من حيث المبدأ، لقد أكدت اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ قاعدة إخضاع أهلية أطراف اتفاق التحكيم لقانونهم الشخصي وعبرت عن ذلك بالقول أن القانون الواجب التطبيق عليهم The law applicable to them حينما تطلبت اكتمال أهلية أطراف اتفاق التحكيم، وفقاً للفقرة الأولى من المادة الخامسة من الإتفاقية؛ وإذا كان أحد أطراف اتفاق التحكيم دولة، أو مؤسسة عامة تابعة للدر فإن قانون هذه الدولة هو الذي يسري في شأن أهليتها للتعاقد أن الملفت هنا عدم تقيد بعض الدول بهذا المبدأ، إذ نرى ملائمته في المادة العامة بالقانون السويسري تعرض لهذه المسألة عدم جواز تمسك الدولة أو إحدى مؤسساتها للمنازعة في أهليتها للتحكيم أو في قابلية النزاع للحل بالتحكيم وهنا يبرز معوق هام على هذا الصعيد يتمثل بالسؤال الأثر هل يتأثر اتفاق التحكيم الذي عقدته الدولة أو إحد مؤسساتها العامة بما يطرأ على قانونها الوطني من تعديلات تقبيل أهليتها في هذا الشأن؟
لقد أثير النزاع حول هذا الأمر في قضية تحكيم تتعلق باتفاق هيئة الطاقة الذرية الإيرانية مع بعض الشركات الفرنسية على إنشاء مفاعل نووي، ثم لجأت هذه الشركات للتحكيم للمطالبة بمستحقاتها المقررة حسب الاتفاق فدفعت الهيئة الإيرانية ببطلال الاتفاق بالإستناد إلى عدة أسباب من بينها، أن الدستور الإيراني - بعد تعديله - أصبح يتطلب الموافقة المسبقة من مجلس الوزراء عند لجوء المؤسسات العامة لطريق التحكيم، وهذا لم يتم لعدم تطلب الدستور الإيراني ذلك عند إبرام اتفاق التحكيم؛ كما استندت إلى عدم حصول رئيس هيئة الطاقة الذرية على إذن مسبق من مجلس المنظمة، فضلاً عن تفويض سلطته في التوقيع لمدير عام في المنظمة المذكورة، الأمر الذي يترتب عليه بطلان التعاقد.
ح - بعض المعوقات الإجرائية: يثار في هذا المجال مسألة رد المحكم وما يمكن أن ينتج عن من معوّق اختيار البديل إلى جانب تأخير العملية التحكيمية إن صوابية موقع المحكم – وهو موقع أشد حساسية من موقع قاضي الدولة - يتوقف على تمييزه بين كونه مختاراً من قبل أحد الطرفين وبين تكريس استقلاليته ونزاهته وحياده عن الطرف الذي عينه، إذ أن صفته كمحكم تحتم عليه الحرص على الفصل بين الموقعين لمصلحة الموقع الأول بالطبع، كي لا يصبح – شاء أم أبى - محامياً أو عسكرياً أو رجل أحد الطرفين؛ ليصار عندها إلى إبعاده عن التحكيم وهو أمر يعطل أو يعلق العمل التحكيمي ويؤخر في إجراءاته، ومن هنا - وحؤولا دون ذلك - وضعت بعض أنظمة المراكز التحكيمية حلاً للمسألة المذكورة، كما فعلت غرفة التجارة الدولية .L.C.C في باريس عندما نصت في نظامها التحكيمي (الفقرة المادة السابعة) بالإجازة للأطراف المتنازعة استعمال تمهم في ردّ المحكم وتوجب الفقرة الثامنة طلب الرد كتابة إلى الأمين العام للمحكمة التحكيمية في غرفة باريس، استناداً إلى انتفاء استقلالية المحكم؛ وذلك في مهلة ثلاثين يوماً التالية لإبلاغ الطلب بتعيين المحكم أو التالية لتاريخ علمه بالظروف والوقائع التي يقوم عليها الطلب إذا كان لاحقاً لإبلاغه وإلا رُفض الطلب، ويكون القرار في هذا الشأن نهائياً، مع إمكانية الطعن به وذلك وفقاً لقانون الدولة التي صدر فيها هذا القرار)، ولأهمية الرد مكانة واضحة فى القضاء (ومنه القضاء السويسري الذي اعتبر في القضية المذكورة في الهامش السابق). إن ردّ المحكمين يُعتبر متعلقاً بالنظام العام؛ كونه من المسائل الأساسية التي يقوم عليها نظام التقاضي في سويسرا.
إن دلالة هذا الحكم القضائي الفيدرالي السويسري تكمن في الأهمية الكبيرة التي يمكن أن يحظى بها قانون مكان التحكيم، فتطبيق أنظمة التحكيم، وفقا للمحكمة المذكورة، أمر ممكن شرط عدم تعارض ذلك التطبيق مع القواعد المتعلقة بالنظام العام في القانون السويسري.
وفي المعوقات الإجرائية يثار كذلك مبدأ احترام الوجاهية أمام اللجنة التحكيمية وهو من أهم المبادىء التي يجب أن المحكم عند تسييره للإجراءات التحكيمية كما يحصل الأمر عينه مع القاضي الرسمي، إذ لا يجوز سماع طرف إلا بمواجهة خصمه، بمعنى أن يكون هذا الخصم مبلغاً بما أدلى به خصمه كي يتمكن من اتخاذ موقف لمصلحته فيما يثيره.
وحتى لا يكون هذا المبدأ معوقاً للعملية التحكيمية يجب يتعارض مع الحرص على السرعة لحل المنازعة، إذ أن استمرارية الإجراءات يجب ألا تكون على حساب صحة الإجراءات وشرعيتها وانتظامها، ما يعني وجوب التوفيق بين مبدأ الوجاهية ومبدأ الاستمرارية...
ذلك أنه، إذا كان مبدأ الوجاهية يقضي حضور الأطراف أمام لجنة التحكيم، فيجب ألا يمكن طرف من الأطراف من إعاقة أو تأخير إجراءات التحكيم بالمماطلة أو بالتسويف أو بعدم المثول أمام المحكمين، فإذا أصرّ أحد الأطراف على عدم الحضور رغم دعوته أكثر من مرة، فيجب - برأينا - أن تستمر الإجراءات بغيابه باعتباره قد تنازل عن ضمانة هامة أعطاه إياها القانون أو حتى الإتفاقية.