الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / تعيين المحكم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 38 / رفض مركز التحكيم تعيين المحكم مقترحات للتطوير في ضوء تحليل نقدي للائحتي تحكيم مركز القاهرة الإقليمي ومركز قطر الدولي

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 38
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    23

التفاصيل طباعة نسخ

تجمع الأنظمة القانونية المعاصرة على حرية أطراف خصومة التحكيم في تعيين محكمـيهم  مباشرة أو من خلال اتفاقهم على آلية ذلك التعيين. وفي كل الأحوال؛ ولتحقيق التـوازن بـين مبدئي: حرية التعيين ونزاهة التحكيم؛ فقد أجمعت هذه الأنظمة – أيضا – على مراقبة صـحة تعيين المحكم، وذلك عن طريق نظام إجرائي، على منوال قضاء فض المنازعات، يبـدأ عق عقـب قبول المحكم مهمته، باعتراض صاحب المصلحة على التعيين، وتحقيق الاعتراض – بعد السماح لكل الأطراف بمن فيهم المحكم الذي تم رده بإبداء أقوالهم – وصولاً إلى قرار مسبب في شـأن هذا الاعتراض - استجابة أو رفضا – وذلك هو ما يعرف بالنظام القانوني لرد المحكم، والذي تصفه بعض التشريعات العربية بتجريح المحكم".

  على أن بعض مراكز التحكيم، قد استحدث نظاما استباقيا على نظام الرد، يشترك معه فى رقابة نزاهة المحكم، ويتقدم عليه بزجر المحكمين ذوي سوابق عدم احترام واجبـاتهم بـالتطبيق لقواعد المركز، وهو ما يطلق عليه الباحث هنا: "رفض مركز التحكيم تعيين المحكم"؛ وهـو مـا يوصف على سبيل الاختصار بـ "سلطة الرفض" "rejection authority. إنه الرفض الذي يستخدمه مركز التحكيم – أساساً- كأداة إجرائية وقائية لضمان إدارة التحكيم بفعاليـة، باستبعاد المحكمين ذوي سوابق التدليس والإهمال، من الاستعانة بهم في منازعات لاحقة؛ فضلاً عن عدم التزام الموقف السلبي عند المخالفة الصارخة من أحد أطـراف التحكـيم بالمتطلبـات الماديـة والقانونية في المحكم، فلا يضيع الوقت إلى أن يتم تصويبها، كما هو الحال إذا كان الأطراف قد اشترطوا في محكم جنسية معينة، أو تخصصا معينا. وهي وسيلة إجرائية قد تشترك مع نظام رد المحكم في المحافظة على نزاهة التحكيم، ولكنها تقوم أصلاً على كفاءة إدارة التحكيم، بما يـوفر على المحتكمين الوقت والمال؛ وهو ما يعبر عنه الباحث بمبدأ فعالية إدارة التحكيم، أو اختصارا بفاعلية التحكيم.

   ومن أمثلة المراكز التي أخذت بسلطة الرفض، مركز القاهرة الإقليمي للتحكـيم التجـاري الدولي (يشار إليه لاحقا على سبيل الاختصار بمركز القاهرة)، في لائحته لعـام 2011 (المـادة 5/8)، وهو ما اقتفى أثره مركز قطر الدولي للتوفيق والتحكيم (يشار إليه لاحقـا علـى سـبيل الاختصار بمركز قطر)، في لائحته للعام 2012 (المادتان: 5/9؛ و4/10).

حيث تنص المادة 5/8 من قواعد تحكيم مركز القاهرة للعام 2011 (نشير إليها لاحقا بلائحة تحكيم مركز القاهرة):

"وفي جميع الأحوال، يجوز للمركز بعد موافقة اللجنة الاستشارية أن يرفض تعيين أي محكم في حالة عدم استيفاء هذا المحكم للشروط القانونية أو الاتفاقية أو في حالة عدم التزامه فـي السابق بواجباته طبقا لهذه القواعد، وذلك بعد إتاحة الفرصة لهذا المحكم ولأطراف الدعوى لإبداء وجهات نظرهم".

  وقريب من ذلك، نص المادتين 5/9 و4/10 من قواعد توفيق وتحكيم مركـز قـطـر للعـام 2012 (نشير إليها لاحقا بلائحة توفيق وتحكيم مركز قطر).

   حيث تنص المادة 5/9 من لائحة توفيق وتحكيم مركز قطر – بمناسـبة تنظيمهـا لتعيـين المحكم الفرد – على أنه: ان

"وفي جميع الأحوال، يجوز للجنة أن ترفض تعيين أي محكم في حالة عـدم استيفاء هـذا المحكم للشروط القانونية أو الاتفاقية أو في حالة عدم التزامه في السابق بواجباته طبقا لهذه القواعد أو لأي أسباب أخرى وفقا لتقديرها".

   وتعود المادة 4/10 من ذات اللائحة – بمناسبة تنظيم التعيين في حالة هيئة التحكيم متعـددة الأعضاء - لتكرر ذات النص. وذلك بخلاف لائحة تحكيم مركز القاهرة الإقليمي، والتـي يبـدو أنها قد اكتفت بما نصت عليه في المادة 5/8 من عبارة "في كل الأحوال". على أن موقف لائحة مركز قطر أكثر وضوحاً.

   ووفقاً لإفادة تلقاها الباحث عن مدير مركز القاهرة السابق – الدكتور محمـد علـي عبـد الرؤوف – ردا على مجموعة من التساؤلات عن موضوع هذا البحث؛ فإن سيادته قد تفـضـل بالإفادة بأن سلطة مركز القاهرة في الرفض، مستحدثة منذ لائحة تحكيم المركـز للعـام 2007؛ وأن هذه السلطة قد تمت ممارستها مرة واحدة، لرفض تعيين محكم لطرف محتكم، بسبب عيـب واضح في عدم استقلال المحكم، والذي كان في ذات الوقت محاميا لدى ذات المكتـب القـانوني الذي كان يتولى الدفاع عن المحتكم؛ وبأن المحتكم في هذه القضية قد تقبل رفض المركز تعيـين ذلك المحكم.

   وفي ما يتعلق بأمثلة مخالفة المحكم واجباته سابقا، أشار مدير مركز القاهرة السابق إلـى حالات عدم قيام المحكم بمهمته في قضية سابقة، كأن لا يشارك في المداولات، أو أن يشارك فيها مع عدم الحفاظ على سريتها؛ فضلاً عن حالات المخالفة الفاضحة للمتطلبات المادية والقانونية في المحكم، كأن يكون المحكم ليس له وجود، أو عدم استيفائه شروط اتفـاق التحكـيم. وأن سـلطة الرفض تمارس قبل قبول المحكم مهمته؛ فحيثما يتحقق قبول المهمة، لا يبقى سوى نظـام الـرد يفعله صاحب المصلحة؛ إن رغب في ذلك. وأن آلية تفعيل الرفض تقوم على قرار يصدر عـن مدير المركز بعد استشارة لجنة دائمة في المركز يطلق عليها اللجنة الاستشارية. ولـم يـشاطر مدير المركز السابق الباحث في مخاوفه، حيث يرى أن مشروعية تفعيل سلطة المركز في رفض التعيين مستمدة في النهاية من اتفاق الأطراف على اللجوء إلى المركز.

   وحيث إن أساس تطبيق لائحة مركز التحكيم الذي يتفق الأطراف على اللجوء إليـه، هـو اتفاقهم؛ فإنه يجوز – للوهلة الأولى - رد سلطة المركز في رفض التعيين إلى اتفاق الأطـراف؛ أي إلى مبدأ سلطان الإرادة، على أن سلطة المركز في رفض التعيين، هو خروج عـن النظـام القانوني للرد، وهو ما يثير تساؤلاً عن مدى جواز اتفاق الأطراف على الخروج عنه؟ ولو فرض جواز اتفاق الأطراف في الخروج عنه، فهل يتم ذلك ضمن سلطة مقيدة للمركز، فيكون قرارهـا عقب تحقيق يلي احترام الحق في الدفاع والمواجهة؟ أي مدى وجود مخاطر بشأن مشروعية مـا عليه نصوص لائحتى مركز القاهرة ومركز قطر بشأن سلطة الرفض؟

  ويتناول هذا البحث مدى وجود مخاطر عدم مشروعية في شأن نصوص سلطة الرفض على ما هي عليه في لائحتي مركز القاهرة ومركز قطر". وما إذا كانت اللائحتان تستحقان التطوير في ما يتعلق بسلطة الرفض، لتحقيق الهدف الذي تستهدفه هذه السلطة، وبما يحقـق تفـادي أي مخاطر لعدم المشروعية، وبما يواكب – في ذات الوقت – أحدث الاتجاهات من هذه السلطة.

وبصفة خاصة، يتساءل الباحث عما إذا كانت الدقة تقتضي صياغة نصوص لائحة التحكـيم بتخفيف سلطة اختيار الأطراف من تعيين "appointment“ إلى تسمية "nomination“؛ ومـا إذا كان من الأفضل، تطوير النظام الإجرائي لسلطة الرفض، بشكل يقترب بها من نظام الرد.

   وفي رأي الباحث، فإن هناك تطبيقات فضلي تستحق أن تؤخذ في الاعتبار، وبخاصـة مـا تبناه مرکز كوالالمبور الإقليمي للتحكيم، في لائحته للتحكيم للعام 2013 - من حلول حـول ذات المسألة -؛ مع إمكانية النقل عن النموذج الماليزي مع بعض التعديل.

   وجدير بالتنويه، أن الباحث يناقش هنا فقط سلطة مركز التحكيم في رفض تعيين المحكـم عقب تعيينه من قبل أطراف التحكيم (مباشرة أو بشكل غير مباشر). فالباحث لا يناقش سـلطات شبيهة أخرى للمركز، ومن ذلك سلطة المركز في رفض المضي في إدارة تحكيم لا يختص بـه (المادة 6 لائحة تحكيم مركز القاهرة)؛ وكذلك حالة إلغاء تعيين محكم في تحكيم متعدد الأطراف بمناسبة إعادة تشكيل الهيئة للتغلب على صعوبات التعيين (المادة 3/10 من لائحة تحكيم مركـز القاهرة)، وكذلك حالة حرمان أحد الأطراف من تعيين محكم بديل، وذلك في حال هيئة التحكـيم غير المكتملة التي شارفت على الانتهاء من مهمتها (المادة 2/14 مـن لائحـة تحكـيم مركـز القاهرة). وإن كان لكل من تلك الموضوعات أهميتها، والتي تستحق الدراسة، وإليها ينوه الباحث لكي يضعها غيره من الباحثين نصب أعينهم.

   وفي رأي الباحث، فإن سلطة رفض التعيين – هي في حقيقتها – عزل لمحكم؛ يرتـد فـي أساسه إلى الاتفاق غير المباشر للأطراف، عند قبولهم الخضوع للائحة مركز تحكيم تنص علـى سلطة رفض تعيين المحكم. وتلك السلطة – سلطة الرفض – تختلف لو كان دور الأطراف في اختيار محكمهم، مجرد تسمية المحكم (أي اقتراح اسمه)، انتظارا لتعيينه من قبل مركز التحكـيم (كما يحدث في تحكيم غرفة التجارة الدولية). فلو كان دور الأطراف مجرد التسمية (الاقتـراح)، وللمركز أن يعين من يستوفي من المقترحين للضوابط، ويرفض ما دون ذلك، لما كنـا بـصدد سلطة تقترب من الرد، ولكن مجرد سلطة عدم موافقة على التعيين. فالمحكم لم يعين ثـم تـدخل المركز فعزله. ولهذا التكييف أهميته، حيث ينبغي في سلطة الرفض إذا كانت عزلاً أن تخـضع لقيوده الآمرة الواردة في قانون مكان إجراء التحكيم؛ فضلاً عن وجوب ألا تتحول سلطة الرفض إلى صورة مشوهة من الرد بافتقاد ضماناته، والتي ترد أيضا بقيود آمرة في دولة مكان إجـراء التحكيم.

   ويتبنى الباحث منهجا تحليليا، معززا بالمنهج المقارن، سواء في استقراء مخـاطر سـلطة الرفض على ما هي عليه في لائحتي مركز القاهرة وقطر بعد قيام الأطراف بتعيين محكمهم، أو قيام المحكمين بتعيين رئيس هيئة التحكيم؛ أو سواء من حيث الدفاع عما يقترحه من تعديلات في لائحتي مركز القاهرة وقطر.

   وبذلك، ينقسم هذا البحث إلى محورين يخصص الباحث أولهما لاستقراء مخاطر ممارسـة سلطة رفض المركز لتعيين المحكم (المبحث الأول)؛ يليه استعراض مقترح إعادة تنظيم الرفض بعد تخفيض سلطة الأطراف إلى مجرد تسمية المحكم (المبحث الثاني).

المبحث الأول

مخاطر الرفض بعد تعيين

   تقوم المخاطر المترتبة على تفعيل نصوص سلطة الرفض، وبخاصة سلطة الرفض المطلقة (أي التي لا يلتزم فيها المركز بتسبيب قراره)، كلما خضع التحكيم لقانون دولة تحد مـن مبـدأ سلطان الإرادة الإجرائي، وبالذات في شأن مدى حرية الأطراف في تنظيم رد المحكم وعزلـه. وبذلك يتطلب تناول استقراء مخاطر الرفض – بعد التعيين التمهيد باستعراض العلاقة بين ܘܝܒܐ سلطان الإرادة الإجرائي والنظام القانوني للرد، وذلك قبل تحليـل موقـف المـشرع القطـري والمصري من مبدأ سلطان الإرادة الإجرائي، ودوره في تنظيم الرد والعزل.

أولاً- أهمية موقف النظام القانوني من نظام رد المحكم:

   يتطلب التعرف إلى الاختلاف حول مدى سلطان الإرادة في مجال التحكيم، البدء بالتعرف إلى مفهوم مبسط لمبدأ سلطان الإرادة الإجرائي، ثم اتجاهات تنظيم الرد والعزل بين التقييد والحرية.

(1) مبدأ سلطان الإرادة الإجرائي:

   تجمع الأنظمة القانونية المعاصرة – بين عائلاتها المختلفة – حول مشروعية الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم، سواء في المنازعات المدنية أو التجارية. ويعود ذلك إلى متغير اجتماعي واقتصادي، ألا وهو انتشار أفكار اقتصاديات السوق الحرة، والتي تقوم على المبدأ الاقتصادي، دعه يعمل دعه يمر: « laissez faire laissez passez »، حيث تتحدد أسعار السلع والخدمات باللقاء الحر بين العرض والطلب، والذي تطلب من القانون إعلاء مبدأ سلطان الإرادة. فكانت حرية اللجوء الى التحكيم، بديلا من الوسائل التقليدية لفض المنازعات – وعلى رأسها القضاء ما هو إلا انعكاس لمبدأ سلطان الإرادة، والذي يفعله في مجال القانون، مبدأ السوق الحرة على أن الأنظمة القانونية المعاصرة لم تتخل بالمطلق عن سيادتها، فهي تحد من مدى ذلك الـسلطان؛ وهي هنا تختلف من الواحدة إلى الأخرى؛ وذلك بما تضعه من قيود بموجب قواعد تتعلق بالنظام العام (الداخلي والدولي) ، ومن أمثلة ذلك ما ورد بشأن نظام رد المحكم؛ حيث تنقسم الأنظمـة القانونية المعاصرة بين أنظمة متحررة وأخرى محافظة، وهو ما يؤدي إلى وجود نظامين لـردّ المحكم.

(2) نظام رد المحكم بين التنظيم الحر والآخر المقيد:

    صحيح أن الأنظمة القانونية المعاصرة قد أجمعت على نظام الرد، لرقابة نزاهة المحكم؛ إلا أنها اختلفت حول مدى جواز اتفاق الأطراف على تنظيم الرد، وبصفة خاصة ما إذا كان ذلك من الاختصاص القاصر للقضاء، فلا يجوز تركه لهيئة التحكيم، أو تركه لآلية إدارية أخرى ليـست ذات طبيعة قضائية (آلية الرد ذات الطبيعة الإدارية في مركز التحكيم).

   وتكاد الأنظمة القانونية المعاصرة تجمع على التخفف من ارتباط التحكيم بالنظـام القـانـوني الإجرائي في دولة إجرائه، فهي تسمح للأطراف بأن يضعوا لأنفسهم نظامهم الإجرائي (وذلك في التحكيم الحر)، أو تبني نظاما إجرائيا سابق الإعداد (وذلك في التحكيم المؤسسي) .

   وحينما يصنف النظام القانوني في دولة إجراء التحكيم – أو في الدولة التي يخضع التحكـيم لنظامها الإجرائي – بالاتجاه المحافظ تجاه الرد؛ فإن تفعيل سلطة رفض المركز لتعيين المحكم حينما يكون الطرف المعني أو من يحل محله قد قام بالتعيين -؛ فـإن مخـاطر الحكـم بعـدم مشروعية ذلك الرفض تزداد، وهي مخاطر لا يستهان بها، وستؤدي عملاً إلى أن يصبح نـص لائحة التحكيم على سلطة الرفض نصا ميتا، يخشى مركز التحكيم من تفعيله، خوفا من بطـلان إجراءات التحكيم.

ثانيا- موقف قطر ومصر من التنظيم الآمر لنظام الرد والعزل:

   يتأثر حساب مخاطر عدم مشروعية تفعيل سلطة المركز في رفض التعيين، بحسب النظـام القانوني الوطني الإجرائي الذي تخضع له إجراءات التحكيم. وهو ما يتباين فيه الموقف القطري عن المصري.

(1) موقف قانون التحكيم القطري من نظام رد المحكم وعزله:

   تتمتع دولة قطر بقانون حديث للتحكيم، وهو قانون التحكيم في المواد المدنيـة والتجاريـة، والصادر بموجب القانون رقم 2 لسنة 2017 (لاحقا قانون التحكيم القطري). إنـه القـانـون الذي نقل معظم أحكامه عن قانون اليونسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، حيث تـأثر بأحكامه المتعلقة باتساع سلطان الأطراف الإجرائي، وبخاصة في مجال تنظيم النظـام القـانوني للرد. فقد نص هذا القانون على سلطة الأطراف في الاتفاق على إجـراءات رد المحكـم، بـل واختصاص هيئة التحكيم ذاتها بذلك في غياب الاتفاق (المادة 1/13). فضلاً عن جواز منح سلطة - التي اتفق عليها الأطراف، سلطة عزل المحكم المخل بالتزاماته في القيام بمهمته (أطلق التعيين عليها النص لفظ: "إنهاء").

حيث تنص المادة 1/13 من قانون التحكيم القطري على أنه:

"يجوز للأطراف الاتفاق على إجراءات رد المحكم، فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق، يقدم طلب رد المحكم، كتابة إلى هيئة التحكيم مبيناً فيه أسباب الرد، وذلك خلال خمسة عشر يوما من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد؛ فإذا لم يتـنـح المحكـم المطلوب رده، أو لم يوافق الطرف الآخر على طلب الرد، يحال طلب الرد إلـى الـسلطة الأخرى أو للمحكمة المختصة، بحسب الأحوال، ويكون القرار الصادر منها غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن وتوقف هيئة التحكيم إجراءات التحكيم لحين الفصل فـي طلب الرد".

كما تنص المادة 1/14 من قانون التحكيم القطري على أنه:

"إذا تعذر على المحكم أداء مهمته أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها بما يؤدي إلى تـأخير غير مبرر في إجراءات التحكيم، ولم يتنح من تلقاء نفسه، ولم يتفق الطرفان علـى عزلـه جاز للسلطة الأخرى أو المحكمة المختصة، بحسب الأحوال، الأمر بإنهاء مهمته بناء علـى طلب أي من الأطراف، ويكون قرارها في هذا الشأن نهائيا غير قابل للطعـن عليـه بـأي طريق من طرق الطعن" .

   وبالتالي؛ فإن أسهم مشروعية سلطة الرفض التي قد يمارسها مركز قطر، مرتفعة في ظ قانون التحكيم القطري، على أن ذلك لا يقلل من الحاجة إلى تطوير نصتها، على الأقل لأسـباب أربعة تتمثل في الآتي:

   أولا، أن سلطة رفض التعيين تتخذ بقرار لا يلزمه التسبيب، والحال أن نص اللائحة يحتفظ للجهة المختصة باتخاذ قرار الرفض بسلطة تقديرية (بعكس الحال في نموذج مركز القاهرة).

   ثانيا، الجهة التي تتخذ قرار الرفض، هي جهة دائمة (اللجنة)، وقد تتضمن أطرافا في حـال تنازع في المصالح مع أصحاب المصلحة في التحكيم.

   ثالثا، قرار الرفض لا يتخذ عقب إجراءات تحقيق تضمن فيها حقوق الدفاع ومبدأ المواجهة (بعكس نموذج مركز القاهرة).

   رابعا، التجافي مع أصول الصياغة، فبعد أن نصت اللائحة علـى أن الأطـراف يعينـون احتفظت لنفسها بعد ذلك بإمكانية الاعتراض على ذلك التعيين، وبالتالي إلغائه. علمـا أن لـوائح التحكيم – الأخرى والتي تمنح مركز التحكيم مثل تلك السلطة، تتحدث عن سلطة الأطراف في التسمية، وليس التعيين. فإذا كان تعيين المحكم رهين بقرار المركز، فإنـه كـان مـن أصـول الصياغة، ألا نتحدث عن أن الأطراف يعينون، بل يستون. وعلى كل حال، الصيغة المنتقدة فـ لائحة مركز قطر، متكررة أيضا في لائحة مركز القاهرة. فكلاهما يتحدث عـن أن الأطـراف يعينون.

   خامسا، ولئن تميز المشرع القطري بأنه صرح بجواز منح سلطة عـزل المحكـم للـسلطة الأخرى (أي مركز التحكيم)؛ إلا أن العزل مشترط بأن يتم بموجب طلب من صاحب المصلحة، وحيث إن القرار غير قابل الطعن عليه، فإنه يستلزم استيفاء الضمانات الأساسية في التقاضي من حق دفاع ومبدأ مواجهة، وهو ما لا يستقيم مع منح مركز التحكيم سلطة مطلقة (غير مستبة) في شأن رفض تعيين المحكم.

(2) موقف قانون التحكيم المصري من العزل، والرد عقب تعديلات عام 2000:

   وعلى عكس موقف المشرع القطري – الحالي – من إعلاء مبدأ سـلطان إرادة الأطـراف الإجرائي في مجال رد المحكم؛ فإن النظام القانوني – الحالي – للتحكيم في مصر، يخـيـم عليـه اتجاه محافظ في هذا الشأن. فعقب صدور حكم المحكمـة الدستورية العليـا المـصرية، فـي 211999/11/6، والذي حكم بعدم دستورية نص المادة 19 (والمتأثرة بالمادة 2/13 من قـانون اليونسترال النموذجي) ، والتي كانت تمنح هيئة التحكيم الاختصاص بنظر منازعة الرد؛ وهو ما ترتب عليه تعديل قانون التحكيم المصري في المواد المدنية والتجارية، والصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، وذلك بموجب القانون رقم 8 لسنة 242000، والذي عدل النص في شأن الجهـة المختصة بالفصل في منازعة الرد لتصبح القضاء .

 حيث أصبحت المادة 1/19 من قانون التحكيم المصري – بعد تعديلها عام 2000 – تـنـص على أنه:

   "يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبينا فيه أسباب الرد خلال خمسة عشر يومـا مـن تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد فإذا لم يتـنـح المحكـم المطلوب رده خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الطلب، يحـال بغيـر رسـوم إلـى المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون للفصل فيه بحكم غير قابل للطعن".

  علماً أن المادة 20 من قانون التحكيم المصري، تنص في شأن عزل المحكم بأنه:

"إذا تعذر على المحكم أداء مهمته أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها بما يؤدي إلى تأخير لا مبرر له في إجراءات التحكيم ولم يتنځ ولم يتفق الطرفان على عزله جاز للمحكمة المـشـار إليها في المادة (9) من هذا القانون الأمر بإنهاء مهمته بناءً على طلب أي من الطرفين" .

   وبذلك؛ فإن فرص إعلان عدم مشروعية نص لائحة مركز القاهرة في شأن سلطة الرفض، هي أكبر منها في مصر عنها في قطر؛ وهي مبرر أقوى لتحديث نصوص لائحة مركز القاهرة فى شأن سلطة الرفض، فضلاً عن الأسباب الآتية:

   أولا، عدم وضوح الجهة التي تتخذ قرار الرفض (فهو مدير المركز بعد استشارة اللجنـة الاستشارية). وقد يكون من الأفضل تطوير ذلك، بجعل السلطة في يد اللجنة الخاصة الثلاثيـة، نقلاً عن لائحة مركز القاهرة، في ما يتعلق بنقلها سلطة الرد من يد المدير إلى تلك اللجنة.

   ثانيا، مقتضيات أصول الصياغة تقتضي تطوير النص، لأجل تفادي اسـتخدام مصطلحين متناقضين: مصطلح "التعيين"؛ ثم النص على إلغاء التعيين، بموجب "رفض". فلا رفض لتعيـين، وإن جاز أن يكون هناك رد، وللرد نظامه وضوابطه. لذا، الاحتفاظ بسلطة الرفض، يقتضي أن نحتفظ بسلطة الأفراد من "التعيين"، إلى مجرد "التسمية"، وبالتالي يجـوز للمركـز أن يـرفض التسمية، والحال أنه هو الذي يعين.

   وحيث إن لسلطة الرفض مميزات عملية لا يمكن إنكارها، فهي، كما سـبق ذكـره، وليـدة الحاجة إلى مبدأ فعالية إدارة التحكيم؛ فإن على مراكز التحكيم التي تتبنى سلطة الرفض – ووفقاً لرأي الباحث – أن تتبنى تنظيما لائحيا حصيفا لهذه السلطة، يضمن لها عدم التعرض لمخـاطر الحكم بعدم مشروعيتها عند تفعيلها، ولا تتحول إلى نصوص ميتة، يخشى القائمون على مراكـز التحكيم تفعيلها مخافة هذه المخاطر. وهو الأمر الذي تنبهت إليه مراكز تحكيم أخرى، وهو مـا يخصص له الباحث القسم الثاني من بحثه.

المبحث الثاني

مميزات الرفض بعد تسمية

   يعد الانخفاض بمستوى سلطة الأطراف من سلطة تعيين إلى سلطة تسمية أهم الأدوات التي تلجأ إليها مراكز التحكيم المعاصرة، والتي ترغب في تعزيز دورها في الإدارة الفعالة للتحكيمات الخاضعة لها. ويتطلب التعرف إلى مميزات هذا الأسلوب، التمهيد له بالتعرف إلى التحليل الدقيق للعلاقة بين أطراف التحكيم المؤسسي من أطراف ومحكمين ومراكز تحكيم، وذلك قبل استعراض كيفية تفادي مخاطر عدم مشروعية تفعيل سلطة الرفض من خلال تخفيض سلطة الأطراف مـن تعيين إلى سلطة تسمية.

أولا- تحليل العلاقة بين مركز التحكيم وأطراف عملية التعيين:

   يقوم التحكيم على اتفاق الأطراف، وهو ما يمتد إلى طبيعة العلاقة بين الأطراف ومؤسـسة التحكيم التي يرغبون في منحها سلطة إدارة التحكيم أو تعيين المحكم، وكذلك علاقتهم بمحكميهم، وفي هذا تفصيل.

(1) العلاقة بين مركز التحكيم والطرف المعين:

    تستند العلاقة بين مركز التحكيم وأطراف التحكيم إلى اتفاقهم في اللجوء إليه، فهي علاقـة عقدية، مصدرها عقد بين الأطراف والمركز. فكأن المركز يعرض خدماته بموجـب إيجـاب موجه إلى الجمهور، مصدره إرادته المنفردة؛ فإذا ما اتفق أطراف التحكيم على اختيار مركز ما لإدارة تحكيمهم، بما في ذلك منحه سلطة التعيين؛ فإنهم يكونون قد قبلوا الإيجاب، وبذلك ينعقـد عقد التحكيم المؤسسي بين المركز والأطراف، مضمونه لائحة تحكيم المركز .

    وبالتالي، حينما يطبق مركز التحكيم لائحة التحكيم على الأطراف؛ فإنه يطبق علـيهم،  ،ما ارتضوه بلجوئهم إليه. وبالتالي؛ فإن مصدر الزام قرارات مركز التحكـيم، هـو عقـد التحكـيم المؤسسي. فإذا اتفق الأطراف على إجراء معين، فإن مصدره إرادتهم؛ وإذا صدر قـرار عـن مركز التحكيم، فهو أيضا، يعبر عن إرادتهم، وليس إرادة مستقلة للمركز. فالمركز نائب عنهم في حسن إدارة التحكيم .

(2) العلاقة بين مركز التحكيم والمحكم المعين:

العلاقة بين المحكم المعين ومن عينه تستند أيضا إلى عقد، وهو عقد مهمة التحكـيم، وهـو ينعقد ليس فقط بين المحكم ومن عينه، ولكن بينه وبين مجموع أطراف التحكيم31. فعندما يقـوم طرف بتعيين محكم، فإنه يقوم بذلك بالأصالة عن نفسه، وبالنيابة عن خصمه. وهذا ما يفـسر أن من يعيّن محكما، لا يملك عزله دون موافقة بقية الأطراف.

   والجدير بالتنويه، أن قرار الطرف تعيين محكما ما، لا يؤدي إلى نشأة عقد مهمـة تحكـيم؛ حيث يلزم موافقة المحكم؛ والحال أن التعيين ليس تصرفاً من الإرادة المنفردة، ولكن عنصراً من تصرفات تبادلية بين الطرف (المعين) والمحكم (المعين). لذا؛ فإنه إذا قبل المحكم التعيين، التزم به، فإذا استقال في وقت غير مناسب، جاز إثارة مسؤوليته العقدية في مواجهـة كـل أطـراف التحكيم، وليس فقط الطرف الذي عينه، بل يجوز للطرف المتضرر من تراخ أو تعمـد المحكـم لعرقلة التحكيم، أن يثير مسؤوليته المدنية (عقدية كانت أو تقصيرية)، ولو لم يكن هو من عينـه وإن تشددت بعض التشريعات في مساءلة مثل هذا المحكم فتطلبت لذلك الغش أو الخطأ الجسيم .

   وحيث إن قبول المحكم مهمة التحكيم ينعقد به عقد مهمته، إلا أن هـذا العقـد - فـي رأي الباحث – معلق على شرط فاسخ ضمني، ألا وهو نزاهة المحكم، وهو ما يمسه وجود ظـروف معقولة تضفي الشك حول حيدته أو استقلاله.

   ولخطورة عزل المحكم لعدم حيدته أو استقلاله، فقد استقرت الأنظمة القانونية الحديثة علـى منع العزل المنفرد لهذا السبب، وتطلبت التحقيق فيه، في ظـل احـتـرام مـبـدئـي حـق الـدفاع والمواجهة، وإن اختلفت الأنظمة – بعد ذلك – بعد ذلك – في من يدير هذه الخصومة، وبخاصة ما إذا كان من سيقوم بهذه المهمة القضاء وحده؛ أم القضاء وهيئة التحكيم ذاتها. على أن – هذه الأنظمة- قد اجتمعت على أن الاعتراض يكون وفقا لخصومة إجرائية، تحقق فيها أسباب العزل، ويصدر فيها قرار مسبب، وليس تحكيمياً، مع منح المحكم الذي يتم رده بالطبع، الحق في الاستقالة، وقبل ذلك الدفاع عن نفسه.

   ولا يخل بعقد مهمة التحكيم أن يكون التحكيم مؤسسيا. فإذا تدخل المركز في التعيين فإنـه يتدخل فيه نائبا عن مجموع أطراف التحكيم، فالعلاقة تبقى عقدية: أطرافها هم المحكم المعين، من جهة، وأطراف التحكيم، من جهة أخرى.

   وبالتالي، فإن مركز التحكيم عندما يتدخل برقابة رفض التعيين؛ فإنه يقوم بذلك نيابـة عـن الأطراف. على أن رفض التعيين، ليس هو رد المحكم. فمن يقوم بـه لـيس أي مـن أطـراف التحكيم.

   وتختلف مراكز التحكيم التي احتفظت لنفسها بسلطة الاعتراض، في تحديد أسبابه، وفـي المجمل زادت على ما هي عليه في الرد، إلى رفض تعيين المحكم الذي سبق لـه ولــم يحـتـرم واجباته بالتطبيق للائحة المركز، وهو ما يجوز أن يتحقق دون أن يصاحبه سبب للـرد. كـذلك بعضها قارب بين إجراءات رفض التعيين، وإجراءات الرد، مثل مركز القاهرة؛ ومنها ما مـنح للمركز سلطة تقديرية، تتخفف من قيود نظام الرد، كما فعل مركز قطر.

ثانيا- تفادي المخاطر –تخفيض سلطة الأطراف في اختيار الأطراف في اختيار المحكم:

   تختلف مدى سلطة التعيين التي يتركها الأطراف لمنظمات التحكيم الدائمة عند اللجوء إلـى التحكيم المؤسسي. ويلاحظ أنه كلما انخفض دور الأطراف في التعيين بالمقارنة بـدورهم لـدى منظمة التحكيم الدائمة، انخفضت مخاطر الإدعاء بعدم مشروعية قيام تلك المنظمة برفض تعيين المحكم.

(1) الأساليب المختلفة في اختيار المحكم من قبل الأطراف ومحكميهم:

    تختلف لوائح مراكز التحكيم من حيث مدى ما تمنحه الأطراف مـن سـلطة فـي اختيـار محكميهم، وذلك بين مراكز تمنع ذلك، وأخرى تلزمهم بالاختيار من قائمة، ومنها من لا يلـزمهم بقائمة، ولكنه يستبقي التعيين لمنظمة التحكيم الدائمة مع منح الأطراف سلطة الاقتراح (وهذا هـو المقصود عند ذكر أن الأطراف يسمون محكميهم nominate their arbitrators).

   ولقد اتجهت بعض مراكز التحكيم إلى منح الأطراف حرية تعيين محكمـيهم؛ ولمحكمـيهم سلطة تعيين رئيس هيئة التحكيم – عند تعدد أعضائها. ولكن الممارسة بينت أن بعض المحكمين لا يحترمون واجباتهم في القيام بمهامهم بالهمة والحرص المطلوبين، سواء عن سوء نية أو سوء تدبر. وهو ما يؤدي إلى تعطل الفصل في التحكيم، بما ينعكس سلبا على سمعة مركز التحكـيم. وفي إطار اعتناء مراكز التحكيم بالاهتمام بمبدأ فعالية إدارة التحكيم، فقد استحدثت تلك المراكـز إجراءات وقائية أهمها سلطة رفض المحكم الذي يختاره الأطراف، أو محكميهم (حال الـرئيس)، أو سلطة التعيين الأخرى، وذلك لأسباب مادية أو قانونية أو مخالفات لواجبات المحكم سابقا، ومن أمثلة تلك المراكز، كما سبق ورأينا مركزا القاهرة وقطر.

   على الرغم من تمتع قواعد تحكيم اليونسترال بنجاح منقطع النظير منذ وضعها عام 1976؛ وعقب تعديلها، وبخاصة عام 2010، والذي أدى إلى تعديل لوائح تحكيم المراكز الت عنها، كما هو حال مركز القاهرة عام 2011، ومركز قطر عام 2012؛ إلا أن هذه القواعد لـم تنص على سلطة الرفض. وهذا أمر ليس بمستغرب، فتلك القواعد قد وضعت أصلاً للتحكيم الحر - وليس المؤسسي – والذي يتمتع فيه الأطراف بسلطة التعيين، ما لم يختـاروا سـلطة تعيـين أخرى؛ أي أن الأصل فيه عدم وجود سلطة أخرى غير الأطراف، لمنحها سلطة الرفض.

   ولذلك فقد كان على مراكز التحكيم – التي تبنت قواعد تحكيم اليونسترال – والتي ترغـب في منح نفسها سلطة رقابية على اختيار المحكم – بخلاف الرد – أن تستحدث بنفسها نص سلطة الرفض. وهو ما أدى إلى اختلاف بين مركز وآخر، باختلاف الصياغة، والضوابط. وفـي هـذا المسار يندرج موقف مركزي القاهرة وقطر.

   إذا ما تم الاتفاق على اللجوء إلى تحكيم مؤسسي – أي تديره منظمة تحكيم دائمـة كمركـز قطر أو مركز القاهرة أو المحكمة الدولية للتحكيم لغرفة التجارة الدوليـة – فـإن سـلطة اختيـار الأطراف لمحكميهم تتنوع بين مستويين. فقد تنص لائحة تحكيم المركز على سلطة الأطراف فـي التعيين، وهو ما يعني الإيجاب الذي يجد مصدره في الالتزام بالإرادة المنفردة، وهـذا هـو حـال لائحتي تحكيم مركزي قطر والقاهرة؛ أو تتخفف اللائحة من سلطة الأطراف في الاختيار، وتجعلها مجرد الاقتراح، الذي ينتظر تأكيدا لاحقا يصدر عن مركز التحكيم، وذلك هو موقف لائحة تحكـيم غرفة التجارة الدولية، حيث يقوم الأطراف بتسمية "nomination“، وليس تعيين المحكم، حيـث إن التعيين ينعقد فقط للمحكمة الدولية للتحكيم" بغرفة التجارة الدولية، وذلك بموجب تصديق علـى التسمية "confirmation“، أو عند عدم وجود تسمية، بالتعيين ”appointment“.

   فكأن كل طرف عندما يختار محكمه بالتطبيق للائحة تحكيم غرفة التجارة الدولية -؛ فإنه في حقيقة الأمر – يرشحه لمحكمة التحكيم الدولية للبحث في ملف تعيينه من قبل تلك المحكمة، والتي تنفرد وحدها – بذلك – بالتعيين؛ وبصفة خاصة قرارها ليس كاشفاً لتعيــن صـدر عـن الأطراف، ولكن منشأ لتعيين تقوم به بنفسها. هذا ما أراده الأطراف، عندما اتفقوا على اللجـوء إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية، فقد نزلوا بسلطتهم من سلطة تعيين، إلى سلطة تـسمية. ولهـذا أهمية إجرائية، فإذا اعترضت المحكمة الدولية للتحكيم بغرفة التجارة الدولية على ترشيح محكم؛ فإنه لا مشكلة في ذلك والحال إن الأطراف لا يعينون، فالمعين هو المحكمة الدولية للتحكيم.

   وبذلك يتميز رفض التسمية بأنه ليس بعزل، فلا عزل لمن لم يعين بعد، لكن يجوز رفـض تعيين من تم ترشيحه. لذا تقع لائحتا مركزي القاهرة وقطر في مشكلة دقة صياغة، وذلك عندما تتحدثان عن رفض محكم قد تم تعيينه، ففي الحقيقة هذا عزل له. فإذا ما تـم هـذا العـزل دون تحقيق، وليس عن سلطة مستقلة، وبخاصة دون أسباب معقولة، عد ردا بدون سبب قانوني، يبطل تشكيل هيئة التحكيم بعد ذلك، بما يترتب على ذلك من أضرار، توجب المساءلة المدنية لمركـز التحكيم. –

(2) مقترحات التعديل:

   تتنوع مقترحات تفادي مخاطر عدم مشروعية سلطة رفض التعيين بين إلغاء تلك السلطة؛ أو اقتراح تعديل لائحة التحكيم مع الإبقاء عليها، ويفضل الباحث الحل الثاني، والذي يقوم لديه على أمرين: أولاً- تخفيض سلطة الأطراف في اختيار محكميهم؛ وثانيا، تعزيـز النظـام الإجرائـي لرفض التسمية بأساسيات التقاضي.

أ- تخفيض سلطة الأطراف في اختيار محكميهم (الانتقال من التعيين إلى التسمية):

   يقترح الباحث تعديل لوائح تحكيم مركزي قطر والقاهرة، بما من شأنه الانخفاض بمـستوى سلطة الأطراف في اختيار محكميهم، من سلطة تعيين إلى سلطة تسمية. ولا شك فـي صـعوبة تنفيذ المقترح بموجب إعادة صياغة كل المواد المتعلقة باختيار الأطراف للمحكمين، بالنص على أن الأطراف يسمون ولا يعينون، واستبقاء هذا المصطلح لسلطة المركز عنـد اختيـار المحكـم منفردا، قياسا على لائحة تحكيم غرفة التجارة الدولية. فالباحث يفضل أسلوبا مختلفا، يرصده في لائحة تحكيم عام 362017 (نقلاً عن اللائحة السابقة عليها لعـام 2013) لمركـز كوالالمبـور الإقليمـي للتحكيم The Kuala Lumpur Regional Centre for Arbitration“ "(KLRCA) (لاحقاً: مركز كوالالمبور .

   فالملاحظ أن لائحة تحكيم مركز كوالالمبور لعام 2017 تشير إلى أن الأطراف (ومحكميهم، أو أي سلطة تعيين أخرى يختارونها) عند اختيارهم للمحكم؛ فإنهم يقومـون بتعيينـه. إلا هـذه اللائحة جاءت – بعد ذلك – وتبنت قاعدة عامة، يمكن وصفها بأنها "بنـد تغطيـة umbrella "clause، يشير إلى أن سلطة الأطراف، ومحكميهم، وأي سلطة أخرى غير مركز كوالالمبـور يختارها الأطراف للتعيين، تعتبر عند الاتفاق على اللجوء إلى مركز كوالالمبور بمثابة اتفاق على النزول بسلطة التعيين إلى مجرد التسمية؛ وإن هذه التسمية تخـضـع لتـصديق مـدير مركـز كوالالمبور، يمارسها بموجب سلطة تقديرية، أي دون إلزام بتسبيب، أو سبق الاستماع لأقوال أحد (سواء من تم تعيينه، أو ممن عينه). ونستند في شأن هذا التفسير إلى النص الإنجليـزي لمركـز كوالالمبور، لعدم دقة نسخته العربية.

حيث تنص المادة 7/4 من لائحة مركز كوالالمبور لعام 2017 على أن:

"   Where the parties have agreed that any arbitrator is to be appointed by one or more parties, or by any authority agreed by the parties, including where the arbitrators have already been appointed, that agreement shall be treated as an agreement to nominate an arbitrator under these Rules and be subject to appointment by the Director of the KLRCA in his discretion".

وتتمثل الترجمة الدقيقة لهذا النص في الآتي :

" حيثما يتفق الطرفان على أن أي محكم سيعينه طرف واحد أو أكثر، أو مـن قبـل سـلطة التعيين المتفق عليها من قبل الأطراف، بما في ذلك المحكمين الذين تم تعيينهم بالفعل، يجب اعتبار هذا الاتفاق بمثابة اتفاق على تسمية المحكم بموجب هذه القواعد، وأنـه سيخضع للسلطة التقديرية لمدير مركز كوالالمبور الإقليمي للتحكيم KLRCA في شأن التعيين".

   والجدير بالذكر أن لائحة مركز كوالالمبور للتحكيم لعام 2017 لم تنص على سلطة رفـض لمركز التحكيم، ولكنها تتضمن هذه السلطة حينما نصت علـى أن التسمية ستخـضع للسلطة التقديرية لمدير المركز.

   ويتميز النموذج الماليزي بأنه يتفادى مخاطر عدم مشروعية رفض تعيين محكم مـن قبـل مركز التحكيم، كذلك يتغلب على مشكلة اتفاق الأطراف على اللجوء إلى مركـز التحكـيـم مـع حرمانه سلطة التحكيم ومنحه لسلطة أخرى. على أنه يعيبه أنه مبني على سلطة تحكمية، عنـدما ترك تأكيد التعيين للسلطة المطلقة لفرد واحد، ثابت، هو مدير المركز.

 ب- تطوير النظام الإجرائي لممارسة سلطة الرفض (الرفض من خلال أساسيات التقاضي):

    في رأي الباحث، ينبغي أن تحرص منظمة التحكيم ليس فقط على مبـدأ نزاهـة التحكـيم وفعالية إدارته، بل أيضا شفافية هذا التحكيم، وهو ما لا يستقيم معه نص لائحة التحكـيم علـى سلطة مطلقة للمركز في رفض التسمية، وفقا لإجراءات لا تتمتع بالحد الأدنـى مـن أساسـيات التقاضي. فصحيح أن قرار رفض التسمية، ليس بقرار قضائي يتمتع بحجة الشيء المقـضي؛ إلا أنه خطير في تداعياته، وبالتالي يتطلب مبدأ شفافية التحكيم مجتمعا مع مبدأ نزاهته، وهـو مـا يتحقق بأن يصدر قرار الرفض عقب حد أدنى من أساسيات التقاضي، والتي يراها الباحث فـي الأمور الثلاثة الآتية:

   أولاً، لا قرار رفض إلا بناء على أسباب، مع التركيز على أسباب فعالية التحكيم، والابتعاد عن أسباب نزاهة التحكيم، فلذلك نظام آخر يراقب تحققه ألا وهو نظام رد المحكم. وبالتـالي لا يوافق الباحث على السلطة التقديرية في لائحة تحكيم مركز قطر، ولا كوالالمبور، ويستحسنها في لائحة مركز القاهرة.

   ثانيا، يفضل الباحث أن تختص بإصدار قرار الرفض لجنة خاصة ذات تكوين متعدد (ثلاثي مثلاً)، تشكل خصيصا لبت الرفض، وتشكل من أعضاء لا يتداخلون مع الدعوى التحكيمية فـي اشتباك تنازع مصالح. وبالتالي لا يوافق الباحث على آلية صدور القرار عن مدير المركز، وإن تم باستشارة لجنة دائمة، كما هو حال مركزي قطر والقاهرة.

   ثالثا، أن يصدر قرار الرفض بعد الاستماع لكل أطراف النزاع بما في ذلك المحكـم، فـي إطار من ضمانات حق الدفاع وحق المواجهة، وهو ما يرد في نص رفض التعيين فـي لائحـة مركز القاهرة.

الخاتمة:

   ولئن تمتع مركز قطر بقواعد توفيق وتحكيم - تم تحديثها عام 2012 – لمواكبـة قواعـد تحكيم اليونسترال لعام 2010؛ إلا أن ذلك لا يمنع من المناداة بالمزيد من التطوير، فهذا هو حال أهم مراكز التحكيم العالمية. ويرجو الباحث أن تكون النصوص التي نظمت سلطة المركـز فـي رفض تعيين المحكم، ضمن النصوص المطورة، إنها ذات النصيحة التي يوجهها الباحث أيـضاً إلى القائمين على مركز القاهرة الإقليمي.

    ففي ضوء نتائج البحث الماثل، فإن نصوص سلطة رفض التعيين والواردة في لوائح تحكيم كل من مركزي قطر والقاهرة، تعاني شبهة عدم مشروعية، لمخالفتها الضمانات القانونية للـرد. وهي شبهة تشتد مخاطرها في جمهورية مصر العربية، حيث غلبة الطابع الأمر لنصوص الرد، بخلاف ما عليه الوضع في دولة قطر، عقب صدور قانونها للتحكيم للعام 2017.

   وبذلك يقترح الباحث على القائمين على كل من مركزي قطر والقاهرة، انتهاز فرصـة أي تعديل مستقبلي باستحداث بند عام في لائحة التحكيم يخفض من سلطة الأطـراف فـي اختيـار محكميهم من تعيين "appointment“، إلى سلطة "تسمية" "nomination“. وبصفة خاصـة يسترشد الباحث في ذلك بنص ورد في لائحة تحكيم مركز كوالالمبور الإقليمي للتحكيم (المـادة 7/4) – والتي لم يتعدل مضمونها بمناسبة تحديث اللائحة عام 2017 – والتي تنص علـى أن اتفاق الأطراف على اللجوء إلى مركز كوالالمبور يعني أن دور الأطـراف (ومحكمـيهم، وأي سلطة أخرى يختارونها) في اختيار المحكم، هو مجرد ترشيح (تسمية)، وليس بتعيين، فـالتعيين ينعقد للمركز. ويرى الباحث عدم تبني النص الماليزي حرفيًا، فهو منتقد في منحه سلطة تقديرية في شأن التعيين لمدير المركز، حيث ينادي بحل ماليزي معدل، مفاده أن يكون رفـض التـسمية مسببا، عقب إجراءات تشبه تلك التي تتبع في الرد أمام مركز التحكيم.

   وبالتالي، يقترح الباحث على القائمين على مركزي القاهرة وقطر تبني مـا يـصفه بالحـل الماليزي المعدل في شأن سلطة المركز في رفض تعيين المحكم، وذلك من حيث الآتي

   1- عدم تعديل النصوص التي تتحدث عن سلطة الأطراف ومحكميهم في التعيـين، ولكـن استحداث بند تغطيـة "umbrella clause، بموجبـه تــنخفض سـلطة الأطـراف ومحكميهم وأي سلطة يختارونها غير المركز في اختيار المحكم لتصبح مجرد سـلطة تسمية، رهينة بتصديق من مدير المركز، يتم التعيين به.

   2- احتفاظ مركز التحكيم بسلطة رفض التسمية، على أن تتم الإحالة في شـأنها إلـى ذات إجراءات المركز في الرد. وبالتالي عدم النص على سلطة رفض مطلقة. على أن تكون الجهة المنوط بها الرد لجنة خاصة – على منوال إجراءات الرد أمام مركز القاهرة – تشكل لكل قضية بحالتها، لضمان أكبر قدر من الحيدة والاستقلال. مـع تطـوير تلـك الإجراءات باستلزام تسبيب قرار رفض التسمية، عقب إجراءات تضمن حـق الـدفاع والمواجهة..