يتبين لنا ان المبدأ هو حرية اطراف النزاع في اختيار المحكم أو المحكمين وفي حالة عدم التوصل الى اتفاق على التعيين من قبل الطرفين يمكن لجهة أو شخص ما القيام بهذه المهمة، وموضوع بحثنا في هذا المبحث هو من الذي يمكن ان يصار الى اختياره كمحكم وبعبارة اخرى ما الشروط الواجب توافرها في المحكم؟
هناك اتفاق على ان الشروط المطلوب توافرها هي لغرض ضمان حياد واستقلال المحكم كي يمكن الاطمئنان إلى قراره في حسم النزاع، وقد يكون من المفيد ان نذكر في هذه المناسبة ان المحكم عند اختياره من احد اطراف النزاع فإنه لا يعتبر وكيلا عن ذلك الطرف ولا يعتبر بعبارة اخرى مدافعا او محاميا عن وجهة نظر الطرف الذي اختاره، وانما يمكن القول ان الاختيار ما هو الا تفويض من الشخص لشخص آخر بأن يقوم هذا الاخير بحل النزاع وان يقبل الاول بما يقرره المحكم.
فقد جاء في المادة ۲۲٥ من قانون المرافعات العراقي ما يفيد عدم جواز كون المحكم من رجال القضاء الا بإذن من مجلس القضاء ، ولا يجوز ان يكون قاصرا، او محجورا عليه او محروما من حقوقه المدنية او مفلسا لم يرد اليه اعتباره». كذلك نصت المادة ٥۰۲ من قانون المرافعات المصري على أنه «لا يجوز ان يكون المحكم قاصرا، او محجورا عليه او محروما من حقوقه المدنية بسبب عقوبة جنائية او مفلسا لم يرد اليه اعتباره».
اما عن القانون السعودي فقد جاء في المادة الرابعة من المرسوم الملكي الانف الذكر يشترط في المحكم ان يكون من ذوي الخبرة، حسن السيرة والسلوك، كامل الاهلية ... وجاء المرسوم السعودي الصادر في ۲۷ مارس ۱۹۸۵ بنص جديد يستوجب ان يكون المحكم من المواطنين السعوديين او ان يكون أجنبياً مسلماً ويمكن اختياره من بين أصحاب المهن الحرة أو من بين الموظفين بعد تأييد الدوائر التابعين لها وفي حالة تعدد المحكمين، يجب ان يكون الرئيس من الذين لهم معرفة بقواعد الشريعة والقوانين التجارية والعادة المتبعة في المملكة (المادة ٣ من المرسوم ) هذه بعض نصوص القوانين العربية لمعرفة الشروط الواجب توافرها في الشخص الذي يمكن اختياره محكما ، ومما تقدم يمكننا حصر تلك الشروط فيما يأتي:
1- أن يكون المحكم من بين الاشخاص الطبيعيين ولا يجوز ان يكون شخصا معنويا وهذا أمر يمكن استنتاجه من النصوص الآنفة الذكر دون ان يرد ذكره صراحة الا في القانون اللبناني قد نص في المادة ٧٦٨ من قانون اصول المحاكمات المدنية | على أن لا تولى مهمة المحكم لغير شخص طبيعي واذا عين عقد التحكيم شخصا معنويا فتقصر مهمته على تنظيم التحكيم.
لا يجوز ان يكون المحكم قاصرا او محجورا عليه او محروما من حقوقه المدنية او مفلسا ما لم يرد له اعتباره».
هذا النص يشابه ما جاء في المادة ١٤٥١ من قانون المرافعات الفرنسي الجديد الصادر في ١٤ مارس ۱۹۸۰ حيث جاء في المادة المذكورة لا تعهد مهمة المحكم الا لشخص طبيعي له الأهلية الكاملة لممارسة حقوقه المدنية».
واذا عين اتفاق التحكيم شخصا معنويا فتقتصر مهمته على تنظيم التحكيم وعليه لا يكون المحكم الا شخصا طبيعيا، اما اذا عين اتفاق التحكيم شخصا معنويا كأن ينص على أن تسوية الخلاف الناشئ عن العقد تتم بالتحكيم عن طريق غرفة التجارة الدولية، فهذا يعني أن غرفة التجارة الدولية تقوم بتنظيم عملية التحكيم، ولا تكون الغرفة المذكورة محكما اي لا تتولى مهمة التحكيم بل يتم اختيار المحكمين وفقا لقواعد الغرفة في حالة عدم اتفاق الطرفين على الكيفية التي يتم فيها الاختيار كما سبق ذكره ونرى ان هذا الامر ينطبق ايضا على حالة القوانين العربية التي سبق ذكرها والتي لم يرد فيها صراحة، وجوب أن يكون المحكم شخصا طبيعيا .
2- ان يكون المحكم متمتعا بالاهلية الكاملة وفق قانونه الشخصي، ولا فرق في ان يكون ذكرا او انثى، ومن الجائز أن يكون شخصا اجنبيا ، الا ان بعض الدول تنص في تشريعاتها على وجوب اختيار المحكمين من بين مواطنيها كما هو الحال في قوانين كولومبيا ، الاكوادور ، وبوجه عام لا يشترط ان يكون للمحكم مهنة معينة. الا ان بعض القوانين كالقانون الاسباني تشترط ان يكون المحكم من بين المحامين في حالة حسم النزاع طبقا لاحكام القانون (المادة ۱۲ فقرة ٢ من القانون الاسباني الخاص بالتحكيم رقم ٣٦ / ۱۹۸۸ الصادر في ٥ كانون الأول ۱۹۸۸) كما ان القانون في فنزويلا ينص على اختيار المحكمين من بين التجار في الامور المتعلقة بالمعاملات التجارية .
القانون العراقي، وكذلك الحال مع القانون المصري الذي ينص على عدم جواز اختيار القاضي محكما الا بموافقة جهة قضائية عليا وهي المجلس الأعلى للهيئات القضائية أما في العراق فإن الجهة القضائية هي مجلس العدل .
القواعد الدولية المعمول بها في حقل التحكيم الدولي، فإنها وبصورة عامة لا تضع شروطا خاصة لمن يمكن اختياره محكما ذلك لان القاعدة في هذه الحالةهي ترك الحرية للطرفين في اختيار الشخص او الاشخاص الذين يثقان بهم وبنزاهتهم ويطمئنان الى عدالتهم في اتخاذ القرار الخاص بحسم النزاع غير اننا نجد بعض الاتفاقيات الدولية نصت صراحة على امكانية قيام الاجنبي بمهمة المحكم وهذا ما نجده في الاتفاقية الاوروبية لعام ۱۹٦١ فقد جاء في المادة الثالثة منها :
في التحكيم الخاضع لهذه الاتفاقية يمكن للاجانب ان يعينوا كمحكمين».
"Dans Les arbitrage soumis a La presente convention Les etrangers peu- vent etre designes comme arbitres".
ونجد كذلك ان بعض الاتفاقيات والقواعد الدولية تنص على عدم تعيين المحكم ممن يحملون جنسية احد اطراف النزاع وذلك عندما يتم تعيينه من قبل سلطة التعيين وهذا ما نصت عليه المادة (۱۸) من الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري لعام ١٩٨٧ حيث جاء في الفقرة الرابعة منها لا يجوز ان يكون المحكمون الذين يعينهم المكتب من مواطني احد الطرفين».
ومثل هذا النص نجده ايضا في اتفاقية واشنطن لعام ١٩٦٥ الخاصة بحل المنازعات المتعلقة بالاستثمارات فقد جاء في المادة (۳۸) من الاتفاقية المذكورة «عندما يقوم رئيس مجلس ادارة مركز تسوية المنازعات الخاصة بالاستثمارات بتعيين المحكم او المحكمين يجب ان لا يكونوا من مواطني دولة احد اطراف النزاع».
ومثل هذا ايضا نجده في القواعد الدولية الخاصة بالتحكيم مثال ذلك ما جاء في الفقرة السادسة من المادة الثانية من قواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية. كذلك ما جاء في الفقرة الرابعة من المادة السادسة من قواعد التحكيم التي وضعتها لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي، والتي سبق ايرادها ومفادها انه من المستحسن ان يكون المحكم من جنسية غير جنسية احد اطراف النزاع. ونشير اخيرا الى ما جاء في القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي ) الذي وضعته لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للامم المتحدة واعتمدته اللجنة في ٢١ حزيران ١٩٨٥ حيث جاء في الفقرة الأولى من المادة (۱۱): «لا يمنع اي شخص بسبب جنسيته من العمل كمحكم مالم يتفق الطرفان على خلاف ذلك». وهذا يعني ان الاجنبي عن جنسية الطرفين يمكن اختياره محكما كمبدأ عام الا اذا اتفق الطرفان على استبعاده.