الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / التمييز بين الحيدة والاستقلال / الكتب / في التحكيم واجتهاد القضاء ( نحو تدخل ناعم للقضاء في شئون التحكيم ) / حيدة المحكم غير حيدة القاضي

  • الاسم

    إسماعيل إبراهيم الزيادي
  • تاريخ النشر

    2007-01-01
  • عدد الصفحات

    147
  • رقم الصفحة

    78

التفاصيل طباعة نسخ

مسألة أولية

٦٠ - يُلزم المحكم بممارسة مهمته التحكيمية بعلم وضمير مهني. فعلى الرغم من أن المحكم ليس قاضياً ولا تكون له صفته؛ فانه يؤدي عملا شبيها بالعمل القضائي، ومن ثم يتطلب في المحكم، شأنه في ذلك شأن القاضي، وكأصل عام الحيدة.

شرط الحيدة بحسبانه مسألة شخصية أو حالة ذهنية تعني عدم التحيز لأي من الخصوم أو التعاطف المسبق مع وجهه نظر أحدهم ويفهم هذا الشرط ضمنا من المبادئ القانونية العامة، ويفرضه المنطق السديد حتى بغير نص في القانون بحسبانه أمراً يقتضيه المركز القانوني لكل من القاضي أو المحكم، بل ولكل من يعهد إليه مهمة الفصل في خصومة، ويتأسس مبدأ الحياد هذا على قاعدة أصولية دينية حضارية - وإن أوردتها التشريعات - قوامها وجوب اطمئنان الخصوم إلى من يفصل فيما شجر بينهم سواء كان قاضيا أم محكما، وأن حكمه القاضي أو المحكم) لا يصدر إلا عن الحق دون تحيز أو هوي.

ونريد أن تلفت النظر منذ البداية إلى أن معنى الحيدة يختلف في التحكيم عنه في القضاء. فكثيرا ما يكون أساس التحكيم والغرض الرئيسي منه هو رغبة الطرفين في وضع النزاع في يد شخص أمين حريص على العلاقات القائمة بينهما كرب الأسرة أو صديق حميم للطرفين أو محام لأحدهما يحترمه الآخر.

ونريد أن تلفت النظر منذ البداية إلى أن معنى الحيدة يختلف في التحكيم عنه في القضاء. فكثيرا ما يكون أساس التحكيم والغرض الرئيسي منه هو رغبة الطرفين في وضع النزاع في يد شخص أمين حريص على العلاقات القائمة بينهما كرب الأسرة أو صديق حميم للطرفين أو محام لأحدهما يحترمه الآخر.

الاستقلال عن الخصوم يدعم الحيدة وبعد مظهراً لها

11 - في القضاء، يسود مبدأ الحيدة كل نواحي الخصومة القضائية، وحتى يتاح لهذا المبدأ أن ينتج كل آثاره، تحرص التشريعات على مبدأ ثان يكمله، وهو ضروري مثله، إذ أن الإخلال به قد يؤدي إلى إفراغ مبدأ الحيدة من مضمونه هذا المبدأ يتعلق باستقلال القاضي. ويعني استقلال القاضي، في إحدى صوره استقلال القاضي عن الخصوم وعن الغير أصحاب المصلحة في النزاع. فالاستقلال والجيدة إذن أمران مختلفان وليسا شيئا واحدا، فهما فكرتان متشابهتان في غايتهما ولكنهما لا يختلطان في مضمونها .

والاستقلال بشكل عام ينفع مظلة التأثير على القاضي، وهو أمر يدعم ويوفر الحيدة المطلوبة. وينظر إلى استقلال القاضي عن الخصوم بحسبانه صفة لصيقة بقضاء الدولة، تمتزج بطبيعته ورسالته، بل أن القانون يتجرد من كل قيمة إذا لم يقم على حمايته قضاء محايد ومستقل. فيجب على القاضي في أن يتحرر من أي قيود أو نفوذ أو إغراءات أو ضغوط أو تدخلات مباشرة أو غير مباشرة. في مجال التحكيم قد يختلف الحال ولو قليلا.

ما نريد التأكيد عليه بشكل خاص هو أن أمر استقلال المحكم عن أطراف التحكيم غير ضروري وليس لزما دائما كما قد يكون للاستقلال في التعليم معنى مختلف عنه في القضاء، ومن المتصور في التحكيم أن يناق الأطراف على أن تقتصر هذه الجيدة والموضوعية فقط على المحكم الفرد إذا كانت هيئة التحكيم تتشكل من هذا الفرد، أو على المحكم الثالث عند تعد هيئة العالم ويفرض أنها تتكون من ثلاثة محكمين، فالأمر الجوهري هو أن يكون هنا المحكم الفرد أو المحكم الثالث موضوعياً وغير منحاز أو هكذا ينبغي أن يكون 

وإذا كان استغلال المحكم يقوم في الغالب على مظاهر خارجية مثل عدم ارتباطه بالخصوم بأي طريقة تؤثر في استقلاله، ومن ثم كان من السهل الثبات وتقرير وجود الاستقلال لدى المحكم أو عدم وجوده بالرجوع إلى هذه المظاهر ومع ذلك فإن عدم استقلال المحكم، ورغم الكشف عنه أو الثباته قد يتم للأطراف التغاضي عنه أو إقراره ولو ضمنا .

أما خروج المحكم عن الحياد أو النزاهة، وعلى الرغم من جوهريته في العملية التحكيمية؛ فليس له في الغالب مظاهر خارجية، لأنه في الأساس أمر نفسي ذهني له طابع ذاتي 

رد المحكم وعدم صلاحيته يختلف عن رد القاضي وعدم صلاحيته

سلطته من ٦٢ - يقع على المحكم واجبات يفرضها أطراف النزاع، إذ تنبع اتفاقهم، وواجبات أخرى يفرضها القانون وطبيعة المهمة الملقاة على عاتق المحكم، بناء على اتفاق التحكيم وبإقرار القانون هي فحص ادعاءات الخصوم وتقديرها ووزنها، والحكم في خصوص هذه الادعاءات بقرار ملزم فعمل المحكم يشبه في جوهره الوظيفة المنوط بها قاضي الدولة، ولكن لا يمكن اعتبار المحكم من الناحية الفنية والواقعية قاضيا، حتى بالنسبة للنزاع التحكيمي المعروض عليه، ومن ثم لا تنطبق على المحكم قواعد قضاء الدولة. 

فالمحكم لا يخضع لشروط تعيين القضاة، والخبرة القانونية أو غيرها ليست شرطاً في المحكم، فالأمر متروك لتقدير طرفي التحكيم، وليست للمحكم كل صلاحيات القاضي، وهو لا يحلف يمينا ولا يخضع لحالات رد القضاة، ولا النظام المخاصمة، ولا يعد مرتكبا لجريمة إنكار العدالة إذا امتنع عن العمل الموكول إليه، ولا تسأل الحكومة عن خطته.

ولأن المحكم غير القاضي ولأن التحكيم غير القضاء؛ فقد غاير المشرع المصري بين القضاة والمحكمين فيما أورده من أسباب رد أو عدم صلاحية كل منهما. وبالنسبة للقاضي الذي يباشر وظيفة القضاء في محاكم الدولة، الذي يعد مفروضا على الخصوم، سلك المشرع طريق التفصيل في إيراد أسباب عدم صلاحيته لنظر الدعوى على سبيل الحصر (المادة ١٤٦ مرافعات)، وكذلك عندما فعل بالنسبة لأسباب رده المادة ١٤٨ مرافعات). في حين أنه بالنسبة للمحكمين فقد ملك المشرع طريق الجمال والعمومية، فنص في المادة ١٣ من قانون التحكيم على أنه لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير الشك حول حيدته واستقلاله ولا يجوز لأي من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين ..

من الواضح، إذا أن رد المحكمين وعدم صلاحيتهم في قانون التحكيم يختلف عن رد و عدم صلاحية القضاة الوارد في قانون المرافعات. فالمحكم غير القاضي ،الؤكد أنة ليس كذالك ، ومن ثم لابد أن تختلف الظروف والأسباب .

ذلك إن ما يفقد المحكم صلاحيته لنظر الدعوى التحكيمية يختلف بالضرورة عن أسباب عدم الصلاحية الواردة في شأن القضاة. وعلى سبيل المثال فإن قانون المرافعات يجعل القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها إذا كان قريبا أو صهرا لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة، بحسبانه يكون في هذا الفرض غير مستقل عن الخصم هذا الحظر لا يعرفه قانون التحكيم وليس محتما ولا تستلزمه طبيعة العملية التحكيمية.

وهو ما لا يتحقق في شأن عدم صلاحية القضاة، فإن التنازل عن الطلب لا يحول دون اعتبار حكم القاضي غير الصالح لنظر الدعوى (القضائية) معدوماً ولو قبله الخصوم. بالإضافة إلى ذلك فلم يضع القانون أي شروط أو قيود تحول دون تعيين الأقارب والأصهار كمحكمين في دعاوى تحكيمية طالما قبل ذلك الأطراف الأخرون في الدعوى التحكيمية، بينما يضع القانون فيوداً صارمة تتعلق بعدم صلاحية القضاة إذا عرضت عليهم أي منازعات تتعلق باقارب لهم من درجات معينة. بينة».

وتختلف مسئولية المحكم عن مسئولية القاضي

من٦٣ - الأصل أن المحكم، كالقاضي، يلتزم بأن يقوم بعمله بحيدة، ومن قبيل الأمانة والشرف يتوجب عليه - كما سنوضح في الفقرة القادمة – أن يوقف الأطراف قبل قبوله التحكيم على كل أمر يعتقد أنه قد يثير الظنون حول حيدته و استقلاله. فعدم استقلال المحكم عن الطرف الذي عينه، مثلا، عندما يكون هذا الاستقلال متطلبا من الطرفين قد لا يكون معلوما للطرف الآخر، وإذا استشعر المحكم الحرج في نظر النزاع، فمن الأمانة أن يتنحى مسبقا عن نظره أو عن عدم المضي في نظره. وإذا لم يسلك المحكم هذا الطريق الشريف كان عرضة للرد وللمسئولية، إلا أن مسئوليته تختلف عن مسئولية القاضي .

واجب المحكم في الكشف أو الإفصاح عن أية اعتبارات قد تثير الشكوك في

حول نزاهته

٦ - تعمل مراكز التحكيم الدائمة (النظامية) على أن تتضمن لوائحها إطارا للعدالة يفرض حياد واستقلال المحكمين، وتتبنى هذه اللوائح، في ذلك الأمر، مواثيق سلوكية تحتوي على معايير خلقية وقواعد إرشادية للمحكمين عن السلوك المقبول منهم في مباشرة مهمتهم التحكيمية ولمركز القاهرة الإقليمي التجاري الدولي ميثاق لسلوكيات المحكم وهو يتضمن معظم القواعد المتعارف عليها دوليا في هذا الشان والجامع بين هذه القواعد جميعا أنها تؤدي – عند الالتزام بها - إلى تحقيق أكبر قدر مستطاع من النزاهة والحياد والاستقلال للمحكمين. وهو أمر يوفر للخصوم الثقة في كفاءة المحكمين والاطمئنان إلى أن الحكم الذي يصدرونه لن يصدر عن هوىً يجمح بهم كلهم أو بعضهم.

وتنص المادة الثانية من قواعد مركز القاهرة لسلوكيات المحكم على أنه: «لا يجوز للمحكم قبول التعيين أو الاختيار كمحكم إلا بعد التأكد من القدرة والصلاحية لأداء هذه المهمة دون تحيز، ومن إمكان تخصيص الوقت والاهتمام اللازمين لذلك». وتلزم المادة الثالثة من القواعد نفسها على من يُرشح ليكون محكما أن يصرح لمن يتصل به في أمر هذا الترشيح بكل الظروف التي من شانها احتمال إثارة شكوك لها ما يبررها حول حياده أو استقلاله وعلى المحكم بمجرد تعيينه أو اختياره التصريح بهذه الظروف الأطراف النزاع إلا إذا كان قد سبق إحاطتهم علما بذلك. وعليه بالأخص التصريح بما يلي: (۱) علاقات الأعمال والعلاقات الاجتماعية المباشرة السابقة والحالية مع أي أطراف التحكيم أو الشهود أو المحكمين الآخرين (ب) علاقات القرابة والمصاهرة مع أي من أطراف التحكيم أو الشهود أو المحكمين الآخرين .

ومن ناحية أخرى، وكغيره من النظم القانونية واللوائح المؤسسية، يتطلب المشرع المصري (المادة ٣/١٦) من المحكم عند قبوله التحكيم ضرورة الكشف عن أية اعتبارات تتصل بالعلاقة بينه وكل من أطراف النزاع أو أي علاقة له بموضوع النزاع قد تثير الشكوك حول نزاهته واستقلاله. ويلاحظ أن الهدف من هذا الكشف أو الإفصاح هو إتاحة الفرصة للأطراف للوقوف على أسباب و تثير مظهر التحيز دون أن ترتب بالضرورة تحيزاً حقيقياً من جانبه، ومخالفة هذه القواعد السلوكية قد تجعل حكم التحكيم عرضة للبطلان،كما قد تجعل المحكم نفسه عرضة لمطالبته بالتعويض. 

ومع ذلك فإن الأمر مرهون بإرادة الأطراف

٦٥ - بيد أنه إذا حصل التصريح من المحكم عن النحو السابق، سواء المنصوص عليه في القانون المصري أو التشريعات المقارنة أو حتى تلك الواردة في لوائح مراكز التحكيم الدائمة، فقد لا يمنعه ذلك من أن يكون محكما في النزاع ذاته موضوع الإفصاح، وذلك إذا ما ارتضى الأطراف مباشرته لمهمته بعد علمهم بما صرح به فالخصوم قد يتقوا في عدالة المحكم وحياده رغم الإفضاء لهم عن أموراً أو اعتبارات قد تثير الشكوك في هذه الحيدة، ألا أنه في التحكيم المؤسسي فإن هذا الرضا غالبا ما يكون صعب المنال، ففي نطاق غرفة التجارة الدولية، مثلا تختص هيئة التحكيم بالغرفة التي تدير التحكيمات التي تجري في ظلها، بالتصديق على اختيار المحكم بمعرفة الخصوم، ولها الحق الاعتراض على المحكم وطلب ترشيح محكم آخر، فضلا عن أنها هي التي تختار المحكم الثالث.

وقد جرت العادة في التحكيم الحر ( غير المؤسسي) أن يختار الخصم المحكم الذي يرى أن هناك ارتياح إليه أو الذي يكون على دارية بموفقه أو مصالحه. وليا ما كان الأمر فإنه إذا قام المحكم، عند ترشيحه أو عند قبوله التحكيم بالإفصاح عن الاعتبارات التي تربطه بأحد الأطراف أو الكشف عن الظروف التي من شأنها أن تثير ظنون مبررة حول عدم حيدته أو استقلاله. ولم يعترض الطرف الآخر، لم يعد من الجائز مستقبلا إعادة إثارة الأمر بالنسبة لصلاحية المحكم. وعند إثارة الإدعاء بالتحيز أو عدم النزاهة بعد ذلك بعد عدم الاعتراض) فإنه يتعين على القضاء، حرصا على استقرار العملية التحكيمية التثبت من أن لهذا الإدعاء صدى حقيقي ويستند إلى مبررات صحيحة ولم يكن معلوماً من قبل للخصم عند تعيين المحكم، وليس مجرد محاولة من الخصم الإحباط إجراءات التحكيم وعرقلتها. 

امر استقلال المحكم وحيدته يخضع في الكثير من الأحوال الإرادة أطراف النزاع، فقد يتغاضون حتى في التحكيم النظامي، عن بعض المظاهر الخارجية لعدم الاستقلال أو لعدم النزاهة هذا التغاضي ينفرد به نظام التحكيم، لا يسمح به قانون المرافعات بحسبانه قانون القضاة، وهو غير مستساع، ولا يمكن مضمه، أو القبول به، في العمل القضائي، وسوف نتناول المسالة بصورة اشمل في الفقرات التالية.

استقلال المحكم والافصاح (الشفافية)

11 - معنى استقلال المحكم ، بوجه عام، هو ألا تكون له مصلحة في النزاع، بحيث لا تربطه علاقة بأحد الأطراف تؤثر بشكل أو أخر على قراره فيتنافى مع استقلال المحكم أن تربطه علاقة تبعية بطرف من أطراف التحكيم أو أن تكون له مصالح مادية معهم أو حتى ارتباطات مالية باحد اطراف التحكيم، أو أن يكون خاضعا لتأثير أو توجيه أي منهم، أو تحت ضغط أو وعد

لو وعيد من قبلهم. استقلال المحكم مطلوب كامل عام أو كأساس منطقي - سواء اختير من قبل الأطراف مباشرة أم من قبل مراكز التحكيم، أو كان قد عين بواسطة المحكمة، ورغم أن المحكم يتلقى اتعاباً من أطراف التحكيم، فالأصل أنه لا يمثلهم ولا يعد وكيلا عنهم ولوائح المراكز التحكيمية الدائمة تتطلب غالبا الحيدة في المحكمين جميعا في التحكيم الذي يجري في نطاقها وحسب قواعدها، كما أنها تتطلب استقلال المحكم عن الطرف الذي اختاره.

ومع ذلك فإنه، وبحسبان أن حرية الطرفين في اختيار تشكيل هيئة التحكيم من الحقوق الأساسية لهما، فالشائع وخاصة في التحكيم الحر. أن يسعى كل طرف من أطراف التحكيم لاختيار المحكم الذي يعرفه شخصيا، أو الذي يعلم بخبرته، أو كفاءته، أو بتوافر صفات معينة في شخصه تكون هي التي تبعث في نفس الخصم الطمانينة والثقة فيه، ولذلك يقع اختياره عليه هذا الاختيار ومن بعده التعيين أيا ما كان قد لا يجعل محكم الخصم ومن الناحية الواقعية بصورة أو أخرى مستقلا تماماً عن الخصم الذي اختاره.

عدم الاستقلال هذا ليس أمرا محظورا دائما في التحكيم، لأن مبدأ الاستقلال بمعناه القضائي والمطلوب دائما في القاضي، ليس لصيفا أو أمرا حتميا في الخصومة التحكمية، أو على الأقل فإن مفهوم المبدأ ذاته يختلف في التحكيم عنه في القضاء. وينبغي في كل الأحوال أن يكون عدم استقلال المحكم، أو وجود مثل لهذه الشبهة خاضعا لما يعرف لمبدأ الشفافية بحيث يكون معلوما منذ البداية، لكل الأطراف والباقي المحكمين عند تعددهم أن هناك صلة أو اعتبار ما بين المحكم والخصم أو الخصوم، وألا يكون محل اعتراض من أحدهم.

ولأن قبول المحكم للمهمة التحكيمية بعد إجراء جوهريا لتشكيل هيئة التحكيم فمن المفروض أن يفصح المحكم عند قبوله لمهمة حسم النزاع عن كل علاقات قد تؤثر على حياده أو استقلاله. هذه الشفافية تسمح للأطراف بقبول أو عدم قبول الاختيار أو التعيين الحاصل  للمحكم .

والأصل هو أن يكون المحكم موضوعياً وغير منحاز لأي من أطراف خصومة التحكيم، بحيث أن يكون رأيه نابعاً من ضميره وذهنه ،هو غير خاضع في ذلك لإرادة غيره .

فالطبيعة المميزة للتحكيم عن القضاء تنعكس إلى حد كبير على العلاقة التي تربط المحكم بالأطراف وإليك شيء من الإيضاح 

في الفقه تباينت الآراء، فيذهب رأي إلى أن مهمة المحكم المحامي هي الدفاع عن مصلحة الخصم الذي عينه، بحيث يختار كل خصم محكمه ويتحول هذا المحكم إلى محامي يتولى بمجرد تعيينه عرض النزاع والدفاع عن الطرف الذي اختاره أمام المحكم المرجح، ولذلك فلا غضاضة من وجود علاقة بين الخصم و المحكم الذي عينه، بحسبان أن مهمة المحكم المحامي هي فقط الدفاع عن وجهة نظر الطرف الذي عينه. وهناك من يرى أنه لا مانع من تبني المحكم لوجهة نظر الخصم الذي عينه على الأقل في مرحلة المداولات، للتأكد من استيعاب وجهة نظر هذا الخصم على نحو عادل، وأنه يتبناها للإقناع بها، وليس لتحيزة له .

المسألة تختلف بحسب الأحوال

واقع الحال أنه إذا كانت هيئة التحكيم تتكون من ثلاثة محكمين، فإن دور المحكم الثالث يكون حسب ظروف الحال على أكثر من مستوى (۱) فقد يبين أن المقصود هو جعل المحكمين جميعا كالقضاة، وبالتالي يجب أن يتوافر فيهم الحيدة والاستقلال التام عن طرفي التحكيم. (ب) أن يكون المقصود هو أن يقوم المحكم الثالث بدور المحكم الحاسم أو الفاصل، بحيث يصبح هو وحده صاحب القول الفصل في النزاع، بأن يصير 

دوره الأساسي في المداولة هو الفصل بين محكمي الطرفين. بمعنى أن يشترك معهما في تبادل الرأي والمداولة حول الوقائع وما أبدى فيها من طلبات أو دفوع أو أوجه دفاع وما قدم في النزاع تدليلا على ذلك من أدلة وحول قواعد القانون أو قواعد العدالة، وعند الاختلاف يتوصل هو إلى تكوين ما يراه سليما ويحسم النزاع ويصدر الحكم على ضوء ذلك، وكأن هيئة التحكيم مشكلة إلا منه. وقد يبدو المحكمان الآخران وكأنهما يعملان كمحاميين للطرفين، كل لمن اختاره ويحق لكل منهما إثبات رأيه المخالف في الحكم ذاته إذا ما أراد ذلك.

وعند عدم وجو نص أو اتفاق مكتوب في شأن ما تقدم، فإنه يجب البحث في ظروف الحال. ذلك أن المستوى المطلوب في استغلال المحكمين يمكن استظهاره من اتفاق الأطراف صراحة أو ضمنا أما الأصل، فيبقى دائما للحيدة التامة بين الخصوم والبعد الكامل عن تأثير هم على المحكمين مع صدور الحكم باغلبية الأراء .

المحكم الخبير ودور المحكم الثالث

۷۱ - قضاة الدولة على سعة علمهم بالقانون قد تعورهم الخبرة في المسائل الفنية، فيضطرون إلى الاستعانة بخبير ولا يستطيع القاضي إلا أن يقف منتظرا رأي الخبير الذي نديه في الدعوى القضائية ليسترشد برأيه، وليعتمد هذا الرأي في نهاية الأمر. وبيني حكمه على ما انتهى إليه الخبير في تقريره .

فقد تكون إرادة الطرفين قد اتجهت إلى أن يكون عمل المحكمان (خبير كل منهما) إرشاد المحكم الثالث، وكشف ما استغلق عليه من جوانب النزاع الفنية. وإذا كان المحكم الثالث خبيرا فنيا فيعد رأيه في الغالب الأعم، هو الفاصل في موضوع المنازعة. أما إذا كان المحكم قانونيا، فيصير، بحسب السائد، مرجحا، بحيث يغلب رأي على أخر . وعلى المحكم الثالث في هذه الحالة الأخيرة أن يوضح للخبريين الفنيين حكم القانون ويبحث عن الحل القانوني بحيث يرتب الآثار القانونية المناسبة على الواقع، وبذلك يمكن المحكمين الثلاثة تكوين رأي سليم في أوجه المنازعة المعروضة عليهم. 

حيدة المحكم في مجال الإثبات

۷۲ - الأصل أن المحكم - كالقاضي - يفصل في النزاع من واقع الأوراق المرافعات، دون أن يكون المعلوماته الشخصية دور في القرار الذي يصدره .

تطبيق

۷۳ - أثناء نظر هيئة تحكيم ثلاثية قضية تحكيمية بين حكومة قطر وشركة أمريكية تقدم المحكم المعين عن الأخيرة إلى زميليه بمعلومات أعدها عن أحكام القانون القطري. طعنت الحكومة القطرية في حكم هيئة التحكيم بعد صدوره الانحياز محكم خصمتها، لأن له صلات بالشركة التي اختارته قبل وأثناء وبعد الحكم في القضية .

الحيدة مطلوبة دائما في الحكم الثالث

في كل الأحوال لا يصح، فيما نرى أن يتخلى المحكم المنفرد وكذلك المحكم الثالث عند تعدد المحكمين سواء أكان هو المحكم الفاصل أم المحكم المرجح أو عندما يصدر الحكم بإجماع أراء المحكمين أو بأغلبيتها - أيا كان الأمر - عن حيدته التي تعني عدم تحيزه أو عدم تعاطفه المسبق لأحد الأطراف. ومن المقبول أن يكون المحكم محايدا بهذا المعنى، رغم أنه غير مستقل عن الطرفين. إذ قد يحكم وهو مرتبط بأحدهما أو بكليهما، ومع ذلك فإن استقلال المحكم عن الأطراف يعد قرينة قوية على الحياد وعدم التحيز وعلى كل حال يجوز للمحكم أن يتنحى أثناء سير الدعوى التحكيمية ويتخلى طواعية عن استكمال نظر النزاع، إذا وجد نفسه في موقف يمكن أن يعتبر معه أنه غير محايد أو أنه قد ينحاز.

القضاء المحكم 

في اعتقادنا أن خصومة التحكيم قوامها المحكم، وبقدر كفاءة وقدرة المحكم تكون سلامة التحكيم وسلامة حكمه، فالمحكم كالقاضي وإن اختاره الأطراف. ويتعين على المحكم أن تتوافر فيه المؤهلات والقدرات الشخصية التي تمكنه من التصدي للنزاع وحسمه، بعد الإلمام بمادياته وتفسير محرراته وتحليل معطياته منع تفهم مواقف الخصوم وحماية حقوقهم الإجرائية، ويطبق المحكم، ولو كان مفوضا بالصلح، قواعد قانونية والجوهري في الأمر أن المحكم يصدر في كل الأحوال حكما يحرره، وعلى ذلك، فإلى جانب ثقة الأطراف في المحكم، فإن الخبرة القانونية تعد ضمانة لهذه الثقة والإصدار حكم تحكيمي صحيح وعادل. والتحكيم، أيا ما كان تطل عليه الروح القضائية التي تحكم ممارسة المحكم لعمله في تحديد نطاق سلطته، وفي تسيير إجراءات التحكيم، وفي تقيده بمراعاة مقتضیات شكلية وموضوعية معينة، حتى تتوافر عناصر الصحة في الحكم الذي يصدره. ومن ثم فإن دراية المحكم القانونية التي تعينه على فهم مهمته التحكيمية ومقتضياتها هي الجوهر في سلامة العملية التحكيمية.

وإحساس القاضي بالحيدة وإعمال مبدأ المواجهة وإدارة الإجراءات يكون قد ترسب بداخله من خلال ممارسته وظيفته القضائية، بالإضافة إلى إلمامه بالنظام القانوني وبتفسيره وتطبيقه، مع قدرته على درس القضايا وتحقيقها والوقوف على مواطن النزاع وتكييفها تكييفا قانونيا صحيحا، والرد على الدفوع والدفاع الجوهري، وخبرته المهنية في كتابة الأحكام. كل ذلك يؤهله ليكون محكما. وهنا لا يكون القاضي قاضي قضاء، بل يكون محكما في نزاع تحكيمي وخصومة تحكيمية، وهو يلزم فقط بإعمال ضوابط التحكيم مستهديا مفاهيمه.

كلمة أخيرة في حيدة المحكمين

هي مفهوم ۷۹ - مجمل ما نريد إيضاحه في هذا المبحث أن حيدة المحكم وإن كانت عصب المهمة التحكيمية، وصفة أساسية في من يتولى مهمة الحكم، فإن الحيدة نفسه يختلف في التحكيم عنه في القضاء. إذ تتخذ الحيدة في التحكيم طابع خاص بحيث يجب تطويع معنى الحيدة عن معناها في القضاء، لسليكون ملائما أكثر للطبيعة الخاصة للتحكيم. وهو ما يستتبع النظر إلى ما انصرفت إليه إرادة طرفي التحكيم، الصريحة أو الضمنية، ومدى توافق إرادتهما في شأن متطلبات وشروط الحيدة المطلوبة في أشخاص المحكمين المعهود إليهم نظر النزاع وخاصة المحكم الثالث الذي قد يختلف دوره حسب

ظروف اختياره.

فإرادة الأطراف تلعب دورا حيويا في بيان مسوغات الجيدة المتطلبة في النزاع الجاري بشأنه التحكيم، ومن ثم وجب إعطاء الأولوية لهذه الإرادة، وتبرز هذه الأولوية، وبحسبان أن التحكيم هو نتاج مبدأ سلطان الإرادة، فيما جاء بالمادة (۱۳) تحكيم التي لا تجيز للمحتكم رد المحكم الذي عينه، بغض النظر عن وجود مظاهر لعدم الاستقلال أو الميل إلى التحيز، إلا لسبب تبيته هذا المحتكم بعد موافقته على تعيين ذلك المحكم.

۷۷ - بيد أنه وفي كل الأحول يبقى التحكيم المؤسس على الالتزام بالحيدة. بتقاليدها الدقيقة، والقائم تعيين المحكمين فيه على اعتبارات موضوعية قوامها الكفاءة والنزاهة، والبعيد عن الاعتبارات الشخصية البحتة، هو المطلوب لتصبح المحاكمة التحكيمية عادلة غير متحيزة، بل هو أمر ضروري لنجاح نظام التحكيم ذاته في تحقيق الأهداف المرجوة منه.

وإذا كانت حيدة قاضي الدولة، هي مناط الثقة لدى المتقاضين، فإن حيدة المحكم بدورها هي التي يمكن أن تبعث الثقة في نفوس المحتكمين وتكون ضمانة لهم. كما إنها تعطى لحكم التحكيم مصداقية تفرض نفسها خاصة عندما يعرض أمره أمام المحاكم. ومع ذلك ينبغي لنا الاعتراف بأن النزاهة والحيدة والموضوعية، هي في نهاية المطاف ميزات شخصية تنتج من الضمير الشخصي للقاضي أو للمحكم.

لجوء الفرقاء إلى التحكيم يفرض عليهم توخي الحرص على اختيار المحكم الذي يتوافر فيه مقتضيات الاستقلال والحيدة والنزاهة واليقظة، وبأن يكون من يختارونه أهلا للثقة من ناحية الكفاءة المطلوبة فى النزاع المطروح. كما تفرض على المحكم الا يقبل اختياره أو تعيينه محكما الا بعد أن يكون واعيا بطبيعة مهمته التحكمية ومؤهلا للقيام بها. مع التأكد من قدرته وصلاحيته وتفرغه لأداء هذه المهمة وحسم النزاع التحكيمي دون هوى.