مسألة تحديد قوام هيئة التحكيم التي تتولى البت في النزاع من محكم فرد أو أكثر تعود في الأصل إلى إرادة أطراف النزاع ... فقد يتفق الأطراف في اتفاق التحكيم صراحة على تحديد عدد المحكمين وفي الغالب خاصة في التحكيم التجاري الدولي - تشكل هيئة التحكيم من محكمين وهي بذلك تتمتع بثقة أطراف التحكيم على اعتبار أن كل طرف يتولى اختيار محكم عنه ويشارك أو يساهم بالرأي هو أو المحكم الذي اختاره في تعيين المحكم الثالث الذي يتولى رئاسة " ثلاثة الهيئة.
من هنا فإن تحديد عدد المحكمين يخضع في المقام الأول لإرادة الأطراف... وهذا التحديد كيما أشرنا يكون مبيناً في اتفاق التحكيم... وإن خلا هذا الاتفاق من الإشارة إلى عدد المحكمين وكان التحكيم مؤسياً تحت مظلة مركز تحكيم، فإن الأمر يخضع إلى قواعد التحكيم لدى ذلك المركز.... لكن المشاكل تزداد تعقيداً في هذه المرحلة في تحكيمات الحالات الخاصة ( ad hoc)، حيث يحسم هذا الجانب القانون الذي سيطبق على النزاع، أو قانون مكان التحكيم.
والقاعدة التي كرستها قوانين التحكيم محل الدراسة حول عدد المحكمين. هي الوترية. فقد جاء في قوانين التحكيم في مصر والأردن وسوريا والعراق بأن تشكل هيئة التحكيم باتفاق الطرفين من محكم واحد أو أكثر فإذا لم يتفقا على عدد المحكمين كان العدد ثلاثة وإذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وترا وإلا كان التحكيم باطلاً. هذه القوانين تتفق في أحكامها على أن عدد المحكمين يخضع لاتفاق الأطراف... وفي حالة عدم الاتفاق أو لم ينص اتفاق التحكيم على ذلك، يكون عدد المحكمين ثلاثة... وعند تعدد المحكمين وجب أن يكون عددهم وتراً (ثلاثة أو خمسة أو أكثر) وإلا كان التحكيم باطلاً... وهي قاعدة وجوبيه لا يجوز مخالفتها لارتباطها بالنظام العام. فأي تحكيم تكون فيه هيئة التحكيم مشكلة من عدد شفعي، يعتبر وفقاً لهذه القوانين تحكيماً باطلاً ويمتد البطلان إلى حكم التحكيم الصادر عن هذه الهيئة.
والفارق الذي يشكله القانون النموذجي مع هذه القوانين هو أن القانون النموذجي أشار إلى أنه في حالة عدم تحديد الأطراف لعدد المحكمين فيكون عددهم ثلاثة... ولم يضع في الاعتبار التحكيمات متعددة الأطراف التي يمكن أن تشكل فيها هيئة التحكيم من عدد أكبر ... كما أن القانون النموذجي لم ينص على اعتبار التحكيم باطلاً إذا كان عدد المحكمين غير وتري وترك هذا الأمر للقوانين الوطنية.
ونظام التحكيم السعودي، نص أيضاً على أن تشكل هيئة التحكيم من محاكم واحد أو أكثر. وأوجب أن يكون العدد فردياً وإلا كان التحكيم باطلاً، لا أن النظام لم ينص صراحة كبالي القوانين على أن يجدد عدد المحكمين من قبل الأطراف، لكن رغم عدم وجود مثل هذا النص، إلا أنه بحسب اعتقادنا، لا يمنع أن يحدد أطراف النزاع عدد المحكمين في اتفاق التحكيم، على أنه يجب أن يكون هذا العدد وتراً وإلا كان التحكيم باطلاً.
أما قانون التحكيم اليمني، فقد ورد فيه أكثر من حكم بشأن عدد المحكمين وبنصوص متضاربة، ففي الوقت الذي نجد القانون ينص على أنه .. إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً وإلا كان التحكيم باطلاً. وأنه يجوز لطرفي التحكيم الاتفاق على عدد المحكمين، وإذا لم يتفقا كان عدد المحكمين ثلاثة. نجده أيضاً ينص على أنه إذا كان لابد من تشكيل لجنة التحكيم من محكمين أثنين، قوم كل طرف باختيار محكم عنه فالقانون هنا وكما نلاحظ تارة يوجب على الوترية تحت طائلة البطلان، ويضيف في نص آخر على أن يحدد الأطراف عدد المحكمين، وفي حالة عدم الاتفاق يكون العدد ثلاثة... وتارة أخرى يجيز القانون أن يكون عدد المحكمين اثنين مما يؤكد على تضارب النصوص وارتباكها.
يذكر أن قواعد المركز اليمني للتوفيق والتحكيم تنص على أن تتكون هيئة التحكيم من محكم فرد أو ثلاثة محكمين أو أكثر بحسب عدد أطراف النزاع، شريطة أن يكون عدد القبيلة وتراً .
الملاحظ أنه وبموجب هذه القوانين أن المشرع وضع نظاماً قانونياً يطبق بصفة آلية كلما غابت إرادة الأطراف أو متى حادث عن الخيار التشريعي. ففي صورة اتفاق الأطراف على عدد وتري من المحكمين فلا يتدخل القانون في هذا التحديد مهما كان العدد أما إذا حدد الأطراف عدداً شفعياً، فهنا يتدخل القضاء لإضافة محكم لكي يصبح العدد وتراً. أما إذا لم يحدد الأطراف عدد المحكمين، فيجب أن يكون عددهم ثلاثة.
التطبيقات القضائية :
في التطبيقات القضائية لهذه النصوص قضت الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في اليمن أن القانون أجاز لطرفي التحكيم الاتفاق على عدد المحكمين، وإذا لم يتفقا كان عدد المحكمين ثلاثة هذا النص يتضح أن المشرع قد أناط في تحديد عدد المحكمين إلى طرفي التحكيم أنفسهم فإذا لم يتفقا كان عدد المحكمين ثلاثة وبما أن الطاعن والمطعون ضده في هذه القضية لم يختلفا في عدد المحكمين بل اتفقا على محكمتين اثنين، فإبطال اتفاق التحكيم بمقولة أن العدد يجب أن يكون ثلاثة ومن مخالف للقانون ".
وفي لبنان قضت محكمة استئناف بيروت بأنه " لا يمكن قيام تحكيم بعدد زوجي تحت طائلة البطلان وما تضمنه البند التحكيمي غير قابل للتطبيق ومن واجب المحكمان أن يعينوا محكماً ثالثاً".
وفي تونس قالت محكمة التمييز التونسية إن " القانون لم يرتب البطلان عند عدم تحديد عدد المحكمين بأنه وتربل فرض أن يكون وجوباً عددهم ثلاثة ".
وعادة قد لا يكون هناك سبب جوهري يتوجب بمقتضاه تعيين هيئة تحكيم يزيد عددها عن ثلاثة محكمين، إلا عندما يكون التحكيم متعدد الأطراف أو في الحالات التي تراعى فيها اعتبارات سياسية أو في أحوال استثنائية. أو في حالات التحكيم السيادي.