إنه نظراً للطبيعة القضائية لعمل المحكم البحرى، وكونه يفصل في المنازعات البحرية وفي حوزته سلطات واسعة للفصل في جميع المسائل القانونية والواقعية التي يثيرها النزاع المعروض عليه ، ونظراً لعدم التزامه باتباع قواعد الإجراءات المعمول بها أمام المحاكم القضائية، وحـريـتـه الـكـبـيـرة في تسيير الإجراءات التحكمية .
وتبعاً للمادة الثامنة من لائحة جمعية المحكمين البحريين بنيويورك، لايمكن لأي شخص العمل كمحكم بحرى إذا كانت أو مازالت له مصلحة شخصية أو مادية تتعلق بحكم التحكيم المنتظر إصداره، أوإذا كانت لديه معرفة مسبقة بالنزاع المعروض عليه أحاطه بها أحد الأطراف.
فإذا أخل المحكم البحرى بواجبه في الإفصاح افترض التحيز في جانبه دون الحاجة إلى إثبات تحيزه الفعلى نتيجة سلوك أتاه فأثر في مجرى العملية التحكيمية والحكم الصادر فيها، فيكتفي إذن بالتحيز المفترض في جانب المحكم البحرى نتيجة الرابطة أو العلاقة غــيــر البسيطة التي لم يفصح عنها نظراً لأن إثبات التحيز الفعلى هو مـــــن الصعوبة بمكان أو لم يزل مستحيل الإثبات .
أما إذا أفصح المحكم البحرى عن روابطه أو علاقاته مع أحد الأطراف أو مع أحد مستشاريهم أو مع أحد المحكمين الآخرين في هيئة التحكيم، فإنه يكون قد أدى واجبه تجاه الأطراف، وعندئذ يكون الأطراف بالخيار بين قبوله وبين الاعتراض عليه والمطالبة برده.
فإن أفصح المحكم البحرى عن روابطه أو علاقاته مع أحـــد الأطراف، وعلم هؤلاء الأطراف بها، وسكتوا دون إبداء اعتراض فلا يحق لهم بعد ذلك التمسك بإبطال حكم التحكيم على أساس تحيز المحكم لأن سكوتهم يعد دليلاً على تنازلهم عن التمسك بهذا الأساس لرد المحكم أو لإبطال حكم التحكيم .
والخلاصة أنه يجب على المحكم البحرى أن يكون محايداً ومستقلاً عن أطراف النزاع لا تربطه بأحدهم أو بأحد مستشاريهم أو بأحد المحكمين الآخرين في هيئة التحكيم أية روابط أو علاقات من شأنها الإيحاء بميله أو تحيزه ، فإن كانت هناك روابط أو علاقات من هذا القبيل وجب على المحكم أن يفصح عنها للأطراف عند بدء الإجراءات التحكيمية أو قبلها، وإذا كان واجب الإفصاح مفروض على المحكمين البحريين في نيويورك بموجب لائحة تحكيم جمعية المحكمين البحريين بنيويورك .
وإذا كنا قد رأينا كيف أن الطريقة السائدة في تعيين هيـئــات التحكيم البحرى هى التشكيل الثلاثي على أن يقوم كل طرف بتعيين محكم، فإننا نتساءل هنا : هل يتعارض تعيين مثل هذا المحكم بواسطة أحد الأطراف مع واجب الاستقلال والحيدة الواجب توافره في المحكم البحرى ؟
فقد قضى في نيويورك بأن: «ممارسات المحكمين المعينين من قبل الأطراف في إدارة الدعوى كأبطال لمن قاموا بتعيينهم هي ممارسات ينبغي النظر إليها باستهجان، حيث إنها تأتى على عكس المقصود من التحكيم، وتضفى الخزي والعار عليه، وتشينه كنظام معترف به لحل المنازعات إن المحكم يفصل بين الأطراف متمتعاً بسلطة قضائية .
كما ذهب الرأى الغالب فى الفقه الأمريكي إلى أنه ينبغي توافر مقتضيات الاستقلال والحيدة، وفرض واجب الإفصاح على كافة المحكمين الذين تتشكل منهم هيئة التحكيم البحرى حيث إن التحكيم البحرى في نيويورك تقوم على أمره مجموعة صغيرة من المحكمين التجار أو القانونيين .
فتنص لائحة تحكيم جمعية المحكمين البحريين بلندن في مادتها الثانية على أنه إذا لم يتفق المحكمان المعينان من قبل الأطراف على حل النزاع، فعليهما القيام بتعيين محكم فاصل ليفصل بينهما فيما اختلفا فيه، وعليهما الالتزام بالحياد التام في جميع الأوقات، والالتزام بالمساواة التامة بين كلا الطرفين وألا يعتبر كل محكم نفسه بأي حال من الأحوال ممثلاً لمن قام بتعيينه فقط .
وهكذا نرى التشدد في لوائح تحكيم مراكز التحكيم البحرى فيما يتعلق بضرورة استقلال وحياد المحكم البحرى وصولاً إلى إصدار حكم تحکیمی عادل ونزيه .