إن ما يثار حول تولي القاضي المهمة التحكيمية من اختلافات؛ لهو أمر جدير بالوقوف عليه للوصول إلي أهداف المشرع من نص المادة 63 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ، إذ إننا نجد بنظرة متعمقة إلي أن ما يبتغيه المشرع من وراء صيغة تلك المادة، هو إحداث توازن بين تحقيق الصالح العام واستغلال خبرة القضاة؛ فعلى الرغم من وضوح النص بعدم تولي القضاة منصة التحكيم، إلا أن المشرع في ذات الوقت لم يشأ نهائيا أن يغلق الباب أمام تولي القضاة للتحكيم، وإنما جعله مقرونا بموافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية فيما عدا الحالتين التي نصت عليهما المادة 63 – وهو جهة رفيعة المستوى - لن تصدر قرارها في الغالب إلا في أمور تتعلق بالعمل الجماعي وليس السماح لقاض أو أكثر بممارسة التحكيم، إلا إذا كان هناك مصلحة عامة تقتضي ذلك، ومن ناحية أخرى فإنه كما هو واضح من النص، أن المجلس لا يملك منح هذا الحق للقضاة بصفة جماعية؛ لأن النص صيغ علي أساس منح هذا الأذن من المجلس بصفة فردية وليست جماعية.
كذلك فإن تقدير الخطأ الصادر من القاضي في – حال مخالفته للقانون - لا يمكن أن يتساوى مع الخطأ الصادر من الموظف العادي في حالة عدم الحصول على إذن من الجهة المختصة، و إلا عُدَّ ذلك كيلاً للأمور بمكيالين، فالموظف العادي لا يتمتع بذات الصلاحيات التي يتمتع بها القاضي، والتي لم يمنحها المشرع للقاضي، إلا من أجل المحافظة علي حسن سير وهيبة مرفق القضاء التي تمس قطعاً القضاة حال تردد هم على مكاتب المحامين في حالة اشتغالهم بالتحكيم، مما يكون مدعاة لمنع القضاة من الاشتغال بالتحكيم.