الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / يجب ان يكون المحكم محايداً ومستقلاً / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 33 / المحكم: استقلاله وحياده

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 33
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    95

التفاصيل طباعة نسخ

   تكرس قواعد التحكيم مبدأ يقضي بإن كل محكم قابل للرد إذا وجدت ظروف من طبيعتهـا إثارة شك جدي في حياده واستقلاليته، وقد وضعت على عاتق المحكم موجـب إعـلام الفرقـاء بالظروف والوقائع التي من شأنها أن تثير هذا الشك. فإذا لم يعترض الفرقاء، يقبل هذا المحكم.

   هذه القواعد تبنتها جميع أنظمة مؤسسات التحكيم وجميع قوانين أصول المحاكمات المدنيـة، ما حدا بعض الفقه للتكلم عن "الإعتراف العالمي بموجب إستقلالية المحكم".

   في رأينا، هذه القواعد تدخل في عداد "المبادئ الكلية" للتحكيم التي تشكل جوهره وأساسه.

   لن نتوقف عند الغموض الذي يعانيه مبدأ استقلالية المحكمين وحيادهم، والذي يعـود إلـى العوامل الآتية:

    - الإلتباس في التعابير.

    - عدم الإستقرار في الدلالة.

    - عدم الثبات في المرتكز .

    - نتجاوز هذا الغموض بدراسة الإجتهاد التحكيمي. إن هذه الدراسـة تظهـر أن موجـب الإعلام (أو موجب التصريح أو موجب الإفصاح) ليس فقط مجرد وسيلة لضمان مبـدأ الحياد والإستقلالية، وإنما هو هذا المبدأ ذاته. الحياد والإستقلالية يختـزلان بموجـب الإعلام. .

    - ما هو مضمون موجب الإعلام؟ وما هي المفاعيل القانونية لمخالفة موجب الإعلام؟

أولاً- مضمون موجب الإعلام:

   - يختصر موجب الإعلام بحيثية قانونية تبناها القضاء الفرنسي فـي أحكامـه بـصـورة متكررة:

 ... Attendu que l'obligation d'information qui pèse sur l'arbitre afin de permettre aux parties d'exercer leur droit de récusation doit s'apprécier au regard à la fois de la notoriété de la situation critiquée et de son influence raisonnablement prévisible sur le jugement de l'arbitre aux yeux des parties »

   وضعيتان قانونيتان هما الأهم، استوحيتهما من الاجتهاد، أثارتا جدلاً فقهيـا وقـضائيا، قـد تساعد دراستهما في تقديم مقترحات ضمن إطار هذا المؤتمر، لعل يكون من شأنها أن تـساهم إيجابيا في تطوير التحكيم لجهة حياد المحكم وإستقلاليته.

I- الوضعية الأولى: التعيين المتكرر للمحكم ذاته:

   هل التعيين المتكرر للمحكم ذاته من الجهة ذاتها يؤثر في حياده واستقلاله؟

- Reputation is repetition

    يقول الانكلوساكسون، في هذا السياق، كتب أحد فقهاء التحكـم أنـه بمقـدار مـا يعمـل المحكمون في شهرتهم بمضاعفة الأعمال الفقهية والمشاركة في مـؤتمرات التحكـيم ومهماتـه بمقدار ما قد يسيئون إلى طموحهم المهني بإيجاد ظروف قد تشكل طعنـا فـي حيـادهم. واقـع مرفوض يسمح الإجتهاد الحديث بأن نتساءل عن أبعاده، بدراستنا أشكال التعيين المتكرر وما إذا كان يشكل خروجا عن مبدأ الحياد والاستقلالية.

ألف أشكال التعيين المتكرر:

   إن التعيين المتكرر للمحكم يتخذ أشكالاً عدة:

   أ- قد يعين المحكم مرات عدة في المواضيع ذاتها، مما يوجد خطر مـا يسمى "الحكـم المسبق" (Prejuge). فإذا نظر المحكم في قضية متلازمة مع تحكيم ســأبق، يفـرض الإجتهاد معرفة ما إذا كان صدر في المحاكمة السابقة قرار من شأنه أن يشكل "الحكـم المسبق".

أكثر من إستقلال القاضي، إن حياده على المحك، رغم أن بعض الفقه لا يجـد فائـدة للتمييز بين الحياد والاستقلالية.

   ب- الشكل الآخر هو التعيين المتكرر للمحكم ذاته. طرحت المسألة ضمن إطار ما يسمى "التحكيم المهني" (L'arbitrage professionnel) حيث توجد لوائح مقفلة بالمحكمين، كالتحكيم في الجمعيات المهنية والحرفية، إذ اعتبر القضاءة أنه "لا يطلب من المحكـم التقيد المتزمت بقواعد الحياد والإستقلالية".

  ج- خارج إطار "التحكيم المهني"، اعتبرت محكمة استئناف بـاريس أن تعيـيـن شـركة Franchisor المحكم ذاته في ثلاث محاكمات تحكيمية بوجه شركات Franchisee لا يكفي للقول بوجود مخالفة لموجب الحياد والإستقلالية، مـا دام أن المحكـم لا يتمتـع "باحتكار تعيينه" (Le monopole de désignation).

   نقضت محكمة التمييز الفرنسية10 القرار الإستئنافي للتناقض فـي التعليـل، لأن محكمـة الاستئناف اعتبرت من جهة أن المحكم قد أخل بموجب الإعلام، دون أن تقضي، من جهة ثانية، أنه خالف مبدأ الحياد والإستقلالية. هل نستنتج من هذا القرار التمييزي أن تعيين المحكم بصورة متكررة من قبل الجهة المتقاضية ذاتها يشكل ظرفا مسيئا إلى مبدأ الحيـاد والإستقلالية؟ تبنّ البروفسور GAILLARD هذا التفسير، بينما لم يتبناه البروفسور LOQUIN في قرار لاحق لها، اعتمدت محكمة استئناف باريس تفسير البروفسور GAILLARD وأعطت أهمية خاصة لمعرفة عدد المرات التي تم فيها تعيين المحكم من الجهة ذاتها. في قرارين لها13، عيّنت محكمة إستئناف باريس خبراء لتحديد "وتيرة" (Fréquence) تعيين المحكم في نزاعات ناشئة عن عقود تلزيم من الباطن مبرمة من شركة مقاولات، كما في نزاعات ناشئة بـيـن شـركة Franchisor وشركة Franchisee، وفي قرار لها، أبطلت ذات المحكمة القرار التحكيمي لمجـرد تعيـين المحكم بصورة متكررة من قبل شركة مقاولات.

   نشير في هذا السياق أن تعاميم الـIBA International Bar Association عن "تعارض المصالح في التحكيم الدولي" تعتبر أن تعيين المحكم مرتين خلال ثلاث سنوات، ومن الجهة ذاتها، يضعه على "اللائحة البرتقالية" (La liste orange)، ومن شأن ذلك آثارة شـكوك فـي حيـاده واستقلاليته.

   من "المعيار الذاتي" لموجب الحياد، تطور الإجتهاد نحو "المعيار الموضوعي .

باء- المعيار: المنافع المشتركة: (Le courant d'affaires):

   كي يشكل التعيين المتكرر للمحكم خروجا عن مبدأ الحياد والإستقلالية، يجب أن يؤدي إلـى ايجاد ما يسميه الإجتهاد "المنافع المشتركة" بينه وبين الجهة التي تعينه. هذه "المنافع المـشتركة" تنتج عن العوامل الآتية:

    1- الصفة المنتظمة للتعيينات المتكررة.

    2- الإنتظام في التعيينات لمدة زمنية طويلة.

    3- وحدة العقود التي تضمنت البنود التحكيمية.

    4- عدم ندرة المحكمين للنظر في النزاعات التي تم فيها التعيين المذكور.

    5- كل ذلك دون تمييز بين ما إذا تم التعيين المتكرر للمحكم من فرقاء النزاع أنفسهم أو من مستشاريهم.

II- الوضعية الثانية: موجب الإعلام بوقائع يجهلها المحكم:

   الوضعية الثانية التي تطرق لها الاجتهاد للمرة الأولى تتمحور على السؤال الآتي: هـل أن موجب الإعلام يفرض على المحكم أن يعلم الفرقاء بظروف يجهلها شخصيا، وإنما كان يفترض به أن يعلمها؟

ألف- موجب الإعلام موجب متماد في الزمان:

   الجواب بالإيجاب يضعف المحكم، الجواب بالنفي يضعف التحكيم. هذا ما قاله البروفسور Thomas CLAY في تعليقه على قرار محكمة استئناف باريس الـصادر بتـاريخ 12 شـباط 2009 .

   في النزاع الذي انتهى بصدور هذا القرار، أعيبت على رئيس الهيئة التحكيمية أربعة أنواع من العلاقات:

   1- إنتماؤه إلى مكتب للمحاماة كان مستشارا للشركة الأم لإحدى جهات التحكيم.

   2- كان هذا المكتب مستشارا لفرع لهذه الجهة.

   3- أحد محامي المكتب عين محكما منفردا في تحكيم أحد أطرافه هذا الفرع للشركة الأم.

   4- المحامون العاملون في فرع هذا المكتب في الصين استشيروا من قبل الشركة الأم.

    أما الحجة القانونية التي أثارها الفريق الآخر فهي بالتأكيد جهل المحكم شخصيا لهذه الوقائع. لم تأخذ محكمة الاستئناف بهذه الحجة، واعتبرت أن هذه الوقائع من شأنها أن تثيـر الـشكوك في حياد المحكم واستقلاليته، رغم أن المحكم بشخصه كان محايـدا، مختزلـة بـذلك موجـب الحيـاد بموجـب الإعـلام، ممـا يجعـل موجـب الإعـلام موجبـا متماديًـا ف الزمـان (obligation permanente) يلزم المحكم بأن يبحث بصورة دائمة عن أية واقعة قد تؤثر فـي حياده في سياق المحاكمة التحكيمية.

باء- المفاعيل العملية والقانونية لهذا القرار الإستئنافي:

    يلحظ البروفسور Thomas CLAY أنها المرة الأولى التي يبطل فيهـا القـضـاء قـرارا تحكيميا لوقائع غير مرتبطة بالمحكم شخصيا، مما يعطي قرار الإبطال مفاعيل عملية عدة:

    أ- كيفية التوفيق بين عولمة العلاقات القانونية والاقتصادية، من جهة، ومن جهة ثانيـة، اتساع مضمون موجب الإعلام بحيث يشمل وقائع قد يجهلها المحكم شخصياً.

    ب - كما توجد شركات واستثمارات عابرة للقارات، توجـد كـذلك مكاتـب للمحامـاة عـابرة للقارات.مع صدور هذا القرار الاستئنافي، سوف تـولي هـذه المكاتـب عنايـة خاصـة لمنع وجود "تعارض مصالح" بين المحامين العاملين فيها. إن نظام ما يسمى "Conflicts cheeks" معتمد لدى هذه المكاتب، ولكنه تنظيم داخلي لا يجوز قانونا التذرع بـه لا وجه فرقاء التحكيم ولا في وجه القضاء. وإنما قد يثبت حسن نية المحكم.

   ج- هذا القرار الإستئنافي يجعلنا نسأل: من هو المسؤول عن بطلان التحكيم؟ المحكم أم مكتـب المحاماة المنتسب إليه؟ المحكم بالتأكيد نظرا الى وجود العلاقة القانونيـة التعاقديـة بينـه وبين الفرقاء، على أن يعود بالمسؤولية تجاه مكتبه. ولكن هذه النتيجة ليست الحل الأمثل.

   د- سوف يكون لهذا القرار الاستئنافي تأثيره في تنظيم بعض مكاتب المحامين العـاملين بصورة رئيسية في حقل التحكيم، بحيث سيفضل هؤلاء العمل مـن ضـمن مكاتـب أصغر حجما وأقل عولمة.

   هـ -  سوف يعزز هذا القرار القضائي دور المستشارين القانونيين الذين يعملـون بـصفة "Of Counsel".

ثانيا- المفاعيل القانونية لمخالفة موجب الإعلام:

   إن عقوبة الإخلال بموجب الإعلام هي بطلان القرار التحكيمي، ومسؤولية المحكـم ، ومركز التحكيم في حال وجوده كونه أخل بموجب التحري عن صفات المحكم الأساسية، وهـو موجب وسيلة (obligation de moyen).

    ينبغي التمييز بين المفاعيل القانونية للإخلال بموجب الإعلام قبل صدور القرار التحكيمـي وبعد صدوره.

ألف- قبل صدور القرار التحكيمي:

   إذا اكتشفت الظروف المشككة قبل صدور القرار التحكيمي، يكون من حق الفرقاء طلب ردّ المحكم وفقا لأصول وإجراءات حددتها قواعد التحكيم. من ضمن هذه القواعد، ضرورة أن يقـدم طلب الرد خلال مهلة معينة تلي التاريخ الذي تبلغ فيه من يطلب الرد تسمية المحكم، أو خـلال مهلة معينة تلي تاريخ علمه وتبلغه من المحكم المسمى من غيره بالظروف المشككة بهذا المحكم.

   ما هي الفعالية القانونية لهذه المهلة؟ بمعنى آخر، هل يحق لأحد فرقاء التحكـيم طلـب رد المحكم مباشرة أمام القضاء دون أن يكون قد طلب رده مسبقا ضمن المهلة المحددة أمام سـلطة ما التسمية؟

   أجابت محكمة استئناف باريس بالإيجاب متجاهلة نظام التحكيم لمركز التحكيم التابع لغرفـة التجارة الدولية في باريس، مما عرض قرارها للنقد من البروفسور Thomas CLAY، بما في ذلك من تجاوز لقواعد التحكيم الملزمة للفرقاء، إلا بما اتفقوا على خلافها. بمعنى أن عدم طلـب رد المحكم خلال المهلة المعينة أمام سلطة التسمية يعتبر دفعاً بعدم قبول طلب الرد أمام القضاء، بحيث يكون طالب الرد قد تنازل عن حقه في رد المحكم.

  إضافة إلى أن هذا الحل يمنع طالب الرد سيء النية من انتظار القرار التحكيمـي لتحديـد موقفه.  

باء- بعد صدور القرار التحكيمي:

   إذا اكتشفت الظروف المشككة بعد صدور القرار التحكيمي، يبطل هذا القرار مـع إمكانيـة الأخذ بمسؤولية المحكم شبه الجرمية. ولكن ما هو الأساس القانوني للبطلان؟ أجمع الاجتهاد على أن سبب البطلان هو "عدم قانونية تعيين المحكم"، Constitution irrégulière du tribunal) .arbitral)

   في رأينا، إن الأساس القانوني للبطلان هو في مكان آخر؛ إنه في مخالفة القرار التحكيمـي للنظام العام. المسألة ليست إجرائية، وإنما تمس جوهر التحكيم وأساسه.

خاتمة: الإقتراحات:

   تأسيسا على ما تقدم، نقترح الآتي:

   1- يجب على المحكم أن يصرح عن عدد النزاعات التحكيمية التي تم تعيينه فيها من قبـل إحدى جهات النزاع أو المرتبطين معها بمصالح مشتركة. ومن أجل ذلك، يعفى المحكم من موجب السرية.

  2- يشمل موجب الإعلام حتى الوقائع والظروف التي يجهلها المحكـم شـخـصيا، ولكـن يفترض به أن يعلمها.

  3- إن موجب الإعلام هو موجب مستمر طيلة فترة التحكيم.

    إذا لم يطلب فرقاء التحكيم رد المحكم وفقا للإجراءات، وضمن المهلة المحددة فـي قواعـد التحكيم، يعتبر أنهم تنازلوا عن طلب الرد أمام القضاء. مبدأ حياد المحكم واستقلاليته هـو مـن النظام العام الموجه في وجوده ومن النظام العام الحمائي في ممارسته.