الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / يجب ان يكون المحكم محايداً ومستقلاً / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / استقلالية المحكم في التحكيم الدولي وحياده

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    543

التفاصيل طباعة نسخ

     من أهم مزايا التحكيم أنه يفسح المجال أمام الطرفين لإختيار من يكون أهـلاً للبـت بـالنزاع الناشب بينهما. لئن كان هذا الإختيار يتم عادة بناء على الثقة الشخصية بين كل طرف ومن يسميه محكماً عنه، إلا أنه لا بد من أن تتوفر في الشخص المختار صفتان أساسيتان هما الإستقلال والحياد.

    هاتان الصفتان تذكران تقليديا بالأنظمة التحكيمية والقوانين والإجتهادات القـضائية والكتـب الفقهية، كمتطلبتين أساسيتين يمكن في حالة عدم توفر إحداهما في محكم تم اختياره، إلى طلـب رد هذا المحكم أو طلب إبطال القرار التحكيمي لهذا السبب.

    وقد نصت المادة 12 من القانون النموذجي "للتحكيم التجاري الدولي" للجنـة الأم للقانون التجاري الدولي على ما يلي:

1- عندما يعلم شخص بإحتمال تعيينه محكماً؛ عليه أن يصرح بكل الظروف التي مـن شـأنها أن تثير شكوكاً لها ما يبررها، حول حياديته واستقلاله. وعلى المحكم، منذ تعيينه وطـوال مـدة إجراءات التحكيم، أن يفضي بلا إبطاء إلى طرفي النزاع بوجود أي شك، إلا إذا كان قد سبق له أن أحاطهما علما به.

2- لا يجوز رد محكم إلا إذا وجدت ظروف تثير شكوكاً لها ما يبررهـا حـول حياديتـه أو استقلاله أو إذا لم يكن حائزاً على مؤهلات اتفق عليها الطرفان. ولا يجوز لأي من طرفي النزاع رد محكم عينه هو أو شارك في تعيينه إلا لأسباب ظهرت له بعد أن تم تعيين هـذا المحكم."

   (ترجمة دقيقة عن النص الانكليزي)

   هذا المطلب يعتبر شرطاً أساسياً، استوجب أبحاث وتعليقات على أننا سنكتفي بـذكـر بعـضها بشكل سريع:

   بادئ ذي بدء لا بد من القول أن ثقة الفريقين في نزاهة المحكم تبرر اتفاقهما على الإلتزام مسبقاً بأي قرار يتخذه فريق ثالث. وهذا الإلتزام يعتبر خطوة جريئة بحد ذاتهـا. لا شـك أن مـستويات النزاهة المطلوبة من القضاة، مرآة الدولة والشعب، ويجب أن تكون أعلى من تلك المطلوبـة مـن المحكمين الذين يختارهم الفرقاء.

    غير أن المجتمع لا يمكن أن يقبل بـ "نظام قضائي خاص" يديره محكمون منحـازون، علـى سبيل المثال. بشكل أكثر بساطة، فخلافاً لقرار صادر عن محكمة رسـمية مـا، لا يقبـل القـرار التحكيمي وينفذ طوعاً إلا إذا ظهر أنه عادل ومشروع في نظر الفرقاء وأنه صادر عـن محكمــين مستقلين.

   من جهة ثانية لا بد من الملاحظة انه في كثير من المصادر القانونية وفي بعض أنظمة التحكيم لا يوجد تمييز ولا حتى شعور بضرورة التمييز، بين الإستقلال والحياد.

    يبدو لي لأول وهلة أن الأمر لا يتعدى كونه موضوع تسمية، وأن المفهومين ليـسـا متمــاثلين تماماً وأن الاستقلال يرتكز بشكل أساسي على الموضوعية بينما الحياد أمر يرتبط علـى الأرجـح بالشعور الذاتي.

    على سبيل المثال، لا يوجد استقلال إذا كان المحكم المختار موظفاً لدى أحد فرقاء النـزاع أو محامياً اعتاد أن يستشار بشكل منتظم من أحد فرقاء النزاع حول أمور أخرى. فقد تم إبطال قرارات تحكيمية لأن أحد الفرقاء اختار كمحكم له مستشاراً قدم له مسبقاً مشورة قانونية تتعلق بالخلاف. في حالة غيرها، تم إبطال القرار التحكيمي لأن المحكم المختار كان موظفاً رئيساً لدى أحـد الـدائنين الرئيسيين للفريق الذي عينه.

    ثمة حالات عديدة يصلح ذكرها، وتبرهن كلها بشكل أكيد على أنه ليس من مصلحة أي فريـق أن يختار كمحكم عنه شخصاً له علاقة وثيقة به، مثل أحد الموظفين المتقاعدين والمهمين لديه. وفي  جميع الأحوال ليس من المستحسن أن يعين أحد الفرقاء محكماً يتمتع بنفس جنسيته، على الرغم من أن هذه العادة شائعة كثيراً. يجب أن لا يغرب عن بالنا أن رئيس اللجنة التحكيمية الحيادي هو الذي يتمتع بحق إعطاء قرار الفصل، وبالتالي فإن المحكم المختار من قبل أحد الفرقاء يرجح أن يكون له تأثير أكبر على رئيس الهيئة التحكيمية، عندما يكون مستقلاً ومحايداً تماماً تجاه الفريق الذي عينه.

    ففي بعض الدول على سبيل المثال يبدو أنه من المعتاد أن ينظر الى المحكم الذي يعينـه أحـد الفرقاء على أنه "وسيط" بين الهيئة التحكيمية والفريق المعني، وتبعاً لهذه العقلية لا يمكن لمـواطني هذه الدول أن يتفهموا أن من واجب جميع المحكمين تجنب الاتصال المنفرد مع أحد الفرقاء خــلال الإجراءات التحكيمية، وإذا لم يتجنب المحكم المعين مثل هذا الاتصال يعرض نفسه إلى فقدان الثقـة به.

    وفي واقع الأمر أنه في الكثير من القضايا التحكيمية بين الدول الصناعية، بمـا فيهـا بعـض القضايا التحكيمية لدى غرفة التجارة الدولية، يعتبر كل فريق أو أحدهما أن المحكم المعين من قبلـه هو (محكمه) وأن على هذا المحكم أن يعمل كمحام ثان للفريق الذي عينه وليس كقاض مستقل.

    قد يبدو هذا مخالفا لمفهوم التحكيم الدولي في أساسه، غير أن واقع الأمر أن العديد من الفرقـاء في العالم أجمع قد يكونون أقل استعداداً إلى اللجوء للتحكيم ما لم يراودهم الأمـل بـأن "محكمهـم" سوف يدافع عنهم داخل الهيئة التحكيمية حتى إذا لم يكن على استعداد لإظهار أي انحيـاز أو سـوء ائتمان.

    إن المحكم يجب أن يكون بالطبع "مستقلاً وغير منحاز" حتى تتوفر الثقة لدى الفـريقين. هـذه المتطلبات معروفة جيداً، غير أنها ماذا تعني في الواقع؟

    أولاً: "الاستقلال" لا يعني فقط عدم وجود أية روابط خاصة بين المحكم وأحد الفرقاء، بل يعني أيضاً وضمناً وجود درجة معينة من "الشجاعة" لدى المحكم، أو بعبارة أخرى خلـو المحكـم مـن "الطمع"، أي عدم وجود أية رغبة لديه في أن يرضي أحد الفريقين على حساب الفريق الآخر علـى أمل أن يعاد تعيينه كمحكم في المستقبل أو في الحصول على أية منافع أخرى من الفريق الذي نـال رضاه.

    وعليه يجب أن يتمتع المحكم بموضوعية طبيعية أو مكتسبة أي عدم الانحياز والمقدرة علـى رؤية وجهي كل قضية وعلى إبقاء ذهنه مفتوحاً حتى نهاية الإجراءات التحكيمية واتخـاذ القـرار. بعبارة أخرى، يجب عليه أن يحاول البقاء في كافة المراحل "موضوعيا" أي محايداً، بمعناها الثقافي الواسع. الأستاذ رينيه دافيد الفرنسي (من كبار الخبراء في القانون المقارن، وضع مؤلفـاً وا واسـعاً وهاماً حول التحكيم الدولي) يشدد على أنه "لا يمكن للتحكيم أن يعتبر وسيلة مجدية لحل الخلافـات إذا كان المحكم إنساناً متمسكاً بمفاهيم وطرق تفكير بلاده وثقافته الى حد يمنعه من استيعاب مفاهيم وطرق تفكير دولة أو ثقافة أخرى".

    ثانياً: "حياد المحكم الـدولي" يتم الرجوع عادة إلى خلفيته الثقافية، أي إلى عقيدتـه الـسياسية "رأسمالية" أو "اشتراكية" أو كونه ينتمي إلى دولة صناعية أو دولة نامية. وقد لاحظ "نيل بيرسـون" في دراسة له: "أنه لا توجد معاني واضحة للصفات الايديولوجية التي تلصق بالأشخاص، وأنه فـي كثير من الأحيان تثار شكوك غير عقلانية تجاه محكمين، يحتمل أن يكونوا غير موضوعيين، بسبب خلفيتهم الثقافية على الرغم من حيادهم التام وعدم وجود أية أفكار مسبقة لديهم".

    صحيح أن ما يدعى بـ "الخلفية الاجتماعية للمحكم" يكون عادة ذا أهمية كبرى أو على الأقـل قد يشعر بعض الفرقاء أنه ذو أهمية كبرى، ذلك لأن هذه الخلفية الإجتماعية تؤثر إلى حد ما علـى طريقة تفكير المحكم.

    العيب المفترض في المحيط الاجتماعي للمحكم يكون أقل أهمية، عندما يعيش ويكون عـضواً في مجتمع من النوع الذي يسمى "المجتمع متعدد الجوانب".

    وأخيراً لا بد بالطبع للمرء إلا أن يمتنع عن الافتراض(اعتماداً على نوع ما مـن القدريـة) أن شخصية المحكم أقل أهمية من "محيطه الاجتماعي".

    كلنا نعرف القول القديم أن "قيمة التحكيم بقدر قيمة المحكمين" تبعاً لهذا القول، فـإن تحكيمـاً دولياً يجب أن يتم من قبل محكم "دولي"، تتسع آفاقه إلى أكثر من آفاق محامي أو حقوقي محلي.

    وهو على استعداد لإعتماد وجهة نظر "دولية" تستند فعلاً على المقارنة بين الأنظمة الحقوقيـة المختلفة. بهذه الطريقة يمكنه أن يكون "محايدا" بالمعنى الفعلي للكلمة بين الفريقين، إذ أن حيـاده يكون قد امتد الى النظامين الحقوقيين المعمول بهما في دولتي الفريقين (سواء من حيث الـشكل أو الأساس) ويكون على استعداد أفضل لتفهم تصرف كل فريق وردود فعله.

     ملخص القول، وبشكل مبسط، إن المحكم الدولي يجب أن يكون "محايداً" ليس تجـاه الـفـريقين ودولتي الفريقين والنظامين السياسيين في دولتي الفريقين فحسب، بل أيضاً تجاه النظامين الحقوقيين المعمول بهما في الدولتين المذكورتين من حيث التشريع والمفاهيم والأعراف. وهذا يعني أنه يجب أن يكون "دوليا" من حيث طريقة التفكير. بعبارة أخرى إن "الحياد الثقافي" و"الانفتاح الدولي" يبدوان على نقيض كامل مع "التزمت الحقوقي" أو "العصبية القضائية" الذي يوجد للأسف لدى الكثير ممـن لهم علاقة بالتحكيم الدولي (من المحامين والمحكمين على السواء) على الرغم من تمتعهم بالمؤهلات والصفات المهنية الأخرى المطلوبة.

   هذا النقص في "الروح الدولية الحقوقية" و"الانفتاح الدولي" يؤدي الى خطر المبالغة في التمسك بالقوانين المحلية، وهذا التمسك يشكل "امبريالية ثقافية" ويبدو أكثر شيوعاً (وهذا أمر طبيعي) لـدى الأشخاص الذين ينتمون إلى دولة عظمى أو إلى نظام حقوقي كبير.

    يمكن الملاحظة على الفور أن هذه المشكلة تعتمد بشكل وثيق على "تربية وتأهيـل وتـدريب المحكمين" لا بد من القول أنه يوجد نقص كبير في هذا المجال في جميع دول العالم، وتوجد ضرورة ملحة لتكييف وتحسين التعليم والتأهيل والتدريب التي يتلقاها ممارسو القـانون التجـاري الـدولي، خاصة المحامون والحقوقيون بحيث يتم ذلك بشكل أقل اعتماداً على المفاهيم المحلية وأكثر ملاءمـة لاحتياجات المجتمع الدولي.

الصفات الأخرى:

     ختاماً لهذه المراجعة السريعة للمتطلبات أو الصفات الواجب توفرها في المحكمين الـدوليين، نود استكمالاً للبحث أن نذكر بشكل موجز ببعض الصفات التي قد كنتم تتوقعون ذكرها في البدايـة، مثل الذكاء وبعض المعرفة في قوانين التجارة الدولية وحسن التدبير وأخيراً ولكن ليس آخراً بعض القوة في شخصية المحكم مضافة الى شيء من "الدبلوماسية التحكيمية".

    مما لا شك فيه أنه كلما أصبح المجتمع الدولي وأصبحت الخلافات الدولية أكثر تعقيـداً كلمـا دعت الحاجة أكثر فأكثر لمعرفة صحيحة بالقواعد الإجرائية ولبعض الدبلوماسية وحـسن التدبير وروح الفكاهة لدى المحكمين. فإدارة إجراءات تحكيمية بين فريقين من بلدين مختلفين وخلفيتـين مختلفتين وصفات ووجهات نظر فلسفية مختلفة وعلى خلاف حاد بينهما نتيجة تضارب أساسي فـي المصالح تشكل بالطبع مهمة شديدة الصعوبة وربما تجربة مؤلمة لجميع المعنيين ويمكن القـول أن كل قضية تحكيمية على حدة تنشأ عنها مشاكل خاصة يجب معالجتها بالكثير من الحـذر والمهـارة الدبلوماسية بالإضافة إلى معرفة جيدة بالقوانين التي تحكم الإجراءات والأساس.

     مهما كانت الحال، فإن كل إجراءات تحكيمية تتضمن (أو يجب أن تتضمن) عنصر مصالحة. وأفضل برهان على ذلك أن العديد من القضايا التحكيمية تنتهي ليس بقرار تحكيمي بل بالمـصالحة مباشرة بين الفريقين وربما اتخذت هذه المصالحة شكل قرار تحكيمي، وكثير ما يتم التوصل إليهـا بمساعدة فعالة من المحكمين. بصرف النظر عن عنصر المصالحة هذا يتوجب علـى المحكـم أن يتذكر دائماً أن منصبه ومهمته يختلفان اختلافاً أساسياً عن منصب ومهمة قاض تعينه الدولة. إذ أنه مهما كان الخلاف مريراً وقاسياً بين الفريقين يوجد دائماً لدى الفريقين المتنازعين في مجال التجارة الدولية مصلحة قوية في المحافظة على علاقاتهما التجارية.

النتيجة:

   هذه اللائحة من المتطلبات التي يجب التأكد من توفرها لدى اختيار محكم ما يجب أن لا تقـود المرء الى اليأس. فبعد قراءة هذه اللائحة من الصفات المفترض توفرها لدى المحكم الـدولي قـد يتوصل المرء إلى نتيجة بأنه لا يوجد في العالم أجمع شخص واحد يتمتع بجميع هذه الصفات ويصحّ أن يكون محكماً نموذجياً.

    وهنا أيضاً لا بد من أن نكون واقعيين ونعترف بأنه لو تم اختيارنا كمحكمين وبحثنا عن تـوفر هذه المتطلبات فينا شخصيا لربما وجدناها غير متوفرة وفي مثل هذه الحالة نجد أن علينا الاستقالة من الهيئة التحكيمية. غير أن الهدف من هذا البحث ليس بالطبع وصف "المحكم النموذجي المثـالي" ولكن لفت انتباه المحامين والممارسين الحقوقيين إلى بعض العناصر الهامة التي يجب أن لا تغرب عن البال ليس لدى كتابة الشرط التحكيمي المتضمن وصفاً عاماً لصفات المحكمـين الـذيـن ســـتم اختيارهم فحسب، بل أيضاً وبشكل خاص عندما يصبح من الضروري اتخاذ قرار حـول اختيـار المحكمين من قبل الفريقين المتنازعين وحول تعيين المحكم المرجح أي رئيس الهيئة التحكيمية. مما لا شك فيه أنه بالنسبة لممارسي التجارة الدولية ومستشاريهم الحقوقيين يعتبر قرار اختيار المحكـم قراراً حاسماً و صعباً.

   ومن الصعب أيضاً إعطاء توصيات حول اختيار المحكمين، فالمحكمون بشر ومن المستحيل التنبؤ، بثقة أو بقناعة، حول كيفية تصرفهم في المستقبل. وتبعاً لذلك، فإن أيـة محـاولات لوضـع دستور أخلاقي عام بالنسبة للمحكمين من شأنها أن تواجه صعوبات جدية مهما كانت النية حسنة.