الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / التمييز بين الحيدة والاستقلال / الكتب / ضمانات التقاضي في خصومة التحكيم / حيدة المحكم

  • الاسم

    د. طلعت محمد دويدار
  • تاريخ النشر

    2009-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    384
  • رقم الصفحة

    81

التفاصيل طباعة نسخ

في هذا الصدد تبرز بشدة ضرورة تفرقة قلما يلقى لها أحد بالاً بین بدأ حياد المحكم، ومبدأ حيدة المحكم، بل ويكتنفها الضباب من كل جانب حيث أن أغلب الفقهاء لا يعتنون بهذه التفرقة، ويستخدم البعض مبدأ الحياد التعبير عن الحيدة، ويستخدم أحياناً الحيدة للتعبير عن الحياد، مع أنها مبدان مختلفان تمام الاختلاف، ولكل منهما أهميته العظمي في مجاله. وقد انتقل هذا الخلط من معرض الحديث عن حياد القاضي وحيدته إلى حياد المحكم وحيدته سواء على مستوى الفقه أو التشريع كما سنرى.

فمبدأ حياد القاضي La Neutralité du juge يعبر عن دور القاضي في الخصومة، في علاقته بدور الخصوم Le role respectif du juge et parties وما إذا كان دوراً سلبياً أم إيجابياً، ومن المعلوم أن هذا الدور قد تطور تطوراً كبيراً ارتباطاً بالتوجهات السياسية السائدة، فحيث كانت تسود تعاليم المذهب الفردي المتمثلة في إطلاق الحريات الفردية مقابل تقييد سلطان الدولة وأحجامها عند التدخل في الحياد الاقتصادية والاجتماعية وظهور مبدأ سلطان الإرادة L'autonomie de la volonté كان للقاضي دورة سلبية . وبالمقابل كان للخصوم دوراً إيجابياً بربط سيادتهم على النزاع Principe dispositif بسيادتهم على الخصومة من حيث أخذ مبادرتها، وإمكانية تركها في أي وقت، ومتابعة أو عدم متابعة السير فيها، وكان يعبر عن ذلك بأنه متى كان النزاع ملكا للخصوم فكذلك الخصومة.

والواقع أننا نميل إلى ما ذهب إليه رأي من تأصيل المبدأ الحيدة بالنسبة القضاة تأصيلاً منطقياً غوصاً وراء ثلاثة أبعاد:

البعد الأول: ظروف النزاهة في أداء القضاء.

البعد الثاني: في حماية القضاء في نزاهتهم.

 البعد الثالث: في حماية نزاهة القضاء.

فأما في البعد الأول: فقد حصر صاحب الرأي ظروف النزاهة في أداء القضاء في اثنين: الأول: صون القضاء عن التدخل فيه وهو كفاله القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، الثاني فرض العلانية في أداء القضاء، بملائية الجلسات، وشفوية المرافعات، وتسبيب الأحكام.

أما في البعد الثاني وحيث يجب حماية القضاة في نزاهتهم فيرتكزعلى ثلاثة محاور؛ الأول: ضمانات المسؤولية، الثاني كفالة الاحترام الأدبي، الثالث كفالة المركز المالي للقاضي.

أما في البعد الثالث فقد رصد صاحب هذا الرأي الجزاءات الوقائية والعلاجية لمخالفة مبدأ الحيدة.

ما يطلق عليه عادة مصطلح «الحياده تستخدم فيه نحن مصطلح الحيدة، غير أنه عادة ما يقترن الحديث عن الحيدة بالاستقلال، صحيح أن هناك فارق بينهما، ولكننا نراه فارقا في المصدر، وليس فارقة في الطبيعة، فمن حيث الطبيعة كلاهما واحد: يعني التجرد الموضوعي عند نظر الخصومة والفصل فيها وعدم الانحياز لطرف على حساب أخر، ولكن يظهر الفارق في السبب أو المصدر الذي ينتج عنه عدم الحيدة، وذلك الذي ينتج عنه عدم الاستقلال.

حيث أن الحيدة موقف نفسي عاطفي، بينما الاستقلال مركز قانوني واقعي، وبالتالي فإن ما يمس الحيدة ويأتي بعكسها هو كل ما من شأنه التأثير النفسي أو العاطفي للمحكم تجاه أحد الخصوم سلباً أو ايجاباً . بينما ما يمس الاستقلال ويأتي بعكسه هو كل الظروف الموضوعية التي من شأنها التأثير على المركز القانوني أو الواقعي للمحكم سواء في علاقته بالخصوم کوجود علاقة مالية أو اجتماعية أو مهنية سابقة، أو في علاقته بالدولة.

ما وعلى الرغم من عدم قناعتنا التامة بهذه التفرقة، وعلى الرغم مما ذهب إليه رواد فقه التحكيم، سواء في فرنسا) أو في مصر من امكانية توافر شرط الاستقلال مع عدم الحيدة، وذلك لأنه أيا كان المؤثر – شخصيا كان أو موضوعيا - فالتأثير واحد، فاننا سنفرق بين استقلال المحكم عن الدولة من ناحية، وعن الخصوم من ناحية أخرى.