قد عرفت محكمة استئناف القاهرة استقلال المحكم بأنه "عدم ارتباطه بأي رابطة تبعية خصوصا بأطراف النزاع أو الدولة أو الغير وعدم وجود رابطة مادية ذهنية تتنافى مع استقلال المحكم بحيث تشكل خطرا مؤكدا للميل إلى جانب أحد أطراف التحكيم ومن هنا فإنه يتنافي مع المحكم أن تكون له مصالح مادية أو شراكة أو ارتباطات مالية مع أي من طرفي الخصومة المعروضة عليه أو إذا كان المحكم ينتظر من أحد الأطراف ترفيعا أو ترقية أو أن يكون خاضعا لتأثيره أو توجيهه أو خاضعا لتأثير وعد أو وعيد منه كأن يباشر تقديم استشارات ومساعدة فنية لأحد أطراف النزاع مقابل أجر أو أثناء سير خصومة التحكيم أو أن يعمل مستشارا بمقابل لشركة تابعة للشركة القابضة التي يتبع لها لأحد أطراف التحكيم أو إذا تم تعيينه كمستخدم لدى أحد أطراف النزاع في اليوم التالي لإصدار حكم التحكيم .
تعريف حياد المحكم:
هو خلو ذهن المحكم من أي ميل أو تعاطف مسبق مع وجهة نظر أحد الخصوم في النزاع الأداء الذي سيفصل فيه بحيث يكون المحرك لنشاطه الذهني عند الفصل في النزاع حسن النظر عن الطريقة التي تم بها تعيينه.
مفهوم الحياد أساسه نفسي ويرجع إلى العاطفة آيا كان مصدرها مصلحة مالية أو شخصية أو صلة مودة أو عداوة تجعل من الصعب أن يحكم المحكم بدون أن ينحاز لأحد الخصوم وفي تعريفه قالت محكمة استئناف القاهرة: إنه ميل نفسي أو ذهني للمحكم لصالح أو ضد أحد أطراف النزاع بحيث يرجح معه عدم استطاعة الحكم بغير ميل أو هوى لأحد أطراف النزاع أو ضده أنه بید يجب أن تكون العداوة أو المودة الشخصية من القوة بحيث يستنتج منها قيام خطر عدم الحيدة عند إصدار الحكم .
على الرغم من أن المحكم ليس قاضيا ولا يكون له صفته ولكن لكونه يؤدي عمل شبيها بالعمل القضائي فيشترط في المحكم شأنه في ذلك شأن القاضي أن يكون محايدا وشرط الحيدة مسألة شخصية تعني عدم التحيز لأي من الخصوم أو التعاطف المسبق مع وجهة نظر أحدهم ويفهم هذا الشرط ضمنا من المبادئ القانونية العامة ويفرضه المنطق السديد حتى بغير نص في القانون بحسبانه أمر يقتضيه المركز القانوني لكل من القاضي أو المحكم بل وكل من يعهد إليه مهمة الفصل في خصومة، ويتأسس مبدأ الحياد على قاعدة أصولية دينية حضارية قوامها وجوب اطمئنان الخصوم إلى من يفصل فيما شجر بينهم من نزاع سواء كان قاضيا أو محكما وإن حكمه لا يصدر إلا عن الحق دون تحيز أو هوى ، ونجد أن التسوية المطلقة بين القاضي والمحكم من ناحية مبدأ الاستقلال عن الخصوم فيه نوع من إسقاط بعض المعايير الخاصة بنظام التحكيم التي تتطلب أن يعامل المحكم بمعايير أكثر تساهلا وذلك انطلاقا من الآتي:
أ/ الاستقلال التام مطلب ضروري بالنسبة للقاضي لأنه يفرض على الخصوم ولا يد لهم في اختياره أما في التحكيم فإن الأمر مختلف لأن الكثير من المحكمين والخصوم يعملون في نفس المجال أو نفس المهنة وتنشأ بينهم علاقات مهنية واختيار الخصوم لهم قد يكون لمعرفتهم للنزاع ومن الصعوبة تصور الحياد والاستقلال التام للمحكم عن الخصوم.
توجد بعض المنازعات في قضايا التحكيم تتعلق بمسائل فنية وقانونية ويحتاج الفصل فيها لأشخاص ذو خبرة ودراية سواء من الناحية القانونية والتشدد في وجود الاستقلال والحياد التأمين فيمن يتم اختياره كمحكم يؤثر على فعالية التحكيم خصوصا في مجال العلاقات الدولية مما يتطلب القول بعدم التسوية الكاملة بين القاضي والمحكم وينبغي التساهل في معايير حياد المحكمين .
مثل هذه العلاقة بين الخصوم والمحكمين مطلوبة وتؤدي إلى توفير الثقة بين المحكمين والخصوم وتساعد على تسهيل مهمة هيئة التحكيم فهي تساعد على وجود نوعا من الثقة.
توثيق الكاتب
أن الاستقلال الذي ينبغي التعويل عليه في مجال التحكيم هو الاستقلال المعنوي أو الذهني أي عدم تأثير العلاقات والروابط التي يمكن أن تربط المحكم بأحد الخصوم أما مجرد وجود علاقة ما بين الخصم والمحكم فلا يصح أن تؤخذ في ذاتها كسبب للطعن في استقلاله دون وقائع ثابتة ومحدده وقابلة للتدليل عليها وإلا أصبح عدم استقلال المحكم سببا متواترا للطعن في أحكامهم من كل طرف خاسر، ومن ناحية ينبغي أن لا يتعامل المحكم مع التحكيم على أنه فرصة لزيادة دخله ينبغي عدم تفويتها بل يجب أن ينظر إلى شخصه بأنه مجرد شخص من جملة عدة أشخاص يمكنهم أن يتولوا النظر في النزاع وأن الاختيار بين ذلك الكم من الناس يظل حقا لأطراف النزاع لا لشخصه وعليه أن يحيطهم علما بما قد يدعوهم للتردد أو التفكير وينبغي أن لا يمتد الشك إلى حدود غير منتهية وليس من واجب المحكم التصريح بأنه درس في نفس الكلية أو المدرسة التي درس بها أحد الخصوم خاصة وإن لم يكونا من نفس الدفعة.