يعتبر حياد المحكم واستقلاله من أهـم مصادر القواعد السلوكية والصفات الجوهرية التي يجب أن يتحلى بها المحكم، فالاستقلال والحياد كمفهوم قانوني يعتبران حجر الزاوية في فكرة القضاء كلها، سواء أكان قضاء دولة أم كان قضاء خاصاً مثل قضاء التحكيم، فمن مـفـتـرضـات الطبيعية الـقـانـونـيـة للاختصاص التحكيمي الذي يباشره المحكم التزامه بالحياد والاستقلال. ويرى الفـقـه إن الاستقلال غير الحيدة وأن لكل منهما معنى خاصاً، فالاستقلال يعني أن القاضي والمحكم أو المحكم لا تربطه علاقة تبعية بأحد أطراف الخصومة، كذلك فإن إرادته لا تتأثر ولا تخضع لإرادة أحد غيره، ويعني أيضاً أن رأي المحكم نابع من ضميره ومن فكره هو وغير موصى به من غير أي أحد سواه. ويتنافى مع استقلال المحكم أن تكون له مصالح مادية أو شراكة أو ارتباطات مالية مع أي من طرفي الخصومة المعروضة عليه، كما،
يتنافى مع الاستقلال أيضاً أن يكون المحكم ينتظر من أحد أطراف الخصومة ترفيعاً أو ترقية أو أن يكون خاضعاً لتأثيره أو توجيهه أو تحت تأثير وعداً أو وعيد من قبله. وغالباً ما يقوم الاستقلال على مظاهر خارجية ويمكن إثبات وجوده أو عدم بالرجوع إلى هذه المظاهر، فالمحكم ليس تابعاً لأي من طرفي النزاع، فهو ليس وظفاً لدى أحدهما أو مستشاراً أو قريباً لهما ويمكن إثبات الاستقلال لدى المحكم من مظاهر الاستقلالية - كما ذكرنا - مظاهر خارجية. أما الحيدة فهي اتجاه نفسي وذهني قبل أن تكون مظهراً خارجياً، ولذلك فإن الحكم على توافر الحيدة أو عدم توافرها قد يكون أصعب من الحكم على وجود الاستقلال أو عدم وجوده، ولا ترتبط الحيدة بجنسية المحكم أو دينه. ودائماً ما تلفت المؤسسة التحكيمية نظر المحكمين إلى شرط الاستقلال في مواجهة أطراف النزاع وتشترط بعض المؤسسات التحكيمية أن يؤكد المحكمون كتابة استقلالهم عن الأطراف واستمرار ذلك الاستقلال، وكذلك الكشف أي وقائع أو ظروف قد تثير شكوكاً فيما يتعلق باستقلالهم في نظر الأطراف، وهذا هو الوضع أمام تحكيم غرفة التجارة الدولية (1). عن وقد نص نظام محكمة غرفة التجارة الدولية بباريس في المادة (5/9) على أنه " يعين المحكم أو رئيس محكمة التحكيم من جنسية مختلفة عن جنسية الأطراف " ونصت المادة (12) من القانون النموذجي للتحكيم – اليونس يرال - على أنه:
1- على الشخص حين يفاتح بقصد احتمال تعيينه محكماً أن يصرح بكل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوكاً لها ما يبررهـا حـول حـيـدتـه واستقلاله. وعلى المحكم، منذ تعيينه وطوال إجراءات التحكيـم أن يقضي بلا إبطاء إلى طرفي النزاع بوجود أي ظروف من هذا القبيل إلا إذا كان قد سبق له أحاطتها علماً بها.
2- ولا يجوز رد مـحكـم إلا إذا وجدت ظروف تثيـر شكـوكـاً لها ما يبررها حول حيدته أو استقلاله أو إذا لم يكن حائزاً لمؤهلات اتفق عليها الطرفان ، ولا يجوز لأي من طرفي النزاع رد محكم عينه هو أو اشترك في تعيينه إلا لأسباب بينها بعد أن تم تعيين هذا المحكم.
" وقد نص قانون التحكيم المصري 27 لسنة 1994 في المادة (16 / 3) على أنه يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابة ، ويجب عليه أن يفصح عند قبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته ". وتحاول مؤسسات التحكيم ومراكزه أن تضع إطاراً من العدالة والحياد للتحكيم وإجراءاته ومن أمثلة ذلك " ميثاق السلوك في التحكيم التجاري الذي وضعه اتحاذ التحكيم الأمريكي (AAA) بالتعاون مع نقابة المحامين الأمريكية الفيدرالية (ABA) وهو يتضمن قواعد إرشادية للمحكمين ورؤساء هيئات التحكيم عن السلوك المقبول في إرادتهم لما يعرض عليه في قضايا تحكيمية، ولا سيما حول مدى ضرورة حياد المحكم والالتزام بعد إفشاء أسرار ما ينظره من تحكميات، وكذلك مسوغات رد المحكم والتصرف في حالات استشعار الحرج.