المقصود بالحيدة عدم انحياز المحكم ضد طرف أو إلى جانب طرف. فعدم الحيدة حالة نفسية تتعلق أساساً بالعاطفة (مصلحة شخصية أو صلة مودة أو عداوة بأحد الخصوم)، يرجح معها عدم استطاعة المحكم الحكم بغير تحيز. وقد عرفت محكمة إستئناف القاهرة عدم الحيدة بأنه «ميل نفسي أو ذهني للمحكم لصالح أو ضد أحد أطراف النزاع بحيث يرجح معه عدم استطاعته الحكم بغير ميل أو هوى لأحد (أطراف النزاع) أو ضده، بيد أنه يجب أن تكون العداوة أو المودة شخصية ومن القوة بحيث يستنتج منها قيام خطر عدم الحيدة عند إصدار الحكم» ولا يكفي لإثبات هذا الخطر مجرد إحساس شخصی) غير موضوعي لدى طالب الرد لا يستند إلى وقائع محددة وحقيقية يراها الشخص المعتاد صالحة عقلا لتبرير الشك في حيدة المحكم».
وقد تعتبر وحدة جنسية المحكم مع أحد الطرفين دون الطرف الآخر مؤشرا على عدم حيدته. ولهذا فإنه إذا اختلفت جنسية الطرفين فمن الأفضل أن تكون جنسية المحكم الواحد أو المرجح من جنسية أخرى وهو ما تنص عليه صراحة المادة ٥/٩ من لائحة محكمة غرفة التحكيم الدولية بباريس.
ويقتضي حياد المحكم التزامه بالامتناع عن الاتصال بأحد طرفي التحكيم بعد بدء الإجراءات لمناقشته في النزاع محل التحكيم، ولو كان هذا الطرف هو الذي قام باختياره محكما. على أن مجرد تلاقى المحكم مع أحد طرفي التحكيم بطريق الصدفة دون مناقشة النزاع محل التحكيم لا يثير الشك في حيدة المحكم.
ولا ينسب عدم حياد محكم معين إلى مجرد موقف اتخذه المحكم في تحكيم سابق. وقد حكم في فرنسا بأنه لا يوجد ما يمنع محكم نظر تحكيما سابقا من أن ينظر تحكيما آخر يتعلق بمركز واقعي يشبه المركز الواقعي في التحكيم السابق إذا كان بين أطراف مختلفين.
كما حكم في مصر بأنه لا يعتبر سببا لعدم حيدة المحكم القول بأنه عضو في هيئة تحكيم أخرى تنتظر نزاعاً ناشئاً عن نفس عقد المقاولة محل التحكيم المطلوب رده عن نظره، وان ذلك أتاح له الاطلاع على معلومات ووثائق ووجهات نظر ليست في حوزة المحكمين الآخرين في الهيئة التي تنظر النزاع الأمر الذي لا يتحقق معه مبدأ المواجهة بين الخصوم وضرورة ألا يتصل بعلم المحكمين أية معلومات عن مصدر آخر سوى ما يقدمه الخصوم في التحكيم الماثل أمامهم ذلك أن مجرد اشتراك المحكم في نظر تحكيم أخر بين نفس الأطراف ليس من شأنه التشكيك في حيدته، ما دام ليس هناك دليل على أنه قد كون رأيا في النزاع المطلوب رده عنه.
والأمر غير ذلك، إذا كانت الهيئة التي تنظر النزاع الآخر قد أصدرت فيه حكمها، وبالتالي يكون المحكم قد أبدى رأيا مسبقا في موضوع النزاع المطلوب رده عن نظره فاختيار محكم من أحد الأطراف في تحكيم قائم، ثم اختيار هذا الطرف لنفس المحكم في التحكيم الجديد لا يعتبر في حد ذاته دليلا على انحياز المحكم لهذا الطرف ولا يشكك في حيدته أو قدرته على الحكم دون ميل في النزاع الجديد.
كما لا ينسب عدم حياد المحكم إلى رأى قانوني أبدأه المحكم سابقا في بحث قانوني أو محاضرة قانونية له لمجرد أن هذا الرأي يضر مصالح أحد الطرفين في التحكيم.
وحكم أن المحكم لا يفقد حياده إذا كان في الفترة السابقة على تعيينه قد كلف الطرف الذي عينه محكما بالبحث له عن محام ليكون وكيلاً له في القضية التحكمية، أو إذا كان قد قدم لزميليه أعضاء هيئة التحكيم معلومات عن قانون معين يعترض أحد الطرفين على تطبيقه على موضوع النزاع ما دامت هذه المعلومات لم ترد ضمن أسباب الحكم في القضية.
كما حكم بان قيام المحكم بالسماح لأحد الطرفين بتقديم مستندات بعد الميعاد الذي حدده لذلك، أو رفض المحكم طلب وقف نظر الدعوى لإعطاء فرصة العودة إلى التوفيق بين الخصوم، لا يدل على عدم حيدة المحكم.
ولا يكفي لإثبات عدم الحياد مجرد وجود شكوك لدى الطرف بشأن حياد المحكم تقوم على مجرد إحساس شخصی غیر موضوعی لا تستند إلى وقائع محددة وحقيقية تصلح لأن تبرر لدى الشخص المعتاد عدم حياد المحكم. وتطبيقاً لهذا حكم بان مجرد القول بشعور الممثل القانوني للشركة الطرف بان المحكم يحتفظ بمرارة تجاهه لتسببه في إثارة مسئوليته منذ عدة سنوات دون بيان لوقائع أو ظروف محددة لها سند في الأوراق تصلح مبررا للشك في حيدة المحكم لا تكفي للقول بعدم حياده.