لا يكفي لصحة تكوين هيئة التحكيم اتفاق الأطراف على المحكمين، بل يجب أن يقبل هؤلاء المحكمون إسناد مهمة الفصل في النزاع بحكم تحكيمي يصدر منهم، فعملية التحكيم لا يمكن أن تكون جبرا على المحكمين، حيث تنص المادة رقم 3/16 من قانون التحكيم المصري على أنه "يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابة ويجب عليه الإفصاح عند قبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أوحيدته."، ولم ينص المشرع على ضرورة إفراغ هذا القبول في شكل محدد، فقد يرد هذا القبول في صلب الاتفاق على التحكيم، أو في خطاب يرسله المحكمون إلى الخصوم، سواء أكان معاصرا للاتفاق على التحكيم أم لاحقا له، والغالب أن الكتابة هي مجرد وسيلة لإثبات قبول المحكم، وليست شرطا لصحة التحكيم.
ولم يحدد المشرع المصري أثر رفض المحكم لقبول المهمة على اتفاق التحكيم، وفي فرنسا فإن اتفاق التحكيم يزول إذا رفض المحكم المعين قبول المهمة، فهو اتفاق معلق على شرط واقف، وهو قبول المحكم للمهمة، وقبول المحكم للمهمة يوجب عليه أن يتمها، وإلا تعرض للمسئولية، وقبول المحكم للمهمة يعني قيام عقد بينه وبين المحتكمين، الأصل فيه أن ينتهي بانتهاء مهمة المحكم وصدور الحكم.
وبذلك فبمجرد قبول المحكم للتحكيم يعد ملتزما قبل أطراف النزاع بوجوب أنه الفصل في النزاع بحكم ما لم يجد ما يمنعه من ذلك وفقا للقانون، وقد حدد المشرع وقت البدء في التحكيم من وقت وصول الإعلان إلى المعلن إليه، وذلك وفق نص الماده (۲۷) من قانون التحكيم المصري، والتي جرت على النحو التالي "تبدأ إجراءات التحكيم من اليوم الذي يتسلم فيه المدعى عليه طلب التحكيم من المدعي ما لم يتفق الطرفان علی موعد آخر".
. إلا أننا نرى أن التحكيم يبدأ من موافقة آخر عضو في هيئة التحكيم، ووفقا لنص الماده (16) في فقرتها الثالثة، والتي جاءت على النحو التالي:
1- لا يجوز أن يكون الحكم قاصر أو محجورأ عليه أو محروما من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بسبب شهر إفلاسه ما لم يرد إليه اعتباره.
۲- لا يشترط أن يكون الحكم من جنس أو جنسية معينة إلا إذا اتفق
طرفا التحكيم أو نص القانون على غير ذلك.
٣- يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابة، ويجب أن يفصح عند قبوله
عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته".
وبالتالي يتعين أن يصدر القبول مكتوبا، ونرى مع أغلب الفقه أن النص لم يتكلم على الكتابة كشرط وجود، وإنما كوسيلة إثبات، وبالتالى يمكن إصدار القبول في أي صورة كانت بالقول والفعل، أو الكتابة، أو أي وسيلة تقوم مقام الكتابة، وهو في ذلك لا يشترط شكلا معينا تصدر فيه هذه الإرادة الحرة من المحكمين، وفي حالة رفض المحكم فإن ذلك الرفض لا ينتج اثاره.
أن يكون مستقلا:
نصت المادة رقم 3/16 من قانون التحكيم المصري في هذا الشأن على أن يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابة، ويجب عليه أن يفصح عند قبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته"، وهذا ما جرى عليه العمل، ليس فقط في القانون المصري، بل في كافة قوانين التحكيم، ولوائح منظمات التحكيم، وهكذا تظهر أهمية حياد المحكمين واستقلالهم عن أطراف النزاع الذين قاموا باختيارهم؛ حيث لا يصح أن يكون المحكم ملتزمة أدبية بتبني وجهة نظر الخصم الذي اختاره والدفاع عنها، وإنما يتعين عليه بعد اختياره أن ينأى بنفسه عن التأثر بمصالح هذا الخصم، وأن يلتزم بالحياد والاستقلال عند نظر الخصومة وإصدار الحكم فيها ملتزمة في ذلك بما تقضي به العدالة وفقا للمستندات المقدمة إليه.
أما الحيدة فهي مسألة ترتبط بشعور المحكم وميله العاطفي والذهني، بحيث لا يكون محايدا في ظل الظروف المصاحبة للدعوى المعروضة عليه، ويرجح مع وجودها عدم استطاعته الحكم في النزاع بغیر میل الصالح أحد الخصوم أو ضده.
وفي جميع الأحوال يجب التسليم بأن توافر الحيدة من عدم توافرها هي من المسائل التي تختلف من حالة إلى أخرى، حتى ولو توافرت نفس الظروف والملابسات المحيطة بالمحكم، وعلى الرغم من صعوبة إقامة الدليل على عدم توافر حياد المحكم باعتبارها مسألة نفسية، إلا أن ذلی يعني استحالته؛ لأنه من الممكن من خلال تتبع مسلك المحكم أثناء نظر الخصومة التحكيمية إقامة الدليل على انحيازه لصالح أحد الأطراف ويلاحظ في هذا الشأن أن شرطي حيدة المحكم واستقلاله هما من الشروط الجوهرية التي يتعين توافرها طوال إجراءات التحكيم وحتى صدور الحكم المنهي للخصومة وانتهاء ميعاد الثلاثين يوما التالية لتسليم حكم التحكيم الأطراف النزاع، وهو الموعد الذي حددته المادة رقم 1/49 من قانون التحكيم المصري، والتي جاءت على النحو التالي:
"1- يجوز لكل من طرفي التحكيم أن يطلب من هيئة التحكيم، خلال
الثلاثين يوما التالية لتسلمه حكم التحكيم، تفسير ما وقع في منطوقه من غموض، ويجب على طالب التفسير إعلان الطرف الأخر بهذا الطلب
قبل تقديمه لهيئة التحكيم.
٢- يصدر التفسير كتابة خلال الثلاثين يوما التالية لتاريخ تقديم طلب
التفسير لهيئة التحكيم، ويجوز لهذه الهيئة من هذا الميعاد ثلاثين يوما
أخرى إذا رأت ضرورة لذلك. ٣- ويعتبر الحكم الصادر بالتفسير متمما لحكم التحكيم الذي يفسره، وتسري عليه أحكامه".
فقد حدد المشرع أجلا معينا من تاريخ صدور الحكم، بحيث يجوز خلاله لكل من الطرفين أن يطلب من هيئة التحكيم تفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض، ويتعين توافر هذا الشرط في كل محكم، وهذا ما دفع المشرع المصري بالنص على ضرورة وجوب الإفصاح عن أية ظروف لدى المحكم قد تثير شكوكا لها ما يبررها حول استقلاله وحيدته.
والاستقلال معناه ألا توجد للمحكم صلة أو مصلحة بموضوع النزاع أو ارتباط بأحد الأطراف أو ممثليهم، فالمحكم لا يجوز أن يكون طرفا في النزاع او له مصلحه فيه من اي وجه.
وإلى جانب هذه الشروط هناك شرطا الخبرة والكفاءة، إلا أنهما لا يعدان شرطة لاختياره، إلا في الحدود التي يقرها الخصوم، وهذه الشروط رغم طابعها الاتفاقي إلا أنها تعد شروط جوهرية لاختيار المحكي فالمتعاملون ينشدون التحكيم سعيا وراء قاض متخصص ذي خبرة ومران؛ فالخبرة والكفاءة تدعم استقلاله، فبدون ذلك يكون أكثر عرضة للتأثر بأراء الآخرين، والتأثر بعواطفه ومصالحه الشخصية.
كذلك اشترطت بعض الأنظمة القانونية أن يكون المحكم ذكرا، لكن مشرعنا المصري نص بما مفاده أن ليس هناك ما يحول دون تولي المرأة المهمة التحكيم، حيث نصت المادة رقم ۲/16من قانون التحكيم: "۲- لا يشترط أن يكون المحكم من جنس أو جنسية معينة إلا إذا اتفق طرفا التحكيم أو نص القانون على غير ذلك." ونعتقد أن الأمر يتعلق بثقة الأطراف في شخص المحكم وخبرته وصلاحيته لتولي المهمة رجلا كان أم امرأة.