مما سبق يتبين لنا أن المشرع قد تتطلب في المحكم الحد الأدنى من الشروط الواجب توافرها في المحكم ، وافرد ملاءة واسعة للأطراف ليتميزوا المحكم الذي يتناسب وظروف المنازعة المتعلقة بهم للفصل فيما بينهم من نزاعات ويلاحظ أن قانون التحكيم المصري قد حذا حذو قانون الأونسيترال في معظم نصوصه .
فقد بينت المذكرة الإيضاحية أن الهدف الأساسي من إصدار قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية هو جذب رءوس الأموال لاعتراف الدولة بأن التحكيم هو الوسيلة الأساسية الحسم منازعات التجارة الدولية والتي يفضلها المتعاملون في مجال التجارة لأنها مبعث للثقة والاطمئنان في نفوسهم إلا أن ذلك الهدف لن يتحقق إلا إذا كان التحكيم نظاما فاعلاً قوياً. وبالطبع لن يكون نظام التحكيم فاعلا إلا إذا كان المحكم يتمتع بسلطات أوسع و المشرع لن يسمح بذلك إلا إذا كان وضع المحكم موثوقا فيه وعلي قدر من الكفاءة والخبرة ويتمتع بحسن السلوك والسمعة، لذلك فإننا نري أن الشروط التي تطلبها المشرع وإن كان يبدو أن القصد منها هو عدم غلق أي باب أمام الأطراف لاختيار المحكم الذي يرونه ملائما للفصل في الخصومة الخاصة بهم إلا أن ذلك له آثار سلبية تفوق ما يمكن أن تحققه الغاية السابقة تتمثل في الإطاحة بالمميزات التي يتمتع بها نظام التحكيم و التي سبق
الإشارة إليها، ومن أهمها فقدان الثقة في التحكيم، لأن المحكم غير المعد إعداداً جيداً غالباً ما ينهي إجراءات التحكيم بحكم ضعيف ينتهي مصيره إلى البطلان فيعيد أطراف الخصومة من حيث بدأوا من جديد؛ لذلك فإنه وإن كان صدور قانون التحكيم الموحد رقم 27 لسنه 1994 ليشمل التحكيم في المواد المدنية والتجارية يمثل مرحلة مفصلية في مجال التجارة بوجه عام، فإنه كان يجب أن يلحق تلك المرحلة تطور آخر فيما يتعلق بالشروط الواجب توافرها في المحكم، ليُرسّخ التحكيم في نفوس المتعاملين في مجال التجارة في الداخل والخارج مدى قدرة المحكم المصري على إدارة العملية التحكيمية وهذا التطور لن يكون إلا بتعديل الشروط الواجب توافرها في المحكم على النحو التالي:
أ- حلف المحكم لليمين القانونية
إلا إننا نرى أنه من الضروري أن تقترن مباشرة مهمة المحكم ذات الطبيعة القضائية بحلف اليمين القانونية، حيث أنه يفصل في النزاع بحكم حاسم يحوز حجية الأمر المقضي بل أن الحكم الصادر من المحكم غير قابل للطعن إلا برفع دعوي البطلان .
فحلف المحكم لليمين قبل قيامه بمهمته مسألة هامة أمام السلطات الواسعة التي يتمتع بها المحكم، والأمر ليس بجديد في مجال التحكيم، فاتفاقية عمان العربية للتحكيم ذهبت إلى ضرورة أن يؤدي المحكمون قبل مباشرتهم لمهامهم القسم التالي «أقسم بالله العظيم أن أحكم بالعدل وأن أراعي القانون واجب التطبيق وأن أؤدي مهمتي بأمانة ونزاهة وتجرد(1)؛ لذا فإننا نري أنه يتعين علي المحكمين قبل أداء مهامهم أن يؤدوا القسم علي السواء، فهم يتحملون عبء إقامة ميزان العدالة بين الخصوم بل إن المحكم في حالة التفويض بالصلح يتحرر إلي حد كبير من التقيد بالنصوص التشريعية للقانون الذي يطبقه ويبدو أكثر قدرة علي تغليب اعتبارات العدالة علي أحكام التشريع، فمن شأن قيام المحكم بأداء القسم أن يبث الثقة والطمأنينة في نظام التحكيم.
ب – التأهيل العلمي و القانوني للمحكم:
لم يتطلب المشرع المصري ومعظم التشريعات الوطنية في المحكم أن يتوافر فيه شرط التأهيل العلمي والقانوني، فالأمر متاح لأطراف النزاع حول اختيار المحكم الذي يرونه ولو لم يكن مؤهلاً علمياً أو قانونياً.
ونحن نرى على خلاف مسلك المشرع المصري أنه يجب أن يكون المحكم لديه خبرة قانونية و يكون واسع الاطلاع وأن يتابع باستمرار المستجدات سواء كانت دولية أو إقليمية وأن يتابع باستمرار التطورات في مجال التحكيم. وانطلاقاً من هذا الأساس، فقد تداركت معظم قواعد التحكيم الاتفاقية والمؤسسية مسألة التأهيل العلمي للمحكم نظراً لأهميته ونصت عليه كشرط أساسي فيمن يعتلي منصة التحكيم.
كذلك فإنه من المهم للمحكم أن يجيد لغة أجنبية خاصة إحدى اللغات المعتمدة في المعاملات التجارية كالإنجليزية والفرنسية.
كذلك لا غني عن أن يكون المحكم قانونياً؛ نظراً لأن المحكم يتعرض أثناء مباشرته لمهمته لمسائل قانونية عديدة تتطلب أن يكون مؤهلاً قانونياً لمثل هذه المسائل المتعلقة بالقانون واجب التطبيق أو في صياغة الأحكام.