إن كان المشرع قد وضع شروطا عامة في المحكم، وكانت هذه الشروط متفق عليها بشكل عام في أغلب النظم القانونية، إلا أن هناك بعض الشروط والصفات الخاصة التي نصت عليها بعض القوانين مثل القانونين المصري والأردني، وهي جنس المحكم، وجنسيته، وكفاءته وخبرته، وهذه الصفات الخاصة هي في الحقيقة متروكة لإرادة وتقدير المحتكمين في اختيارهم. وقد نصت المادة (2/16) من قانون التحكيم المصري والمادة (15/ (ب) من قانون التحكيم الأردني على أنه: "لا يشترط أن يكون المحكم من جنس أو جنسية معينة إلا إذا اتفق طرفا التحكيم أو نص القانون على غير ذلك" وهذه الشروط هي:
أولا : جنس المحكم
لم تشترط معظم التشريعات والقوانين التحكيمية بما فيها القانون المصري أو الأردني أن يكون المحكم من جنس معين، فلا فرق بين أن يكون المحكم ذكرا أو أنثى، كون ذلك يتعلق بثقة الأطراف في شخص المحكم وخبرته، وصلاحيته لتولي المهمة رجلا كان أو امرأة. وليس هناك ما يحول دون تولي المرأة مهمة التحكيم والمادة (2/16) من قانون التحكيم المصري أكدت على ذلك.
ونجد أن معظم الأنظمة الوضعية سواء أكانت الغربية أم العربية لم تتعرض لهذه المسألة بالجواز أو المنع، مما أدى بالفقه إلى القول بجواز تحكيم المرأة .
وهذا ما أخذ به المشرع الأردني أيضاً في قانون التحكيم (المادة 2/15) كما ذكر سابقاً. أما نظام التحكيم السعودي رغم عدم النص على جنس المحكم فإنه يأخذ بعدم تولي المرأة التحكيم ولا يسمح لها بتولي منصب القضاء.
ثانياً: جنسية المحكم
أوجب في المادة (182) مرافعات أن يكون المحكم متمتعا بحقوقه السياسية، ولذلك فإنه لا يجوز طبقاً للقانون الإيطالي أن يكون المحكم أجنبياً ، وأساس هذا الاتجاه هو اعتبار المحكم قائماً بالقضاء والقضاء لا يجوز أن يتولاه أجانب أما غالبية القوانين التحكيمية فلم تشترط أن يكون المحكم من جنسية محددة وهذا ما أشار إليه المشرع المصري في المادة (2/16) من قانون التحكيم المصري والمشرع الأردني في المادة (15) /ب) من قانون التحكيم الأردني حيث نصنا صراحة على جواز إمكانية أن يتولى التحكيم أجنبياً.
وقد أخذ نظام التحكيم السعودي بهذا الموضوع ولم يشترط الجنسية، حيث نصت المادة الثالثة من اللائحة التنفيذية على أنه يكون المحكم من الوطنيين أو الأجانب المسلمين..
ويرى الباحث أنه من الأفضل أن يكون المحكم من جنسية المحتكمين أنفسهم في حالة إن كان التحكيم وطنياً، باعتبار أن هذا المحكم سوف يكون أقدر من غيره على العلم بلغة الخصوم وبمعرفة أحكام القانون المختار أو الواجب التطبيق على الإجراءات وعلى موضوع النزاع، بالإضافة إلى ما سيحققه من وفرة في التكاليف والمدة.
أما بشأن الاتفاقيات الدولية المعمول بها في حقل التحكيم الدولي، فإنها بصورة عامة لا تضع شروطا خاصة في المحكم، فقد تركت الحرية للمحتكمين في اختيار الأشخاص الذين يثقون بهم ويطمئنون إلى عدالتهم. إلا أن بعض الاتفاقيات الدولية نصت صراحة على عدم تعيين المحكم ممن يحملون جنسية أحد الأطراف، وذلك عندما يتم تعيينه من قبل سلطة التعيين، وهذا ما ذهبت إليه المادة (4/18) من اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لسنة 1978 حيث نصت على أنه لا يجوز أن يكون المحكمون الذين يعينهم المكتب من مواطني أحد الطرفين.
وكذلك اتفاقية واشنطن لسنة 1965 الخاصة بحل المنازعات المتعلقة بالاستثمارات، حيث نصت المادة (38) منها على أنه: "عندما يقوم رئيس مجلس إدارة مركز تسوية المنازعات الخاصة بالاستثمارات بتعيين المحكم أو المحكمين، يجب ألا يكونوا من مواطني دولة أحد أطراف النزاع . كما نجد أن البعض من القواعد الدولية الخاصة بالتحكيم الدولي قد أخذت بهذا الموضوع مثل غرفة التجارة الدولية (المادة (62) ، وقواعد التحكيم التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (المادة 4/6)، ونموذج القانون للتحكيم التجاري الدولي (المادة (1/11) ، وكذلك لائحة مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي (المادة 4/6) .
ثالثاً : خبرة وكفاءة المحكم
إن شرط الخبرة والكفاءة من الشروط التي تبعث الثقة في النفس، وهي التي تمنح الثقة بقدرة المحكم على تسوية النزاع المعروض عليه والرضا بحكمه، والمبادرة إلى تنفيذه، مما يدفع المحتكمين إلى اللجوء إلى التحكيم.
إلا أن خبرة المحكم وكفاءته لا تعد شرطاً لاختياره إلا في الحدود التي يقرها الخصوم، فالمحكم ذو الخبرة والكفاءة العالية يكون أقدر على حل النزاع دون التأثر باراء الآخرين والمصالح الشخصية، وتكون ضماناً ودافعاً قوياً للمعتكمين للجوء إليه مرشحين عدالة حكمه وسلوكه المهني، فكفاءة المحكم لابد أن تنعكس على مسلكه الإجرائي وقدرته على إدارة الإجراءات بسرعة وفاعلية وعادة ما يحرص الأطراف على توافر الخبرة الفنية في شخص المحكم الذي يتولى الفصل في النزاع وهي التي تطمئن الأطراف إلى قدرة المحكم والمامه بجميع مشاكل وجوانب النزاع ومعرفته بالأعراف التجارية، وقدرته على إدارة الخصومة والتغلب على جميع العقبات التي تواجه الخصومة، وهذا ما تسير عليه مؤسسات التحكيم المنظمة في اختيار قوائم محكميها.
وتجدر الإشارة إلى أن قانون التحكيم المصري وقانون التحكيم الأردني لم يشترطا توافر الخبرة القانونية في المحكم، إلا أن بعض التشريعات مثل نظام التحكيم السعودي قد أشار إلى موضوع الخبرة في المادة الرابعة منه والتي تنص على أنه يشترط في المحكم أن يكون من ذوي الخبرة حسن السيرة والسلوك.
وخلاصة ذلك أنه يتعين توافر بعض الشروط في المحكم وخاصة الشروط التي يتطلبها القانون، ويترتب على تخلفها بطلان حكم المحكم مثل الشروط العامة التي سبق ذكرها ، فإذا تخلف شرط منها يؤدي إلى بطلان الحكم أما الشروط الخاصة فإن تخلفها لا يؤدي إلى بطلان الحكم، ولكن من الضروري توافرها لأنها ضمانة لسلامة مسلك المحكم وصحة حكمه ومبعث للثقة بالنفس وبقدرة المحكم على تسوية النزاع والرضا بحكمه.