تنص الكثير من قوانين التحكيم على وجوب توافر الحيدة والاستقلال في المحكم حتى يكون حكمه سليما من الناحية القانونية. وهو لا يختلف عن القاضي في هذا الأمر، مثال ذلك نص المادة 3/16 من قانون التحكيم المصرى 74 لسنة 194 والذي يقضي بوجوب أن يفصح المحكم عند قبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته ، والمادة 1/۱/۲۶ من قانون التحكيم الإنجليزي الجديد الصادر سنة ۱۹۹۹، والمادة ۱۰۳۳ من قانون الإجراءات المدنية الهولندي ، والمادة ۱/۱۸۰/ب من القانون الفيدرالي السويسري ، والمادة 1036 من قانون الإجراءات المدنية الألماني ، والمادة ۱۹۹۰ من قانون الإجراءات المدنية البليجكي ، والقانون الفيدرالي الأمریکی ، وقانون الإجراءات المدنية اليوناني ، وقانون اور جوای، كما ينص على ذلك المادة ۲/۱۲ من قانون اليونسيترال النموذجي، كما تنص على ذلك العديد من أنظمة هيئات ومنظمات التحكيم ، مثل المادة ۳/۱۰ م ن نظام محكمة لندن للتحكيم الدولي ، والمادة 7 من نظام تحكيم الهيئة الأمريكية - للتحكيم ، والمادة ۲ فترة 8 من قواعد نظام غرفة التجارة الدولية بباريس.
ويعني الاستقلال، عدم وجود أي علاقة شخصية (صداقة) أو اجتماعية قرابة أو مصاهرة) أو مالية، بين المحكم واطراف خصومة التحكيم".
أما الحياد، فهو يدور حول الواجبات الأخلاقية للمحكم، والمتعلقة بالعلاقة بينه وبين موضوع النزاع وبينه وبين أحد أطراف خصومة التحكيم.
وتنص العديد منظمات التحكيم على وجوب اختلاف جنسية رئيس هيئة التحكيم عن جنسية الأطراف ، مثل المادة الثانية من نظام محكمة تحكيم للندن للتحكيم الدولي ، وهيئة التحكيم الأمريكية .
وبعبارة أخرى، فإن الحيدة عبارة عن ميل نفسي أو ذهني للمحكم يكون لصالح أو ضد أحد أطراف النزاع أو الغير أو الدولة، بحيث يرجح معه عدم استطاعة الحكم بغير ميل لأحد مما ذكروا أو ضده. بيد أنه يجب أن تكون العداوة أو المودة شخصية ومن القوة بحيث يستنتج منها قيام خطر عدم الحيدة عند إصدار الحكم. ويلاحظ أن إثبات عذم حيدة المحكم أصعب وادق من إثبات عدم استقلاله، ذلك أن عدم الحيدة حالة نفسية ذات طابع شخصی تخضع لنية المحكم، ويندر أن يكون لها أمارات خارجية تدل عليها الأمر الذي يصعب معه إثباتها مباشرة، والحيدة تختلف عن الاستقلال حيث أن اثبات عدم الاستقلال المحكم يكون عادة أسهل لوجود مظاهر مادية تدل على روابط التبعية القائمة بين المحكم واحد أطراف النزاع، فيتنافى مع استقلال المحكم أن تكون له مصالح مادية أو شراكة أو ارتباطات مالية مع أي من طرفي الخصومة، أو إذا كان ينتظر من أحد الأطراف ترقية، أو أن يكون خاضعا لتأثيره أو توجيهه أو وعده أو وعيده.
ونخلص مما تقدم، أنه يجب فيمن يتولى مهمة الفصل في النزاع كمحكم، أن يكون مستقلا ومحايدا عن الأطراف، بل عن نفسه ايضا، حتی يكون بعيدا عن المصالح - سواء كانت مادية أو أدبية، وسيان أن تكون له أو الغيره- والميول التي تجعله يحكم في النزاع وفقا لهواه، ضاربا بالقانون والعدالة عرض الحائط، فيتفرق به الهري عن السبيل الواجب الأتباع، وهذا لا يتأتى إلا إذا كان لديه وازع ديني وأخلاقي يصده عن ذلك .
وقد ذهبت المحكمة العليا الأمريكية في قضية Mitsubishi إلى القول بان نجاح التحكيم في حسم الخلافات داخل حقل التجارة الدولية، يعتمد اساسا على المحكمين الذين يتميزون بعدم المحاباه وتفضيل طرف على آخر. فالمحاباه وعدم الاستقلال يؤديان بالمحكم إلى أن يحكم مسبقا في موضوع النزاع دون إحاطة بالواقع أو القانون، كما أن الاعتماد داخل حقل التجارة الدولية سوف يكون على المحكم الوحيد للفصل في النزاع. وهذا يقتضی منه ألا يفضل أحد الأطراف على الأخر.
ونظرا لخطورة موضوع الاستقلال والحيدة، لذا فإنهما يعدان من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على مخالفتهما، وذلك أنهما تتعلقان بضمائتين أساسيتين لا غنى عنهما المباشرة السلطة القضائية ايا كان مصدرها، ويتعين و من ثم توافرهما في المحكم أسوة بالقاضي.
وفي هذا الصدد، ذهبت محكمة الاستئناف الفيدرالية الأمريكية في إحدى القضايا إلى القول بأن المحكم يجب عليه أن يكشف فقط عن العلاقات المالية الحالية بينه بين أحد الأطراف ، ولا يجب عليه أن يكشف عن العلاقات السابقة والتي استمرت خمس سنوات ، أخذ بمقتضاها المحكم من الطرف الذي عينه مبلغ ۱۲۰۰۰ دولار، حيث كان يعمل لديه كمستشار هندسي وبالتالي لا يجوز إبطال حكم التحكيم (هذا ويتضمن نظام هيئة التحكيم الأمريكية نصا يقضي بذلك).
ولقد أبطلت محكمة استئناف القاهرة، حكما تحكيميا ، نظرا لاشتراك زوج أحد أطراف الخصومة في إصداره، حيث قالت المحكمة أن علاقة الزوجية من شأنها إثارة شكوك مؤكدة وجدية حول حيدة المحكم.
وقد قضت محكمة استئناف القاهرة في النزاع بين الشركة العربية للمقاولات وشركة الجزيرة العربية للفنادق حين دفع ببطلان حكم التحكيم الاشتراك الأستاذ/أحمد شوقي الخطيب وكيل الشركة المستأنفة الشركة العربية للفنادق في إصدار حكم التحكيم، بأن الوكالة في أعمال المحاماة لا تؤثر في حياد واستقلال المحكم، أما الذي يؤثر في حياد و استقلال المحكم فهو الوكالة في الأعمال الخصوصية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ولأن المستانف ضدها لم تثبت بيقين قيام هذه الوكالة خلال فترة نظر الأستاذ/ أحمد شوقى الخطيب لطلب التحكيم باعتباره محكما فيه، إذ أن وكالته من الشركة المستأنفة هي في الدعوى 169 لسنة 84 جنوب القاهرة ولم تقدم ما يفيد استمرار هذه الوكالة حتى تعيينه محكما في النزاع كما لم يثبت أنها علمت بهذا السبب بعد صدور حكم الهيئة، لأنه من المقرر أنه في إعمال المادة ۵۱۳ مرافعات فإن المشرع لا يحيل إلى القواعد المقررة في رد القضاة أو عدم صلاحيتهم للحكم إلا بالنسبة إلى الأسباب لا يقدم في ذلك صدور توكيل عام في القضايا أن العبرة بما يقبله الوكيل من تنفيذ عقد الوكالة بحضوره ومباشرنه دعوى معينة لصالح الموكل ففي خلال تلك الفترة يكون وكيلا عنه برضاء الوكيل. ولأن البند الخامس من عقد المشارطة قد نص فيه على أن هيئة التحكيم غير ملزمة بالتقيد بالقواعد والإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات إلا ما جاء بها بالباب الثالث الخاص بالتحكيم ويكون حكم هيئة التحكيم نهائيا لا يجوز الطعن فيه باي طريق من طرق الطعن وقد خلا الباب الثالث الخاص بالتحكيم من نص على بطلان حكم الهيئة التحكيم المخالفة نص المادة 146 مرافعات. ومن ثم، ومن جماع ما تقدم، يضحي هذا السبب غير سديد.