إذا كان الأصل في اختيار هيئة التحكيم هو اختيارها بواسطة الأطراف اتفاقاً أو تعاوناً فيما بينهم، إلا أن تعدد الأطراف يفرض تضارباً في المصالح وتفاوتاً في الرغبات، الأمر الذى يستتبع الحاجة إلى مساعدة الغير في هذا الشأن، ويجعل اختيار هيئة التحكيم متعدد الأطراف بواسطة الغير هو الطريق الأكثر سهولة والأنجح في هذا الميدان ونقصد بالغير هنا مراكز التحكيم التجارى أو أية سلطة يعهد إليها الأطراف بمهمة اختيار هيئة التحكيم.
وقد بدأت مراكز التحكيم التجارى تعديل لوائح تحكيمها لإبراز دورها في تعيين هيئة التحكيم متعدد الأطراف بعد أن فرض هذا التعدد أهميته على التحكيم التجارى الدولى:
فقد عدلت غرفة التجارة الدولية لائحة تحكيمها منذ الأول من يناير ۱۹۹۸ ، ونصت على كيفية تشكيل هيئة التحكيم حال تعدد الأطراف في المادة العاشرة حيث قررت أنه « ١ - في حال تعدد الأطراف، سواء أكانوا مدعين أم مدعى عليهم، وفى حالة الاتفاق بينهم على إحالة النزاع للحل أمام ثلاثة محكمين، فإنه يجب على المدعين المتعددين اختيار محكم بالاشتراك فيما بينهم، كما يجب نفس الشيء علي المدعى عليهم المتعددين، وذلك طبقاً لنص المادة التاسعة من اللائحة.
وهكذا فإن الاتجاه العام لمراكز التحكيم التجاري الدولي هو أنه عند عدم استطاعة الأطراف الاتفاق على تشكيل محكمة التحكيم، أو إلى وضع قواعد تنفذ في هذا الصدد، أو توصلوا إلى وضع هذه القواعد ولكن لم يتمكنوا من تنفيذها، فإن مركز التحكيم يتولى تعيين جميع المحكمين، ويعتبر من تم تعيينه منهم بواسطة الأطراف لاغياً. وهذا على خلاف الجمعية الأمريكية للتحكيم (A.A.A) التي يقتصر دورها على تقديم قائمة المحكمين للأطراف وإقرار اختيار من تبقى من المحكمين بعد استبعاد غير المرغوب فيهم، أو الاختيار من بين الباقين إذا أبقى الأطراف على أسماء مختلفة للمحكمين كما ذكرنا .
كما أن هذه الطريقة من طرق اختيار هيئة التحكيم التجارى متعدد الأطراف تؤدى إلى اختيار محكمين أكفاء ومتخصصين في الفصل في المنازعات التجارية متعددة الأطراف، وتفوت على الطرف المهمل أو المقصر في القيام بدوره في اختيار هيئة التحكيم هدفه في تعطيل التحكيم وشل فاعليته، بالإضافة إلى أن هذه الطريقة لن تخالف طريقة تشكيل محكمة التحكيم المتفق عليها بين الأطراف، إذ أنهم باتفاقهم على العهود بتحكيماتهم إلى هذا المركز النظامي أو ذاك، فإنهم بذلك قد ارتضوا طريقة تشكيل هيئة التحكيم المنصوص عليها في لائحة التحكيم الخاصة بهذا المركز وبالتالي لن يتعرض الحكم التحكيمي المنتظر إصداره إلى مخاطر عدم التنفيذ بعد ذلك.
وأخيراً فإن العهود بالتحكيم التجارى متعدد الأطراف إلى مراكز التحكيم التجاري يحقق ميزة أخرى تتمثل في الابتعاد بحل المنازعات التجارية متعددة الأطراف عن المحاكم القضائية في هذه الدولة أو تلك، وهو الأمر الذي يتعرض له التحكيم أكثر في حالة التحكيم الخاص "AD HOC" إذ لا سـبـيـل حينئذ أمام الأطراف عندما لا يتفقون على تشكيل هيئة التحكيم أو يعجزون عن تشكيلها سوى اللجوء إلى المحاكم الـقـضــائـيـة للتغلب على هذه المشكلة، الأمر الذى يؤدى إلى تضارب الحلول بين إقرار التعدد من عدمه، وكذا بين تشكيل رباعي أو خماسى أو حتى أكثر من ذلك لهيئة التحكيم التجارى متعدد الأطراف كما رأينا بالنسبة للحلول القضائية الأمريكية.
وخلاصة القول بالنسبة لأثر تعدد الأطراف فى التحكيم التجاري الدولي على تشكيل هيئة التحكيم أن هذا الأمر كسابقه ولاحقه كل حلوله ممكنه وكل أموره متاحه وكل أبوابه مفتوحه إذ الأطراف متعددون والمصالح متضاربة، بيد أن مركز الثقل في كل الأحوال هو إرادة الأطراف التي تضفى الطابع التعاقدى على التحكيم التجاري، بحيث إذا اتفق الأطراف في اتفاق تحكيمهم بوضوح على معالجة مشكلة تعدد الأطراف وكيفية تشكيل هيئة التحكيم في هذه الحالة، والتزامهم بالحكم المنتظر ،إصداره ، فإن الأمور تسير دون عقبات وتقترب من ذلك حالة اتفاق الأطراف على العهود بتحكيماتهم إلى هذا المركز التحكيمى النظامى أو ذاك ليحمل عنهم مصاعب إدارة التحكيم التجاري متعدد الأطراف وتشكيل هيئة التحكيم المتعدد سواء أكان التعدد في إطار قضية واحدة أم كان تعدداً يجمع بين تعدد الأطراف وتعدد القضايا.
أما إذا تخلفت إرادة الأطراف، فقد تخلف الأساس التعاقدي للتحكيم ومن ثم تظهر المصاعب والمشكلات التي تعرض حكم التحكيم المنضم إلى المخاطر عند المطالبة بتنفيذه في هذه الدولة أو تلك، حتى ولو انعقد التحكيم متعدد الأطراف في دولة تبيح التعدد أو الضم الإجباري للتحكيمـات، إذ يتعارض هذا الإجبار مع الاختيار الذى يقوم عليه التحكيم، ويخالف ما تم الاتفاق عليه سلفاً في اتفاقات التحكيم، ويخل بالمساواه بين الأطراف في تمتعهم بحقهم في تعيين محكميهم إلى غيرها من الأسباب التي تنتظر الحكم
التحكيمي المنتظر إصداره عند تنفيذه.
ونرى أنه ينبغي التعويل على إرادة الأطراف، فإن أرادوا نظر المنازعات متعددة الأطراف في وقت واحد أمام نفس المحكمين بالاصطفاف في طائفتين إحداهما المدعى والآخر المدعى عليه مهما تعدد الأطراف، أو بضم التحكيمات مع الاتفاق على إدارة هذا التحكيم المنضم أمام محكمة تحكيـم مـخـتـارة بموافقتهم جميعاً، أو بالعهود بتحكيمهم متعدد الأطراف إلى مركز تحكيم تجاري نظامي يتولى عنهم هذه المهام، فقد رأوا أن مصلحتهم الخاصة تقتضى ذلك كما اقتضت من قبل الابتعاد عن القضاء الوطنى واللجوء إلى قضاء التحكيم، أما إذا أرادوا عكس ذلك، فإن إجبارهم على مالايريدونه سيخرج بالتحكيم عن مفهومه ولن يأتى بالنتيجة المرجوة، وفي هذه الحالة ربما ينبغي النظر بمزيد من الاهتمام إلى مسألة التنسيق بين التحكيمات متعددة الأطراف . التي رغب الأطراف في فصلها، وذلك بالإبقاء عليها منفصلة ولكن مع ضم جلساتها أو بعقد جلساتها في أوقات متقاربة متوالية، أو بتعيين محكم مشترك في كل من الدعاوى المرتبطة لينظر فى وقائعها وملابساتها المشتركة ويوحد الحلول المتبناه في هذه التحكيمات المتشابهة، ثم تصدر في الدعاوى أحكاماً منفصلة تكون قابلة للتطبيق والإتيان بالفائدة المرجوة من التحكيم التجاري الدولي متعدد الأطراف.