المحكم وهيئة التحكيم / يجب ان يكون المحكم محايداً ومستقلاً / الكتب / دراسة تحليلية للمشكلات العلمية والقانونية في مجال التحكيم التجاري / التزام المحكم بالحياد في الواقع العملي
التزام المحكم بالحياد ليس بالالتزام اليسير، إذ يتطب منه تركيزا عاليا وضميرا نبيلا مدعما بالتدريس العلمي الذي يكفل ممارسة المحكم المهامه بحياد ، كما يتطلب فهما عميقا لحقيقة مهمته، بعيدا عن التعصب والانتماءات العرقية أو التأثر بعوامل خارجية. وذلك انطلاقا من الطابع القضائي لمهمته الذي يتطلب منه أن يسلك مسلکا محايدا تجاه أطراف الخصومة وموضوع النزاع .
ويعد حياد الحكم من مفترضات المهمة القضائية، ويقصد بالحياد، عدم میل المحكم أو تحيزه لأحد الأطراف، وإذا كان القاضي الوطني يلتزم بالحياد تجاه الخصوم، فإن فرض هذا الالتزام على عاتق الحكم بعد اکثر إلحاحا ، فالقضاة تعينهم الدولة تعيينا دائما في ظل نظام منضبط يضمن لأطراف الخصومة القضائية حيادة قبلهم ، ويرتب مسئوليته إذا ما أخل بالتزامه، وقد استقر مفهوم الحياد في وجدان القاضي منذ زمن طويل. أما حياد المحكم فقد مر بفترة تردد طويلة ونعتقد أنه لم يرسخ في وجدان المحكم بعد إبعاد هذا الالتزام ومرجع ذلك أنه في إطار المفهوم التعاقدي للتحكيم سيطرت فكرة تحيز المحكم لمن عينه، وكانت صلة المحكم بالخصم هي أساس اختیاره . وكان الشائع فيما مضى أن يستعين الخصم بمحكم على صلة وثيقة به كأن يكون وكيلا عنه أو شریکا. أو مستخدما عنده ، وغالبا ما تكون له مصلحة في النزاع أو علي صلة به، ليجمع بذلك بين مهام الشاهد والخصم والقاضي. وقد أضفت صلة المحكم بالخصوم أو بموضوع النزاع على مهمته طابع التسوية والتصالح. وكان أمرا مقبولا من جانب جميع الخصوم - خاصة في إطار المعاملات التجارية- أن ينحاز الحكم إلى جانب الخصم الذي عينه مدافعا عن وجهة نظره شارحا لها أمام المحكمين الأخرين . ولعل هذه الصلة كانت وراء إنکار حق الخصوم في الاعتراض لاحقا على تحيزالمحكم لانه أمر يجب توقعه وبصفة خاصة عند تعدد المحكمين .
وبإنتصار المفهوم القضائي المهمة المحكم، أصبحت فكرة تحيزه مثار انتقاد لتعارضها مع الجوهر القضائي للتحكيم والمهمة المحكم التي تلزمه بالحياد قبل الأطراف ومعاملتهم على قدم المساواة فتحيز الحكم يتنافى مع دورة القضائي فضلا عن تأثيره على صحة الحكم. فغياب مفهوم الحياد لدى المحكم سيؤدي إلى نتيجة غير عادلة . ولذلك فالتحيز يعد سببا لإبطال الحكم في مفهوم اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۵۸م لما ينطوي عليه من انتهاك للنظام العام .