إختلف الفقهاء المتقدمين في شرط الذكورة وجواز تولية المرأة منصب القضاء وأن تكون حكماً وذهبوا في ذلك إلى ثلاثة أقوال هي:
القول الأول: عدم جواز تولي المرأة منصب القضاء أو التحكيم مطلقاً:
وإليه ذهب جمهور الفقهاء كالمالكية والشافعية والحنابلة، وزفر من الحفيام. القول الثاني: يجوز تحكيم المرأة في غير الحدود والقصاص وذهب
إليه الحنفية (ماعدا زفر) وابن القاسم من المالكية).
القول الثالث: تجوز ولاية المرأة لمناصب القضاء والتحكيم مطلة وذهب إليه الإمام إبن حزم وابن جرير الطبري وابن القاسم من المالكية ومن المتقدمين العلامة الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور إبراهيم عبد عبد الحميد إن الكلام في شرط الذكورة لتولي . الحميد وتقي الدين النبهاني وآخرون من المتاخرين، ويقول الدكتور إبراهيم البسط والإطالة لكثرة اللغط حول هذا الشرط حيث حاول بعض الباحين أن يجعل عدم جواز ولاية المرأة للقضاء شيئاً مجمعاً عليه، زاعما أن خلاف ان حزم فيه واثب على إتفاق الأمة، وأن رأي إبن حزم في نفسه لا ينقض إجمال حتى ولو كان في عصر المجمعين، منصب القضاء، يطلب لأنه ليس من المجتهدين، وإن كلا علم معتبر، فالحق أن الآراء في هذا الموضوع ثلاثة: جواز ولاية المرأة القضاء أو التحكيم وعدم صحة هذه الولاية موضع النزاع
نفي الأمرين (الجواز والصحة بناءً على أن الذكورة شريطة لكل منهما. - إثبات الأمرين بناء على أن الذكورة ليست شريطة لأي منهما. - إثبات الصحة ونفي الجواز بناءً على أن الذكورة شريطة المجوازة دون الصحة.
وأن الذكورة شريطة جواز الصحة أجمع عليها جمهور المالكية والشافعية والحنابلة وزفر من مهور أهل العلم وفيهم الحنفية ومعنى ذلك أن الذي يولى المرأة القضاء، يكون عند هؤلاء أثماً، وتكون ولاية المرأة عندهم باطلة، وقضاؤها غير نافذ ولو فيما تقبل فيه شهادتها. أما المذهب الذي يقول بأن الذكورة ليست شريطة جواز ولا صحة وعليه إبن جرير الطبري، وإبن القاسم من المالكية وإبن حزم الظاهري المحلي ٩/ (٤۲۹ ومعنى هذا أن الذي يولي المرأة القضاء لا يأتم، وتكون ولايتها صحيحة وأحكامها نافذة، لكن فيما تقبل فيه شهادتها، وهذا يتسع عند إبن جرير الطبري وإبن حزم ليشمل كل شيء حتى الدماء والفروج، ويضيق عند إبن القاسم، حتى لا يتجاوز الأموال وما لا يطلع عليه الرجال كولادة وإستهلال مولود وعيب نساء باطن.
أما مذهب الحنفية عدا زفر فعد الذكورة شريطة جواز لاصحة ومعنى ذلك أن الذي يولي المرأة القضاء يأثم ومع ذلك فولايتها صحيحة وقضاؤها نافذ، ولكن هل ذلك في كل شيء أم في غير الحدود والقصاص؟ روايتان، إلا أن الثاني . ظاهر الراوية وعليه فقضاء المرأة في الحدود والقصاص باطل ولو وافق الحق، لأن الحنفية فيها كالجمهور، على أننا قد علمنا أنفاً أن المرأة لو قضت في الحدود والقصاص ثم رفع قضاؤها إلى قاض آخر فأمضاه، رفع إمضاؤه الخلاف، فليس الأحد بعد أنالواقع أننا نذهب إلى قرار جواز تأييدنا تولي المرأة منصب والتحكيم لخلو أدلة جمهور العلماء الذين منعوها منه وذلك من عدة وجوه
حيث خلو السنة من أدلة التحريم من تولي المرأة منصب القضاء، وما زعمه الجمهور من كون قوله " " لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمراة) دليل على عدم جواز كون المرأة قاضية فزعم غير مستنبط إستنباطاً شرعياً صحيحاً لأن النص الحادثة بعينها وهو قوم کسری قد ولوا بنت كسرى عليهم في الحكم وهي الإمامة الكبرى وهذا النص خاص بموضوع الحكم وليس عاماً في كل ولايات المرأة فلا محل هنا لقاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، فالحديث خاص بالحكم أي رئاسة الدولة ولا يشمل القضاء وإستدلال الجمهور بهذا النص إستدلال غير صحيح، وعليه فإن الدعوى تظل خالية من أي نص . من السنة يدل على تحريم تولية المرأة . القضاء وإن قيل: إذا كانت السنة لم تنص على جواز توليتها بدليل أنه لم يثبت عن النبي " " أنه عين إمرأة لقضاء فلو كان ذلك مباحاً لحدث ذلك وصاحب هذا الرأي. هو العلامة إبن قدامة المقدسي وقد نص عليه بقوله (ولهذا لم يول النبي " " إمرأة قضاء ولا ولاية فيما بلغنا)، والواقع أن هذا لا يقال لأن الشرع لم ينص على أن ما كان مباحاً وجب فعله، لم يقل أحد بهذا، بل ولا يجوز أن يقال لأن المباح هو: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال العباد على جهة التخيير، فللدولة الإسلامية أن تعين إمرأة ولها أن لا تعينها في القضاء فترك رسول الله " " لتعيين إمرأة في القضاء لا دلالة فيه على تحريم ذلك، وهناك وجهة نظر أخرى هي أن ولاية القضاء والتحكيم عقد إجارة والأحكام الشرعية المتعلقة بالإجارة أجازت أن يكون الأجير رجلاً وأجازت أن يكون إمرأة قال الله تعالى: (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن) والقاضي أجير كباقي الموظفين عينته الدولة ليقوم بعمل حسب الشرع أي ليخبر المتخاصمين بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام وليس معيناً لتنفيذ لأن التنفيذ مهمة جهة أخرى غير القضاء.
أحكام الشرع ولهذا ينطبق على تعريف الإجارة (عقد على منفعة معلومة بعوض) وهذا التعريف لا ينطبق على رئيس الدولة لأنه لم يجر يجر معه تعاقد على منفعة معينة بل جعل له أمر تنفيذ الشرع، فرئيس الدولة الإسلامية ليس أجيراً عند النظام الديمقراطي يجعله الناس متى شاءوا وينهون معه العقد منى أرادوا، وجاز أن يكون القاضي إمرأة لأن القاضي أجير كباقي الموظفين الذين تعينهم الدولة، والإسلام أباح أن يكون الأجير إمرأة، فالمرأة صالحة للتعاقد على القيام بمنصب القضاء شرعاً وإن الفاروق عمر رضي ! عنه وهو رئيس الدولة الإسلامية قد ولى إمرأة للحسبة في إرم السوق وهي الشفاء أم إبن أبي خشيمة الأنصارية والحسبة قضاء إذ هو: الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام فيما يضر بحق الجماعة ) ولإنعقاد إجماع الصحابة، وإجماع الصحابة دليل شرعي بعد الكتاب والسنة كما يقول الشوكاني: (إجماع الصحابة صحة بلا خلاف) وأن حضور المرأة محافل الرجال في الحياة العامة مباح شرعاً ولا يؤدي ذلك إلى الفتنة، وليس وسيلة إلى الوقوع في الحرام بخلاف الحياة الخاصة فحرام شرعاً.
موقف المشرع السعودي من تولي المرأة منصب التحكيم: ذهب المرسوم الملكي رقم م//:٤٦ في المادة الرابعة إلى أنه يشترط في المحكم أن يكون من ذوي الخبرة، وحسن السيرة والسلوك، كامل الأهلية وإذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً.
فهل هذه المؤهلات الثلاثة هي كل ما يتطلب في المحكم؟ مع الوضع في الذهن الشروط المطلوبة في الشريعة في القاضي كما في المحكم). وفي الواقع وفيما عدا شرطي الذكورة والإسلام يمكن بسهولة الإبقاء بالبقية ضمن متطلبات المادة أعلاه حيث لم يعد للرقيق وجود كما أن الذكاء والتعليم خير عوض لمن فقد أحدى الحواس الثلاثة المذكورة، وأعتقد أن هذه المادة قد إستبعدت عن قصد شرطي الذكورة والإسلام ممهدة بذلك الطريق أمام النساء وغير المسلمين ليصبحوا محكمين في المملكة كلما أمكن ذلك. لقد إستبعدت المرأة من القضاء لنقص أهليتها بسبب الجهل وعدم الخبرة ولم يعد الأمر كذلك حيث أصبح تعليم المرأة وثقافتها كالرجل. واستبعدت غير المسلم لأنه كان حربياً عدواً أو ذمياً محمياً، وما عاد غير المسلمين يقعون ضمن هاتين الفئتين قاطبةً، بل أصبح منهم ! الخلفاء والشركاء في المنافع المشتركة. لقد تبدل مفهوم الدولة والوطن إذ أصبح الرجال والنساء من جميع الأجناس والديانات مواطنون متساوون بموجب . مبدأ المواطنة. وفي المملكة العربية السعودية تجد النساء وغير المسلمين يعملون في ع الحرف والمهن ويتمتعون بأهلية التراخيص المهنية والسجلات التجارية جميع في الحرف والخدمات وهم بهذه الصفة بالفعل أعضاء في الغرفة التجارية. وقد أعطيت النساء وغير المسلمين كل هذه المسئولية والأهلية وذلك يكفي تماماً للإختيار محكما ضمن إطار مجتمعنا وتقاليدنا وأنظمتنا والمادة الرابعة لا تمنع من ذلك.
وقد أقرت اللائحة التنفيذية الجديدة إختيار المرأة كمحكمة، إلا أنها إشترطت أن يكون المحكم مسلماً وفي ذلك تطور تشريعي كبير بالمملكة وأضافت المادة (٢) اللائحة التنفيذية الجديدة على شروط المحكم، أنه إذا من كان فرداً أو رئيساً لهيئة تحكيم فيلزم أن يكون على دراية بالقواعد الشرعية والأنظمة التجارية في المملكة كما نصت اللائحة على أن تكون اللغة هي العربية والجلسات علنية ويرى بعض الخبراء وجوب إستثناء تحكيم الغرف من بعض ذلك كله، وكان النظام دائماً متجاوباً.
ويعد المرسوم الملكي رقم م/ ٤٦ طفرة نوعية لنقل روح التحديث في التشريع التحكيمي لمواجهة متطلبات النمو التجاري والصناعي بالمملكة العربية السعودية، وما هي إلا متابعة للخطوات التحديثية الأخرى السابقة لها مثل دمج غير المسلمين الذين تحتاجهم البنية الإقتصادية والاجتماعية مثلاً كالبناء واللائي يحتاج إليهن لتطعيم الأنظمة الحديثة بالنظريات كإمكانية المسؤولية المحدودة للشركات ومثل القبول بالتحكيم بالخارج في منازعات الإستثمار بالتصديق على إتفاق المركز العالمي لتسوية منازعات الإستثمار بواشنطن في بيئة غير إسلامية وحيث يجوز أن يعين محكم قد يكون إمرأة وغير مسلم معاً، لا شك أن السماح للمرأة السعودية أن تكون محكمة نظاماً يسهم في تطوير تجمعات سيدات الأعمال التجارية والصناعية والإستثمارية
وفي ذلك خطوة جريئة تواكب تطلعات المجتمع السعودي المحافظ. صحة ولاية الحكم: الواقع لا يكفي أن يكون الحكم أهلاً للقضاء وقت التحكيم ووقت الحكم، وإنما يشترط كذلك أن تكون توليته صحيحة وهذا يقتضي هنا بيان التولية الصحيحة من غيرها.