من الشائع أن يقوم كل طرف من الطرفين في التحكيم باختيار محكم عنه، وذلك سواء كان ذلك التحكيم لحالة معينة ad hoc أو كان تحكيما يتم عن طريق منظمة من المنظمات الدولية العامة أو الخاصة، سواء كانت هذه متخصصة في التحكيم أم تقوم على أهداف متعددة من بينها تسوية النزاعات عن طريق التحكيم. وأساس هذا الحق في تعيين المحكمين يرجع إلى الطبيعة الاختيارية التي تسود التحكيم، فالأطراف لا يخضعون له إلا بإرادتهم، وبالتالي يكون من حقهم اختيار المحكم أو المحكمين الذين يفصلون بينهم بل ومن حقهم تحديد القانون الذي يطبق على موضوع علاقتهم.
وعندما يقوم الطرفان باختيار محكم وحيد للفصل في النزاع يكون الحرص شديدا على الحيدة حتى لا يميل إلى أي من الطرفين، ويتشكك كل طرف فيمن يختاره الطرف الآخر، ويظل الأمر كذلك حتى يصلا إلى شخص معروف لهما أو موثوق فيه منهما.
أما إذا تعدد المحكمون فإن كل طرف يعين المحكم الذي يريده، حسب درايته في موضوع النزاع، أو مكانته السياسية أو الاقتصادية أو القانونية، أو طبقا لاعتبارات المجاملة في بعض الاحيان، وهى اعتبارات لا توصل لنتيجة محمودة عادة، ولكن الصعوبة تظهر حالة المحكم المرجح أو رئيس هيئة التحكيم، ففى اختياره يكون سجال بين الطرفين وكثيرا ما يعهد الطرفان الى المحكمين المعينين من قبلهما باختيار المحكم الثالث الذي يرأسهما ، فإن لم يتفقا استخدم الطرفان حقهما الأصلي في ذلك تفريعا على مبدأ رضائية التحكيم وإذا ظل الخلاف قائما كان لابد من جهة تحسم هذا الأمر، وهذه الجهة في حالة التحكيم الفردي هي إحدى المحاكم القضائية يلجأ إليها أحد الطرفين، وفى حالة تحكيم المنظمات يتم ذلك عن طريق الجهة المهيمنة علــ نظام التحكيم الذي اختاره الأطراف. وهنا يحتاج الأمر إلى ضوابط ومعايير لهذا الاختيار، لأنه اختيار يحل فيه الغير محل الأطراف، ولكن هذه الضوابط والمعايير ليست منصوصا عليها في أنظمة مؤسسات التحكيم وإنما تشغل فقط أذهان القائمين على الاختيار. ففى أنظمة المؤسسات لا نجد سوى الشروط العامة والمطلوبة في كل محكم من حيث الحيدة والاستقلال وعدم وجود مصلحة شخصية له مباشرة كانت او غير مباشرة في الدعوى التى سيعهد إليه بنظرها.
وإلى جانب اعتبار الدراية بالقانون الموضوعي والقانون الإجرائي قد يحتاج الأمر إلى نوع من التخصص للفصل في النزاع، كما لو كان يتعلق بنوع من المسائل البحرية أو الصناعية أو بنظام براءات الاختراع لدى دول السوق الأوروبية المشتركة، فيزداد التدقيق في اختيار المحكم حيث يجرى البحث فى اختياره مــن بيــن المتخصصين في المسألة المطروحة.
وقد يكون المحكم المختار قد وقع الاختيار عليه لأول مرة للقضية المعروضة وقد تكون هناك قضايا سابقة كلف بها من المحكمة، وفي حالة وجود أحكام سابقة صدرت عنه في قضايا أخرى، يساعد هذا على تحديد مدى إمكانية اختياره لقضية جديدة، والعكس بالعكس، وقد يكون ضعف إمكانياته اللغوية في صياغة الحكم في قضية معينة حافزا على عدم اختياره بعد ذلك. أي أن المعرفة الجيدة باللغة التي سينظر بها النزاع قراءة وكتابة وحديثا وفهما واستماعا، كل أولئك مما يراعى فى اختيار الطرفين ايضا أو يستعان في تحديدها بالعقد الذي يربط بين الطرفين فتكون اللغة المستعملة في إجراءات التحكيم هي نفس اللغة التي حرر بها العقد. ويشترط في المحكم الدراية التامة بها مع الجوانب سالفة الذكر.
وفي اختيار المحكم المرجح أو المحكم الثالث الذي تناط به رئاسة هيئة التحكيم يتم ذلك بواسطة الطرفين بعد اختيار كل منهما محكما عنه، أو يتم بواسطة المحكمين الاثنين بالاتفاق بينهما، فإن استمر الخلاف على اختياره فإن نظام التحكيم بغرفة التجارة الدولية يسند هذه المهمة إلى محكمة التحكيم الدولية بالغرفة. وهذه المحكمة تطلب عادة إلى لجنة من اللجان الوطنية اقتراح المحكم المرجح وتحتفظ اللجان الوطنية لغرفة التجارة الدولية بقائمة أو جدول لأسماء المحكمين المسجلين لديها، وتبلغ الاسم الذى ترشحه رئيسا إلى المقر الرئيسي للغرفة بباريس. غير أنه في بعض الحالات يقع الاختيار على شخص ليس مقيدا فى جدول أسماء المحكمين ليكون محكما في قضية معينة، فهذه القوائم لا تعتبر قوائم حصر تتقيد بها المحكمة. وفي البلاد الى لا يوجد فيها لجنة وطنية للغرفة يكون لمحكمة التحكيم الدولية أن تقوم بالاختيار من تلك الدولة أو غيرها.
ويتضمن طلب المحكمة الموجه إلى لجنة وطنية لاختيار محكم مرجح عن طريقها ذكر موضوع النزاع وأطرافه وتحديد مهلة لتقديم اقتراح بتعيينه، ويعرض هذا الاقتراح على المحكمة لتثبيته.
ولا يقع ذلك بالنسبة للمحكم المرجح وحده، بل من الممكن أن يتم اختيار محكم عن أحد الطرفين بنفس الطريق. فقد يرفض المدعى عليه المثول أمام التحكيم أو يمتنع عن الرد على الإجراءات الموجهة ضده رغم كونه قد وقع على شرط التحكيم وأرتبط به، وفي هذه الحالات لا يلتفت إلى امتناعه بل تطلب محكمة التحكيم الدوليــة مــن اللجنة الوطنية لبلد المدعى عليه أن تقترح شخصا يتم تعيينه محكما عن المدعى عليه. وهذا الاقتراح كانت تتقيد به المحكمة وكان يقتصر دورها على تأكيده وتثبيته. ولكن منذ تعديل لائحة التحكيم بالغرفة في عام ۱۹۸۸ اصبح اقتراح اللجنة الوطنية غير ملزم للغرفة وأثار هذا الوضع جدلا بين الغرفة وعديد من لجانها الوطنية وكنت وقتها عضوا بمحكمة التحكيم الدولية عن مصر و عارضت تجريد اقتراحات اللجان الوطنية بتعيين المحكمين من كل قيمة ولكن لم تستجب الغرفة لذلك .