشكيل هيئة التحكيم سواء عن سهو أو عن قصد، ويحتم لسد هذا الفراغ ضرورة البحث عن جهة بديلة تتولى القيام بهذه المهمة حتى يمكن الفصل في النزاع، لأنه لا يمكن بلوغ هذه الغاية دون تشكيل الهيئة. ويتباری مشرعو الدول في تحديد هذه الجهة، ومن ذلك مثلا ما تنص عليه المادة 1/17من قانون التحكيم المصري أنه طرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكمين وعلى كيفية ووقت اختيارهم فإذا لم يتفقا اتبع ما يأتي:
أ- إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد تولت المحكمة المشار إليها في المادة (1) من هذا القانون اختياره بناء على طلب الطرفين.
ب- فإذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين اختار كل طرف محكمة، ثم يتفق المحكمان على اختيار المحكم الثالث، فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمة خلال الثلاثين يوما التالية لتسلمه طلبا بذلك من الطرف الآخر، أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث خلال الثلاثين يوما التالية لتاريخ تعيين آخرهما، تولت المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون اختياره بناء على طلب أحد الطرفين ويكون للمحكم الذي اختاره المحكمان المعينان أو الذي اختارته المحكمة رئاسة هيئة التحكيم، وتسرى هذه الأحكام في حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من ثلاثة محكمين». ويستنتج من النص أن القضاء هو الجهة البديلة يعول عليها التدخل لتكملة الدور الذي تغاضى الأطراف عن القيام به.
فإن المبدأ في التحكيم التقليدي هو تشكيل هيئة التحكيم باتفاق الأطراف، مع تدخل القضاء كجهة بديلة لتكملة النقص القائم في هذا الاتفاق في حالة وجوده. في حين يشهد الأمر تباينه في مجال التحكيم الإلكتروني، حيث قضت محكمة الفضاء كلية - مثل بعض هيئات التحكيم المؤسسی - على هذا المبدأ، وقررت اطلاع السكرتارية بمهمة تعيين المحكمين دون الركون إلى الاختيار الحر المباشر من قبل الأطراف، وذلك على عكس جمعية التحكيم الأمريكية التي حاولت الاستناد - قدر الإمكان إلى إرادة الأطراف بشأن تشكيل هيئة التحكيم الإلكتروني مع الاحتفاظ بدورها - وهذا هو الطبيعي - كجهة بديلة لاختيار المحكمين في حالة تعذر الوصول إلى اتفاق، متجاوزة بذلك حدود المبدأ المعترف به بین المشرعين في مجال التحكيم التقليدي.