على الرغم من أن الحياد ضرورة ملحة لكل من يحكم بين خصمين سواء كان ذلك الحاكم قاضي أو محكم إلا أن مضمون الحياد في القاضي يختلف عن المحكم فالقاضي شخص تعينه الدولة لأداء وظيفة دائمة ومستمرة في المحاكم ولا صلة له من حيث المبدأ بالخصوم الذين يتقاضون أمامه أما المحكم فهو قاضي يتم اختياره عن طريق الخصوم وهذا الاختيار في ذاته قد يكون عائدا إلى صلتهم بالخصوم أو بأحدهم أو لإلمامه بموضوع النزاع فالذي يبدو واضحا أن مضمون الحياد لدى المحكم ليس هو مضمون الحياد لدى القاضي فالسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام ما هو مضمون حياد المحكم؟
أكدت محكمة النقض الفرنسية الصفة القضائية للمهمة التحكيمية وألحقت هذا التأكيد بإرسائها لمبدأ مؤداه أن يكون المحكم مستقلا عن الخصوم الذين اختاروه للفصل في النزاع وذلك انطلاقا من الصفة القضائية للعمل الذي يقوم به التي تستلزم الفصل بين صفته كقاضي نزاع وصفته كوكيل عن الخصوم .
كذلك قضت محكمة استئناف باريس بأنه لا يمكن اعتبار المحكمين مجرد وكلاء كل عن الخصم الذي أختاره وإنما هم في جميع الأحوال قضاة عُهد إليهم بالفصل في النزاع وبناء عليه فإن الاستقلال المعنوي شرط لا غنى عنه لممارسة الوظيفة القضائية آيا كان مصدرها، وان هذا الاستقلال المعنوي هو أحد الشروط التي يتعين توافرها في المحكم .
كذلك في حكم حديث نسبيا أكدت ذات المحكمة أن استقلال المحكم هو جوهر مهمته لأنه منذ اختياره يكون قد تبوأ مكانة القاضي وهى صفة تتنافي في طبيعتها مع وجود أي رابطة تبعية بأحد الخصوم .
فالاستقلال والحيدة شرطين مطلوبين في جميع المحكمين آيا كانت الطريقة التي تمت بها التعيين ويمكن أن يستخلص ذلك من نص المادة (16) من قانون التحكيم التي نصت على أنه "لا يجوز لأي من طرفي الاتفاق رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكا جديه حول استقلاله أو حيدته كما لا يجوز رد المحكم الذي يعينه أو يشترك في تعيينه أحدهما إلا لأسباب يبينها فالحياد مطلوب في المحكم الذي يتم اختياره بمعرفة كل طرف وفي المحكم الذي يتفق عليه الطرفين رئيسا لهيئة التحكيم.
يوافق اتجاه المشرع السوداني القضاء الفرنسي فقد قضت محكمة الفرنسية بما يلي:
يتضح من نص المادة (1006) مرافعات التي توجب تعيين المحكمين في مشارطة التحكيم والمادة (1008) التي لا تجيز عزل المحكمين إلا بتراضي الخصوم جميعا على اعتبار أن تعيين المحكم ليس عملا فرديا يقوم به كل خصم حتى ولو تم ذلك بناء على مبادرة من كل خصم بتعيين محکمه بل على العكس فإن هذا التعيين لا بد أن يصدر عن إرادة الخصوم الجماعية وهذه القاعدة تنطبق على التحكيم الذي يتم بناء على مشارطة تحكيم كما ينطبق على التحكيم الذي يتم بناء على شرط التحكيم ولو لم يكن هناك نص بين الخصوم في هذا المعنى .
بذلك فإنه يكون للخصم الحق في طلب رد المحكم في حالة أن تثور ظروف تشكك في استقلاله وحياده مما يعني المحكم الذي يتم اختياره بواسطة الخصوم لا بد أن يكون مستقلا عن هذا الخصم مثله في ذلك مثل المحكم الثالث ( رئيس الهيئة) وإلا حق للخصم أن يطعن في تعيينه.
أن نظام المحكم الخصم غير مقبول ولا يتوافق مع طبيعة المهمة التحكيمية التي يتولاها المحكم باعتبار أن مناطها هو القضاء بين الخصوم كما أن ذلك يعكر صفو مسيرة العملية التحكيمية ويؤدي إلى الانحراف عن الغاية المنشودة من التحكيم لأن النزاع سيتحول من نزاع بين أطراف الدعوى إلى نزاع بين أعضاء هيئة التحكيم، وبالتالي فإن الاستقلال شرط جوهري يجب توافره في كل المحكمين دون تمييز بين ما عُين بواسطة كل طرف وبين ما عينه الطرفان معا.