المحكم وهيئة التحكيم / يجب أن يكون عدد المحكمين وترًا / الكتب / دور القضاء في منازعات التحكيم في القانونين اللبناني والعراقي (دراسة مقارنة) / وترية هيئة التحكيم
لا ريب أن المحكم هو الحلقة المهمة في السير بإجراءات التحكيم بعد اختياره من قبل اطراف النزاع، فقد يتفقا على ان يفصل في نزاعهم محكم ،واحد وقد يتفقا على اكثر من محكم تشكل منهم الهيئة التحكيمية. وينبغي عليهم إبداء الحرص الشديد في تشكيلها وحسن اختيار أعضائها. وقد وضع كل من المشرع اللبناني والعراقي شرطا يتمثل في وجوب ان يكون عدد الهيئة التحكيمية وترا، أي مفردا . والغاية من هذا الشرط هو استباق المشرع لتفادي انقسام الآراء بين المحكمين عند اصداراهم لقرار التحكيم وعدم وصولهم إلى قرار تحكيم مرجح في حال عددهم الزوجي، بينما اذا كان عددهم وترا يكون للأغلبية دور في إصداره.
يلاحظ ان المشرع قد اعطى تدرجا في تعيين المحكم الوتر( الثالث)، فابتداء اعطى الأولوية في تعيينه وفق ما حدده الخصوم ولزوم اتفاقهم على ذلك، ثم اعطى أمر تعيينه من قبل المحكمين المعينين أصلا وأخيرا اعطى امر تعيينه بقرار من رئيس الغرفة الابتدائية (قاضي محكمة البداءة ) .
ويلاحظ ان اللجوء الى القضاء لتعيين المحكم ليس بأعتباره المرجع النهائي وانما اعطى الأولوية لتعيين المحكم الثالث وفق ما ارتأه الخطوم . فإذا لم يكن هناك اتفاق خاص لتعيين المحكم الثالث فيصار امر تشكيل هيئة التحكيم الى المحكمين المختارين من قبل الاطراف، فإذا تعذر عليهم الاتفاق فان الأمر لابد ان يكون للقضاء في تشكيل هذه الهيئة ويكون بالتالي الاختصاص في الفصل فيه لرئيس الغرفة الابتدائية .
والتساؤل الوارد هنا هل فرض المشرع اللبناني جزاء على الاخلال بقاعدة وترية عدد الهيئة التحكيمية، وما هو هذا الجزاء. المشرع اللبناني لم يتساهل في وترية الهيئة التحكيمية وفرض جزاء على الاخلال بها، وذلك بنص الماده (۷۷۱) من أ .م . م اللبناني التي جاء فيها : "اذا تعدد المحكمون وجب في جميع الأحوال ان يكون عددهم وترا والا كان التحكيم باطلا . وسبب بطلان قرار التحكيم لصدوره من هيئة تحكيم بعدد زوجي.
وقد سار المشرع العراقي على خطى المشرع اللبناني فرتب جزاء مقتضاه بطلان القرار التحكيمي اذا لم يكن عدد المحكمين ،وترا واجاز للخصوم ان يتمسكوا ببطلانه وللمحكمة المختصة بنظر النزاع ان تبطله من تلقاء نفسها، وذلك بنص الفقرة الثانية من المادة (۲۷۳) من قانون المرافعات المدنية التي تنص ۲- اذا خالف القرار قاعدة من قواعد النظام العام أو الآداب أو قاعدة من قواعد التحكيم المبينة في هذا القانون". ومن هذه القواعد ان يكون عدد المحكمين وترا.
وذهب القضاء العراقي إلى ذات المنحى، ففي قرار لمحكمة التمييز العراقية قضت فيه : "... ان الحكم الاستئنافي المميز قد أقام قضاءه على أساس ان تعيين محكمين اثنين فقط مخالف لإحكام المادة (٢٥٧) من قانون المرافعات المدنية وهو نظر صحيح، ذلك لأن المادة المذكورة قد نصت يجب" عند تعدد المحكمين ان يكون عددهم وترا عدا حالة التحكيم بين الزوجين"، وهو نص وجوبي وعام ومطلق يجري على اطلاقه في انه في القضايا المدنية والتجارية وغيرها يجب ان يكون عدد المحكمين وترا.... ولا مورد لقول وكيل المميز من ان عدد المحكمين يكون وترا في التحكيم القضائي وليس في التحكيم الرضائي لان القانون لم يفرق في عدد المحكمين في جميع أنواع التحكيم، لذا يجب ان يكون عدد المحكمين وترا في جميع الحالات لتعلق ذلك بالنظام العام مما يتوجب معه بطلان قرار التحكيم.
وعليه فان مخالفة مبدأ وترية عدد المحكمين في الهيئة التحكيمية والمنصوص عليها في التشريعين اللبناني والعراقي تعد من الأسباب التي تلحق البطلان بالقرار التحكيمي من جهة، ولتجنب الوقوع بإشكالية تساوي آراء المحكمين المؤيدين والمعارضين عندما يكون عددهم زوجيا عند المداولة لإصدار القرار، ولكي يصدر القرار دائما بالأغلبية