المحكم وهيئة التحكيم / يجب ان يكون المحكم محايداً ومستقلاً / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 33 / الإمارات العربية المتحدة: مخالفة المحكم للحياد: السجن حتى 15 سنة
أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحـدة في 18 سبتمبر 2016 المرسوم بقانون اتحادي رقم 7 لسنة 2016 يقضي بتعديل قانون العقوبات الإتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم 3 لعام 1987، وذلك من خلال تعديل مواد منـه وإضافة مواد جديدة إليه. نشر القانون الجديد في الجريدة الرسمية في شهر سبتمبر، وأصبح نافذاً بتاريخ 29 أكتوبر 2016.
طال التعديل عدة مسائل من القانون القديم، وبخاصة المادة 257 منه، لتصبح على الشكل الآتي:
كل من يصدر قراراً أو يعبر عن رأي أو يقدم تقريراً أو يرفع دعوى أو يثبت وقوع حادث لصالح أو ضد أي شخص بما يخالف شروط موجب الحياد والنزاهة أثناء قيامـه بمهامـه بصفة محكم أو خبير أو مترجم أو متقص عن الوقائع، معين من قبل سلطة إداريـة أو قضائية أو من قبل الأطراف، يعاقب بالسجن المؤقت من 3 إلى 15 سنة.
تمنع فئات الأشخاص المذكورين أعلاه من تولي المسؤوليات التي أنيطت بهم في المقـام الأول وتطبق عليهم أحكام المادة 255 من هذا القانون". (ترجمة غير رسمية).
جاء التعديل الأخير ليوسع من نطاق الشروط المفروضة على الخبراء والمترجمين وليشمل فئة أكبر من المهنيين كالمحكمين وليفرض عقوبة السجن المؤقت التي من الممكن أن تمتد من 3 إلى 15 سنة. من المهم أن تكون دائماً القوانين الرادع لكل سلوك لا يتوافق مع العدالة والنزاهـة ولكن لا بد أن نشير إلى أن المحكمين المنزهين في كنف قدسية التحكيم سيبقون حماة هذا التحكيم وسیلتزمون دوماً المبادئ والأسس الجوهرية التي يقوم عليها.
شكل هذا التعديل مصدر قلق كبير وأثار ضجة كبيرة بين أوساط القانونيين، وبخاصـة المحكمين. فبحسب التعديل الجديد، كل محكم يتبين أنه غير حيادي يمكن أن تفرض عليه عقوبـة السجن المؤقت. وأعرب المحكمون عن قلقهم، وأبدوا عدم رغبتهم في قبول تعيينهم محكمين في قضايا تحكيمية جديدة تجري في الإمارات العربية المتحدة، خشية ملاحقتهم بموجب المـادة 257 المعدلة، أو خشية سجنهم في انتظار ما ستؤول إليه التحقيقات. وعبر البعض الآخر من المحكمين عن نيتهم الإستقالة من مهامهم الحالية كأعضاء حاليين في محاكم تحكيمية تفادياً لأية ملاحقات قد تساق ضدهم. وأكثر من ذلك، ألمحت العديد من مكاتب المحاماة الدولية إلى أنها لن توصي بـأي اتفاق تحكيم ينص على اختيار دولة الإمارات العربية المتحدة كمكان لإجراء التحكيم.
ويخشى أن يسيء الأطراف استعمال هذا النص كحجة على عدم حياد المحكم من أجل إكراه المحكمين على الإلتزام بطلبات إجرائية غير عقلانية أو لإصدار أحكام لصالحهم أو حتى استعمال هذا النص بشكل غير مشروع، ولهدف غير مشروع بغية عرقلة أو تأخير إجـراءات التحكـيم، خاصة مع عدم وجود تعريف أو تحديد لما يمكن أن يشكل مخالفة لموجب الحياد والنزاهة، الأمر الذي سيؤدي إلى فقدان التحكيم ميزته الأساسية بوصفه وسيلة سريعة لتسوية النزاعات.
الخطر الأبرز يكمن في الضرر الذي من الممكن أن يصيب دولة الإمـارات نفسها، إذ إن تطبيق المادة 257 المعدلة من شأنه أن يؤدي إلى الإضرار بالدولة على صعيد كونهـا مكـانـاً حاضناً للتحكيم. فقانون معدل على هذا النحو لا يتوافق مع القوانين الدولية التي تسعى دوماً إلـى تشجيع التحكيم، والتي تسعى جاهدة إلى تعزيز مكانة التحكيم في العالم.
والتعجب يفرض نفسه إزاء هذه النزعة التي تسعى إلى إدخال التحكيم، الذي يندرج بامتياز ضمن إطار الدعاوى المدنية، في المواضيع الجزائية البعيدة كل البعد عن طبيعة التحكيم. وهـو مما لا شك فيه اتجاه يقوض من حرية التحكيم، ويحد من مداه.
نشير أخيراً إلى أن العديد من الهيئات القانونية والفقهية أعربت عن بواعث قلقها من القيود التي يفرضها القانون 2016/7 على الحريات الأساسية، وبالأخص على المحكمين الذين صاروا مجردين من كل حصانة قانونية تسهل عليهم القيام بالمهام المنوطة بهم. وأوصت هـذه الهيئـات السلطات الإماراتية بمراجعة التعديلات الأخيرة وتنقيحها. وتأمل هذه الهيئات في أن يعـدل هـذا النص أو يلغى في وقت لاحق نظراً لما يشكله من تهديد لدولة الإمارات التي تعتبر مـن الـدول الرائدة في الكثير من المجالات، وبالأخص في المجال القانوني.