الحق بأنه من خلال استعراض شروط المحكم، وكذلك القاضي، في كتب الأئمة لن نجد شرطاً واحداً سالماً من الخلاف، أو من الاستثناء، وللبيان نقصر حديثنا في تعقيبنا على هذه الشروط ومدى ملائمتها لعصرنا الحالي ومدى اتفاقها أو اختلافها مع ما جاء به القانون الوضعي (المصري والكويتي)، ونخص بالتعقيب شرطي الإسلام والجنس.
والملاحظ أن ما قال به علماء المسلمين الأقدمين والمعاصرين حول شروط المحكم في الفقه الإسلامي وجود ثمة أمور متفق عليها وأخرى محل خلاف، ونظراً لكون المحكم كالقاضي، فقد شدد الفقهاء المسلمون، أو بعض منهم، في الشروط التي يجب أن تتوفر فيه من حيث العدالة والنزاهة والحياد والعلم وغيرها من الشروط التي تمثل حدود دنيا.
رأينا أن الفقهاء قد اتفقوا على القول باشتراط الإسلام في المحكم، والقاضي، إلا أن هذا الاتفاق لم يخل من الاستثناء، ولو أننا عدنا إلى ما ذكره أهل العلم من قياس القاضي على الشاهد في الشروط، ومن قولهم: بجواز تحميل غير المسلم الشهادة في حال الضرورة.
لا يخلو إما أن يقرأ أو يشهد عليهما شاهدان أو شاهد وامرأتان أو شاهد واحد، قال: وقد أجمعوا على أن الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينا على الطالب، وكذلك مع الشاهدين ومع الشاهد والمرأتين فلم يبق إلا شاهد واحد فلذلك استحق الطالبان يمينهما مع الشاهد الواحد، واستدل بهذا الحديث على جواز شهادة الكفار بناء على أن المراد بالغير الكفار .
وإنما يجيز شهادة بعض الكفار على بعض، فالآية دلت بمنطوقها على قبول شهادة الكافر على المسلم، وبإيمانها على قبول شهادة الكافر على الكافر بطريق الأولى، ثم دل الدليل على أن شهادة الكافر على المسلم غير مقبولة فبقيت شهادة الكافر على الكافر على حالها.
وأيضا فجواز استشهاد المسلم ليس مشروطاً بالسفر وإن أبا موسى حكم بذلك فلم ينكره أحد من الصحابة فكان حجة، وذهب الكرابيسي ثم الطبري وآخرون إلى أن المراد بالشهادة في الآية اليمين.
بأنه لا يجوز أن يقبل كافر أصلاً لا على كافر ولا على مسلم حاشا الوصية في السفر فقط، فإنه يقبل في ذلك مسلمان أو كافران من أي دين كانا، أو كافر وكافرتان، أو أربع كوافر، ويحلف الكفار ههنا مع شهادتهم بعد الصلاة لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربي ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين.
لأنه في سفر ولا تجد من يشهد من المسلمين، وإنما جاءت في هذا المعنى، قال إسماعيل بن سعيد الشالنجي سألت أحمد. ويقصد بذلك الإمام أحمد بن حنبل۔ فذكر هذا المعنى قلت فإن كان ذلك على وصية المسلمين هل تجوز شهادتهم.
أن الله تعالى أخبر أن حكمة في الشهادة على الموصي إذا حضره الموت أن يكون شهادة عدلين، فإن كان في سفر وهو الضرب في الأرض ولم يكن معه أحد من المؤمنين فليشهد شاهدان ممن حضره من أهل الكفر، فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حلفا بعد الشهادة أنهما ما كذبا وما بدلا وأن ما شهدا به حق، وما كتما فيه شهادة، وحكم بشهادتهما.
والقول الثالث: لابن عباس وأبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وشريح وابن سيرين والأوزاعي والثوري وأبو عبيد وأحمد، وهؤلاء أخذوا بظاهر الآية، وأنه لا نسخ فيها، قاله الزهري والحسن وعكرمة.
وهكذا يتبين لنا، لئن كان هذا الجانب اليسير من النصوص التي تزخر بها كتب الفقه والتفسير والحديث تبين آراء العلماء والفقهاء في شهادة غير المسلمين على المسلمين، وتدل دلالة صريحة وقاطعة على أن كثيرا من الصحابة والتابعين وتابعيهم وفقهاء الأمصار والأئمة المجتهدين.
يرون ولكن حيث يجب تطبيق قانون غير إسلامي وارتضى به الطرفان السبب أو لآخر، فلا مانع، من وجهة نظرنا، من أن يكون المحكم غير مسلم حتى ولو كان المتخاصمون مسلمين.
ومن البديهي أن ننتهي من هذه النقطة لنوضح فكرة هامة في شأن مسألة الخلاف على ديانة المحكم مؤداها إذا كان أطراف النزاع في خصومة التحكيم من المسلمين يعيشون في بلد يتحاكم فيه إلى القوانين الوضعية فمن الأمور المسلم بها أنهم بقصدهم من اللجوء إلى التحكيم الحصول على حكم يرتضونه بشرط ألا تكون طلبات الخصوم تنطوي على ما يتعارض مع أحكام الفقه الإسلامي.
وبالنسبة للجنس من حيث الذكورة والأنوثة، هناك رأي في الفقه الإسلامي التقليدي بأن المحكم، كالقاضي، يجب أن يكون ذكراً، ولكن بعض الفقهاء المسلمين أجاز قضاء المرأة وتحكيمها.
ولئن ذهب فقهاء المسلمين في شأن تحكيم المرأة مذاهب ثلاث - على النحو السابق شرحه. بين معارض على الإطلاق، ومؤيد في أمور محددة بشروط، ومؤيد على الإطلاق، إلا أنه لا يصح جعل التقاليد والعادات الموروثة في زمان أو مكان معين حاكمة على الدين والشرع، أو مضيقة الواسعة، أو مقيدة لمطلقه، بل الشرع يعلو ولا يعلى عليه، والإسلام هو كلمة الله تعالى الأخيرة إلى العالمين جميعا على اختلاف ألوانهم وطبائعهم وأعرافهم وتقاليدهم.
ولقد جرى العمل على عدم تعيين المرأة قاضياً أو محكماً في الكويت وهو أمر شاك، إذ لم ينص قانون تنظيم القضاء الكويتي على شرط الذكورة، كما أن الشروط اللازمة في المحكمين في قانون المرافعات الكويتي لم تذكر من بينها شرط الذكورة.
إن مسائل الشرع على قسمين: فمنها القطعي الذي يشكل هوية الإسلام، ويعبر عنه أحياناً بالمعلوم من الدين بالضرورة، وهذا لا يجوز الإختلاف فيه وهو المعني بخلاف التضاد، والقدح فيه قدح في الثوابت الدينية المستقرة.