الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / يجب ان يكون المحكم محايداً ومستقلاً / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 30 / إستقلالية المحكم الدولي وحياده

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 30
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    143

التفاصيل طباعة نسخ

1. المقدمة:

   رداً على السؤال: "من هو القاضي؟" وما هو الإستنكاف عن إحقاق الحق؟ أجـاب مؤلـف مشهور متخصص بقانون الأصول المدنية بالقول: "إن استقلالية القاضي وحياده ليـسـا ضـمانة بسيطة للعدالة السليمة، إنهما جوهر مهمة القاضي". لا عدالة دون قاض مستقل وحيادي! ومـا يصح للعدالة الخاصة بالدولة، يصح أكثر للعدالة التحكيمية. وهذا بلا شك ما نزال نجهد، نحـن الدول العربية، لفهمه إلى اليوم. كل ثورة تولد من شعور بالظلم: إبحثوا تجدوا في كـل مكـان كمنبع هذا الظلم، شعباً خاضعاً غير سيد، إذا غير مستقل، وسلطة متحيزة تفضل البعض علـى البعض الآخر.

   من وجهة نظر تحكيمية محض، لا يجوز في الواقع التقليل من تقدير أهمية هذه المفاهيم، كما يثبته الإجتهاد الوفير، في كل مكان من العالم، المتعلق بهذه المسائل منذ ما يقارب 20 سـنة. إن السبب الوحيد وراء اعتبار حكم تحكيمي في أيامنا هذه، في الأغلبية الساحقة من البلدان، على أنه حكم قضائي هو أن الشخص الذي أصدره هو، كالقاضي، شخص مستقل عن الأطراف (مـع أنه يأتي من خلفية خاصة): يتعلق الأمر بالأساس الوحيد لمهمة المحكـم القـضائية. مـن دون إستقلالية، لا يوجد محكم، ومن دون محكم، لا يوجد تحكيم!

   تأكيداً على ذلك، يكفي أن نذكر قضية مشهورة في فرنسا. في هذا التحكيم، أفصح المحكـم العضو الذي كان سيستيه المدعي أنه شارك فحسب في ثلاث دعاوى مع مستشار المدعي نفسه، ولم يقدم أبدأ إستشارات في هذه الدعوى، ولكن التحكيم، الذي كانت الدولة الفرنسية طرفا فيـه إنتهى بشكل سيىء نظراً إلى المبالغ الباهظة التي حكمت بها هيئة التحكيم للمدعي (أكثر من 400 مليون دولار أميركي) بتأثير من هذا المحكم العضو. حتى أن دعوى جزائية أقيمت، أظهرت أن المحكم العضو المذكور شارك في الحقيقة في ما يقارب 15 ملفاً لها صلة بالمستشار نفـسه و/أو بالدعوى نفسها، بما في ذلك تحكميات أخرى واستشارات أخرى، أي ما مجموعه مليون يـورو، وهذا يعني ما يقارب نصف رقم أعماله على امتداد السنوات العشر التي سبقت التحكيم. بمـا أن المحكم لم ير ضرورة للإفصاح عن هذه "العلاقات المميزة القديمة"، قضت محكمـة إسـتئناف باريس (17 شباط/فبراير 2015) بأن تصريحه الخاص بالإستقلالية كاذب وينطوي على غـش وأبطلت حكم التحكيم بالأخص على أساس عدم استقلالية المحكم.

   نظرياً، يجب التمييز بين الإستقلالية والحياد. تعنى الإستقلالية بحالة مـن القـانون أو مـن الواقع، يمكن تقديرها بشكل موضوعي، تتعلق بالعلاقات بين المحكم والطرفين. الحياد يحيل إلى مفهوم شخصي أكثر، هو عقلية المحكم حيال النزاع، ويقتضي من المحكم عدم إبداء رأي مـسبق لصالح أحد الطرفين أو ضده. غير أن الإجتهاد، عملياً، غالباً ما يمزج المفهومين ويطبق عليهما تقريباً نظاماً قانونياً واحداً ووحيداً، بمعاقبته المحكم وحكم التحكيم بالطريقة نفسها. ،

2. مفهوما الإستقلالية والحياد:

أ. شرط الإستقلالية والحياد المزدوج:

   إذا كانت القوانين الوطنية تبقى بشكل عام صامتة عن تعريفهما، إلا أنها لا تغفـل وجـوب احترامهما. إذا، إن التشريعات الوطنية، كما قواعد التحكيم أرسـت، كمبـدأ أساسـي للتحكـيم إستقلالية المحكمين وحيادهم.

    1. في القانون اللبناني، تنص المادة 770 من قانون أصول المحاكمات المدنيـة (المتعلقـة بالتحكيم الخاص) على أنه "لا يجوز رد المحكمين عـن الحكـم، إلا لأسـباب تحـدث أو تظهر بعد تعيينهم. ويطلب الرد للأسباب ذاتهـا التـي يـرد بـهـا القاضـي" (أي مصالح شخصية أو علاقات عائلية أو عداوة). المهلة هي خمـسـة عـشر يومـاً مـن تاريخ تعيين المحكم أو من تاريخ اكتشاف الظرف الذي يثير شكاً فـي اسـتقلاليته أو حياده.

    2. تشير المادة 11 من قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية (2012) على أنه يتعين على كل محكم أن يكون وأن يظل محايداً ومستقلاً عن الأطراف المعنية بالتحكيم.

   3. تنص المادة 12، الفقرة 1 من قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجـاري الـدولي على ما يأتي: "على الشخص، حين يفاتح بقصد احتمال تعيينه محكماً، أن يصرح بكـل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوكاً لها ما يبررها في حيـاده واستقلاله. وعلـى المحكم، منذ تعيينه وطوال إجراءات التحكيم، أن يفضي بلا إبطاء إلى طرفي النـزاع بوجود أي ظروف من هذا القبيل، إلا إذا كان قد سبق أن أحاطهما علماً بها."

   4. كما تنص المادة 12 من قواعد الأونسيترال للتحكيم على أنه "يجوز الإعتراض على أي محكم إذا وجدت ظروف تثير شكوكاً لها ما يبررها في شأن حياده أو إستقلاليته."

   5. تنص المادة 7 من نظام المصالحة والتحكيم الخاص بغرفة التجـارة والصناعة فـي بيروت على أنه "يجب أن يكون كل محكم يعينه المجلس أو يثبته مستقلاً عن الفرقاء في التحكيم، وأن يستمر كذلك."

   6. تنص المادة 261 من قانون المرافعات المدنية العراقي على أنه "يجوز رد المحكم لنفس الأسباب التي يرد بها الحاكم، ولا يكون ذلك إلا لأسباب تظهر بعد تعيين المحكم". تنص المادة 4، الفقرة 4 من مشروع قانون التحكيم العراقي على أنه يتوجب على المحكمـة المختصة، عند تعيين المحكم، مراعاة كونه مستقلاً ومحايداً. كما يجب، عند تعيين محكم ثالث، ألا يكون من جنسية أطراف التحكيم2. في الإطار نفسه، تنص المـادة 14 أنـه يتوجب على الشخص الذي عيّن محكماً أن يفصح عن كل ظرف من شأنه أن يثير شكاً في استقلاليته وحياده، وأن يفصح عن كل ظرف جديد، لدى تعيينه، مـن الممكـن أن يؤثر في استقلاليته أو حياده.

ب. الفرق بين الإستقلالية والحياد المبني على مفهوم تعارض المصالح المادية: .

  i .الإستقلالية. يتعلق الأمر بمفهوم يسهل أكثر إدراكه، لأنه موضوعي: يتعلق الأمر بالبحـث عن وجود علاقات غالباً ما تكون مالية – قد يكون المحكم كونها مع أحـد الأطـراف (و/أو مستشاره)، وهو إذا مفروض أولا. وتقدر الإستقلالية بالنسبة إلى العلاقات الواقعية. .

  ii. عادة، ينتج الحياد من الإستقلالية. يتعلق الأمر بحالة نفسية للمحكـم، إذا بعناصـر غيـر موضوعية تتعلق بالمنطق الذي يتبعه هذا الأخيرة. إذا، في حين أن الإستقلالية ستكون إحدى المعطيات الموضوعية، سيكون الحياد بالضرورة غير موضوعي ويقدر وفقاً لميول فكرية.

   زد على ذلك أن شرط الحياد ظهر بعد شرط الإستقلالية في قواعد وأنظمة التحكيم، وعليه، لم يضف موجب حياد المحكم إلى موجب استقلاليته (المادة 11) في قواعد تحكيم غرفة التجـارة الدولية، إلا في الصيغة الأخيرة التي صدرت عام 2012. لم تكن صيغة عام 1988 (المادة 2.7) السابقة، وصيغة عام 1998 (المادة 7.1) السابقة من قواعد تحكيم غرفة التجارة الدوليـة تـذكر موجب إستقلالية المحكم: "يتعين على كل محكم أن يكون وأن يظل مستقلاً عن الأطراف المعنية  بالتحكيم".

    بغية توضيح الفرق بين المفهومين وخاصية الحيـاد، يمكننـا ذكـر الإجتهـاد الأميركـي Americo Life: في حين أن الأطراف كانوا متفقين، في تحكيم أمام رابطة التحكيم الأميركية، على تعيين محكم عضو يظهر علامات عدم حياد، رفض مركز تحكيم رابطة التحكيم الأميركيـة تثبيته واستبدله بمحكم مستقل وحيادي "أكثر". وحاول الطرف الذي خسر الدعوى يحصل على إبطال حكم التحكيم. في الواقع، إعتبرت محكمة "تكساس" أن إرادة الأطراف تطغى على قواعـد التحكيم وفسرت شرط الحياد هذا على أنه يعني فقط أنه لا يجب توظيف المحكمـيـن مـن قبـل الأطراف أو أن يكونوا تحت سيطرتهم. قدم الطرف الآخر طعناً بالنقض، ولكن المحكمة العليـا ردته؟.

   إن مسألة تقدير الحياد غالباً ما تتعلق أيضاً بمسألة ثقافية.

    فى الواقع، في بعض البلدان، ولا سيما في العالم العربي، يميل الطرف الذي يسمي "محكمه" إلى اعتبار أن هذا المحكم يجب أن يتصرف بالضرورة بطريقة تصب في مصلحته، من حيـث الموضوع ومن حيث الشكل. هذا هو حال القانون الداخلي الأميركي الذي لا يزال متعلقاً بمفهوم عدم حياد المحكمين الذين يعينهم الأطراف. كما هناك تساهل، عملياً، في ما خص واقع اعتبار أن المحكم المعين من أحد الأطراف يتأثر ثقافياً بما يدلي به الطرف الذي عينه، لهذا أيـضاً معظـم القواعد والأنظمة تقبل أن يكون المحكم العضو من الجنسية ذاتها العائدة للطرف الـذي عينـه ولكنها تتطلب عادة أن يكون المحكم الفرد أو رئيس هيئة التحكيم من جنسية مختلفـة عـن جنسيات الأطراف (المادة 13(5) من قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية).

   غيرأنه من المسلم به عامة في التحكيم الدولي أن المحكم ليس "وكيل" أحد الأطراف. ومن غير هنا الحياد "الوطني" المطلوب من المحكم الفرد (أو من رئيس هيئة التحكيم).

   مثلاً، تنادي النقابة الدولية للمحامين بحياد كل العاملين في التحكيم، ولا سيما حظـر كـلّ اتصال بين المحكم العضو والطرف الذي سماه، إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك. كمـا أن القواعد والإرشادات الجديدة لمحكمة لندن للتحكيم الدولي (LCIA)، التي دخلت حيز التنفيذ منـذ الأول من اكتوبر 2014، تسمح، بحد ذاتها، بمعاقبة محاولات التواصل غير الوجاهية والثنائيـة الأطراف بين محكم وطرف. من ناحيتها، قضت محكمة التمييز الفرنسية صـراحة أن الطـرف الذي يعين محكماً، على الرغم من ضمان تدخلـه مـن الناحيـة الماليـة، لا يختـار محكمـه ولكن يختار، بموجب تفويض، محكم عضو مخول بمصلحة مشتركة تمثـل إرادة الأطـراف المشتركة.

   في نفس الاتجاه، في إطار عملية المداولة، إذا ثبت تحيز المحكم يجعل من الصعب جـداً اختياره محكماً في هيئة تحكيمية من قبل مركز التحكيم. بنفس الطريقة، أثناء المداولات، سيكشف المحكم المتحيز نفسه وسيفقد مصداقيته. بالتالي، في نهاية المطاف ينضبط غياب الحياد وحده.

   هنالك بعض الحالات القصوى حيث يذهب المحكمون الى حـد المقاطعـة وشـل الهيئـة التحكيمية. لكن القوانين الوطنية تنص عادة لمواجهة هكذا حالات، علـى أن الحكـم التحكيمـي الحائز فقط توقيع محكمين اثنين من أصل ثلاثة يشكلون الهيئة التحكيمية، يكون صحيحاً وينتج كل مفاعيله. إن نظام غرفة التجارة الدولية (ICC) في مادته 31 فقـرة 1، نـص علـى هـذا التصور، واعتبر أنه" في حال تعدد المحكمين، يصدر الحكم التحكيمي بالأغلبية".

   ملاحظة: إن ثبوت استقلالية المحكم ليس شرطاً مسبقاً لاعتباره حيادياً. في المقابل، إن عدم استقلاليته قد يشير إلى تحيزه.

ج. لكن مفهومين في الواقع غالباً مـا يـتم دمجهمـا: يعتمـد الإجتهـاد مقاربـة مـشتركة للمفهومين تنطوي على غياب ظروف تميز: "من خلال وجود صـلات ماديـة أو فكريـة مع أحد أطراف النزاع، وضع من شأنه أن يؤثر في حكم المحكـم".  بعـد ذلـك يعتمـد الإجتهاد معياراً وسطياً بين الإستقلالية والحياد بما أنـه يـشير إلـى "استقلالية الفكـر للمحكم.

3. الرقابة على الإستقلالية والحياد: موجب الإفصاح:

   إن موجب الإفصاح الملقى على عاتق المحكم هو الأداة المستخدمة في أيامنا هذه للحكم على استقلالية المحكمين وحيادهم. ولكن ما الذي يتوجب عليهم الإفصاح عنه؟ إلى أين يصل موجـب الإفصاح هذا؟

أ- أسس وطبيعة الموجب (إلزام):

    لم تعط القوانين الوطنية أي تعريف أو وصف لنظام موجب إستقلالية وحيـاد المحكمـين. وعليه، غالباً ما يكتفي القانون بإلزام المحكم بالتصريح باستقلاليته وحياده دون تحديد مـضمون هذا التصريح بدقة.

   وقد نصت المادة 1456 فقرة 2 من قانون أصول المحاكمات المدني الفرنسي على أنه "يعود للمحكم، قبل قبول مهمته، أن يكشف عن أية ظروف من شأنها أن تؤثر في استقلاليته أو حياده". فموجب الإفصاح هو في الواقع النتيجة الطبيعية لموجب الإستقلالية والحياد.

   إن ما يبرر هذا الموجب هو أولاً موقع المحكم المشابه لموقع القاضـي، وأيـضاً الطبيعـة التعاقدية لمهمة المحكم، وبالتالي للثقة المعطاة له من قبل الأطراف.

   وبالفعل، باعتبارها شرطا لحرية المحكم في الحكم، تهـدف الـضمانات المتعلقـة بحيـاد واستقلالية المحكم الى "تعزيز ثقة الأطراف بأعضاء الهيئة التحكيمية"، وقد كرس هذا الهـدف في معظم القوانين الوطنية، المعاهدات الدولية وقوانين التحكيم .

   بماذا يجب التصريح عمليا؟ الإفصاح عن كل ظرف من شأنه أن يؤثر في الحكم الـصادر عن المحكم، وأن يثير في ذهن الأطراف شكا معقولاً في حياده واستقلاليته. (الإنتبـاه: الطـابع الشخصي).

وماذا عن أعضاء هيئة التحكيم؟ (المحكم العضو) Co-arbitre:

    بما يختص بموجب الإفصاح، يفرض هذا الموجب على جميع أعضاء هيئة التحكيم. ولكن، اذا كان المبدأ هو نفسه، فالسؤال المطروح يتعلق بما اذا كان هذا الموجب يمتد ليشمل علاقـة أعضاء هيئة التحكيم بعضهم ببعض.

  مع توسع اللجوء الى التحكيم، تظهر عدة حالات يشارك فيها المحكمون أنفسهم فى عـدة  هيئات تحكيم مع بعضهم البعض، في قضايا مختلفة، دون إعلام رئيس هيئة التحكيم أو الأطراف.

    في هذه الحالة، يصبح موجب إفصاح المحكمين ضرورياً أكثر بالنظر الى حقيقة كونهم غالبـاً يقومون باختيار الرئيس.

   وعليه، يتوجب على المحكم العضو موجب الإعلام ليس فقط تجاه الأطراف بل أيضاً تجـاه باقي أعضاء هيئة التحكيم التي يشارك فيها، وذلك عندما يكون قد شارك كمحكـم فـي دعـوى وازية مرتبطة بشكل مكنه من الإستحصال على معلومـات مهمـة تتعلـق بالقضية الماثلـة مو أمامه.

ب- تقدير مضمون موجب الإفصاح: "متى يكون كافيا":

• صمت القانون على معيار التقدير:

   لم يحدد القانون ما هي المعايير المتوجب اعتمادها لتقدير هذه الإستقلالية و/أو الحيـاد أو لتقييم هذا التصريح والإستقلالية. يجب اذا اللجوء الى مصادر أخرى، في بعض الأحيـان غيـر رسمية (تقنيات صادرة عن مؤسسات) أو اجتهادات.

• المعايير الموضوعة من قبل مؤسسات التحكيم:

   أصدرت نقابـة المحـامين الدوليـة (IBA) عـام 2004 مبـادئ توجيهيـة لتـضارب المصالح في التحكيم الدولي، وقد صدرت نسخة معتلـة مـن هـذه المبـادئ أكتـوبر .2014

   رغم أنها غير ملزمة ولا تسود على القوانين المحلية المطبقة، وكذلك على قوانين التحك المختارة من الأطراف، غالباً ما تستخدم هذه المبادئ عملياً وتعتبر مصدراً غير رسمي ومفيـداً لمزاولي التحكيم.

   تعطي المبادئ التوجيهية للـ (IBA) فـي قـسمها الثـاني أمثلـة حـسـية عـن الوقـائع والظروف التي من شأنها أن تشكل تضارباً فـ تضارباً فـي المـصالح، والتـي يتوجـب علـى المحكـم الإفصاح عنها. تندرج هذه الوقائع والظروف تحت ثلاث لوائح بألوان مختلفة: أحمر وبرتقـالي وأخضر.

   i- تشمل اللائحة الحمراء الحالات التي تتعلق بتضارب موضوعي للمصالح من وجهـة نظر شخص ثالث عاقل وعالم بالوقائع. نذكر هنا حالة المحكم الذي هو أيضاً محام أو موظف لأحد أطراف التحكيم أو تلك التي يكون فيها المحكم مديراً أو عضواً في سلطة مراقبة لدى أحد الأطراف أو له سلطة رقابة مماثلـة علـى أحـد هـذه الأطـراف (الفرضيات رقم 1.1 و1.2 من اللائحة الحمراء، والتي تتعلق بالحالات غير القابلـة للتنازل من قبل الأطراف).

 ii - تشمل اللائحة البرتقالية تعداداً غير حصري للفرضيات التي، بحسب الأحوال، قد تثير في ذهن الأطراف شكوكاً مشروعة في ما يتعلق بحيادية واستقلالية الأطراف، والتـي على هذا الأساس، توجب على المحكم الإفصاح عنها للأطراف. نذكر هنا حالة المحكم الذي قد عمل خلال الثلاث سنوات الأخيرة كمحام لأحد الأطراف أو استشير في قضية مختلفة من طرف قد سماه أو لجهة تابعة لهذا الطرف، ولم يعد من حينه على علاقـة بها (فرضية 3.1.1 من اللائحة البرتقالية).

  iii- تعدد اللائحة الخضراء بشكل غير حصري الحالات التـي لا تشكل موضـوعياً أي تضارب للمصالح لا في الظاهر ولا في الواقع مثل حالة المحكم الذي أعطـى رأيـاً قانونياً سابقاً أو حالة الأنشطة المهنية التي مورست سابقاً في مواجهة طرف.

• المعايير الصادرة عن الاجتهاد:

   التقدير العملي والمطلق لموجب الإعلام يتم بالنظر معاً الى مدى شهرة الحالـة المعتـرض عليها، كما تأثيرها الممكن توقعه، في حكم المحكمين .

   يقدر الحياد في فرنسا بشكل موضوعي: تتكون عدم الاستقلالية وحياد المحكم عندما يكون هناك ظرف من شأنه أن يثير الشك المشروع في هذه الاستقلالية والحياد دون وجـوب اثبـات إخلال المحكم في موجب التصريح والاعلام". لا تقدر استقلالية المحكم بالنظر الى معيار واحد، بل تستنتج بالأحرى من جراء تحليل يرتكز على مجموعة من الأدلـة يظهـر عـدم استقلالية موضوعي.

- النقص في المعلومات المفصح عنها من قبل المحكم:

   حتى لو شمل تصريح المحكم المتعلق باستقلالية على معلومات حقيقية وصـادقة، إلا أنـه يمكن لهذه المعلومات أن تكون منقوصة وبالفعل، يمكن للمحكم أن يختار بعناية المعلومات التـى يود الافصاح عنها، كما عدم الافصاح، عن قصد أو غير قصد، عن تلك التي من شأنها التـأثير في استقلاليته.

   في هذا السياق، يجب ذكـر تطـور الإجتهـاد الفرنسي خاصـة مـن خـلال قـضية في .Tecnimot c/ Avax

   في قرار أول بتاريخ 12 شباط 2009، أبطلت محكمة استئناف بـاريس قـراراً تحكيميـاً صادراً عن غرفة التجارة الدولية (CCI) بسبب عدم استقلالية رئيس هيئة التحكيم، وذلك بالنظر الى العلاقة بين شركة Tecnimot والجهة التي ينتمي اليها المحكم.

   في الوقائع، أن العلاقة بين مكتب محامـأة ينتمـي إليـه المحكـم بـصفة ”of counsel والمجموعة التي تنتمي اليها Tecnimot، هي التي كانت قيد الاعتراض، وليست العلاقـة بـين المحكم والمجموعة التي لم تكن موجودة، والتي كان يجهلها. لذلك، بسبب جهله هذه الروابط، لم يكشف المحكم عنها21. بالتالي، اعتبرت محكمة الاستئناف أن المحكم قد خالف موجب الافصاح. بالفعل، كان ينبغي عليه الافصاح أن يشمل أيضاً المؤسسة التي كان ينتمي اليها المحكم، ولـيس فقط شخص المحكم. انتقد الفقه هذا القرار بقسوة، إذ من الجائز جداً أن تكـون هنالك مخالفـة لموجب الافصاح من دون التعرض وانتهاك موجب استقلالية المحكم وحياده.

   في قرار صادر في 4 نوفمبر 2010، نقضت محكمة التمييز هذا القرار، معتبرة أن الأسباب تي أثيرت في إطار الطعن بالإبطال لاثبات غياب استقلالية رئيس هيئة التحكيم هي نفسها – أو تقريباً نفس – تلك المثارة في دعوى الرد المقدمة أمام غرفة التجارة الدولية. استنتجت أن محكمة استئناف باريس قد حكمت على أساس وقائع غير تلك المقدمة من Avax في طعنها بالإبطـال وتكون بذلك قد عدلت بموضوع النزاع المرفوع أمامها. وقد أحيلت القضية لبتها من جديد أمــام محكمة استئناف ريمس (Reims) التي في قرار صـادر بتـاريخ 2 نوفمبر 2011، كرسـت الافصاح الكلي ورفعت موجب الافصاح الى درجة الضرورة بحيث اختلط مع موجب استقلالية المحكم وحياده. بالفعل، وضعت محكمة استئناف ريمس رسمياً على عاتق المحكمين موجب الافصاح الذي يشمل ليس فقط علاقاتهم الشخصية، إنما أيضاً علاقات المكتب الذي ينتمون اليه مهما كانت طبيعة الرابط الذي يجمعهم به. –

  إلا أن محكمة ريمس، في هذه المناسبة، لم تعد تعتبر مخالفة موجب الافصاح أساساً لابطال الحكم التحكيمي، إنما رأت أن "غياب المعلومات من شأنه أن يبرر الشك المعقول باستقلالية السيد ويؤدي الى إيطال الحكم التحكيمي".

   في الدعوى التي تشير اليها، فرقت بدقة محكمة التمييز 23 بما قالتـه محكمـة اسـتئناف ريمس، واعتبرت أن اليوم مخالفة موجب الافصاح لا يكفي وحـده لتبريـر إبطـال الحكـم التحكيمي، رافضة بذلك الرأي الذي اعتبر أن موجب الاستقلالية يمتزج بموجب الافصاح الذي لم يعد معياراً ميكانيكياً لتقدير المخالفة، أو مخالفة شرط الاستقلالية.

- عدم دقة التحفظات التي كشف عنها المحكم:

   بإمكان المحكمة أيضاً أن تعتبر أن هنالك غياباً للدقة في إعلان استقلالية المحك يضع هذا الأخير بعض التحفظات، من دون تفصيل طبيعتها وتأريخها ومدتها. هذا النـوع مـن المخالفات قد يؤدي بالمحكمة، عندما تعتبر هذه المغالطات مشكوكاً فيها، إلى عدم تأكيـد تـسمية المحكم .

- رفض التصريح:

   بشكل أكثر وضوحاً، عندما يرفض المحكم التقيد بموجب التصريح، يكون من المعقول أن نـرى نقصاً في الإستقلالية أو الحياد من شأنه أن يجعله "غير جدير" بمهمة محكم في النزاع المعني.

   في قضية أخرى (Paris, 10 mars 2011, n°09/28826, Sté Nykcool AB)، أبطلت محكمة استئناف باريس قراراً تحكيمياً لمجرد أن المحكمين لم يقدموا أي تصريح استقلالية، فـي حين أن قواعد التحكيم لم تكن تنص على ذلك.

- وجود ظروف من شأنها أن تؤثر في حكم المحكم، وأن تثير شكاً معقولاً لدى الأطراف:

   تعتبر محكمة استئناف باريس أن الظروف التي يمكن إثارتها للمنازعة في استقلالية أو حياد المحكم يجب أن تميز، من خلال وجود صلات مادية وفكرية مع أحد الأطـراف فـي النـزاع، وضعاً من شأنه أن يؤثر في حكم هذا المحكم، وأن يشكل خطـراً أكيـدا بـالتحيز تجـاه أحـد الأطراف". من جهتها، تشير محكمة النقض إلى كل ظرف من شأنه أن يؤثر في حكم المحكـم وأن يثير لدى الأطراف شكا معقولا حول صفاته".

4. أمثلة في الإجتهاد:

• صلات و تيار من الأعمال" مع أحد الأطراف: أمثلة في الإجتهاد:

• استشارة قانونية:

   عندما يكون المحكم قد صاغ، قبل تسميته، استشارة قانونية لمصلحة قضية الطـرف الـذي سماه، لا يكون هناك عدم حياد.

• خبرة حسابية:

   أيضاً، لا يمكن إبطال قرار تحكيمي لمجرد قيام محكم قبل نشوء النزاع بخبرة حسابية لأحد الأطراف وفي حين لم يقدم أي طلب رد.

• تسميات متتالية وتيار من الأعمال:

   لا مجال لرد محكم عندما تكون التسميات المتتالية للمحكم المعني صـادرة عـن أطـراف متخاصمين، فهذا الأمر هو بمثابة كشف عن استقامة المحكـم 19 ,.TGI Dijon, ord. Ref) .(mars 2013, n°12/00438, SAS Etanchisol D. 2013, pan. 2942, obs. Th. Clay وهذا ما قام به القاضي المساند في قضية أخرى، حيث اعتبر أن المحكم الفرد، الذي عين سـابقاً تسع مرات (ومنها ثلاث مرات خلال خمسة أشهر) في نزاعات بين شركة وبين مقاوليهـا مـن الباطن، عينته خمس مرات الشركة المذكورة وأربع مرات المقاول من الباطن الخصم، "وهذا ما يستبعد وجود الشروط الواجبة لتوافر تيار من الأعمال".

    إذا سمي المحكم مرات عدة من أحد الأطراف، تأخذ المحاكم الفرنسية بعين الإعتبار انتظام وتكرار التعيينات لترى ما إذا كان يوجد بينها تيار من الأعمال. ه

  • إن وجود تيار من الأعمال غير مرتبط بأهمية الإيرادات التي يحصلها المحكـم، ولكـن بانتظام هذه الإيرادات المتأتية عن عدد كبير من التحكيمات، حتى بالنسبة إلـى أتعـاب زهيدة ( Reims, 31 janv. 2012, n°10/03288, Carrefour Proximité France: RTD com. 2012, 518, obs. E. Loquin; Gaz. Pal. 6-8 mai .(2012, p. 20, obs. D. Bensaude; D. 2012, pan. 3000, obs. Th. Clay

  •  إن تسمية المحكم من شركة تنتمي إلى نفس المجموعة في إجراءات تحكيميـة سـابقة لا يمكن أن تميز بذاتها وجود تيار من الأعمال من شأنه أن يثير لدى الأطراف شكاً معقولاً بالنـسبة لاستقلالية المحكـم وحيـاده ( ,2013 .TGI Paris, ord. Réf., 25 sept .(n°13/56668, Prigent et A.: D. 2013, pan. 2943, obs. Th. Clay

• الصلات بالنسبة إلى محامي أحد الأطراف:

• تصريح مقتضب ومختزل عن عمد:

    يجب إبطال الحكم التحكيمي الصادر عن محكم فرد الذي كان تصريح الإستقلالية الـصادر عنه مقتضباً ومختزلاً عن عمد، والذي أخفى على وجه خاص الصلات التي كانت له مع مكتـب المحاماة الذي كان فيه محامي أحد الأطراف شـريكاً، والذي كانت تربطه به، إضافة إلى ذلـك، صلات أخرى تم التعتيم عليها، التي من شأنها أن تثير لدى الأطـراف شـكا معقـولا بالنـسبة لاستقلالية المحكم وحيــاده ( Cass. 1 Civ., 18 déc. 2014, no 14-11.085, Dukan de Nitya, rejet du pourvoi contre Paris, 29 oct., 2013, n°12/19025: D. 2013, pan. 2942, obs. Th. Clay; Gaz. Pal. 7-8 mars 2014, p. 21, obs. D. .(Bensaude (Boutonnet: D. 2014, pan. 2548 et 2550, obs. Th. Clay

• على عكس ذلك، لا يجوز رد المحكم الذي لم يفصح عن صلاته مع مكتب المحاماة الذي كان محاميا أحد الأطراف شريكين فيه، والذي أوكل إلى المحكم مهمة خلال أكثر من سـنة، قبـل عام على بدء التحكيم، لأن عدم الإفصاح ليس من شأنه أن يضع، بحد ذاتـه، استقلالية أو حياد المحكم موضع مساءلة ويعود للقاضي المساند أن يبين لأية ناحية يضع عدم الإفصاح هـذا الـصفات المذكورة موضـع مـساءلة ( ,2014 TGI Paris, ord. Réf., 6 mai w re

• الصلات بين المحكمين:

الصلات الأكاديمية:

   إن مشاركة محكم في مؤتمر لا يمكن أن تضع استقلاليته موضع مساءلة، حتى لـو كـانـت الطاولة المستديرة التي يشارك فيها يرأسها كادر قانوني لمجموعة تابعة لأحد الأطراف29. "إن ما يتعلق بالنشاط الفكري لا أهمية له في تصريح الإستقلالية، خاصـة لأن كـل شـخص يحـتفظ  باستقلالية فكره .30, D

   في السياق نفسه، أعلنت محكمة استئناف بروكسل أن الآراء العامـة لا تشكل مــاً بالإستقلالية، ولا العلاقات في أوساط الأعمال ذات الصلة بالتحكيم المعني

  • الصلات المالية:

 Tunis, 10 déc. 2013, no 40438. CTKD c/ THR : يميز القـرار الـصـادر عـن محكمة استئناف تونس تاریخ 10 ديسمبر 2013 بين ما يجب الإفصاح عنـه فـي تـصريح الإستقلالية وما لا لزوم للإفصاح عنه. في القضية الراهنة، شارك إثنان من المحكمين، إضـافة إلى خبير، في نشاطات تعليمية في أكاديمية التحكيم في باريس، كما في ماجيستر التحكـيم فـي جامعة فرنسية، في حين أن مكتب المحاماة الذي كان يمثل أحد الأطراف مـول تأسـيـس هـذه "الأكاديمية".

   إن القرار الصادر عن محكمة الإستئناف من الممكن أن يبدو متناقضاً في حـدود مـا قرره، من جهة، بأنه من غير الضروري الإفصاح عن المشاركة في نشاطات تعليمية، وأن ذلك لا يشكل سبباً لإبطال حكم التحكيم، وما يؤكده، من جهة أخرى، بوجوب الإفصاح عـن واقعة أن أكاديمية التحكيم – التي كان مشاركاً فيها محكم - كان يمولها محام من محامي أحد الأطراف، تحت طائلة البطلان. في الواقع، وفقا لمحكمة تونس، "هذه العلاقة يمكنها أن تثير شكوكاً لدى الطرف المدعي حول استقلالية هيئة التحكيم وحيادها تجاه الطـرف المـدعي". وعليه، عند اختلاط علاقتين – أكاديمية ومالية، يغلب الطابع المادي ويلزم بالإفصاح عـن العلاقة.

• أمثلة أخرى حول الحياد :

1. أخطاء بسيطة:

    إن الأخطاء البسيطة التي ترد في الحكم التحكيمي وعدم قابلية رد الفعل من جهة المحكمين لا تكفي لتثير الشكوك في حيادهم ( ,2014 .Paris, 6 mai 2014, n° 12/15582, Abela: D .(pan. 2550 et 2554, obs. Th. Clay

   في إطار طلبات الرد المقدمة أمام محكمة تحكيم غرفـة التجـارة الدوليـة، يجـري ردّ المحكمين من قبل الأطراف على أساس ظروف واقعية دقيقة جـداً، وفـي بعـض الأحيـان مضخمة. وبالتالي، يمكن أن نعرض الحالة الخاصة لعدم حياد محتمل لمحكـم أثارهـا أحـد الأطراف والتي تتعلق بواقعة أن المحكم كان نائماً خلال بعض فترات جلسة المرافعة. وعليه، طلب المدعي رد المحكم متذرعاً بأنه إذا كان المحكم نائماً، فهو لم يكن مهتماً بالنقـاط التـى نوقشت خلال هذه الفترات، وأنه، بالتالي، كان قد كون فكرة عن الوقائع الأساسية: بالتـالـي أظهر إشارة من إشارات عدم الحياد.

2. تسمية محكم من قبل أحد الأطراف أشار إلى أنه مستقل، وأنه "غير ملم بشكل دقيق بالقـانون الألماني، وأنه لم يتكلم اللغة الألمانية منذ المدرسة الثانوية". اعترض الطرف الآخـر علـى تسمية المحكم على أساس أن تسميته تستبق الحكم على القرار حول المسائل المتعلقة بالقانون المطبق، وبلغة التحكيم من خلال جعل أي خيار آخر غير اللغة الفرنسية والقانون الفرنسي أمراً مستحيلاً. غير أن محكمة الإستئناف تعتبر أن هذا الطرف لا يبين عدم حياد المحكـم إذا ما دعي الى فصل قواعد القانون المطبق على النزاع أو لغة التحكيم، فهذه المسائل، في حال طرحت أمام المحكمين، يمكن أن تحل من خلال طرق مختلفة من المستحيل من خلالها القول بأن المحكم سيفصل فيها بناء على أسباب أخرى غير تلك التي ستناقش من قبل الأطراف أمام المحكمة التحكيمية (706 .Paris, lre Ch. C, 3 mai 2007, Rev. arb. 2008 p) 3.

3.الاجراءات الموازية:

• باريس، 9 سبتمبر 2014، رقم 01333/13، Al Gobain: إن حقيقة أن يجلس محكـم ما، بل رئيس الهيئة التحكيمية، ضمن أعضاء الهيئة في دعويين موازيتين، لا تشكل بحدّ ذاتها، سبباً للشك بشكل معقول في استقلاليته وحياده، إلا في حال شكل القرار الـصـادر في إحدى هاتين الدعويين انحيازا غير مؤات في ما يتعلق بطـرف مـا فـي الـدعوى الأخرى؛ (...) بالتالي، لا يتحقق ذلك إلا في حال كان تقييم المحكم في الدعوى الأولـى يتناول مجموعة متلازمة غير قابلة للفصل في الوقائع والقانون تؤدي منطقيا الى بعـض النتائج بشأن القضايا المطروحة للفصل.

• قضية أمام الاكسيد:

   اکسید، شركة PIP المحدودة المسؤولية ضـد الجمهوريـة الغابونيـة (قضية الاكـسيد 08/17/ARB) في 12 نوفمبر 2009: إن حقيقة أن يطرح أمام محكم ما بصفته محكمـاً فـي دعوى تحكيمية أخرى تضم الدولة نفسها، إنما في قضية أخرى مختلفة تماماً، مسائل قانونيـة مماثلة لتلك في الدعوى الراهنة، إن ذلك لا يشكل سبباً للرد في اطار اتفاقيـة واشنطن. كـان السؤال السابق لمعرفة إن كان فسخ امتياز ما يشكل أو لا نزعاً للملكية؛ إلا أنه سـؤال يتكـرر ويتعلق بشكل أساسي بالوقائع الخاصة بكل قضية، كما تتم الاجابة عنه بشكل جمـاعي (ضـمن الجماعة). علاوة على ذلك، إن إبطال مثل هذا القرار لا يعتبر اشارة لغياب حياد المحكـم. "قـد يكون القاضي أو المحكم مخطئاً حول نقطة قانونية أو حول واقع ما إلا أنه يظل مستقلاً وحيادياً".

   المقابلة مع المحكم المحتمل: ينبغي تجنب "العروض" التي تجعل المحكم عرضـة "لبيـع نفسه". يجب على هذا النوع من المقابلات أن يركز على الخبرة وعلى فلسفة المحكم المحتمل في ما خص التحكيم، من دون دراسة خصوصيات الملف وموقف المحكم تجاهها.

5. عقوبات غياب الحياد واستقلالية المحكم:

    إن موجب الكشف عن المعلومات هذا، يضع على عاتق المحكمين موجباً بالإفصاح يـسمح للأطراف بممارسة حقها برد المحكم، إذا ارتأت ذلك. وهي إمكانية متاحة أمام الأطراف في أثناء السير بالدعوى أو في نهايتها.

أ. العقوبات القانونية:

• عدم تسمية أو تثبيت المحكم المحتمل:

   عندما يكون الظرف معلوماً من الأطراف قبل تسمية المحكم، يتوجب عليهم رفض تسمية هذا الأخير في حالة التحكيم الخاص (ad hoc). في التحكيم المؤسسي، لن يقوم المركز بتسميته، على الرغم من اقتراح الطرف الذي سمى هذا المحكم، وأحياناً حتى إن لم يعترض الطرف الآخر على هذه التسمية. بالتالي، فإن نظام غرفة التجارة الدولية ينص على امكانية عدم تسمية المحكمة محكماً عينه طرف ما في بداية الاجراءات (المادة 13).

• الاجراء المتعلق بالرة:

    بهدف تجنب أي خطر يتعلق بتبعية أو تحيز المحكم قبل صدور القرار التحكيمي، بإمكـان الأطراف طلب رده. إن اعلانات الاستقلالية غير الدقيقة بشكل واف لا تؤدي الى تنـازل عـن التصرف من جانب الأطراف. ما هي وسائل الطعن المتاحة؟

i. الاختصاص: المادة 1456 فقرة 3 من قانون المرافعات المدنية الفرنسي والمادة 770 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني:

  • التحكيم الخاص ad hoc: يعود الاختصاص للشخص المعني بتنظيم التحكـيـم وفـي حال غيابه، إلى القاضي المساند. إن لقرارات هذا الأخير حجية القضية المقـضية وهي تسري على القاضي الناظر في الطعون في غياب وقائع جديدة32. إن الحل هو نفسه في حال قرر القاضي المساند عدم قبول طلب الرد لتقديمه في وقت متأخر أي بعد انقضاء فترة شهر من الواقع المتنازع عليه .

  •  التحكيم المؤسسي: اختصاص مركز التحكيم.

  •  الاجراء الخاص المتعلق بالرد أمام هيئة تحكيمية تابعة للاكسيد.

   عندما نكون في اطار تحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (الاكسيد)، يعود إلى هيئة التحكيم نفسها أن تفصل في مسألة غياب استقلالية أو حياد المحكم الخاضـع لاجـراء الرد، في ظل غياب هذا الأخير (المادة 9 من نظام الاكسيد). في حال لم تتوصل هيئة التحكـيم لبت المسألة، تحال القضية أمام رئيس المجلس الاداري في الاكسيد (المادة 15 من النظام).

   ii. المهلة القصيرة، عموماً هي شهر (في القانون الفرنسي) و15 يوما (في القانون اللبناني) ابتداء من الافصاح أو اكتشاف الواقع المتنازع عليه. عند عدم إثارته في الوقت المناسب، يعتبـر الطرف المزعوم كأنه متنازل عن حقه في اثارة هذا الواقع. بالفعل، حتى ولو لم يحـدد الـنص العقوبة المرتبطة بعدم احترام هذه المهلة، فإنها مهلة إسقاط تجعل طلـب الـرد المتـأخر غيـر مقبول.

  iii. مفاعيل الرد على الدعوى التحكيمية:

  • في الأساس، لا يؤدي طلب الرد الى انقطاع أو تعليق الدعوى التحكيمية. بالتالي، الى حين صدور قرار المؤسسة أو القاضي المساند، باستطاعة هيئة التحكیم استكمال مهمتها.

  •  ولكن، من الممكن أن يقرر الأطراف تعليق الدعوى التحكيمية أثناء طـارىء الـرد (المادة 1492 فقرة 2 من قانون المرافعات المدنية).

• إبطال الحكم التحكيمي:

    عندما تثبت مخالفة المحكم للحياد أو للاستقلالية، يبطل الحكم التحكيمي.

    لا ينص قانون المرافعات العراقي في مادتـه 273 بـصيغتها الحاليـة، علـى غيـاب الاستقلالية والحياد كسبب لإبطال الحكم التحكيمي الصادر عن هيئة التحكيم.

 ب. العقوبات العملية والاجتماعية:

    إن المحكم الذي تمت تسميته قد يميل الى التصرف كمحام بدلاً من محكم. بالتالي، يجـري التعويض عن هكذا حالات:

   - من خلال ترجيح صوت رئيس هيئة التحكيم.

   - بالسماح بتجاوز المحكم الذي يقاطع التحكيم والمداولة (إن القرار التحكيمي الذي لم يوقع عليه أحد المحكمين له قيمة القرار التحكيمي نفسه الموقع من جميع المحكمـين: المـادة 1489 من قانون المرافعات المدنية الفرنسي).

    - عدم مصداقية المحكم داخل هيئة التحكيم وعدم الأخذ بحججه .

    - يفقد المحكم سمعته ذات الصلة بنزاهته ولا تجري تسميته بعدها، بشكل خاص من قبـل مراكز التحكيم.