الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / تولي القضاة مهمة التحكيم / الكتب / قانون التحكيم في النظرية والتطبيق /  وضوح إرادة المشرع المصري في منع القضاة من تولى التحكيم الا استثناء

  • الاسم

    د. فتحي والي
  • تاريخ النشر

    2006-01-01
  • اسم دار النشر

    منشأة المعارف بالأسكندرية
  • عدد الصفحات

    626
  • رقم الصفحة

    238

التفاصيل طباعة نسخ

                 وضوح إرادة المشرع المصري في منع القضاة من تولى التحكيم الا استثناء :-

ورد النص المانع للقضاة من تولى التحكيم حاسما منذ اول قانون مصري ينظم السلطة القضائية. فقد نصت المادة ٤/١٦  من القانون رقم ٦٦ لسنه ١٩٤٣ بإصدار قانون استقلال القضاء، معدلة بالقانون رقم ۱۳ لسنة ١٩٤٨ ، على أنه « ولا يجوز للقاضي أن يكون محكما ولو بغير اجر ولو كان النزاع غير مطروح أمام القضاء . وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون عن هذا النص ما يلي: وقد عرض المشروع الموضوع تحكيم القضاة في المنازعات سواء طرحت على القضاء ام لم تطرح بعد، فحرمه ولو بغير اجر منعا للقضاة من الوقوف في موطن الشبهة».

وقد ورد هذا الحظر ايضا في القانون رقم ١٨٨ لسنه ١٩٥٢ في شأن استقلال القضاء، ولم يستثن هذا القانون إلا التحكيم بين أقارب القاضي وأصهاره. إذ نصت المادة ١٥ أخيرة من هذا القانون على انه « ولا يجوز للقاضي أن يكون محكما ولو بغير اجر ولو كان النزاع غير مطروح أمام القضاء إلا إذا كان أطراف النزاع من أقاربه أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية».

وعندما صدر قانون جديد للسلطة القضائية رقم ٥٦ لسنه ١٩٥٩، وكان صدوره بعد ازدياد النشاط الاقتصادي للدولة، حرص القانون على إضافة استثناء آخر على الحظر، فنص في المادة ٤/٧٧منه على انه: ولا يجوز للقاضي بغير موافقة مجلس القضاء الأعلى أن يكون محكما ولو بغير اجر ولو كان النزاع غير مطروح أمام القضاء إلا إذا كان احد  أطراف النزاع  من أقاربه أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية. فإذا كانت الدولة أو أحدى الهيئات العامة طرفا في النزاع المراد فضه بطريق التحكيم تولى مجلس القضاء الأعلى اختيار المحكم الخاص بالحكومة أو الهيئة العامة كما يتولى مجلس القضاء وحده تحديد المكافأة التي يستحقها».

وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم ٥٦ لسنه ١٩٥٩ تعليقا على نص المادة ٧٧ منه بما يقطع ببقاء الحظر باستثناء هاتين الحالتين إذ جاء بها: كما اجيز أيضا. ا بموافقة مجلس القضاء تحكيم القاضي في بعض الأحوال. ونص على انه إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة طرفا في النزاع المراد فضه بطريق التحكيم كان لمجلس القضاء سلطة اختيار المحكم الخاص بالدولة أو الهيئة العامة كما له : وحده تحديد المكافأة التي يستحقها المحكم».

و بموجب القانون ٧٤ لسنه ٦٣ اصبح رقم هذا النص ۷۷ مكرر (أ). وبقى الحظر كما هو. واصبحت العبارة الأخيرة من النص السابق فقرة مستقلة أخيرة. فأصبح نص المادة (۷۷(أ) / الفقرتان ٢، ٣ كالتالي:» ولا يجوز للقاضي بغير موافقة مجلس القضاء الأعلى أن يكون محكما ولو بغير اجر ولو كان النزاع غير مطروح أمام القضاء إلا إذا كان احد أطراف النزاع من أقاربه أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية.

فإذا كانت الدولة أو أحدى الهيئات العامة طرفا في النزاع المراد فضه بطريق التحكيم جاز ندب القاضي ليكون محكما عن الحكومة أو الهيئة على أن يتولى مجلس القضاء الأعلى اختياره كما يتولى هذا المجلس وحده تحديد المكافأة التي يستحقها . وبهذا النص الجديد استبدل المشرع بعبارة « تولى مجلس القضاء الاعلى اختيار المحكم الخاص بالحكومة أو الهيئة العامة ... في النص السابق ، عبارة « على ان يتولى مجلس القضاء الاعلى اختياره».

ولم يرد في المذكرة الإيضاحية للقانون ٧٤ لسنه ١٩٦٣ اي تعليق على هذا التعديل. ومن الواضح أنه مجرد تعديل لغوى لضبط عبارة النص .

وفي قانون السلطة القضائية رقم ٤٣ لسنه ١٩٦٥، بقى النص كما هو في الفقرتين ٢،٣ من المادة ٦٧ من القانون .

كما بقى النص كما هو في المادة ٦٣ من قانون السلطة القضائية الحالي رقم ٤٦ لسنه ٧٢ اذ تنص هذه المادة على انه « لا يجوز للقاضي بغير موافقة مجلس القضاء الأعلى، أن يكون محكما ولو بغير اجر ولو كان النزاع غير مطروح أمام القضاء ألا إذا كان أحد أطراف النزاع من أقاربه أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية

كما لا يجوز بغير موافقة المجلس المذكور ندب القاضي ليكون محكما عن الحكومة او أحدى الهيئات العامة متى كان طرفا في نزاع براد فضه بطريق التحكيم وفى هذه الحالة يتولى هذا المجلس وحده تحديد المكافأة التي يستحقها القاضي» .

وبقراءة نص المادة ٦٣ من القانون ٤٦ لسنه ۱۹۷۲، وبالرجوع الى تطوره سالف الذكر، يتضح بجلاء أن المشرع المصري أراد إبقاء الحظر الذي قرره منذ قانون استقلال القضاء سنه ١٩٤٣، وانه يستثنى من هذا الحظر حالتين فقط هما :

الأولى: أن يكون أطراف النزاع من أقارب القاضي أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية.

الثانية أن يكون احد طرفي النزاع هي الدولة أو أحدى الهيئات العامة بشرط أن يكون القاضي محكما عن الدولة أو الهيئة العامة. ويشترط في الحالتين موافقة مجلس القضاء الأعلى.

وفيما عدا هاتين الحالتين فليس لأحد من رجال القضاء القيام بالتحكيم ولو بموافقة مجلس القضاء الأعلى.

وتبدو إرادة المشرع واضحة من أن النص الحالي يتماثل مع نص المادة ٤/٧٧ من قانون السلطة القضائية رقم ٥٦ لسنه ١٩٥٩ الذي جاء بمذكرته الإيضاحية انه « أجيز أيضا بموافقة مجلس القضاء الأعلى تحكيم القاضي في بعض الأحوال .. وقد بقى النص كما هو في قوانين السلطة القضائية اللاحقة لقانون ۱۹٥۹ بما فيها القانون الحالي، ولم يرد في المذكرة الإيضاحية لاى من قوانين السلطة القضائية اللاحقة على قانون ١٩٥٩ ما يفيد ارادة المشرع العدول عن هذا التحريم كأصل عام له استثناءان ولو كانت نية المشرع العدول عن هذا الحكم لما عجز عن استعمال صياغة أخرى مختلفة عن النصوص السابقة للإفصاح عن إرادته، ولأورد في المذكرة الإيضاحية للنص الجديد ما يشير إلى عدوله عما سار عليه التشريع قبله.

نقد الرأي المخالف:-
ومع هذا الوضوح في إرادة المشرع المصري منع القضاة من تولى التحكيم إلا استثناء، ذهبت محكمة استئناف القاهرة إلى أن المادة ٦٣ سالفة الذكر قد أباحت صراحة لقاضي ولاية التحكيم بشرط موافقة مجلس القضاء الأعلى، ولا اجتهاد مع النص.
والواقع أن القول بأن نص المادة ٦٣ يعنى تصريحا عاما للقضاة بتولي التحكيم يخالف إرادة المشرع الواضحة، ويجعل الفقرة الثانية من النص لغوا. إذ هذه الفقرة تقضى بأنه «كما لا يجوز بغير موافقة المجلس المذكور ندب القاضي ليكون محكما عن الحكومة أو إحدى الهيئات العامة متى كان طرفا في نزاع يراد فضه بطريق التحكيم». فلو كانت الفقرة الأولى تبيح لقاضي أن يكون محكما في أية قضية بشرط موافقة مجلس القضاء الأعلى، لدخلت الفقرة الثانية في عموم الفقرة الأولى، ولما كانت هناك حاجة لإضافتها. يؤكد هذا المعنى أن بداية الفقرة الثانية هي حرف عطف «كما...» والعطف هنا هو على ما نصت عليه الفقرة الأولى من جواز قيام القاضي بالتحكيم إذا كان أحد أطراف النزاع من أقارب القاضي أو اصهاره إلى الدرجة الرابعة، فلا يمكن أن يكون عطفا على قاعدة عامة تقررها الفقرة الأولى. فالمشرع أراد النص على استثناء ثان إلى جانب الاستثناء الأول الخاص بالأقارب والأصهار، وأن يتولى المجلس تحديد مكافأة القاضي «في هذه الحالة دون الحالة السابقة، وهي التحكيم بالنسبة للأقارب والأصهار، حيث لا يحدد مجلس القضاء هذه المكافأة، لأن التحكيم بين الأقارب أو الأصهار يكون بغير أجر.
ولا يمكن تفسير اضافة الفقرة الثانية على أنه اريد بها فقط تخويل مجلس القضاء الأعلى سلطة تحديد مكافأة التحكيم التي يستحقها القاضي، اذ كان يمكن قصر الفقرة على هذا الحكم.
كما لا يتصور أن يكون قصد الشارع هو قيام المجلس بتحديد مكافأة القاضي اذا كان محكما عن الحكومة او احدى الهيئات العامة، ولا يحددها في جميع الحالات الأخرى التي يقول الرأى المخالف ان الفقرة الأولى تسمح بالتحكيم فيها. ذلك ان هذا التفسير يجعل هذه الفقرة لغوا، اذ يغنى عنها نص المادة ٦٢ من قانون السلطة القضائية التى تجيز ندب القاضي مؤقتا للقيام باعمال قضائية او قانونية غير عمله او بالاضافة الى عمله وذلك بقرار من وزير العدل بعد اخذ رأى الجمعية العامة التابع لها وموافقة مجلس القضاء الأعلى... على ان يتولى المجلس المذكور وحده تحديد المكافأة التي يستحقها القاضى من هذه الاعمال بعد انتهائها... ولا شك ان القيام بالتحكيم هو من الاعمال القضائية التي يقوم بها القاضى بالاضافة الى عمله كقاضي.
وكل ما تقدم يؤكد ان نص المادة ٦٣ يرمى كقاعدة عامة الى الحظر وليس الى الاباحة، وان الاباحة ترد استثناء في حالتين فقط نصت عليهما الفقرتان الأولى والثانية من المادة. ويحدد المجلس مكافأة القاضي في الحالة الثانية دون الحالة الأولى.
والخلاصة انه وفقا للمادة ٦٣ من قانون السلطة القضائية الحالي( رقم ٤٦ لسنه ۷۲) لا يجوز أن يقوم القاضي أيا كانت درجته بالتحكيم ولو بغير أجر إلا إذا كان اطراف النزاع من أقاربه أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية، أو كان محكما عن الدولة أو أحدى الهيئات العامة وفي الحالتين يجب موافقة مجلس القضاء الأعلى على قيام القاضي بمهمة التحكيم.
على أنه حيث يجوز للقاضى تولى التحكيم، فان عدم حصول المحكم على إذن من مجلس القضاء الأعلى لا يعد سببا لعدم صلاحيته لمباشرة التحكيم، أو سببا لبطلان الحكم الذي يصدره.

120