تتفق القوانين العربية على أنه إذا تعدد المحكمون يجب أن يكون عددهم وترا . وهي مسألة تتعلق بالنظام العام، لا يجوز الاتفاق على خلافها . ويستوي أن يكون العدد الوتر للمحكمين، ثلاثة أو خمسة أو غير ذلك. وبعض القوانين مثل البحرين وقطر ولبنان، نصت على اعتبار التحكيم باطلاً إذا تم إجراؤه من عدد زوجي من المحكمين. ونرى تطبيق ذات الحكم في القوانين الأخرى، التي نصت على وترية عدد المحكمين على سبيل الوجوب، مما يعني بطلان التحكيم الذي يجري من عدد زوجي من المحكمين. وحتى يكون التحكيم صحيحاً، في هذه الحالة، يجب تعيين محكم ثالث من الجهة التي تتولى تعيين المحكمين، في حال عدم اتفاق الطرفين على ذلك.
ومن الواضح أن الذي يكون باطلاً في حال كون عدد المحكمين زوجياً، هو التحكيم، أو العملية التحكيمية ذاتها، وليس اتفاق التحكيم الذي يبقى صحيحاً، بالرغم من النص فيه على عدد زوجي من المحكمين. فالمشرع يفترض أن الإحالة للتحكيم تمت لعدد زوجي من المحكمين، الذين نظروا النزاع وأصدروا حكمهم فيه. في هذه الحالة، يكون التحكيم من بدايته وحتى نهايته، بما في ذلك حكم التحكيم باطلاً، في حين يبقى الاتفاق صحيحاً، ويجب إعادة التحكيم بحيث يتم النظر في النزاع من قبل عدد فردي من المحكمين، ما لم يعتبر اتفاق التحكيم ذاته ساقطاً استناداً لما سبق ذكره .
وعلى ذلك، إذا اتفق الطرفان على التحكيم أمام محكمين اثنين يكون الاتفاق صحيحاً في شق وباطلاً في شق آخر، ما دام بالإمكان تجزئة البطلان وفقاً للقواعد العامة . فهو صحيح من حيث الاتفاق على التحكيم، وباطل من حيث عدد المحكمين، إلا إذا تبين من إرادة الطرفين بأنهما قصدا فعلاً التحكيم من قبل محكمين إثنين دون غيرهما ، بحيث لو كانا يعلمان بعدم جواز التحكيم بعدد زوجي لما أبرما الاتفاق على التحكيم. في هذه الحالة، يمكن القول بامتداد البطلان ليشمل كل اتفاق التحكيم حسب القواعد العامة.
وبالرغم مما سبق، ذهب القضاء القطري في واحد من أحكامه على الأقل، إلى القول بأن التحكيم من محكمين اثنين يكون صحيحاً إذا صدر الحكم بالإجماع، لأن الغاية من تعيين محكم ثالث ، تكون قد انتفت في هذه الحالة. فالقانون ينص على صدور الحكم بالأغلبية على الأقل، وما دام الحكم قد صدر بالإجماع في هذا المثال، تكون الأغلبية قد تحققت كما لو كان هناك محكم . ولكننا لسنا مع هذا الرأي. فالعبرة بعدد المحكمين ليس لذاتية العدد فحسب، وإنما للنوعية أيضاً، من حيث المناقشات والمداولات. إذ بوجود المحكم الثالث، الذي غالباً ما يترأس هيئة التحكيم، قد تختلف نظرة أحد المحكمين الآخرين، أو حتى كليهما للنزاع ومجرياته، بحيث من الممكن جداً، أن تتغير وجهة نظرهما التي أبدياها ، عندما كان النزاع منظوراً من قبلهما فقط.
ومن جانب آخر لم تبين القوانين محل البحث عدد المحكمين الذين يتوجب عليهم نظر الدعوى التحكيمية. وبدون شك يخضع هذا العدد لإرادة الأطراف ابتداء، إذ من حقهم أن يتفقوا على عدد المحكمين واحد أو ثلاثة أو خمسة أو غير ذلك، ويجب إتباع اتفاقهم. وفي حال عدم الاتفاق، تتولى المحكمة المختصة تعيين هذا العدد، إذا لم يكن التحكيم مؤسسياً ، وعادة ما يكون هذا العدد واحداً أو ثلاثة. بل يمكن القول أن ذلك أصبح من الأعراف التحكيمية الواجبة الإتباع، في حال عدم الاتفاق على عدد آخر . وفي تحديدها لهذا العدد واحد أو ثلاثة، يفترض أن تأخذ المحكمة بالاعتبار لكافة الظروف المحيطة بالقضية، مثل طبيعة النزاع ومدى تعقيده ومبلغ المطالبات وطبيعة العقد، وغير ذلك من ظروف مختلفة.
أما لو كان التحكيم مؤسسياً ، فإن قواعد التحكيم في المؤسسة المعنية، عادة ما تتكفل ببيان عدد المحكمين في حال عدم الاتفاق عليهم. وعلى سبيل المثال، فإن هذا العدد هو واحد ، حسب قواعد التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية وقواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي، إلا إذا تبين لأي منهما أن طبيعة النزاع تقتضي إحالته لثلاثة محكمين. وهو ثلاثة حسب قواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي. ولو كان التحكيم طليقاً، ولكن وفق قواعد اليونسيترال للتحكيم، فإن العدد هو أيضاً ثلاثة محكمين .