الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / وجوب التمسك بعدم الحيدة أو الإستقلال / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 35-36 / حياد المحكم والصعوبات التي تعترض اختياره

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 35-36
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    87

التفاصيل طباعة نسخ

إنّ نقطة الضعف في التحكيم هي الخلاف الذي يمكن أن يقع على تعيين المحكمين عند نشوء النزاع. وسيارة الإسعاف في هذا القضاء الخاص تفترض وجود سلطة لتسمية المحكمين إذا تخلّف طرف عن تسمية محكمه، وتعيين المحكم الثالث إذا لم يتفق عليه الطرفان...

هذه السلطة هي في التحكيمات النظامية العائدة الى مراكز التحكيم في مركز التحكيم ذاته. ولكن المشكلة هي في تحكيمات الحالات الخاصة Ad Hoc. فمن هي سلطة تسمية المحكمين في هذه التحكيمات؟ هل هي المحاكم القضائية؟ وهل يتوقف الأمر على القانون المطبّق، أم على قانون مكان التحكيم؟

إذا نصّ الشرط التحكيمي على سلطة تسميّة، فإنّ المشكلة تحلّ بإحالة الخلافات على

تسمية المحكمين الى هذه السلطة التي تعيِّن المحكمين وتنظر في عزلهم واستبدالهم. وأحياناً

هناك أنظمة لتحكيمات الحالات الخاصة ad hoc كقواعد تحكيم اليونسيترال التي تحيل،

إذا لم يسمِّ الأطراف سلطة تسمية، إلى محكمة لاهاي الدائمة للتحكيم، لتكون سلطة تسمية المحكمين.

الإتجاه العام في التشريعات التحكيمية المعاصرة يعكس الاتجاه السابق تماماً ويذهب الى فتح باب عريض للقضاء حتى يمدّ يدّ المساعدة –عند الحاجة- للتحكيم سواء في بدايته أم خلال سير اجراءاته، بحيث يُحترم سلطان الإرادة ويُعطي كل آثاره التعاقدية الملزمة. فلم يعد دور القضاء مقتصراً على مراقبة التحكيم، ثم إعطاء الحكم التحكيمي صيغة التنفيذ، بل أصبح دوره السهر على تأمين انقاذ العقد التحكيمي واعطائه كل آثاره وإزالة العقبات التي تعترض سير التحكيم وتنفيذ سلطان الإرادة وحمايته وبنوع خاص دعم تشكيل المحكمة التحكيمية. فالقضاء لم يعد دوره مقتصراً على تنفيذ الحكم التحكيمي، بل أصبح دوره شاملاً تنفيذ العقد التحكيمي أيضاً.

 

1-     القانون النموذجي للتحكيم- اليونسيترال :

القانون النموذجي للتحكيم الدولي الذي وضعته اليونسيترال يكرِّس الاتجاه نحو الأخذ بسلطان الإرادة وإعطائه كل آثاره وفعاليته التعاقدية، وهكذا فعلت كل القوانين التي تبنّت هذا القانون النموذجي. ويتضمّن القانون النموذجي للتحكيم الدولي الذي وضعته اليونسيترال عدة قواعد تكرِّس سلطان الإرادة في موضوع اختيار المحكمين:

أ‌-             للطرفين حرية الاتفاق على إجراءات ردّ المحكم .

ب‌-           إذا أصبح المحكم غير قادر، بحكم القانون أو بحكم الواقع، على أداء وظائفه أو تخلّف عن القيام بمهمته تنتهي ولايته، إذا هو تنحى عن وظيفته أو إذا اتفق الطرفان على إنهاء مهمته. أمّا إذا ظلّ هناك خلاف على أي من هذه الأسباب فيجوز لأي من الطرفين أن يطلب الى المحكمة أو الى سلطة التسمية أن تفصل في موضوع إنهاء ولاية المحكم وقرارها في ذلك يكون نهائياً .

ج-     عندما تنتهي ولاية أحد المحكمين (الردّ أو الامتناع) أو بسبب تنحّيه عن مهمته لأي سبب آخر، بسبب الغاء ولايته باتفاق الطرفين أو في أية حالة أخرى من حالات انهاء الولاية، يعيّن محكم بديل وفقاً للقواعد التي عيّن بموجبها المحكم الأول .

د-     إذا لم يعيِّن طرف محكماً أو لم يتفق المحكمان على اسم المحكم الثالث، يجوز لأي من الطرفين أن يطلب من المحكمة (أو سلطة التسمية) أن تتخذ الاجراء اللازم .

هـ- يجيز للفريقين الاتفاق على أن تكون سلطة تسمية المحكمين مؤسسة أو هيئة .

و- يكون قرار المحكمة أو سلطة التسمية نهائياً .

 

2-     القوانين الأوروبية:

وفي هذا الاتجاه ذهب القانون الهولندي (1986)  وكذلك القانون السويسري (1987)  والقانون الإيطالي (1994)  لتأمين دور "قاضي المساندة"، كما أطلق عليه الفقه الأوروبي. وهو تعبير موفّق .

في سويسرا يمكن مراجعة قاضي مكان التحكيم لتسمية أو ردّ أو استبدال المحكمين . وقد اعتبرت المحكمة الفدرالية أنّ المراجعة ضد قرار تسمية محكم من قاضي الكانتون هي مردودة شكلاً. والقوانين النمساوية والألمانية والسويسرية والهولندية تعطي "قاضي المساندة" اختصاص المساندة في تشكيل محكمة التحكيم إذا برزت عقبات، ولكنّها تشترط أن يكون بين المساندة وبين التحكيم صلة تتجسد في أن يجري التحكيم في بلد القانون. والقانون السويسري، كما القانون النموذجي للتحكيم الذي وضعته اليونسيترال يجيزان للقاضي تسمية المحكمين حتى ولو لم يتفق الأطراف على مكان التحكيم. ويشترط القانون الهولندي أن يكون أحد الطرفين على الأقل مقيماً في هولندا أو محل اقامته الفعلية هولندا .

القانون الإيطالي يذهب أبعد من كل القوانين فيجيز للقاضي الإيطالي أن يكون "قاضي مساندة" في تشكيل المحكمة التحكيمية إذا برزت عراقيل، وإن لم يتفق الأطراف على مكان التحكيم بعد، كما يجيز تقديم طلب المساندة إلى قاضي مكان ابرام العقد المتضمِّن الشرط التحكيمي .

3-     القوانين العربية :

القانون المصري المستوحى من القانون النموذجي لليونسيترال عيّن محكمة استئناف القاهرة "كمحكمة مساندة" لتشكيل المحكمة التحكيمية وتذليل العقبات إذا كان التحكيم الدولي يجري في مصر أو كان خاضعاً لقانون التحكيم المصري .

وفي هذا الاتجاه ذهب القانون اللبناني الجديد . وكذلك القانون اليمني في التحكيم الذي يجري في اليمن ، كذلك قانون الامارات الذي يشترط للمساندة أن يجري التحكيم في الامارات العربية المتحدة ، كذلك في قانون قطر .

 

4-     القانون الفرنسي :

القانون الفرنسي يلحظ  تدخّل القاضي الفرنسي لتذييل الصعوبات التي تعترض تشكيل المحكمة التحكيمية في التحكيمات الدولية، هذا إذا كان التحكيم الدولي يجري على الأراضي الفرنسية، أو يكون قد تم اختيار قانون المرافعات المدنية الفرنسي ليطبّق على سير المحاكمة التحكيمية. بالطبع تدخّل القاضي الفرنسي في تحكيم دولي تستضيفه فرنسا يبدو تدخلاً من قضاء الدولة في القضاء الخاص أو وصاية من قضاء الدولة. ولكن الواقع أثبت أنّ قضاء الدولة دوره مساعد للتحكيم حتى لا يصاب بالشلل، لأنّه إذا جرّد قضاء الدولة من إمكانية مدّ يد العون للتحكيم حين يتعثر تشكيل محكمة تحكيمية، فإنّ التحكيم سيصبح لعبة في يد الطرف سيء النية الذي لا تعود له مصلحة في التحكيم، وسيصبح سريع العطب. من هنا فإنّ الفقه  اعتبر محكمة الدرجة الأولى في باريس، في تحكيم الحالات الخاصة ad hoc. مؤسسة دائمة للتحكيم وقاضي مساندة التحكيم.

ولكن لتدخل القضاء شروط في القانون الفرنسي، فما هي هذه الشروط؟

 

أ‌-      شروط التدخل القضائي:

يشترط أن تكون هناك صلة وصل بين التحكيم الدولي موضع البحث وفرنسا.. إمّا لأنه يجري على الأراضي الفرنسية أو لأنّ قانون المرافعات مطبّق عليه. بدون إحدى هاتين الصلتين فإنّ القضاء الفرنسي ليس له أي اختصاص ولن يمدّ للتحكيم الدولي أية مساعدة.

وقد اعتبر القضاء الفرنسي نفسه غير مختص بالمساعدة على تشكيل محكمة تحكيمية في طلب تقدّمت به شركة Air Afrique لتعيين محكم عن الطرف المدعى عليه الممتنع عن تعيين محكم عنه، ولاحظت المحكمة الفرنسية أنّ العقد التحكيمي لا يتضمّن أية صلة وصل مع فرنسا، لأنّ العقد أبرم في الغابون، وهناك يجب أن ينفّذ. واعتبرت المحكمة الفرنسية في قرارها الصادر في 12/5/1981 أنه ليس بين هذه الدعوى وفرنسا أية روابط، فلا التحكيم يجري على الأراضي الفرنسية ولا القانون الفرنسي للمرافعات المدنية مطبّق لأنّ شرط التحكيم يقول: "إصدار حكم تحكيم على أساس العدالة والمبادئ العامة التي ترعى القانونين الفرنسي والغابوني". وذلك لا يشكِّل أية صلة وصل ورابط مع فرنسا الأمر الذي استدعى ردّ طلب تعيين محكم لعدم الاختصاص.

 

ب‌-    موضوع التدخل القضائي:

لإجازة تدخّل القضاء يشترط القانون الفرنسي "أن تعترض تشكيل المحكمة التحكيمية عقبات" . بالطبع لا تعترض تشكيل المحكمة التحكيمية عقبات إلاّ في تحكيم الحالات الخاصة ad hoc الذي لم يلحظ شرط التحكيم فيه سلطة تسمية للتغلب على هذه العقبات. المدعى عليه يرفض تسمية عنه، أو لا يتفق المحكمان على اسم المحكم الثالث، فيتدخل حينئذ رئيس محكمة البداية ليسمّي المحكمين اللازمين. إزاء شرط تحكيمي "على بياض" أي شرط تحكيمي لا يقول سوى أنّ أي خلاف يطرأ يحسم عن طريق تحكيم يجري في باريس.. في مثل هذه الحالة فإنّ القضاء الفرنسي هو الذي يحدِّد عدد المحكمين وطريقة تعيينهم من الأطراف أو يسميهم هو ذاته مباشرة.

عقبة أخرى غير الشرط التحكيمي "على بياض" يمكن أن تنشأ عن شرط تحكيمي لا يحدِّد بوضوح المركز التحكيمي الذي يحيل اليه.

في قضية جمهورية غينيا، كانت هناك ثلاثة عقود موضوع النزاع لبناء ثلاثة آلاف مسكن. وتضمّن كل عقد.. الأول شرطاً تحكيمياً يحيل الى "غرفة التجارة الدولية، والثاني يحيل الى "الغرفة التحكيمية" ومقرها باريس، والثالث الى "غرفة باريس التحكيمية".

وقدّمت الطلبات كلها الى "غرفة باريس التحكيمية" بينما أدلت جمهورية غينيا أنّ الأطراف لم يفكروا إلاّ في "الغرفة الدولية في باريس" ومقرها باريس، فقرّرت محكمة باريس أنّ العقد الأول يحيل الى غرفة التجارة الدولية، أمّا العقدان الآخران فيحيلان الى غرفة تحكيم باريس .

وكثيراً ما يحصل مثل هذا الاضطراب في الشرط التحكيمي المعيوب. وعلى سبيل المثال، نصّ شرط تحكيمي على اختصاص "غرفة التجارة الرسمية في باريس"، وليس هناك غرفة تجارة رسمية في باريس.. هناك غرفة التجارة الدولية. كما قالت المحكمة القضائية التي عرض عليها الموضوع .

قد يعرض شرط تحكيمي ظاهر بطلانه، فتلاحظ المحكمة القضائية ذلك ولا تقدّم أية مساعدة على تشكيل المحكمة التحكيمية، لأنّ الطلب المقدَّم ليس فيه صعوبة في تشكيل المحكمة التحكيمية، ولكنه يعود الى شرط تحكيمي ظاهر بطلانه. كذلك قد تعتبر المحكمة القضائية نفسها غير مختصة إذا كان الشرط التحكيمي يحيل الى مركز تحكيمي. فقد طلبت جمهورية غينيا عزل محكمين في الدعوى التحكيمية العالقة، فردّت المحكمة القضائية طلبها، مشيرةً الى أنّ الشرط التحكيمي يحيل الى نظام مركز تحكيمي هو الغرفة التحكيمية في باريس التي لها نظامها التحكيمي، وهي المختصة للنظر في عزل المحكمين. فأمر العزل ليس من اختصاصها الرقابة عليه قبل سير التحكيم، وخلال سيره، ولكن المحكمة القضائية تستعيد اختصاصها، بعد انتهاء التحكيم وصدور الحكم التحكيمي، في الرقابة على تشكيل المحكمة التحكيمية وفقاً للقانون ولما نص عليه اتفاق الطرفين. فإذا كانت هناك مخالفة لاتفاق الطرفين في تشكيل المحكمة التحكيمية فإنّ ذلك يكون سبباً لإبطال الحكم التحكيمي .

كذلك فإنّ اختصاص القضاء بتسمية المحكمين وعزلهم محدود بوقت انتهاء التحكيم فلا يمكن طلب عزل المحكم عند انتهاء التحكيم. فقد ردّ القضاء طلب عزل محكم منفرد، إذ إنّ المحكم أصدر حكمه في يوم تقديم الطلب وبيّنت المحكمة القضائية "أنّ المحكم قد رفع يده عن الدعوى، ولم تعد هناك صعوبات تعترض تشكيل المحكمة التحكيمية تستدعي تدخل رئيس محكمة بداية باريس.. فيعود للمدّعي ممارسة طرق المراجعة المتاحة ضد الحكم التحكيمي، إذا وجد سبباً من أسباب الإبطال" .

وإذا كان اختصاص المحاكم القضائية المساعدة على تشكيل المحكمة التحكيمية ينتهي بإنتهاء التحكيم. فماذا إذا توفي أحد المحكمين خلال سير التحكيم، هل ينتهي التحكيم؟ هل ينتهي اختصاص المحكمة القضائية بالمساعدة على تشكيل المحكمة التحكيمية؟

طرح الأمر في دعوى شركة La Belle Créole إذ توفي المحكم الذي عيّنته الشركة، والذي كان واحداً من ثلاثة محكمين، وجاءت وفاته خلال سير المحاكمة التحكيمية. فقامت شركة B. Créole باستبداله بمحكم جديد. فاعترضت الجهة المدعى عليها على هذا التعيين، معتبرة أنه سنداً للمادة 1464 (أصول مدنية فرنسي جديد) فإنّ التحكيم قد انتهى بوفاة أحد المحكمين. فراجعت شركة La Belle Créole محكمة بداية باريس طالبة حكماً يؤكد حقاً تسمية محكم جديد. اعتبرت المحكمة القضائية في قرارها الصادر في 12/7/1989 أن وفاة محكم خلال سير التحكيم يعتبر حدثاً مؤثراً في تشكيل المحكمة التحكيمية، ولكن التحكيم الدولي الذي يجري على الأراضي الفرنسية لم تخضعه الأطراف لقانون أصول المحاكمات الفرنسي فلا يكون هذا القانون مطبّقاً عليه. ولكن بالعودة الى إرادة الطرفين يلاحظ القضاء أنّ الدعوى التحكيمية انتهت فعلاً يوم وفاة المحكم، ولكن الطرفين يبقيان رغم ذلك مرتبطين بشرطهم التحكيمي الذي يلزم بإعادة تشكيل محكمة تحكيمية جديدة. وهكذا يدعو الحكم القضائي الطرفين لأنّ يسمي كل منهما محكماً في أقرب فرصة ويعيِّن موعد جلسة جديد للمحكمة القضائية للتحقق من تعيين كل طرف لمحكمه، والنظر في ما إذا كانت هناك ثمة عقبات تعترض تشكيل المحكمة التحكيمية.

 

5- في المعاهدات الدولية والإقليمية:

أ‌-      اتفاقية جنيف:

تتميز اتفاقية جنيف عن غيرها في أنها اتفاقية تحكيمية بين الاتحاد السوفياتي والسياسة الاشتراكية، من جهة، والغرب وأوروبا وسياسة الاقتصاد الحر، من جهة أخرى. لهذا انفردت عن باقي الاتفاقيات بكثير من الأمور من أهمها أنّها آثرت الابتعاد عن المحاكم القضائية ونظرية "قاضي المساندة" لتسمية المحكمين في حال اعترضت تشكيل المحكمة عقبات. من هنا لم يبقَ غير اللجوء الى غرف التجارة في الشرق والغرب. هكذا إذا امتنع طرف عن تسمية محكم عنه، فإنّ الطرف الآخر الذي هو المدّعي عادة يمكنه خلال 30 يوماً أن يراجع رئيس غرفة تجارة محل إقامة خصمه  لتسمية المحكم.

وتطبيقاً لهذه القاعدة، فقد أصدرت محكمة استئناف ليون 4/7/1991 حكماً يعتبر مراجعة غرفة تجارة ميلان لتسمية محكم صحيحة، وصدّقت على الحكم التحكيمي. وتفاصيل النزاع أنّ المدعي الإيطالي راجع رئيس غرفة تجارة ليون للحصول على تسمية محكم عن المدعى عليه الممتنع عن تسمية محكم عنه، وتم الأمر وعيّن المحكم وأًصدر المحكمون حكماً يفصل في النزاع. واعتبرت محكمة استئناف ليون أنّ معاهدة جنيف الأوروبية للتحكيم مطبّقة على هذه الحالة، لأنّ المدعي قد راجع رئيس غرفة التجارة في محل إقامة المدعى عليه في فرنسا تطبيقاً للاتفاقية، ولم يكن عليه أن يراجع القضاء لتسمية المحكم، وبالتالي اعتبرت الحكم صحيحاً وردّت طلب ابطاله.

 

ب‌-    اتفاقية حسم منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى: معاهدة واشنطن (1985):

أنشأت هذه المعاهدة مركزاً للتحكيم في واشنطن ووفقاً لنظام هذا المركز، إذا لم يتفق الأطراف على تسمية المحكمين، وإذا لم يتم تكوين المحكمة في ظرف 10 أيام من ارسال السكرتير العام إخطاراً بتسجيل الطلب، أو خلال أي مدة أخرى يتفق عليها الطرفان، يقوم الرئيس بتعيين المحكم أو المحكمين الذين لم يتم تعيينهم بعد، بناءً على طلب أي من الطرفين وبعد مشاورتهم قدر المستطاع. ولا يجوز أن يكون المحكمون الذين يعينهم الرئيس طبقاً لهذه المادة من مواطني الدولة المتعاقدة الطرف في النزاع أو من مواطني الدولة المتعاقدة التي أحد مواطنيها طرف في النزاع .

ويعيّن المحكمون من لائحة المحكمين المعتمدة في المركز، ويجب أن يكونوا من غير جنسية أطراف النزاع ، وطلب عزل المحكم يبته سائر المحكمين فإذا تساوت أصواتهم يفصل في الأمر رئيس المركز . والحالة الوحيدة التي طرحت تطبيقاً لهذه القاعدة هي دعوى شركة Holiday Inn ضد المغرب، وفيها كان يجب استبدال المحكم المسمّى من طرف لأنه أصبح مديراً مسؤولاً لدى هذا الطرف، ولكن المحكمين الآخرين لم يبديا موافقتهما على استقالته فجرى استبداله بقرار من رئيس مجلس إدارة المركز .

 

ج- اتفاقية عمّان العربية للتحكيم التجاري (1987):

يقول الفقه الأردني أنّ هيئة التحكيم تتكوّن من ثلاثة أعضاء إلاّ إذا اتفق الأطراف على إحالة النزاع على محكم فرد. وعلى ذلك، فإنّ صلاحية الأطراف في تحديد عدد أعضاء هيئة التحكيم مقيّدة: فإمّا أن تتشكل الهيئة من محكم فرد حسب العقد، أو من ثلاثة محكمين بحكم الاتفاقية. وإذا كانت الهيئة ثلاثية، فيتم تعيينها حسب المادة 18 من اتفاقية عمان كما يأتي:

(أ‌)     يكون لكل من الطرفين، طالب التحكيم والمطلوب التحكيم ضده، أن يعيِّن محكمه من قائمة المحكمين.

(ب‌)   إذا لم يعيِّن طالب التحكيم محكمه في طلب التحكيم، يتولى مكتب المركز (مركز الرباط الذي انشأته الاتفاقية)، تعيين المحكم من القائمة خلال أسبوع من وصول الطلب الى رئيس المركز حسب المادة 17.

(ج)   إذا لم يعيِّن المطلوب التحكيم ضده محكمه خلال مدة الثلاثين يوماً المنصوص عليها في المادة 17، مع الأخذ بالاعتبار إمكانية تمديدها، يعيِّنه مكتب المركز من القائمة.

(د)    أمّا المحكم الثالث، والذي يجب أن يكون من القائمة في كل الأحوال، فيعيّنه الفريقان بناءً على دعوة رئيس المركز خلال ثلاثين يوماً من هذه الدعوة. وفي حال مضي المدة دون اتفاق يعيِّنه مكتب المركز.

ومن الملفت للنظر، أنّ اتفاقية عمّان لا تتضمّن أي حكم حول كيفية تعيين المحكم إذا كان نظر النزاع من اختصاص محكم فرد. ولكن تطبيقاً للمبادئ العامة، يمكن القول أنّ الأولوية في التعيين تعطى لإتفاق الطرفين. وفي حال عدم اتفاقهما فإننا نرى أن يتولى المكتب تعيينه من القائمة قياساً على تعيين المحكم الثالث.

 

1-     وفاة المحكم أو وجود قوة قاهرة تحول دون قيامه بمهمته:

لم تبيَّن الاتفاقية المقصود بالقوة القاهرة، ولكن من الواضح أنّ أثرها يجب أن يكون استحالة قيام المحكم بالمهمة الموكلة إليه، بل يكفي وجود هذا الوضع دون حاجة الى بحث معنى القوة القاهرة وشروطها، مع ما يترتب على ذلك من خلافات في الرأي لا طائل تحتها. والاستحالة تنهي عمل المحكم مهما كان سببها حتى لو كان سببها المحكم نفسه، كأن يلحق الأذى بنفسه عمداً مما يحول دون استمراره في مهمته، ومهما كانت طبيعتها، كأن تكون مادية أو معنوية أو قانونية. والأمثلة على ذلك كثيرة منها العجز الجسدي بسبب المرض، ونقصان الأهلية أو انعدامها بسبب الجنون. ومنع دولته له من السفر الى مكان التحكيم.

 

2-     استقالة المحكم:

لم تجز المادة (18 (7)) من اتفاقية عمّان للمحكم أن يستقيل "بعد مباشرته مهمته" إلاّ بشرطين:

الأول- نشوء أسباب جديدة تمنعه من الاستمرار في العمل.

الثاني- موافقة المكتب على الاستقالة.

على أنّ الاستقالة يجب أن تقدّم الى المكتب وهو يقدّر مدى توفر أو عدم توافر الشرط الأول. كما يتبيّن أنّ عدم جواز الاستقالة مرتبط بالوقت الذي تتم فيه مباشرة المحكم مهمته. في حين تجوز له الاستقالة قبل هذا الوقت سواء وافق المكتب على ذلك أم لم يوافق. أمّا بعد هذه المباشرة فلا تجوز له الاستقالة. وهذا الحد الفاصل هو وقت يتلقى فيه المحكم ملف التحكيم بعد احالته اليه من رئيس المركز (مركز الرباط) وفق المادة 20 التي تقضي بأن "يحيل المركز بعد تشكيل الهيئة الملف عليها لمباشرة مهمتها".

 

3-     عدم صحة تعيين المحكم:

 قد ينازع أحد الطرفين في صحة تعيين أحد المحكمين، كأن يدّعي بأن المحكم الثالث لم يعيَّن من القائمة، أو عيّن من جنسية الطرف الآخر، أو أنه لم يختر محكمه حسب الأصول. في هذه الأحوال وغيرها، أجازت اتفاقية عمان المنازعة في صحة تعيين المحكم، ويتم ذلك عن طريق تقديم طلب لمكتب المركز (مركز الرباط) الذي يتولى أمر الفصل فيه على وجه السرعة، ويكون قراره في هذا الشأن نهائياً لا يقبل الاعتراض أو الطعن لدى أية جهة أخرى (المادة 18 (5)). وفي حال صحة المنازعة، فإنّ من الطبيعي أن يتضمّن قرار المكتب تنحية المحكم.

وتنحية المحكم لهذا السبب مقيّدة بالمادة 30 من اتفاقية عمان، والتي تنص على أنّ: "كل طرف يعلم بخرق حكم من أحكام هذه الاتفاقية أو شرط من شروطها، ومع ذلك يتابع التحكيم دون اعتراض يعتبر قد تنازل عن حقه في التمسك بذلك".

 

4-     ردّ المحكم:

تنص المادة 19 من اتفاقية عمّان، على حق كل من الطرفين في أن يطلب من مكتب المركز ردّ أحد المحكمين أو أكثر لأسباب يبيّنها في طلبه. ولم تحدِّد الاتفاقية هذه الأسباب أو شروط الردّ، تاركة تقدير ذلك للمكتب الذي عليه أن يفصل في الطلب خلال سبعة أيام من استلامه له. وعلى العموم، فإنّ هذه الأسباب تتعلق بالطعن بنزاهة أو حياد أو استقلالية المحكم. والأهم أنّ طلب الردّ يمكن تقديمه من أحد الأطراف حتى ضد المحكم المعيّن من قبله. ولكننا نرى أنّ ذلك مقيّد بعدم علمه بسبب الردّ عند تعيينه محكمه.

ومتى انتهت مهمة المحكم بسبب الوفاة أو القوة القاهرة أو الرد، فإنه يتم تعيين بديل منه بذات الطريقة التي عيّن بها المحكم السابق .

الفرع الأول: قبول المحكم مهمته:

وهذه آخر مرحلة من مراحل تشكيل المحكمة التحكيمية.

 

1-     ضرورة الموافقة:

لم تنصّ كل القوانين على ضرورة أن يعطي المحكم موافقته. ولكن الاجتهاد يستنتج هذه الموافقة من بعض التصرفات كمباشرة إجراءات التحكيم مثلاً. قانون التحكيم الداخلي الفرنسي اشترط  هذه الموافقة من المحكمين. أمّا قانون التحكيم الفرنسي الدولي فلم يُشِر الى ذلك بشيء.

ولكن موافقة المحكم على المهمة الموكلة إليه تبقى ضرورية لتأكيد مبدأ أساسي وهو، أنّ المحكم هو قاضٍ خاص، وأنّ اختصاصه وسلطته ليس اختصاصاً ولا سلطة دائمين، وإنما هما اختصاص وسلطة مرتبطتين بتراضيين اثنين: التراضي بين أطراف النزاع على تعيينه محكماً وتراضيه مع أطراف النزاع على ذلك. فهذه المهمة قائمة على عقد وطبيعتها تعاقدية.

وهو عقد يربط المحكم بالأطراف أو بمركز تحكيمي، وموضوع الالتزام هو تحقيق غاية وليس بذل عناية، وتحقيق الغاية يكون في إصدار حكم تحكيمي يفصل في النزاع. والعقد بطبيعة الأمر يتضمّن حقوقاً وموجبات على الطرفين.

 

2-     شكل الموافقة:

إذا كانت القوانين غير مجمعة على شكل الموافقة إلاّ أنّ الموافقة، إذا لم تأتِ مكتوبة فإنّها يجب أن تعبّر عن نفسها بشكل واضح وأكيد لا مجال لأي شك أو التباس. وقد أوضحت محكمة استئناف باريس شكل موافقة المحكم في التحكيم الدولي بقولها: "يجب أن تأتي، في غياب اتفاق خاص يعبِّر عنها، يجب أن تأتي هذه الموافقة معبِّرة عن الارادة الشخصية غير القابلة للرجوع من قبل المحكم .

مع الإشارة الى أنّ هذه الموافقة تأتي في أكثر الأحيان خطّية بتبادل الرسائل أو من خلال محضر ينظّم بهذا الشأن عند توقيع وثيقة التحكيم التي تبدأ بها إجراءات المحاكمة التحكيمية. في اتفاقية عمّان العربية للتحكيم، عندما يتم تشكيل هيئة التحكيم، سواء أكانت مكوّنة من محكم فرد أو من ثلاثة محكمين، يجب على المحكم قبل أن يباشر مهمته أن يحلف اليمين الآتية: "اقسم بالله العظيم أن أحكم بالعدل وأن أراعي القانون الواجب التطبيق وأؤدي مهمتي بأمانة ونزاهة وتجرد". ويجب القسم أمام رئيس المركز (مركز الرباط) أو من ينيبه ولا يشترط أي مكان لإداء القسم . ولكن ما يلفت النظر أنّ أحد مواضيع القسم هو وجوب مراعاة القانون الواجب التطبيق وتمييزه عن قواعد العدالة. ومن جهة أخرى، يجب أن نفهم النص بأنه يشمل المحكمين في القائمة وغيرهم، ولكنه لا يطبّق على المحكم لكونه مقيّداً في القائمة، بل يطبّق فقط في حال تعيينه للفصل في نزاع معين. ويجب أداء القسم في كل نزاع على حدة.

 

3-     أثر الموافقة:

أول أثر للموافقة هو تثبيت إنهاء تشكيل المحكمة التحكيمية. والأمر الأهم هو "بداية العد" إذ من هذا الوقت تبدأ مهمة المحكمين، ويصبح على عاتقهم عبء التزامات تعاقدية يجب أن ينفِّذوها كقضاة خاصين. واعتباراً من هذا التاريخ يبدأ سريان المهل التي يجب أن ينهي المحكمون التحكيم خلالها. وقد أكّد الاجتهاد الفرنسي أنّ المهل تبدأ من تاريخ قبول المحكمين مهمتهم .

 

الفرع الثاني: تنظيم سير المحاكمة التحكيمية :

هناك كثير من العمل والإعداد يجري خلف الستار من أجل حسن سير التحكيم وتناسقه وتناغمه وإزالة التناقضات فيه. فالمحكمون ينتمون الى جنسيات مختلفة، وكذلك الأطراف، وقد يكون هناك نزاع بين ليبي وطرف برازيلي ويعيِّن الطرف الليبي (وقد حصل) محكماً انكليزياً ومحامياً أميركياً، ويعيِّن الطرف البرازيلي محكماً برازيلياً ومحامياً فرنسياً الى جانب المحامي البرازيلي ومحام ليبي، ويأتي كل طرف بخبراء من كل الجنسيات، بحيث أنّ مسرح التحكيم الدولي تلتقي فيه أحياناً كثيرة خمس جنسيات وما فوق، وهذا المزيج الدولي هو التحدي الكبير الذي يطرحه التحكيم التجاري الدولي.

وليس من السهل تنظيم إجراءات التحكيم مع هذا المزيج من الجنسيات والثقافات القانونية وفي مدينة غريبة عنهم جميعاً.

1-     الاجتماعات وجلسات المحاكمة:

يجتمع المحكمون الذين يكوّنون المحكمة التحكيمية، ولكن أين؟

ليس ما يمنع أن يكون مكان التحكيم هو القاهرة، وأن يجتمعوا لإعداد إجراءات التحكيم في باريس أو تونس مثلاً، إلاّ إذا كان نظام التحكيم الذي تخضع له الإجراءات يلزمهم بأن يجتمعوا في مكان التحكيم.

القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي (اليونسيترال) ينصّ على أنّ لهيئة التحكيم أن تجتمع في أي مكان تراه مناسباً لمعاينة بضائع أو أموال أخرى أو لفحص مستندات . وعلى هذا الدرب سار نظام تحكيم محكمة لندن للتحكيم الدولي.

وتعقد دائماً جلسات محاكمة شفهية ونادراً ما يصدر الحكم بدون جلسة شفهية بناءً على مستندات الدعوى ووثائقها.

فجلسات المحاكمة الشفهية هي القاعدة. وأحياناً تعقد جلسة واحدة، وأحياناً أخرى تعقد عدة جلسات للمرافعة وسماع الشهود. وهذه الجلسات تعقد حتماً في مكان التحكيم، ولكن الأطراف قد يتوافقون على عقد الجلسات خارج مكان التحكيم. أمّا في غياب التوافق فإنّ الحكم التحكيمي يصبح معرضاً لخطر كبير، إلاّ أنّ عقد جلسة خاصة بموضوع معيّن تنتقل خلالها المحكمة التحكيمية الى خارج مكان التحكيم من أجل سماع شاهد لا يمكنه الانتقال الى مكان التحكيم، هذا الاجراء سليم ولو لم يكن متفقاً عليه لأنّه لا ينقل ولا يغيّر مكان التحكيم، ولكنه يساير مقتضيات حسن سير العدالة وضروراته.

أمّا موعد عقد الجلسات الشفهية فيقرِّره رئيس المحكمة بالاتفاق مع المحكمين، وبعد التشاور مع أطراف النزاع ومحاميهم. وخلال ذلك يجري تقدير العدد اللازم للجلسات في ضوء عدد الشهود والوقت اللازم والمطلوب من محامي الأطراف لذلك. وبالطبع فإنّ هذه الجلسات لا تعقد خلال أيام العطل والأعياد في بلد التحكيم إلاّ إذا توافق الأطراف على ذلك.

ومن المفيد للمحكمين، ولسير التحكيم، أن لا يكرِّر المحامون ما قالوه في لوائحهم الخطية، وهنا يؤدي رئيس المحكمة التحكيمية والمحكمون دوراً في توجيه جلسات المرافعة الى نواحٍ وجدوا أنها في حاجة الى توسيع وتوضيح، بحيث يذهب المحامون في تحكيم ناجح وعملي وسريع الى هذه النقاط مباشرة ولا يقضوا الساعات في تكرار ما سبق أن كتبوه وأطلع عليه المحكمون والخصوم. يبقى موضوعان هامان في جلسات المرافعة الشفهية: الترجمة والتدوين.

 

أ‌-      الترجمة:

إذا كان الشهود يجهلون لغة التحكيم فإنّ مترجماً سيتولى ترجمة أقوالهم الى لغة التحكيم. وهناك ثلاثة احتمالات، إما أن يأتي الطرف الذي عيّن شاهداً بمترجم أو تعيِّن المحكمة التحكيمية مترجماً أو يأتي بمترجم الطرف الذي عيَّن شاهداً، ويأتي له الطرف الخصم بمترجم آخر للتثبت والتحقق من أقوال المترجم الآخر.

 

ب‌-    التدوين:

التحكيم على أساس القوانين المدنية يعتمد كثيراً على الوثائق والمستندات بينهما التحكيم الذي يسير على أعراف القوانين الانكلو-أميركية يعتمد على الشهود بقدر ما يعتمد على الوثائق أي أنّ البيِّنة الشفهية لها أهمية قدر البيِّنة الخطية، وأحياناً أكثر، وذلك يتفق مع قواعد الاثبات في الشرع الإسلامي.

ولكن سواء كان التحكيم على أساس القوانين المدنية أم على أساس أعراف القوانين الانكلو-أميركية، فإنّ ما يقال في جلسات المحاكمة يجب أن يدوَّن. وهناك طريقتان عصريتان: إما الاختزال (ستنو) أو طريقة التسجيل على آلة تسجيل، ثم تفريغ الأشرطة على محاضر.

 

2-     كاتب المحكمة:

في المحكمة التحكيمية عمل إداري ضخم يقوم به المحكمون أو رئيس المحكمة التحكيمية، من جمع المستندات وتأمين الاتصالات بين المحكمين الى كتابة الرسائل الى تأمين اتصال المحكمة التحكيمية بأطراف النزاع الى الإتصال بهم والتوافق على مواعيد الجلسات، ثم تدوين جلسات المحاكمة. وهذا كله يقوم به كاتب المحكمة التحكيمية الذي يصبح حجر الزاوية في الاتصالات وفي جلسات المحاكمة التي حضرها، ويدوِّن كل ما يحصل فيها سواء تم التدوين عن طريق التسجيل على آلة تسجيل، فيقوم بتفريغ الشريط، أو يجمع ما سجّله الاختزال من أقوال. وإذا كان التحكيم تحكيم حالات خاصة يفتح حساباً مصرفياً ويديره بإشراف رئيس المحكمة التحكيمية. ولكنه محظور على الكاتب حضور جلسات المذاكرة تحت طائلة إبطال الحكم التحكيمي إذا شارك الكاتب مع المحكمين في المذاكرة بشأنه.

والملاحظ أنّ الحاجة الى كاتب في التحكيمات النظامية التابعة لمركز تحكيمي هي أقل بكثير منها في تحكيمات الحالات الخاصةAd Hoc ، لأنّ مراكز التحكيم تقوم بجزء كبير من أعباء كاتب المحكمة كطلب تحويل رسوم التحكيم من الأطراف، وإيجاد مكان التحكيم في بلد التحكيم، ومع ذلك يبقى الكاتب من ضرورات التحكيمات الكبرى.

 

3-     رسوم ومصاريف التحكيم وأتعاب المحكمين:

مصاريف التحكيم هي أكثر بكثير من الرسوم القضائية، ولاسيما الرسوم القضائية في الدول الصناعية التي هي رمزية أكثر منها فعلية، بينما الرسوم القضائية في الدول النامية هي عبء ثقيل على كاهل المتقاضين.

ومع ذلك تبقى مصاريف ونفقات التحكيم أكثر بكثير من الرسوم القضائية، فالتحكيم الدولي يستوجب أتعاب المحكمين نفقات انتقالهم، ثم ايجار المكان الذي ستعقد فيه جلسات المحاكمة ونفقات الكاتب والمطبوعات. وحين يكون التحكيم نظامياً تابعاً لمركز تحكيمي فهناك الى جانب ذلك النفقات الإدارية للمركز التحكيمي.

بالنسبة لأتعاب المحكمين فإنّ التحكيم، إذا كان تابعاً لمركز تحكيمي، تكون أتعاب المحكمين محدّدة سلفاً، وفقاً لجدول تصاعدي، ولكن الأمر في تحكيم الحالات الخاصة ad hoc مختلف، فحين يقبل المحكم مهمته يكون قد أبرم عقداً وأخذ التزاماً تعاقدياً على عاتقه، ولكن... هل أنّ أطراف النزاع ملزمون بدفع أتعاب المحكم؟ وعلى أي أساس؟

لقد اعتبرت المحاكم الإنكليزية أنّ أتعاب المحكم ليست جزءاً ضمنياً من عقد المحكم ، بل اعتبر القضاء الإنكليزي أنّ المحكم يرتكب خطأً إذا اشترط دفع أتعاب له حتى يتابع السير بالتحكيم.

هل يعني ذلك أنّ المحكم يعمل مجاناً؟

بالطبع لا. ولكن أتعاب المحكم يجب أن تبحث على حدة وقبل تكليف المحكم بمهمته.. لأنّ تصور المحكم ممسكاً بميزان العدالة وهو يفاوض الأطراف على أتعابه وضع لا يوحي بالثقة بالتحكيم، أما قبل أن يقبل المحكم المهمة قلا يمكن أن يعزى إليه أي ضغط في المفاوضات.. وهي أصلاً تجري والمحكم ليس محكماً بعد، فهي حرة والمتفاوضون مستاؤون.

كيف تحدد أتعاب المحكم؟ هناك عدة صيغ في هذا الموضوع:

أ‌-      أن يدفع كل طرف أتعاب محكمه.. وهذه الطريقة مستغربة بعض الشيء. ولكن عدة مراكز تحكيم تعتمد ذلك مثل مركز تحكيم غرفة تحكيم باريسChambre arbitrale de Paris.

ب‌-    يقدر المحكمون في الحكم التحكيمي أتعابهم.

ج-  في مركز التحكيم يكون هناك جدول بياني بالرسوم، يحدِّد الجدول أتعاب المحكمين والمصاريف الإدارية فيدفع كل طرف ما عليه الى المركز التحكيمي عند تقديم الدعوى ويدفع المركز التحكيمي أتعاب المحكمين بعد صدور الحكم التحكيمي.

 

الفرع الثالث: حياد المحكم واستقلاله:

في معظم الأنظمة القانونية الداخلية، ومعاهدات التحكيم الدولية، يطرح موضوع استقلالية المحكم وحياده. في قوانين التحكيم الدولية يمرّ المشرّع بجانب هذا الموضوع دون تأكيد أو إشارة اليه، بينما في قوانين التحكيم الداخلية  هناك تأكيد صريح على أنّ المحكم يجب أن يكون مستقلاً وحيادياً ومحكمة النقض الفرنسية اعتبرت أنّ أسباب عزل المحكم هي أسباب عزل القاضي في التحكيم الداخلي .

في دعوى Ury C. Galeries Lafayette اعتبرت محكمة النقض "أنّ الاستقلالية الذهنية لا بد منها لممارسة السلطة القضائية أياً كان المصدر، لأنّها صفة أساسية للمحكمين" . كان هذا التعريف من محكمة النقض في تحكيم داخلي.

وفي تحكيم دولي، استعادت محكمة استئناف باريس هذا التعريف ، ثم استقر الاجتهاد الفرنسي على هذا التعريف للمحكم في التحكيم الدولي . وحين كان الاجتهاد الفرنسي يعيد صياغة هذا التعريف فإنّ اعتبار استقلالية المحكم وحياده "أساس مهمته القضائية"  أو "شرط مطلق لكل اجراء تحكيمي" ، وأحياناً يضيف القضاء شرط "حياد المحكم وموضوعيته" . 

في القانون النموذجي للتحكيم (اليونسيترال) يشترط في المحكم "حيدته واستقلاله"  وفي هذا الاتجاه ذهب القانون المصري الذي اشترط أيضاً في المحكم "استقلاله وحياده" ، وكذلك قانون التحكيم الدولي في البحرين، وكذلك القانون اليمني  أمّا قانون الامارات العربية المتحدة فاشترط في المحكم الشروط المشروطة في القاضي ، أمّا القانون الهولندي فقد اشترط "الاستقلالية والحياد"  وكذلك القانون التونسي .

اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى، التي أنشأت مركز واشنطن، اعتمدت نظام اللائحة لاختيار المحكمين، وقضت بأن :

"الأشخاص الذين يعينون بالقوائم يجب أن يكونوا من ذوي الاخلاق العالية، ويكون مسلّماً بمقدرتهم في ميادين القانون أو التجارة أو الصناعة، أو المال، ويمكن الاعتماد على استقلالهم في الرأي. وستكون للمقدرة القانونية أهمية خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعيّنون من قائمة المحكمين".

ويضيف نظام مركز واشنطن: "وسيراعي الرئيس، فضلاً عن ذلك في اختيار من يعيِّنهم بالقوائم، أهمية ضمان تمثيل النظم القانونية الرئيسية في العالم في تلك القوائم، وكذلك الأشكال الهامة المختلفة للنشاط الاقتصادي".

وفي الحالات التي يذهب فيها المحكم بعيداً عن الحياد والاستقلال وبشكل ظاهر، فإنّ ذلك يؤدي الى جواز عزله. أمّا إذا بقي متستراً أو ملتزماً الرصانة والتستر ولا يظهر سوى العطف على مطالب الطرف الذي سمّاه والحرص على فهم سائر المحكمين لوجهة نظر وحجج الطرف الذي سمّاه فلا يطرح المحكم مشكلة. ويبقى رئيس المحكمة التحكيمية هو الضمان والرقيب وهو الذي يجب أن لا يتحيّز لأنه حجر الزاوية في الحياد والاستقلال.

وقد نصّت كل أنظمة مراكز التحكيم صراحة على حياد المحكمين من اليونسيترال واستقلالهم، مروراً بنظام تحكيم غرفة التجارة الدولية الى مركز لندن للتحكيم الدولي. ونظام اليونسيترال ينص على إجازة عزل المحكم إذا رسمت الظروف شكاً حول حياده واستقلاله ، ونظام تحكيم غرفة التجارة الدولية يذهب أبعد من ذلك الى إجازة عزل المحكم في حال انتفاء استقلاليته أو لأي سبب آخر .

في الولايات المتحدة يقضي قانون التحكيم الفدرالي بأن يكون كل المحكمين مستقلين وحياديين ويقول: "إنّ المحكمين الذي يختارهم كل طرف يجب أن لا يعتبروا أنفسهم ممثلين لهذا الطرف أو محامين له. بمجرد تسميتهم يجب أن يفكّوا أي ارتباط مع الذي سمّاهم إذا كان ثمة ارتباط سابق".

من المسلمات، أنّ المحكم يجب أن يبقى مستقلاً وحيادياً خلال سير التحكيم. حتى أنّ بعض القوانين أجازت عزل المحكم لنفس أسباب عزل القاضي. ولكن يجب أن لا نذهب بعيداً في ذلك. فالمحكم المعين من طرف يجب أن يكون مستقلاً وحيادياً، والمحكم الثالث أي رئيس المحكمة التحكيمية هو حيادي ومستقل بالفعل، وهو الذي يمكن تشبيهه بالقاضي... وفي مطلق الأحوال فإنّ النظام التحكيمي الذي اختاره الطرفان هو الذي يحدّد حقوق وواجبات المحكمين في الحياد والاستقلال.

في نوع من الواقعية، فإنّ نظام تحكيم الهيئة الأمريكية للتحكيم ونظام تحكيم نقابة المحامين في أمريكا اعتبرا أنّ المحكمين غير الحياديين الذي يسميّهم الأطراف يمكن أن يكونوا ميالين الى من عيّنهم، ويمكنهم أن لا يسلكوا موقف المحكم الحيادي الثالث. ولكن سنة 1990 عدلت نقابة المحامين الأمريكيين نظامها وقضت بأنّ المحكمين الذين سمّاهم الأطراف في التحكيم التجاري الدولي يجب أن يلتزموا الحياد إلاّ إذا اتفق الأطراف على غير ذلك.

الى أي مدى يجب أن يلتزم المحكم المعيّن من طرف بالحياد؟ هل هو حياد مطلق؟ أم أنه حياد نسبي؟ أم حياد من نوع خاص؟

إنّ عطف المحكم على مطالب الطرف الذي سمّاه وتفهّمه هذه المطالب وحرصه على أن يتفهمها سائر المحكمين، مفهوم ومقبول، ولاسيما في الشرق. ولكن تحوّل المحكم الى محام، بل الى جندي للطرف الذي سمّاه غير مقبول، لأنّ فيه خروج عن الحد الأدنى من الحياد والاستقلالية. وهو أمر يعرّض هذا المحكم للعزل. ولكن إثبات مسلك المحكم المتحيّز صعب للغاية، كما لو كان للمحكم رأي مسبق في النزاع من خلال دراسة وضعها حول النقطة القانونية موضع البحث وليس من خلال كونه محكماً في دعوى تحكيمية أخرى.

فماذا يكون وضع المحكم في هذه الحالة؟

اعتبر الاجتهاد الفرنسي أنّ كتابات المحكم لا تسمح بوضع حياده موضع الشك وهي لا تعكس عداء شديداً من المحكم ضد أحد الطرفين .

يبقى أنّ معنى النزاهة في التحكيم الدولي كامن في الصفتين اللازمتين للمحكم أي الحياد والاستقلالية. ووفقاً للفقه فإنّ مسافة يجب أن تفصل المحكم عن الثقافة القانونية والسياسية والدينية المحلية ، إذ يجب أن يتجاوز المحكم تقاليده وأن يتمتع بانفتاح فكري على أنواع أخرى من الفلسفات والمدارس الفكرية والثقافات.

وقد حصل ذلك في دعوى Philipp Brothers ، وكذلك في دعوى عيّن فيها رب العمل محكماً في النزاع الأساسي العالق بينه وبين المقاول، ثم أعاد تسميته في النزاع المتعلق بتسييل الكفالة المصرفية المعطاة من مكتب دراساته.

وقد حكمت محكمة بداية باريس باستبعاد المحكم عن القضية الثانية بحجّة أنّ "معرفة المحكم بالإجراءات السابقة ليس من شأنها رسم شكوك مشروعة حول حياده وموضوعيته في الحكم في الدعوى الجديدة، طالما أنّ شخصه ليس موضع أية منازعة جدية..." ولكن، أضافت المحكمة أنّ الحكم التحكيمي الأول كوّن تقييماً لمسؤولية مكتب دراسات رب العمل، وإن لم يكن هذا المكتب طرفاً في النزاع التحكيمي الأساسي، وهكذا قرّرت المحكمة عزل المحكم . ويعتبر الاجتهاد الفرنسي أنه في غياب أي حكم سابق "يمكن أن يشكِّل من قبل المحكم رأياً مسبقاً ضد طرف"، فإنّ مشاركة المحكم في تحكيم ثانٍ متلائم مع تحكيم أول ليس موضع أي مأخذ .

وفي حالات مشابهة اعتبرت محكمة استئناف باريس أنّ المحكم يمكنه أن ينظر في تحكيمين متوازيين إلاّ "إذا صدر في الدعوى الأخرى قرار يمكن أن يشكِّل من جهة المحكم رأياً مسبقاً، ولاسيما إذا شارك المحكم في الدعوى الأولى بإصدار حكم ضد طرف" .

في هذه الحالات تظهر المصالح المشتركة بوضوح بين المحكم وأحد الطرفين (الذي هو الطرف الذي سمّاه) وهي مصالح كافية لإثارة شكوك مشروعة حول حياده ونزاهته.

وأحياناً تكون العلاقة والروابط ليس بين المحكم والطرف، وانما بين المحكم ومستشار هذا الطرف وهو وضع يدعو أيضاً لشكٍ مشروع حول حياد المحكم ونزاهته.

إذا نظر محكم في نزاع واتخذ موقفاً فيه، ثم عيّنه طرف آخر في نزاع آخر مطابق في وقائعه ونقاطه القانونية للنزاع الأول، هل يكون هناك مساس باستقلالية المحكم وحياده إذا عيّن هذا المحكم في النزاع الثاني؟

 

1-     مفهوم الحياد والاستقلالية :

ما هو معنى حياد المحكم واستقلاليته؟

ليس من السهولة إعطاء تعريف دقيق بذلك، وإذا كانت الاستقلالية تبدو كواقع ظاهر يمكن تقديره بموضوعية، فإنّ الحياد والنزاهة هما حالة ذهنية ونفسية لهما طابع ذاتي أكثر، مما هو موضوعي.

ولأنّ اثبات الحياد والنزاهة أمر صعب، واثبات عكسهما أمر سهل للغاية، ذلك لأن خروج المحكم عن الحياد والنزاهة لا يظهر مسلكه إلاّ في حالات استثنائية. وقد عرف الاجتهاد الفرنسي استقلالية المحكم بأنها "عصب مهمته القضائية، لأنّ المحكم بمجرد تعيينه يدخل في نظام القضاة الخالي من أي ارتباط ولاسيما مع أطراف النزاع، وأن الظروف التي تثار للشك في هذه الاستقلالية والمنازعة بها يجب أن تتوافر بها روابط مادية وذهنية، وهي حالة من شأنها إذا ثبتت أن تؤثر في حكم المحكم، اذ تشكِّل خطراً أكيداً على حقوق أحد الطرفين" .

وهكذا اعتبر محكماً غير مستقل ذلك الذي:

-       يعمل مستشاراً يتقاضى أتعاباً لدى أحد طرفي النزاع خلال سير إجراءات التحكيم .

-       تصرف كممثل للطرف الذي سمّاه أو تلقى تعليمات منه .

ويضع القانون النموذجي للتحكيم الدولي أحكاماً للحياد والاستقلال تنصّ على أنه :

"1-   على الشخص، حين يفاتح بقصد احتمال تعيينه محكماً، أن يصرِّح بكل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوكاً لها ما يبرِّرها حول حيدته واستقلاله. وعلى المحكم، منذ تعيينه وطوال إجراءات التحكيم، أن يفضي بلا إبطاء الى طرفي النزاع بوجود أي ظرف من هذا القبيل، إلاّ إذا كان قد سبق له أن احاطهما علماً به.

2-     لا يجوز ردّ محكّم إلاّ إذا وجدت ظروف تثير شكوكاً لها ما يبرِّرها حول حيدته أو استقلاله، أو اذا لم يكن حائزاً مؤهلات اتفق عليها الطرفان. ولا يجوز لأي طرف من طرفي النزاع ردّ محكمٍ عيَّنَه هو أو اشترك في تعيينه إلاّ لأسباب تبيّنها بعد أن تم تعيين هذا المحكم". 

سنة 1987 وضع الاتحاد الدولي للمحامين (IBA) نظاماً حول قواعد سلوك المحكمين الدوليين لا يفرّق بين محكم مسمى من طرف أو المحكم الثالث، ووفقاً لهذا النظام فإنّ المحكمين يجب أن يتحلوا بالاستقلالية عن أطراف النزاع، والحياد في العلاقات مع الأطراف أو أي شخص له علاقة بأحد طرفي النزاع.

وأوضح الاجتهاد الفرنسي في حكم أصدره في 10/6/2004 أنّ الاستقلالية تفترض استقلالاً عن الوضع (Situation) واستقلالاً فكرياً، وأنه يشترط لاعتبار المحكم غير مستقل اعتماد وقائع موضوعية ومحدّدة التي تبرِّر شكاً مشروعاً في استقلاليته .

أ‌-      الاستقلالية

الاستقلالية هي غير الحياد لأنها تفترض حالة فكرية وذهنية معينة. الانحياز يكون من الممكن احياناً ادراكه، ولكن من الصعب إثباته. وكثيراً ما يكون هناك خلط بين الاستقلالية والحياد. بينما الحياد يفسر في بعض الأحيان من زاوية الجنسية بحيث لا يكون المحكم الثالث من أي من جنسيتي طرفي النزاع.

وقد يكون الأطراف على استعداد للتخلي في بعض الأحيان عن حياد المحكم بحيث لا يمانعون في أن يكون من جنسية أحد الطرفين، ولكنهم ليسوا على استعداد ولا بشكل من الأشكال أن يقبلوا أن يتخلى المحكم عن استقلاليته وأن يحكم وهو مرتبط بأحد الطرفين.

 

ب‌-    الحياد

يمكن للمحكم أن يكون حيادياً بحيث لا يكون من جنسية أو من دين أي طرف ولا يكون مستقلاً، وبالعكس يمكن للمحكم أن لا يكون حيادياً لأنّه من جنسية أو ثقافة أو حضارة أحد الطرفين، وأن يكون قادراً مع ذلك على إعطاء رأي وموقف مستقل في صميم النزاع.

ويطرح كثيراً حياد المحكم في الدعاوى التحكيمية الناشئة بين شركة أجنبية ودولة من دول العالم النامي التي تسمّي دائماً محكماً يكون موظفاً أو خبيراً أو قاضياً من تابعيتها، وهذا الأمر يطرح موضوع حياد هؤلاء المحكمين، واللافت للنظر أنّ محكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية التي تطلب من المحكمين تصريحاً بحيادهم واستقلالهم عند تسميتهم، تقبل مثل هؤلاء المحكمين برغم ارتباطاتهم القانونية الوثيقة بالطرف الذي سمّاهم.

من هنا فإن الحياد، هو الجنسية المحايدة في النتيجة.

والملاحظ أنّ بلد مولد المحكم أو البلد الذي يحمل جنسيته لا يمثل الأهمية التي كانت تعلق على حياده أو تتخذ أساساً لحياده. وقد لحظ القانون النموذجي هذا الواقع، إذ نصّ على أنه "لا يمنع أي شخص بسبب جنسيته من العمل محكماً، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك" .

ومع ذلك فإنّ الجنسية تعتمد عملياً كمقياس للحياد فإذا كان الخلاف بين شركة مصرية وشركة فرنسية فإنّ المحكم الثالث يجب أن يكون من جنسية حيادية أي من غير جنسيتي الشركتين. وذلك يفضي في كثير من الأحيان الى إيجاد محكم له جنسية حيادية، ولكنه لا يعرف شيئاً عن القانون المطبّق على أساس النزاع.

ولكن العرف والواقع الذي فرض نفسه هو أن يكون المحكم من جنسية حيادية مختلفة عن جنسية طرفي النزاع، وقد نصّت القواعد التحكيمية لليونسيترال على ذلك بكثير من الرفق، إذ قالت : "تراعي سلطة التعيين وهي بصدد اختيار المحكم، الاعتبارات التي من شأنها ضمان اختيار محكم مستقل ومحايد، وأن تأخذ بعين الاعتبار أنه من المستحسن أن يكون المحكم من جنسية غير جنسية أحد أطراف النزاع"، حتى لا تعيِّن محاكمها مرة أخرى محكماً من جنسية أحد الطرفين.

كذلك ينصّ نظام محكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية على أنّ "يتعيّن أن يكون المحكم المنفرد أو رئيس محكمة التحكيم من جنسية مختلفة عن جنسيات الأطراف" .

وفي الاتجاه نفسه ذهب نظام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي المأخوذ من قواعد تحكيم اليونسيترال. وكذلك فعل نظام محكمة لندن للتحكيم الدولي، إذ نصّ نظامها على أنّه  "إذا كان الأطراف من جنسيات مختلفة، فإنّ المحكم الأوحد أو الرئيس الذي يجري تعيينه يقتضي أن لا يكون حاملاً أي من جنسيات الأطراف، إلاّ إذا اتفق الأطراف، الذين هم ليسوا من نفس الجنسية، كتابة على غير ذلك".

الأمر ليس سوى أمر مظاهر، والمظاهر هامة. فحياد المحكم ليست ضمانته في جنسيته، ولكن المظاهر لها اعتبارها والشكل ليس أهم من المضمون، ولكن للشكل أحكامه وآثاره. وموضوع الجنسية المحايدة أصبح مسلماً به كمؤشر وأساس لحياد المحكم، حتى أنّ دولة كولومبيا البريطانية التي تبنّت القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي وضعته اليونسيترال عيّنت محكمتها القضائية، في نزاع تحكيمي بين طرفين كندي وياباني، محكماً كندياً فعدّلت القانون ونصّت صراحة وبشكل جازم على أنّ المحكم الثالث يجب أن يكون من غير جنسية طرفي النزاع . حتى لا تعيِّن محاكمها مرة أخرى محكماً من جنسية أحد الطرفين.

يبقى سؤال وهو، هل أنّ المحكم الذي يصرح عن علاقته السابقة بالطرف الذي سمّاه يبقى حيادياً، بصرف النظر عن الجنسية؟ بالطبع كل محكم يجب أن يبيِّن عند تسميته أية علاقة كانت تربطه بالطرف الذي سمّاه والتي من شأنها أن تؤثر في حياده في ذهن الطرف الآخر، فإذا اطّلع الطرف الآخر على تصريح المحكم وقبل بما صرح به ولم يعترض على حياده، فإنّ حياد المحكم يصبح محصناً، والمحكم حين يصرح عند تسميته، يجب أن يصرح بكل الأسباب التي يمكن أن تكون مدعاة لعزله. ولا يصبح حياده محصناً إلاّ إذا قبل الطرف الآخر بتصريحه هذا.

 

ج- اتصالات المحكمين بالأطراف:

المحكم الحيادي المستقل يجب أن لا يكون له أي اتصال بأطراف النزاع خلال سير الدعوى. وهذه القاعدة متفق عليها في كل الأنظمة التحكيمية. ومع ذلك فخلال جلسات المحكمة التحكيمية التي فصلت في النزاعات التجارية الإيرانية الأمريكية تصاعدت روائح إشاعات تقول إنّ أحد المحكمين قد نقل للطرف الذي سمّاه مشروع الحكم التحكيمي، الأمر الذي جعل هذا الطرف يدخل في مفاوضات سريعة مع خصمه نجمت عنها مصالحة أُبرمت في آخر لحظة قبل صدور الحكم التحكيمي وإعلانه.

في دعوى أخرى "همس" المحكم في أذن الطرف الذي سمّاه بتقديم مستندات إضافية تثبت أمراً كانت المذاكرة توصلت الى اسقاطه لنقص في الأدلة.

سرية المذاكرة تعتبر عنصراً أساسياً في اجراءات المحاكمة التحكيمية، وبعض

القوانين التحكيمية نصّت على ذلك، كما نصّت عليها أنظمة نقابات المحامين ومراكز

التحكيم. فالاتحاد الدولي للمحامين (IBA) الانكلو-أميركي يلزم بصورة صريحة أن تبقى المذاكرة سرية.

هل يحق للمحكمين ان يتصلوا خلال الدعوى بالأطراف الذين سمّوهم؟

هذا السؤال لا يحتاج الى تردد بالقول أنّ المحكمين لا يحق لهم الاتصال بالأطراف، إلاّ في مرحلة واحدة وقصيرة وهي مرحلة اختيار المحكم الثالث إذا كان المحكمان مكلفين باختيار المحكم الثالث، إذ ذاك يقبل اتصال المحكمين بالأطراف الذين سمّوهم للتداول معهم في اسم المحكم الثالث حتى لا يأتي مفاجئاً أو غير مقبول من أطراف النزاع.

2- الجنسية وحياد واستقلالية المحكم:

أصبحت الجنسية هي مؤشر ومفهوم حياد المحكم، كما ذكرنا سابقاً. كل أنظمة مراكز التحكيم الدولية تشير الى أنّ المحكم المنفرد والمحكم الثالث يجب أن يكونا من غير جنسية الطرفين .

ولكن هذه القاعدة ليست من النظام العام، وهي نسبية في مفهوم الحياد، ففي الإمكان أن يتفق الطرفان على عكس هذه القاعدة، بل إنّ الاجتهاد ذهب أبعد من ذلك، واعتبر أنّ القاعدة الواردة في أنظمة مراكز التحكيم لا تقيّد المحكمة الفرنسية حين يطلب منها تعيين محكم دولي، لأنّ المحكم هو قاضٍ وليس وكيلاً لأحد الطرفين، بحيث يكون موضع شبهات سببها جنسيته. وهكذا عيَّنت المحكمة الفرنسية محكماً ثالثاً فرنسي الجنسية في نزاع بين طرف فرنسي وطرف مكسيكي، بناءً على طلب وردها لتعيين محكم حيادي .

ولكن، إذا كان هذا الاتجاه محصناً لا يقبل النقد على الصعيد القانوني إلاّ أن الوضع يصبح دقيقاً على الصعيد العملي والواقعي حيث المطلوب إبعاد أية شبهة أو قرينة أو مؤشر على انحياز المحكم.

وقد طرح موضوع الجنسية، بمفهومه الثقافي والفكري، في دعوى تحكيمية أمام غرفة التجارة الدولية. فقد عيّنت محكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية محكماً ثالثاً من الجنسية اليونانية في خلاف بين شركة مغربية وشركة المانية. وقدمت الشركة المغربية طعناً بقرار محكمة غرفة التجارة الدولية أمام المحكمة القضائية الفرنسية مدلية بأنّ الجنسية اليونانية هي جزء من الجنسية الأوروبية، ولكن المحكمة القضائية اعتبرت في قرار أصدرته في 18/1/1991 أنه لا يمكن للقاضي أن يحل محل المحكمين (الذين لهم اختصاص النظر باختصاصهم) ولا محل مركز التحكيم حين يسير التحكيم طبقاً لنظامه .

هكذا نرى أنّ المحكمة القضائية قد تهربت من الإجابة عن السؤال، حول ما إذا كان مفهوم الجنسية مفهوماً ثقافياً حضارياً أم لا.

3- الشكوك التي لها ما يبرِّرها:

اذا كان من الصعب تحديد تعريف دقيق لاستقلالية المحكم وحياده إلاّ أنه يبقى بالإمكان التعريف عن طريق النفي، وهو أن لا تكون هناك شكوك مشروعة لها ما يبرِّرها في حياده واستقلاله، من خلال الظروف والوقائع المحيطة به. القانون النموذجي للتحكيم الذي وضعته اليونسيترال هو الذي كرّس فكرة الشكوك التي لها ما يبررها حول حيدة المحكم واستقلاليته والتي تبرِّر عزله .

 

4- المحكم المعيَّن من الطرف: الحياد والاستقلالية؟

كل طرف يحرص في التحكيم على أن يعيِّن "محكِّمه" وهذا الحرص يتمسّك به الذين اختاروا التحكيم، تمسكاً شديداً. فهل المحكم المعين من طرف هو محاميه ووكيله، أم أنّ المحكم يجب أن يكون حيادياً ومستقلاً عن الطرف الذي عيّنه؟

هناك موقفان في هذا الموضوع!

الأول، وقد ظهر في الولايات المتحدة في التحكيم الداخلي، يفرِّق بين المحكم المعين من طرف والذي لا يكون حيادياً، والمحكم الحيادي الذي يشترط فيه الحياد والاستقلال، كما يشترط في القاضي. وهذا ما ورد في نظام هيئة التحكيم الأمريكية حيث المحكمين الذين يختارهم أطراف النزاع ليس مفترضاً بهم الحياد وليسوا ملزمين بتقديم تصريح عن حيادهم ولا هم معرضين للعزل. والاجتهاد الأميركي يسير في هذا الاتجاه وكذلك تسير في هذا الاتجاه القواعد التي وضعتها نقابة المحامين الأمريكيين مع الهيئة الأمريكية للتحكيم . أمّا سائر المحكمين فعليهم واجبات الحياد والاستقلالية.

هذا اتجاه لم يبقَ مستمراً طويلاً، فاتحاد نقابات المحامين في القواعد التي وضعتها للتحكيم سنة 1987، نصّ على أنّ المحكمين الدوليين يجب أن يتوافر فيهم الحياد والاستقلال ويبقون بعيدين عن مساندة أي طرف. والهيئة الامريكية للتحكيم عدّلت موقفها حين نصّت على أنه في التحكيم الداخلي يشترط في المحكم أن يكون حيادياً مستقلاً إلاّ إذا اتفق الأطراف كتابة على غير ذلك ، ولكنها في التحكيم الدولي ظلت تشترط الحياد والاستقلالية دون إعطاء فرصة للأطراف للاتفاق على عكس ذلك .

ومع ذلك فإنّ أصواتاً فقهية ترتفع في أوروبا داعية لإسقاط حجاب الخبث عن المحكمين المعينين من الأطراف ، أو المحكم المعيّن من دولة يكون موظفاً يعمل في جهاز هذه الدولة، والاتجاه الفقهي الأوروبي يقول بأن يكون هناك حد أدنى من النزاهة وأن لا يكون هناك تجاوز أو انحياز غير منضبط . ولكن يبقى الاتجاه الغالب متمسّكاً ليس بالحد الأدنى للنزاهة، بل بالحد الأقصى لحياد واستقلال المحكم المعين من طرف ، لأنّ كل تسوية في هذا الموضوع سيئة لسمعة التحكيم، إذ لا يمكن المساومة على وظيفة القاضي التي يمارسها المحكم وإن كان معيناً من طرف في النزاع. وفي هذا الاتجاه ذهبت أكثر القوانين العصرية وكذلك أنظمة مراكز التحكيم الدولية. وباستثناء القانون الأميركي، فإنّ كل القوانين والاتفاقات الدولية متمسكة بحياد واستقلالية المحكم المعين من طرف في النزاع، ولا تفرِّق اطلاقاً بينه وبين المحكم الثالث أو المحكم المنفرد، ومع ذلك نلاحظ مثلاً أنّ الاجتهاد السويسري للمحكمة الفدرالية اعتبر أنّ حياد واستقلال المحكمين الذي سمّاهم أطراف النزاع يجب أن لا يوزن بنفس دقة ووزن حياد واستقلال المحكم المعين من شخص ثالث (سلطة التسمية) أو من القضاء . أما الاجتهاد الفرنسي فقاطع ومتشدّد حول هذه النقطة منذ أن أصدر حكمه في قضية C. Galeries Lafayette فهو يلزم كل المحكمين بمستوى واحد من الحياد والاستقلال الذهني ويعتبر أنّ عملية تعيين طرف لمحكم ليس تصرفاً منفرداً من هذا الطرف ولو كان بمبادرة منه، بل هو يعبِّر عن إرادة الطرفين .

 

5- كيفية ضمان تنفيذ شروط الحياد والاستقلال:

من أجل ضمان التزام المحكم بشروط الحياد والاستقلال، فإنّ هناك وسائل احتياطية وقائية مناسبة وعملية.

أ‌-      التزام بالتصريح:

على المحكم المرشح قبل تعيينه، أن يعلم مركز التحكيم (إذا كان التحكيم نظامياً تابعاً لمركز تحكيمي) والأطراف (إذا كان تحكيم حـالات خاصة Ad hoc) أن يعلم كتابةً بكل الوقائع والظروف التي يكون من طبيعتها التأثير في استقلاله وحياده أو أن تثير شكوكاً لها ما يبرّرها، في نظر الأطراف، في حياده واستقلاله. كما يلزم المحكم بأن يحيط بأي ظرف يطرأ بعد تعيينه ويكون من شأنه اثارة شكوك لها ما يبرِّرها لدى الأطراف أو من طبيعتها التأثير في استقلاله وحياده في نظر الأطراف ، هذه القاعدة تبنّتها أكثر أنظمة مراكز التحكيم الدولية والقوانين التحكيمية الحديثة.

القانون الفرنسي ينصّ على أنّ "المحكم الذي يعتقد أنّ في شخصه سبباً لعزله يجب أن يعلم الأطراف به، وفي هذه الحالة يجب أن لا يقبل مهمته إلاّ باتفاق الطرفين" ، ولكن هذا النص يتعلّق بالتحكيم الداخلي، ويمكن بسهولة اعتباره شاملاً التحكيم الدولي، ولاسيما أن اجتهاد المحاكم الفرنسية ذهب في هذا الاتجاه ولو ضمنياً. وسار على هذا الطريق القانون النموذجي للتحكيم الذي وضعته اليونسيترال، كذلك القانون الفدرالي الكندي وقانون كيبيك  والقانون اللبناني  والقانون التونسي  والقانون المصري  وقانون ولاية كاليفورنيا  وتكساس ، كذلك القانون الهولندي الذي نصّ على هذه القاعدة بشكل قاطع  وسائر القوانين العربية والأوروبية.

وقد اعتبر الاجتهاد الفرنسي أنّ وظيفة المستشار التي كان يمارسها المحكم لدى رئيس مجلس إدارة شركة من الشركات الطرف في التحكيم، والتي كان يتقاضى عليها أتعاباً في غاية الأهمية، اعتبر الاجتهاد أن وظيفة المحكم هذه لم تكن معروفة ومعلنة، كما يزعم المحكم، لدرجة تعفيه من موجب التصريح عنها لكي يكون في ممارسته واجباته في منتهى الشفافية المرتبطة بها وظيفة المحكم. مما يؤكد أنّ علاقات منافع كانت موجودة عند توقيع الاتفاق التحكيمي الذي سمّى المحكم بموجبه، وهو أمر لو عرفه الطرف الآخر لكان أثار لديه شكوكاً مشروعة حول حياد هذا المحكم واستقلاله، الأمر الذي يبرِّر عزل المحكم المذكور .

 

ب‌-    صلاحيات سلطة تسمية المحكم:

إذا كان المحكم معيناً من شخص ثالث أي من سلطة تسمية (نقيب محامين أو عميد كلية حقوق الخ...) أو من قاض، أو جرى تثبيته من مركز تحكيمي فإنّ سلطة التسمية التي تملك الأصل تملك الفرع، وبالتالي فهي تملك الصلاحية لإبعاد المحكم الذي لا يستجيب شروط الحياد والاستقلال المطلوبة في القاضي.

في التحكيم النظامي لمركز تحكيمي يكفي العودة الى نظام تحكيم المركز. ففي نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية  يلتزم المحكم قبل تعيينه أو تثبيته أن يقدِّم تصريحاً بالوقائع والظروف التي يكون من طبيعتها التأثير في استقلاله في نظر الأطراف، ولا تثبت أو تعيّن الهيئة الدولية للتحكيم المنبثقة من غرفة التجارة الدولية المحكم الذي تجد في تصريحه ما يؤثر في استقلاله وحياده. وهكذا أيضاً في نظام محكمة لندن للتحكيم الدولي .