إذا كان التحكيم التقليدی يوصف بأنه نظام قضائی خاص يتأسس على الحرية الفردية، بما يعني ضرورة ترك الحرية للأطراف في اختيار المحكمين التي تتناسب خبراتهم ومؤهلاتهم مع طبيعة النزاع وموضوعه، فإن هذا الاعتبار يتوافر من باب أولى في مجال التحكيم الإلكتروني، ومن ثم يكون من اللازم إتاحة الفرصة للأفراد الاختيار من يتولى الفصل في الدعوى.
ونجد أنه من الغريب أن تتولى سكرتارية محكمة التحكيم عبر الإنترنت اختيار المحكمين وتحديد عددهم بطريقة مباشرة دون الرجوع إلى إرادة الأطراف، فالمعتاد أن يتم اللجوء أولاً إلى إرادة الأطراف لتشكيل الهيئة مع الاحتفاظ بالآلية البديلة وهي السكرتارية لتتولى القيام بهذه المهمة في حالة غياب الإرادة المشتركة للأطراف ورغم ذلك يثير هذا النص مجموعة من الملاحظات:
1. لا مخاوف من قيام السكرتارية بتعيين المحكمين وتحديد عددهم، فاختيار هؤلاء سيتقرر من بين قوائم المحكمين المعتمدين لدى المحكمة، ويمكن للسكرتارية تعيينهم باعتبارها الأقدر على معرفتهم لما يتوافر لديها من دراية كافية بخبرة كل منهم، ومن ثم تغدو هي الجهة الأصلح لاختيار المحكم المناسب لطبيعة النزاع وموضوعه.
2. يتفق هذا المذهب ربما مع مذاهب بعض هيئات التحكيم المؤسسي التي تستأثر لنفسها باختيار المحكمين، ومن ثم فان لجوء الأطراف إلى هذه الهيئات يعبر عن رضائهم الضمني بهذا الحكم، حيث لا يمكنهم الادعاء بجهله.
3. إن لجوء الأطراف إلى التحكيم الإلكتروني في رحاب محكمة التحكيم عبر الإنترنت يتقرر أولا بتحرير طلب التحكيم وأن الأصل هو تشكيل هيئة التحكيم من محكم وحيد إلا إذا عبر الأطراف عن رغبتهم في اختيار ثلاثه محكمين مع تحملهم فارق المصاريف، وهو ما يعني أن تنظيم محكمة التحكيم عبر الإنترنت يخول الأطراف إمكانية الاتفاق على عدد المحكمين.
4. يعود بنا نص المادة ۱/۸ ليجهض هذه السلطة بتقريره أن تتولى : السكرتارية اختيار المحكمين وتحديد عددهم بما يعني خضوع رغبة الأطراف للسلطة التقديرية للسكرتارية، التي تكون لها الكلمة العليا في هذا الصدد، فمن المتصور في ظل الصياغة الحالية للنص أن يرغب الأطراف في تعيين محكم وحيد ثم تقرر السكرتارية ثلاثة محكمين أو العكس، بأن يرغب الأطراف في ثلاثة محكمين على غير ماترى السكرتارية، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن جدوى هذا النص ولماذا تتولى السكرتارية تحديد عدد المحكمين وربما بالمخالفة لرغبة الطرفين ؟ وما الداعي لمنح السكرتارية هذه السلطة؟
نعتقد أن استئثارية سكرتارية محكمة التحكيم عبر الإنترنت بتشكيل هيئة التحكيم الإلكتروني يهدف إلى تحقيق غاية مزدوجة:
أولا: عدم المفاجأة باختيار الأطراف لمحكمين لاتعرفهم ولا تألف التعامل
ثانيا: ضمان أن ينصب الاختيار على أحد أو بعض المحكمين المعتمدين لديها.
فالمعتاد في التحكيم المؤسسي أن يتم تعيين المحكمين من بين القوائم المعتمدة لدى الهيئة التي يجري التحكيم في رحابها، وهو ما قد يدعو للاعتقاد بأن الهدف من هذا النص تحقيق مكاسب تجارية. .
والواقع أن اختيار المحكمين بواسطة هيئات التحكيم المؤسسي بدلاً من الأطراف يعد بمثابة لطمة لنظام التحكيم، حيث إن من مزايا نظام التحكيم هو ترك الحرية للأطراف في اختيار من يرتضونه حكما بينهم، وها هو نظام التحكيم الإلكتروني كنموذج للتحكيم المؤسسي يشكل عائقا أمام الأطراف في اختيار هيئة التحكيم.
وفي تقديرنا نرى أن لجوء الأطراف إلى هيئة التحكيم يعبر عن رضائهم الضمني بالهيئة واختيارها لهيئة التحكيم، وأن حرية الأطراف في اختيار هيئة التحكيم تعد من الحريات الأساسية والعامة، ولا ينتقص منها أحد إذا لم يقم الأطراف باختيار هيئة التحكيم ماداموا ارتضوا بالمحكمين المختارين من قبل هيئة التحكيم..
ب - تعيين رئيس هيئة التحكيم.
يعد تشكيل هيئة التحكيم من أبسط الأوضاع وأسهلها لتشكيلها من محكم وحيد ليصير هذا العضو هو الرئيس الذي يستأثر بالنزاع الإلكتروني من كافة جوانبه.
ونلاحظ من النص أنه جاء متفقاً مع أسلوب وفلسفة تعيين المحكمين وفقاً لتنظيم محكمة التحكيم عبر الإنترنت، الذي فرض ضرورة تعيينهم بواسطة السكرتارية، ولكن تعتبر السكرتارية هي الجهة البديلة التي يعهد إليها بمهمة اختيار الرئيس من المحكمين الذين سبق تعيينهم، ولكن في حالة فشلهم في اختيار رئيس الهيئة.
ثانيا : جمعية التحكيم الأمريكية
لم يرد في الإجراءات التكميلية للجمعية بشأن التحكيم الإلكتروني أيـة إشارة تتعلق بتشكيل هيئة التحكيم، ولكن بالرجوع للقواعـد التـي تطبقهـا الجمعية على التحكيم التقليدي، نجد أنها ميزت بين طريقتين لتشكيل هيئـة التحكيم