الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / تعيين المحكم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد السابع / بند تحكيمي – طلب تعيين محكم – القاضي لا يمارس سلطته بما يتعارض مع ارادة المتعاقدين

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد السابع
  • تاريخ النشر

    2010-10-20
  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    385

التفاصيل طباعة نسخ

ان تدخل القضاء العادي يكون محصورًا في الحالة التي يتخلف فيها احد الخصوم عن ممارسة واجبه بتكليف محكم فيمارس القاضي واجب هذا الأخير نيابة عنه او في حال كانت العقبة في تطبيق طريقة تعيين المحكم، الا انه لا يمكن ان يمارس القاضي سلطته هذه بشكل يتعارض مع ارادة المتعاقدين- يقتضي التمييز بين التفسير المنتج والصحيح للنص وبين ايجاد
تفسير لنص غير مكتمل ومتناقض- البند التحكيمي غير كاف لتعيين المحكمين سواء من قبل
الخصوم انفسهم او من قبل الرئاسة.

(رئيس محكمة الدرجة الاولى في جبل لبنان- الغرفة الاولى- قرار رقم  2010/14 - صدر بتاريخ 2010/4/13 ).

...........
...........
حيث يطلب المستدعي السيد سمير بستاني احد المساهمين الثلاثة في شركة BUMC ش.م.ل. اتخاذ القرار بمواجهة هذه الشركة والمساهمين الباقين بستاني بتعيين محكم ثان عن المستدعى بوجههم كافة كعضو في الهيئة التحكيمية المخولة بت النزاع المستجد فيما بينهم؛ 

وحيث نازع المستدعى بوجههم في قانونية الاستدعاء مدلين بأسباب عدة سوف يجري التطرق اليها في سياق هذا الحكم؛

وحيث من نحو اول ان وكالة الاستاذ جهاد رزق الله رقم 2008/4384 الذي وقع بموجبها على الاستدعاء بوكالته عن المحامي سليم المعوشي، وكيل المستدعي، تتضمن صراحة (سطر 9 )تمثيل موكله في اعمال التحكيم اسوة بوكالة هذا الأخير؛ 

وحيث بالتالي يكون الاستدعاء مستوفيًا شروطه الشكلية كافة فيرد ما أثير لهذا النحو؛ وحيث من نحو ثان تأخذ المستدعى بوجهها على المستدعي عدم التقدم بطلب طارئ في لائحته الجوابية تاريخ 2010/2/23م يعدل بموجبه الطلب الأصلي الوارد في استدعائه؛ 

وحيث بمراجعة المطالب المحددة في كل من الاستدعاء واللائحة المذكورة والأسباب المثارة في كليهما، تبين ان الطلب هو عينه، اي استصدار قرار بتعيين محكم ثان عن المستدعى بوجههم وان اختلاف السبب القانوني لهذا الطلب بين ذلك المحدد في الاستدعاء (اي تخّلف المستدعى بوجههم عن تعيين محكم) وذلك المحدد في اللائحة (تخلف المستدعى بوجههم عن تعيين محكم واحد عنهم جميعًا) لا يجعل من الطلب مختلفًا ام طارئًا، فيرد طلب الشركة لهذا النحو؛ وحيث من نحو ثالث يدفع المستدعى بوجههم بعدم اختصاص الرئاسة في الحلول محلهم واختيار محكمًا عنهم كما يطلبون اعتبار البند التحكيمي باط ً لا والا عدم كفايته ووضوحه لتعيين محكم وعدم توافر شروط المادة 764 أ.م.م.؛ 

وحيث باستعادة وقائع النزاع تبين انه اثر خلاف بين المساهمين الثلاثة حول ادارة الشركة، بادر المستدعي الى تعيين القاضي مهيب معماري محكمًا من قبله تطبيقًا للبند التحكيمي الوارد في لمادة 80 من نظام الشركة وح ّ ث كتابة المستدعى بوجههم الى تعيين محكم من قبلهم لتشكيل الهيئة التحكيمية لبت النزاع وتبين ان الشركة المستدعى بوجهها سبق ان عينت في 2010/2/12م الدكتور غالب محمصاني محكمًا من قبلها فيما عين المستدعى بوجههما بستاني النقيب انطوان قليموس محكمًا من قبلهما بتاريخ 2010/2/5م .

وحيث يأخذ المستدعي على خصومه عدم تسميتهم جميعًا محكمًا واحدًا عنهم بصفتهم فريقًا واحدًا انسجامًا مع البند التحكيمي، مما اوجد عقبة في سبيل تشكيل هيئة التحكيم، الامر الذي يبرر تدخل القضاء العادي وفقًا للمادة 764 أ.م.م.؛ 

وحيث تنص المادة 80 من نظام شركة BUMC ش.م.ل. ان جميع الخلافات والنزاعات والمسائل الناتجة من تفسير او تطبيق او عدم تطبيق النظام الحاضر او مرتبطة به او التي لها علاقة معه وكذلك النزاعات الناشئة من جراء ممارسة الشركة او اجهزتها لنشاطاتها، تحلّ بواسطة التحكيم المطلق وفقًا لأحكام القوانين اللبنانية النافذة. 

تؤلف هيئة محكمين من ثلاثة محكمين لحل جميع النزاعات، على كل من الفرقاء ان يختار محكمه وابلاغ الفريق الآخر اسم محكمه بموجب كتاب خطي مضمون مع اشعار بالإستلام.
يختار المحكمان المحكم الثالث ضمن مهلة خمسة عشر يومًا ويصدر المحكمون الثلاثة مجتمعين قرارهم ضمن مهلة لا تتعدى الستة اشهر من تاريخ قبول آخر محكم لمهمته.
اذا لم يتم الاتفاق بين المحكمين على اختيار المحكم الثالث لأي من الفرقاء، طلب تعيينه من قبل رئيس المحكمة الابتدائية في بعبدا؛ 

وحيث ان العقبة المشكو منها اذًا هي اقدام الشركة على تسمية محكم من قبلها والمستدعى بوجههما بستاني محكمًا آخر من قبلهما بشكل امست الهيئة التحكيمية مؤلفة من ثلاثة محكمين دون المحكم الفيصل المنصوص عنه في الفقرة ( 3) من البند التحكيمي، الامر الذي يتعارض مع القوة ( 2) التي حددت عدد المحكمين في الهيئة بثلاثة؛ 

وحيث يطلب اذًا المستدعي تعيين محكم واحد عن المستدعى بوجههم بد ً لا من المحكمين المسميين من قبلهم كونهم يمثلون فريقًا واحدًا لإزالة العقبة التي تسببوا بها لتطبيق البند التحكيمي؛
وحيث يستفاد من أحكام المادة 764 أ.م.م. ان المش  رع اجاز تدخل القضاء العادي لدى وجود بند تحكيمي عند قيام عقبة تحول دون إعمال هذا البند وبالتالي السير بإجراءات المحاكمة التحكيمية اصو ً لا فأولاه سلطة تعيين المحكم انطلاقًا من البند التحكيمي؛

وحيث يكون اذًا تدخل القضاء العادي محصورًا في الحالة التي يتخلف فيها أحد الخصوم عن ممارسة واجبه بتكليف محكم فيمارس القاضي واجب هذا الأخير نيابة عنه او في حال كانت العقبة في تطبيق طريقة تعيين المحكم، ا ّ لا انه لا يمكن ان يمارس القاضي سلطته هذه بشكل يتعارض مع ارادة المتعاقدين؛

وحيث يقتضي اذًا التحقق من مدى قيام عقبة من أحد الخصوم تبرر تدخل القضاء لتشكيل الهيئة التحكيمية اصولاّ؛ 

وحيث قد مارس المستدعى بوجههم واجبهم تطبيقًا للبند التحكيمي عند تسميتهم محكمين من قبلهم بد ً لا من محكم واحد ام ان هذا الاجراء يتعارض مع مضمون البند التحكيمي ويبرر تدخل القضاء العادي. 

وحيث بالعودة الى الفقرتين ( 2) و ( 3) من البند التحكيمي، يتبين انهما حددتا او ً لا عدد المحكمين بثلاثة واعطتا ثانيًا الحق لكل من الفرقاء ان يختار محكمه وأوجبتا ثالثًا على المحكمين اختيار المحكم الثالث؛ 

وحيث تطبيقًا للحق المعطى لكل من الفرقاء اختارت الشركة محكمًا من قبلها والمساهمين بستاني محكمًا آخر عنهما، ا ّ لا ان هذا التصرف حال دون تكوين الهيئة التحكيمية اصولا لوقوع خلل في عدد المحكمين؛ 

وحيث لا يسع المستدعي الزام المستدعى بوجههم كافة باختيار محكم واحد من قبلهم كونهم لا يشكلون فريقًا واحدًا الا في قناعة المستدعي الخاصة وانطلاقًا من رؤيته الخاصة للنزاع، انما قانونًا يتمتع كل مساهم كما الشركة بشخصية مستقلة تبرر اختيارهم محكمًا مستقلا عن الآخر؛

وحيث على فرض مجاراة المستدعي برأيه فيما يتعلق باتحاد مصلحة كل من الشركةوممثلها المساهم فريد بستاني، يبقى للمساهم الآخر بطرس البستاني تعيين محكم مستقل من قبله؛ 

وحيث لا يمكن ايضًا اعتبار ما تضمنته الفقرة ( 2) من البند التحكيمي لناحية اختيار كل من الفرقاء محكمه، بأن كل فريق يش ّ كل مجموع المتنازعين ذات المصلحة الواحدة، لجعل هذا البند منتجً (Principe de l’effet utile) كونه يطرح المبدأ عند وجود تفسيرين صحيحين لنص من الوجهة القانونية والمنطقية، الا انه في القضية الراهنة ان اعتماد التفسير المنوه عنه للبند يتعارض مع استقلالية كل فرد في كل اوجهها ومع عدم جواز الحكم المسبق في القضية وان من الناحية الشكلية؛ 

وحيث يقتضي اذًا التمييز بين اعتماد التفسير المنتج والصحيح للنص وبين ايجاد تفسير لنص غير مكتمل ومتناقض؛  

وحيث بالتالي يكون المستدعى بوجههم الثلاثة قد مارسوا خياراتهم عند تسميتهم محكمين من قبلهم كأعضاء في الهيئة التحكيمية، ولا يسع الرئاسة اعتبار هذه الممارسة مخالفة للبند التحكيمي
او لأي مبدأ آخر وتعديل ارادتهم المعلنة؛
وحيث لا تكون اذًا العقبة المشكو منها وليدة فعل الخصوم انما وليدة طريقة تعيين محكم غير
مكتملة، فهل يبقى للرئاسة مجا ً لا لتذليل هذه العقبة ونصرة ارادة المتعاقدين في اعتماد التحكيم في
خلافاتهم؛
وحيث بالعودة الى مضمون البند التحكيمي يتبين انه لحظ في الفقرة الأخيرة من حالة عدم
اتفاق المحكمين على اختيار المحكم الثالث، ا ّ لا انه لم يلحظ ابدًا حالة تجاوز عدد المتنازعين عن
اثنين وعدم اعتمادهم محكمين فقط، كما هو الحال في القضية الراهنة، فيكون البند خاليًا من
طريقة تعيين المحكم الواجب اعتمادها في هذه الحالة؛
وحيث يكون اذًا البند التحكيمي غير كافٍ لتعيين المحكمين سواء من قبل الخصوم انفسهم او
من قبل الرئاسة؛

وحيث لا شيء يحول دون اتفاق الخصوم مجددًا على بند تحكيمي او على هيئة محكمين
محددة لحل خلافاتهم في حال اصرارهم على ولوج باب التحكيم؛
وحيث سندًا لما تقدم يكون الاستدعاء مستوجب الرد وكل الأسباب والمطالب الزائدة
والمخالفة بما فيها طلب العطل والضرر لانتفاء شروطه؛ 

لذلك
تقرر رد الاستدعاء في الأساس وتضمين المستدعي كل النفقات؛ 

............
الكاتبة                            الرئيسة اماني سلامة 

 

تعليق الاستاذ مروان صقر (لبنان)
الصعوبات التي تعترض تشكيل الهيئة التحكيمية
 في الاجراءات المتعددة الاطراف: العودة الى Dutco ؟ 

 (تعليقاً على قرار رئاسة محكمة الدرجة الاولى في جبل لبنان رقم 2010/14 الصادر في 2010/4/13م بقضية بستاني ضد/ شركة BUMC وبستاني) .

تطرح التحكيمات المتعددة الاطراف Multiparty Arbitrations-Arbitrages multipartites مسائل عدة من أهمها كيفية تشكيل الهيئة التحكيمية في ظل الانظمة القانونية التي تفرض ان يكون عدد أعضاء الهيئة وترًا، كما في لبنان (المادة / 771 / أ.م.م.)؛ مع مراعاة مبدأ المساواة بين الاطراف المتعددة égalité des parties في تعيين المحكمين والذي ارساه بشكل خاص قرار محكمة التمييز الفرنسية المبدئي الصادر بتاريخ 1992/1/7م بقضية Dutco المعروفة  وحدود هذا المبدأ وصلاحيات سلطة التعيين. واذا كانت هذه المسألة قد عولجت في التحكيم المؤسسي، ولاسيما في ظل قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية CCI الحالية لعام 1998 واثر صدور قرار محكمة التمييز الفرنسية المذكور، كما سنرى فيما يلي؛ ا ّ لا ان الموضوع يبقى مشوبًا بالدقة والالتباس في التحكيمات الخاصة ad hoc كما يتبين من القرار موضوع التعليق الصادر عن رئيس الغرفة الاولى في محكمة الدرجة الاولى في جبل لبنان بتاريخ 2010/4/13م بقضية سمير بستاني ضد / شركة BUMC وكل من فريد وبطرس بستاني، في نزاع يجسد تمامًا الاشكالية التي يطرحها تشكيل الهيئة التحكيمية في الإجراءات المتعددة الاطراف. 

وتتلخص وقائع القضية التي ادت الى صدور القرار موضوع التعليق كما يلي: 

1. السادة سمير وفريد وبطرس بستاني هم المساهمون الثلاثة في شركة بستاني يونايتد ماشينز كومباني BUMC ش.م.ل. وقد نشأ بين المساهمين الثلاثة خلاف حول ادارة الشركة وقرارات متخذة في الجمعيات العمومية.

2. تضمن نظام الشركة في المادة / 80 / منه بندًا تحكيميًا مفاده "ان جميع الخلافات والنزاعات والمسائل الناتجة من تفسير او تطبيق او عدم تطبيق النظام الحاضر او مرتبطة به او التي لها علاقة به وكذلك النزاعات الناشئة من جراء ممارسة الشركة او اجهزتها لنشاطاتها تحلّ بواسطة التحكيم المطلق وفقًا لأحكام القوانين اللبنانية النافذة. تؤلف هيئة محكمين من ثلاثة محكمين لحلّ جميع النزاعات. على كل من الفرقاء ان يختار محكمه وابلاغ الفريق الآخر اسم محكمه بموجب كتاب خطي مضمون مع اشعار بالاستلام. يختار المحكمان المحكم الثالث ضمن مهلة خمسة عشر يومًا ويصدر المحكمون الثلاثة مجتمعين قرارهم ضمن مهلة لا تتعدى الستة اشهر من تاريخ قبول آخر محكم لمهمته. اذا لم يتم الاتفاق بين المحكمين على اختيار المحكم الثالث لأي من الفرقاء طلب تعيينه من قبل رئيس المحكمة الابتدائية في بعبدا".

3. بالاستناد الى هذا النص، بادر أحد المساهمين الى تعيين محكم من طرفه وارسل الى الشركة وكل من المساهمين الآخرين كتابًا يطلب منهم فيه تعيين محكم واحد من قبلهم جميعًا حتى يصار الى تشكيل الهيئة التحكيمية والشروع بالاجراءات.
4. وقد تبين ان الشركة قد سبق لها ان عينت محكمًا من قبلها، فيما قام المساهمان الآخران بتعيين محكم آخر عنهما معًا.

5. عندها، تقدم المساهم الأول باستدعاء الى رئيس المحكمة الابتدائية المختص بحسب البند التحكيمي، يرمي الى استصدار قرار سندًا لاحكام المادة / 764 /أ.م.م. بالزام كل من الشركة والمساهمين الآخرين بتسمية محكم واحد باعتبارهم فريقًا واحدًا، لازالة العقبة التي تحول دون تطبيق البند التحكيمي. 

6. اجاب كل من المستدعى بوجههم على الطلب بما خلاصته، (أ) عدم اختصاص رئيس المحكمة الابتدائية بالزام الاطراف بتعيين محكم واحد عنهم لتعارض ذلك مع ارادة الفرقاء؛ (ب) ولعدم توافر شروط تطبيق المادة / 763 /أ.م.م.؛ و(ج) لعدم كفاية وعدم وضوح البند التحكيمي. ثم اضافوا (د) طلب اعتبار البند المذكور باط ً لا وأن لا مجال لتعيين اي محكم.

7. وبتاريخ 2010/4/13م اصدر رئيس المحكمة الابتدائية قراره وقد قضى فيه برد طلب المستدعي لناحية الزام الشركة والمساهمين الآخرين بتعيين محكم واحد عنهما، بتعليل ملخصه (أ) عدم كفاية البند التحكيمي من اجل تعيين المحكمين سواء من الفرقاء ام من قبل القضاء، وذلك بالنظر لعدم لحظ هذا البند حالة تجاوز عدد المتنازعين عن اثنين؛ و (ب) عدم امكانية تعديل ارادة الفرقاء المعلنة في البند التحكيمي لناحية تعيين كل منهم لمحكم من قبله.  

إن النتيجة التي توصل اليها القرار موضوع التعليق تتلاقى من دون شك مع النتيجة التي ارساها قرار Dutco المشار اليه سابقًا. وإن لم يشر القرار موضوع التعليق في تعليله الى اجتهاد محكمة التمييز المار ذكره والى مبدأ المساواة بين الفرقاء في تعيين المحكمين في التحكيم المتعدد الأطراف الذي بني عليه قرار Dutco(أولا)، بل اكتفى بالاستناد الى مبدأ سلطان الارادة لرد الطلب (وهذا بحد ذاته قد يكون موضوع مناقشة كما سنرى لاحقًا). الا ان إعمال مبدأ المساواة ذاته في مجال التحكيم الخاص تحديدًا، لا يقفل الباب امام الدور المساعد للقضاء rôle d’appui في ايجاد الحلول الخلاقة لتذليل العقبات التي تعترض تشكيل الهيئة التحكيمية في حال تعدد أطراف النزاع (ثانيًا).

 

أولا- مبدأ مساواة الفرقاء في تشكيل الهيئة التحكيمية في الاجراءات المتعددة الاطراف وحدوده: 

إن احترام المساواة بين أفرقاء التحكيم قاعدة عامة تسود الاجراءات التحكيمية منذ بدايتها
وحتى صدور الحكم .ا ّلا ان هذا الم ب دأ يكتس ب اهمي ة قص وى لدى تشكيل الهيئة التحكيمية.

وقد اُثيرت مسألة المساواة بين الاطراف في تشكيل الهيئة في غالب الاحيان في اطار تحكيمات مؤسسية arbitrages institutionnels متعددة الاطراف ولا سيما في ظل نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية، كما في الحالة التي ادت الى صدور القرار التمييزي في قضية Dutco مث ً لا، حيث سنرى كيف تمكنت المؤسسات التحكيمية من إيجاد الحلول المناسبة لهذه المسألة (1) . 

ولكن سنرى كذلك أن تطبيق مبدأ المساواة لدى تشكيل الهيئة في التحكيم الخاص ad hoc  المتعدد الاطراف، مازال يثير صعوبات وعقبات مما يفسر التخبط الذي يقع فيه بعض الاجتهاد القضائي في مثل هذه الحالات، كما في القرار موضوع التعليق (2).

(1) تطبيق مبدأ المساواة بين الاطراف في تشكيل الهيئة في التحكيم المؤسسي المتعدد الاطراف: 

طرحت المسألة على مؤسسات التحكيم ولاسيما غرفة التجارة الدولية في ظل اعتماد الفرقاء بنوداً تحكيمية تنص على تشكيل هيئة تحكيمية من ثلاثة محكمين، او ما يعرف بـــ  .“Clauses de trois arbitres” أو “Three Arbitrators Clauses” واذا كان أمر تشكيل الهيئة لا يثير اية صعوبات في حال وجود طرفين متنازعين فقط؛ ا ّ لا ان الموضوع
يصبح اكثر صعوبة عندما يكون هنالك عدة اطراف متنازعة ويرغب كل منها بتعيين محكم من
قبله، متذرعاً بمبدأ المساواة الذي يفسره الأطراف على أنه يقضي بأن يكون لكل محتكم الحق
في تعيين "محكمه". 

 

وكانت غرفة التجارة الدولية قد تنبهت لهذه المشكلة منذ فترة طويلة6 . فأنشأت منذ عام 1978 مجموعة عمل مهمتها دراسة واقتراح الحلول لهذه المسألة. وقد اصدرت مجموعة العمل تقريرها عام 1994 (وقد عرف "بتقرير دلفولفية" نسبة الى الاستاذ جان-لوي دلفولفيه -Jean Delvolve Louis الذي ترأس المجموعة).7 ولقد خلص التقرير، الذي صدر بعد قرار محكمة التمييز الفرنسية بقضية Dutco، الى اقتراح تعديل في قواعد التحكيم الخاصة بالغرفة لجعله يتلاءم مع الحالة المستجدة بعد صدور القرار التمييزي المذكور والذي سيكون لنا عودة اليه بالتفصيل فيما بعد
 

 

وكانت محكمة التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية arbitrage‘d Cour La تتعامل مع هذه المسألة في ظل قواعدها السابقة، باعتماد حلٍ يقضي بأن يعين طالب التحكيم محكماً من طرفه وتطلب محكمة التحكيم من الطرفين الثاني والثالث (او الاطراف الأخرى في حال تعددهم) تعيين محكم واحد من قبلهم جميعاً. وفي حال الامتناع تقوم المحكمة بتعيينه عنهم . 

 

الاّ ان هذا التعامل قد لقي تقديراً متفاوتاً لناحية قانونيته من قبل المحاكم الوطنية في الدول التي يقع فيها مكان التحكيم. فبينما لم ير القضاء السويسري في ذلك أية مخالفة لمبدأ المساواة وذلك في قضية Westland المعروفة وقضايا اخرى لاحقة؛ رأت محكمة التمييز الفرنسية عكس
ذلك في قضية Dutco التي كان لها وقع كبير في عالم التحكيم وادت الى تعديل قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية فيما بعد اسوة بقواعد تحكيم دولية اخرى. ولا بد من التذكير باختصار كلي بكل من القضيتين المذكورتين ((أ) و ب( )) وما آل اليه الأمر بعد صدور قرار Dutco (ج).

أ) –قضية Westland: تتلخص وقائع القضية ان شركة Ltd Helicopters Westland البريطانية تقدمت عام
1980 بطلب تحكيم في ظل قواعد غرفة التجارة الدولية ضد اربع دول عربية هي مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ومؤسسة حكومية عربية مشتركة (المنظمة العربية للتصنيع AOI) وشركة .Co Helicopters British Arab، في اطار نزاع حول عقد تصنيع وشراء طائرات هليكوبتر وكان مكان التحكيم محدداً في جنيف. اجازت محكمة التحكيم لدى الغرفة الدولية للجهة المدعية (اي Westland) تعيين محكمٍ من طرفها وطلبت من المحتكم
ضدهم الستة الآخرين تعيين محكم واحد وقد قاموا بذلك. وأثر صدور الحكم التحكيمي في
25/3/91984، طعنت به مصر امام المحاكم السويسرية مدلية، من جملة الأسباب، بمخالفة مبدأ
المساواة بين الاطراف في تعيين محكمين عنهم وان مصر لم تتمكن من تعيين "محكمها " .

 

إلاّ ان محكمة جنيف ومن بعدها المحكمة الفديرالية السويسرية، ردتا هذا الشق من
الطعن واعتبرتا ان لا مخالفة لمبدأ المساواة في تعيين عدة اطرافٍ في التحكيم لمحكم
واحد، لأن المحكم ليس وكيلاً او ممثلاً للاطراف.10 ثم اكدت المحكمة الفديرالية السويسرية

على هذا الحل في قرار أحدث لها صادر عام 111995 (اي بعد تاريخ صدور قرار Dutco في فرنسا).
ب( ) - قضية Dutco: في وقائع قضية Dutco، أن شركات BKMI و Siemens و Construction Dutco
Co قد أبرمت عقد مشاركة فيما بينها لبناء معملً للترابة. وقد تضمن العقد بنداً تحكيمياً ينُّص على إنشاء هيئة تحكيمية من ثلاثة أعضاء في ظل قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية. تقَّدمت Dutco بطلب تحكيم بوجه الشركتين الأخريين بعد أن عينت محكماً عنها، وطلبت من محكمة التحكيم دعوة هاتين الشركتين الى تعيين محكم واحد من طرفهما، فتم ذلك. ثم قامت المحكمة بتعيين المحكم الثالث. بعد تشكيل الهيئة التحكيمية طلبت BKMI و Siemens منها
 إصدار حكم بعدم صحة تشكيلها، فرد الطلب. طعنت الشركتان بالحكم أمام محكمة إستئناف باريس (مكان التحكيم)، وأدلتا بعدة أسباب منها، مخالفة مبدأ المساواة بين الأطراف وحقهم في تعيين محكم من قبل كل منهم، ولعدم صحة تشكيل الهيئة التحكيمية ومخالفة النظام العام الدولي الخ ... ردت محكمة الإستئناف الطعن معللة قرارها بأن مبدأ المساواة قد تَّم إحترامه في طريقة تشكيل الهيئة وبعدم مخالفة أي مبدأ متعلق بالنظام العام الدولي وذلك على غرار ما قضت به المحاكم السويسرية في قضية Westland المار ذكره. 

 

طعنت الشركتان بالقرار أمام محكمة التمييز - الغرفة المدنية الأولى - التي أصدرت قرارها المبدئي الشهير13، الذي قضت فيه بنقض القرار الإستئنافي بناء على أحكام المادتين /1502/ فقرة /2/ من قانون المحاكمات المدنية الفرنسي الجديد المتعلق برفض الصيغة التنفيذية لأحكام التحكيم الدولية أو الصادرة في الخارج في حال عدم تشكيل الهيئة وتعيين المحكمين وفقاً للأصول (تقابلها المادة /718/ فقرة /2/ .م.ا م لبناني)، والمادة /6/ من القانون المدني التي تنص على وجوب إحترام النظام العام في العقود، وقد أعلنت محكمة التمييز صراحة في قرارها أن 

"مبدأ مساواة الفرقاء في تعيين المحكمين متعلق بالنظام العام وأنه لا يمكن التنازل عن هذا المبدأ
إلاَّ بعد نشوء النزاع."
أثار القـرار ردات فعل عديدة بين مؤيد ومنتقد ولم يكن الانتقاد موجهاً ضد مبدأ
المساواة بحد ذاته، بل للنتيجة العملية التي قد يؤدي اليها تطبيقه في مثل تلك الحالة والتي
تشبه كثيراً الحالة التي صدر فيها القرار موضوع التعليق14 . إلاَّ أن التوقعات السلبية لنتائج
قرار Dutco على صعيد التحكيم المؤسسي قد جاءت مبالغاً فيها، إذ سرعان ما تأقلمت
مؤسسات التحكيم مع تلك النتيجة وأوجدت عدة حلول عملية للمسألة بعد صدور القرار15 كما
سنرى.
ج( ) - الوضع بعد Dutco: بعد صدور القرار بقضية Dutco إنبرت غرفة التجارة الدولية، في مرحلة أولى لايجاد حلول عملية إذ عرضت عليها حوالي ست حالات مشابهة في السنة ذاتها التي تلت صدور القرار16 . فتمحورت تلك الحلول بين الطلب الى الجهة المحتكمة عدم تسمية محكم من طرفها بحيث يتسنى للمحكمة تعيين جميع أعضاء الهيئة، أو الطلب الى المحتكم فصل الإجراءات الى
عدة تحكيمات وفقاً لعدد المحتكم ضدهم وذلك سنداً لإحكام المادة /25/ من قواعد التحكيم السارية آنذاك، التي تدعو المحكمة الى بذل كل جهدها ليكون الحكم التحكيمي نافذاً قانونياً17 .susceptible de sanction légale هذا فيما يتعلق بالتحكيمات التي مقرها فرنسا. أما بالنسبة الى التحكيمات التي تتخذ من دول أخرى مكاناً لها، فأستمرت المحكمة على تعاملها السابق قبل صدور القرار، بإعتبار أن إجتهاد

محكمة التمييز الفرنسية لم يكن لينتج مفاعيل في أنظمة قانونية أخرى، كما هو الحال في سويسرا مثلاً كما رأينا18 . ومهما يكن من أمر، فقد أخذت مؤسسات التحكيم، ولاسيما غرفة التجارة الدولية، بعين الإعتبار النتيجة التي توصلت اليها محكمة التمييز الفرنسية في قضية Dutco وأدخلت تعديلات على قواعدها، لتفادي أية صعوبات في مثل الحالة التي نحن بصددها. فنصت المادة /10/ من القواعد الجديدة لغرفة التجارة الدولية لعام 1998 على ما حرفيته: "مادة /10/:
تعدد الاطراف:
1- اذا ما تعدد المدعون او تعدد المدعى عليهم وكان الخلاف قد عرض على ثلاثة محكمين،
فيعين كل من المدعين – بالاشتراك فيما بينهم – من جهة، والمدعى عليهم – بالتضامن فيما
بينهم – من جهة اخرى محكماً بهدف التثبيت طبقاً لأحكام المادة /9/.
2- اذا لم يتم التعيين بالاشتراك وفي غياب اي اتفاق آخر بين الاطراف في شأن اجراءات
تشكيل محكمة التحكيم، فيجوز للهيئة ان تعين كل عضو من أعضاء محكمة التحكيم وإسناد
مهام الرئاسة لأحد هؤلاء الاعضاء، وفي هذه الحالة تكون للهيئة حرية اختيار من تراه
مؤهلاً للعمل كمحكم تطبيقاً لأحكام المادة /9/، كلما رأت ذلك مناسباً." كما نصـت قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي الجديدة (التي صدرت بالتزامن مع قواعد الـ ICC) على قواعد مماثلة (المادة /1-8/) وكذلك قواعد الغرفة الألمانية DIS (المادة /13/)، ومركز الـ CEPANI في بلجيكا (المادة /3-79)19 . واذا كانت مؤسسات التحكيم الدولية قد تمكنت بمرونة وسرعة نسبية من التأقلم مع المبدأ الذي ارساه قرار Dutco، بما يتيح عدم عرقلة إجراءات التحكيم والمحافظة على مبدأ المساواة بين الأطراف المتعددة في تشكيل الهيئة التحكيمية كما سبق ورأينا، إلاَّ أن الأمر بقي أكثر تعقيداً
 

في التحكيم الخاص hoc ad، كما في الحالة التي أدت الى صدور القرار موضوع التعليق20، حيث يحل القضاء العادي مكان مؤسسات التحكيم وقد تختلف الحلول بإختلاف القانون المطبق على الإجراءات.
(2) الصعوبات التي يثيرها تطبيق مبدأ المساواة في التحكيمات الخاصة hoc ad:
إن القرار موضوع التعليق قد صدر في وقائع مشابهة الى حدٍ بعيد للوقائع في الحالات التي عرضت في التحكيمات المؤسسية التي جرى بحثها. ولكن الفارق الرئيسي هنا هو ان القرار في حالتنا صدر في تحكيم خاص hoc ad وليس مؤسسي institutionnel. والسؤال الذي يطرح هنا هو كيف يمكن لأفرقاء متعددين – وبمصالح متضاربة في غالـب الأحيان- ان يطرحوا نزاعاتهم على هيئة تحكيمية واحدة للفصل بها، في ظل احترام حقهم فـي المساواة في تشكيل هذه الهيئة في ضوء المبادىء التي ارساها اجتهاد محكمة التمييز الفرنسية في قضية Dutco، في حال لم تتوافر لدى بعضهم الارادة المشتركة بعرض النزاع علـى التحكـيم وذلك في غياب مؤسسة تحكيمية تتولى تنظيم الاجراءات التحكيمية وادارتها، كما في حالة النزاع بين السادة بستاني؟ لم تُطرح هذه المسألة كثيراً على القضاء في التحكيمات الخاصة (خلافاً لما هو الامر في تحكيمات غرفة التجارة الدولية مثلاً). الاّ انه من مراجعة الأحكام القليلة الصادرة عن القضاء الفرنسي في مجال تطبيق مبدأ المساواة بين الاطراف المتعددة لدى تشكيل هيئة التحكيم، يمكننا ان نستخلص ما يلي:
(أ) –قضية autres et Bellot /c Acciona Grupo SA: في هذه القضية21 نشأ خلاف بين مجموعة شركات فرنسية وبين عدد من الشركات المالية وشركة مقاولات اسبانية بصدد عقد مشاركة consortium يهدف الى التقدم معاً الى مناقصات اشغال عامة. وقد تضمن العقد بنداً تحكيمياً مماثلاً للبند الوارد في نظام شركة BUMC في القضية التي ادت الى القرار موضوع التعليق .

 

تقدمت المجموعة الفرنسية بدعوى امام محكمة التجارة في مرسيليا لفسخ العقد، بينما تقدمت الشركة الاسبانية بطلب تحكيم بوجه المجموعة، وتقدمت الشركات المالية بدعاوى اخرى امام محكمة التجارة ايضاً. وادلت الشركة الاسبانية امام محكمة التجارة بدفع بعدم الاختصاص لوجود اتفاق على التحكيم في العقد، بينما ادلى الفرقاء الآخرين ببطلان هذا البند على قاعدة اجتهاد محكمة التمييز في قضية Dutco وكون هذا البند "يخالف مبدأ المساواة بين الفرقاء في تعيين
المحكمين في الاجراءات المتعددة الاطراف".22 ابطلت محكمة التجارة البند التحكيمي بحجة انه "لا يؤمن الضمانات الكافية لحقوق جميع
الفرقاء المعنيين مباشرة ام غير مباشرة بالنزاع" وقررت تكليف خبير في قرار تمهيدي قبل الفصل في الاساس. استأنفت الشركة الاسبانية القرار التمهيدي امام محكمة استئناف ايكس Aix، التي فسخته، معللة قرارها بعدم بطلان البند التحكيمي لعدم خرقه مبدأ المساواة بين الاطراف، على الرغم من ان التطبيق العملي لهذا البند لا يمكن ان يتم الاّ في حالة وجود طرفين محتكمين فقط او في حال قيام عدة اطراف بتعيين محكم واحد من قبلهم. وبمطلق الاحوال، رأت محكمة الاستئناف ان مجرد قيام صعوبات جدية في تطبيق البند التحكيمي لناحية تشكيل الهيئة بالنظر في تعدد الاطراف، لا يؤدي الى بطلان البند حكماً (خلافاً لما ادلى به بعض الاطراف في القضية موضوع التعليق)، اذ يبقى للفرقاء اللجوء الى رئيس المحكمة الابتدائية تطبيقاً لأحكام المادة /1444/ من قانون اصول المحاكمات الفرنسية (المقابل للمادة /764م.م.أ/ . لبناني) لحل الصعوبة الناشئة ام للقول بعدم كفاية البند التحكيمي. وتكون محكمة الاستئناف قد استبعدت بطلان البند التحكيمي المشابه للبند الوارد في المادة /80/ من نظام شركة BUMC، فيما يشكل ابتعاداً كما قررته محكمة التمييز في قرار Dutco، في موقف ايده الفقه الذي علق على القرار23 . ورأى المعلقون ان هذا النوع من البنود التحكيمية لا يعني بالضرورة انه من المؤكد ان التحكيم سيكون متعدد الاطراف عند ابرام البند، كما لو كان النزاع بين السادة بستاني في حالتنا محصوراً باثنين منهما فقط، فأين سبب البطلان أم عدم الكفاية المنصوص عليهما في المادة /764.م.م.أ/ ؟ وحتى في حالة تعدد اطراف التحكيم بعد نشوء النزاع، كما في القضية المعروضة على محكمة استئناف Aix او في القرار موضوع التعليق،
 

فإن ذلك لا يؤدي حكماً الى البطلان او عدم الكفاية، لأن القاضي المساعد للتحكيم juge le
appui‘d لديه الامكانات القانونية لايجاد الحلول لهذه الصعوبات.24
) ب( –قضية autres et Preatoni /c Spefin Societe : في هذه القضية التي عرضت على رئيس محكمة الدرجة الاولى في باريس عام 251997 والتي تتعلق بنزاع بين مجموعة تضم ثلاثة اطراف من جهة ومجموعة اخرى تضم خمسة افرقاء، في اطار عقد يتضمن بنداً تحكيمياً مشابهاً ايضاً للبند الوارد في نظام شركة BUMC، تقدمت المجموعة الاولى بطلب تحكيـم ضـد الخمسـة افرقـاء الآخريـن، وعينت محكماً واحـداً من طرفهاـ . بالمقابل قام طرفان من اعضاء المجموعة الثانية بتعيين محكم عن كل منهما. طلبت المجموعة الاولى (التي عينت محكماً واحداً) من رئيس محكمة الدرجة الاولى في باريس تعيين محكم واحد عن الفريقين اللذين عينا محكماً لكل منهما. كذلك طلب هذين الاخرين من رئيس المحكمة تعيين محكم عن احدى الشركات الاخرى التي لم تعين محكماً واتخاذ القرار بتشكيل هيئتي تحكيم مستقلتين وتعيين رئيس لكل منهما. تبين لرئيس المحكمة ان بين الاطراف المتعددة المعنية بالنزاع هنالك طرفان عينا محكماً عن كل منهما وان هذين المحكمين قد عينا محكماً ثالثاً وان هيئة تحكيمية قد تشكلت وفقاً للاصول، وبالتالي فان الموضوع بالنسبة الى رئيس المحكمة قد اصبح يتمحور حول اختصاص هذه الهيئة بالنظر في النزاعات الاخرى بين اطراف العقد الآخرين ومدى امكانية توسيع نطاق التحكيم الى هذه الاطراف، وإن الأمر يدخل حصراً ضمن اختصاص الهيئة التحكيمية وليس القضاء عملاً بمبدأ "الاختصاص بالاختصاص"
competence – Competence، وبالتالي رد طلبات الفرقاء. ولكن ما يقتضي التوقف عنده في تعليل رئيس المحكمة تأكيده انه لا يمكنه "عملاً بمبدأ المساواة والقوة الالزامية للعقود ان يفرض
محكماً واحداً لعدة اطراف" (فيما يشكل استعادة لمبدأ قرار Dutco) او "ان يقوم بالزام الاطراف
بتسيير تحكيمات متعددة لم يلحظها اتفاق التحكيم." اي ان رئيس المحكمة رفض في تعليله احد الحلول التي اعتمدتها غرفة التجارة الدولية بعد صدور القرار بقضية Dutco وقبل تعديل 

قواعدها، والقاضي بفصل التحكيمات وتشكيل عدة هيئات تحكيمية من ثلاثة محكمين، وفقاً لتعدد اطراف النزاع والذي سبقت الاشارة اليه.26 ومن المفيد الاشارة هنا الى ان رفض رئيس محكمة الدرجة الاولى في باريس فصل التحكيمات procedures des separation او Proceedings Pararell لا يتوافق مع ما اقره الفقه والاجتهاد المقارنين في كثير من الحالات المشابهة ولا سيما في التحكيمات الخاصة ad
hoc حيث يكون للقضاء دور مساعد في تشكيل الهيئة التحكيمية كما سنرى فيما بعد
 

ج( ) –في الفقه والاجتهاد المقارنين: خلافاً لما ذهب اليه قرار رئيس محكمة باريس في القضية المذكورة أعلاه، يرى قسم من الفقه وبعض الاجتهاد انه يمكن في مثل هذه الحالة، فصل الاجراءات الى تحكيمات منفصلة بحسب عدد الاطراف في الانظمة القانونية التي تتيح للقضاء تشكيل الهيئة التحكيمية.27 ولا شيء يمنع في هذا الاطار من تعيين رئيس واحد في كل من التحكيمين على ما ذهب اليه القضاء الانكليزي في قضية Bechtel Easten v .Ltd Co Liquefaction Gas Dhabi Abu
(1982) .Corp، حيث رفضت المحكمة العليا هذا الامر بداية، الاّ أن محكمة الاستئناف فسخت الحكم الابتدائي واقرت بهذا التعيين.28 ان هذه الحلول، ان دلت على شيء، فعلى ان احترام مبدأ المساواة بين الاطراف المتعددة في تشكيل الهيئة التحكيمية، لا يحول دون قيام القضاء بدوره المساعد في ايجاد الحلول الخلاقة،
بما يصون ارادة اطراف الاتفاق التحكيمي بعرض نزاعهم على التحكيم، بدلاً من الانكفاء عن اداء هذا الدور بما يشكل تعطيلاً لارادة الاطراف باللجوء الى التحكيم، كما حصل في القرار موضوع التعليق .

 

ثانياً- ان مبدأ المساواة لا يحول دون تدخل القضاء لتذليل الصعوبات امام تشكيل الهيئة
التحكيمية في الاجراءات المتعددة الاطراف: إستند القرار موضوع التعليق من اجل رد الاستدعاء المقدم من السيد سمير بستاني بتعيين محكم واحد عن الاطراف الثلاثة الآخرين في النزاع، الى تعارض الطلب مع مضمون البند التحكيمي الذي ينص على وجوب تعيين كل فريق لمحكمه (الامر الذي قام به اطراف النزاع) وانه لا يمكن للقضاء تعديل ارادة الاطراف. وقد رأى رئيس المحكمة في معرض تعليله ان المادة /764م.م.أ/ . تحصر تدخل القضاء العادي في الحالة التي يتخلف فيها احد الخصوم عن تعيين
محكم من طرفه فيقوم القاضي بتعيينه عنه. إلاّ ان التعليل الذي اعتمده القرار موضوع التعليق يطرح عدة تساؤلات حول هذا التفسير الضيق لدور القضاء الفعال في مساعدة ودعم اجراءات التحكيم. فمن ناحية اولى، ان احترام ارادة اطراف اتفاق التحكيم لا يحول اطلاقاً دون تدخل القضاء لتذليل الصعوبات امام تشكيل الهيئة التحكيمية (1). ومن ناحية ثانية، ان دور القضاء المسهل لتشكيل الهيئة غير محصور فقط في حالة تعيين محكم بدلاً من الطرف المعتكف عن ذلك (2)؛ بل انه يشمل حالات عديدة اخرى يمكن للقضاء اعتمادها في اطار ادائه لهذا الدور (3).
(1) ان احترام ارادة الاطراف لا يتعارض مع دور القضاء في تذليل صعوبات تشكيل الهيئة
التحكيمية: تجدر الاشارة اولاً الى ان احترام ارادة اطراف الاتفاق على التحكيم لا تتعارض اطلاقاً مع الدور المساعد للقضاء، بل على العكس تماماً، فان تدخل القضاء في حالات عديدة في اجراءات التحكيم ليس الاّ اجراء من اجراءات تنفيذ الاتفاق على التحكيم29 de execution‘d modalites .la convention d’arbitrage فقانون اصول المحاكمات المدنية اعطى القضاء العادي سلطة التدخل في حالات عديدة حتى بغياب اتفاق الاطراف كما في حالة المادة /764/ وايضاً لاستكمال تشكيل الهيئة في حال تعيين الفرقاء لمحكمين بعدد زوجي (المادة /771/ فقرة /2/)، كما في حالة عزل احد المحكمين (المادة/ 

770/ فقرة /2/). كذلك في حالة الصعوبات التي تعترض تعيين المحكمين في التحكيم الدولي (المادة /810/)؛ وايضاً في حالة تمديد مدة التحكيم المتفق عليها أصلاً حتى بدون طلب ام موافقة الفرقاء (المادة /773/ فقرة /2/). وهنالك حالات عدة تدخل فيها القضاء العادي خلافاً لارادة
الاطراف، كما في حالة تعيين محكم فرد غير المحكم المسمى من الفرقاء في اتفاق التحكيم.30 وقد كان من الأجدى في هذا الاطار للقرار موضوع التحكيم، اللجوء الى مبدأ المساواة بين الاطراف المتعددة في تعيين المحكمين وتشكيل الهيئة التحكيمية، المكرس في قرار Dutco، بدلاً من مبدأ احترام ارادة الطرفين، الذي لا يحول اطلاقاً دون تدخل القضاء في حالات عدة دعماً وتسهيلاً للتحكيم ومنعاً لعرقلة اجراءاته وشكلها.31 هذا مع العلم ان مبدأ المساواة ذاته، لا يحول
كذلك دون تدخل القضاء لايجاد الحلول لمسألة تشكيل الهيئة في التحكيم المتعدد الاطراف.
(2) ان تدخل القضاء العادي في تشكيل هيئة التحكيم غير محصور بحالة تعيين محكم بدلاً من
الخصم الممتنع: هنا ايضاً لا يبدو التعليل الذي اعتمده القرار موضوع التعليق موفقاً فالمادة /764م.م.أ/ . تنص على انه "اذا حصل بعد نشوء النزاع ان قامت عقبة في سبيل تعيين المحكم او المحكمين...
او لدى تطبيق طريقة تعيينهم،فيطلب تعيينهم من رئيس الغرفة الابتدائية". إن هذا النص (المقابل لنص المادة /1444/ محاكمات مدنية فرنسي) يتحدث عن "عقبة" في طريقة تعيين المحكمين. وقد استقر الفقه والاجتهاد على اعتماد اوسع تفسير لمفهوم "العقبة" (Difficulte)، فلم تحصر هذه العقبة بحالة تمنع أحد الخصوم عن تعيين محكم عنه، بل تشمل عدداً غير محدد من الحالات تخرج احياناً عن ارادة الاطراف وتؤدي الى شلل في عملية تشكيل
الهيئة التحكيمية. نقرأ لفيليب فوشار بهذا الصدد:32
«Il est inutile, sans doute, de tenter de définir à l’avance et de manière
abstraite ce que peut être une « difficulté » dans la constitution d’un tribuna
 

 

arbitral. La notion est évidemment plus large que celle du litige ; elle
suppose seulement un défaut d’accord sur une question de personne, une
situation de refus ou de blocage. Et elle se déduira, en principe, du seul fait
qu’une partie –ou un arbitre – ait saisi le juge étatique. Les nombreuses
ordonnances citées ici en donnent autant d’exemples, et ne s’attachent
qu’assez rarement à qualifier la difficulté soumise à ce juge. L’opposition du
défendeur à une demande de désignation d’arbitre a été expressément
définie comme une « difficulté », mais il en sera de même pour tout
désaccord entre les parties ou les premiers arbitres sur la désignation d’un
arbitre unique ou d’un troisième arbitre. La difficulté de constitution du
tribunal arbitral n’a d’ailleurs pas toujours sa cause dans l’attitude
personnelle des parties ou des premiers arbitres ; elle résulte parfois de
circonstances objectives, tenant au système de désignation prévu par la
convention d’arbitrage ou le règlement de l’institution arbitrale choisie.
Le tiers préconstitué peut être improprement ou insuffisamment désigné, ou
encore il peut refuser d’exercer la mission de désignation qui lui a été
confiée. L’institution permanente d’arbitrage peut également se déclarer
incompétente pour intervenir, par exemple en raison de la nature du litige ;
enfin – mais l’hypothèse sera exceptionnelle – son système de
désignation pourrait se révéler inefficace ou se trouver paralysé.» اما حدود تدخل القضاء العادي، فقد حددتها المادة /764/ فقرة /2م.م.ا/ . بحالتي البطلان الواضح manifeste-nullite للبند التحكيمي او عدم كفايته insuffisance. وهذا ما يقتضي التوقف عنده في القرار موضوع التعليق.
(أ) بالنسبة الى بطلان البند التحكيم: لقد اثار بعض اطراف النزاع في القضية موضوع التعليق مسألة بطلان البند التحكيمي الوارد في نظام شركة BUMC، بالنظر في كيفية تعيين المحكمين. الاّ ان هذا البطلان يجب ان يكون غير قابل للنقاش incontestable وواضح evident ويجب ان يفسر بصورة ضيقة للغاية33 . في حين انه سبقت الاشارة في القسم الاول من هذا التعليق الى ان الاجتهاد الفرنسي لا
يعتبر البنود التحكيمية المشابهة للبند موضوع البحث باطلة، لعدم مخالفتها لمبدأ المساواة بين
الاطراف المتعددة. هذا فضلاً عن ان البطلان يجب ان يكون واقعاً منذ صياغة البند، فلا يعقل ان

يكون البند صحيحاً في حالة ثنائية الاطراف وباطلاً لدى تعددهم! وهذا ما يطبق ايضاً على عدم
الكفاية.
ب( ) فيما يتعلق بعدم الكفاية:
إن عدم الكفاية يقتضي ايضاً تفسيره حصراً34 ؛ فلا يعتبر البند التحكيمي غير كافٍ الاّ في
حالات استثنائية للغاية كالبند التحكيمي "على بياض" (blanche clause)، حيث يكتفي الاطراف
بالنص على اللجوء الى التحكيم دون اية تفاصيل أخرى، ما يعتبر غير كافٍ في التحكيم الداخلي.35 أما البند التحكيمي الوارد في نظام الشركة، فلا يمكن وصفه بغير الكافي، لأنه لم يكن
ليطرح اية مشكلة فيما لو انحصر النزاع بين فريقين فقط، كما لو اكتفى السيد سمير بستاني بالتقدم بطلب التحكيم بمواجهة شركة BUMC دون سائر الفرقاء. وبالتالي فان مفهوم "عدم الكفاية" هو ذلك الذي يحول دون تشكيل الهيئة بشكل مطلق، وليس فقط الذي جعلها صعبة ومعقدة بعض الشيء كما في حالتنا. فهذه الصعوبة هي التي عناها المشترع في المادة /764م.م.أ/ . حين تحدث عن "عقبة" في تشكيل الهيئة والتي اناط بالقضاء العادي اختصاص حلها. وبالتالي، فان المعيار الواجب اعتماده هنا يقوم على التفرقة بين مبدأ اللجوء الى التحكيم الذي لا تشوبه شائبة في الحالة موضوع التعليق وبين صعوبات تطبيقه في حالة تعدد الاطراف.36 ففي هذه الحالة الاخيرة، واذا ما تأكد القاضي من صحة ارادة الطرفين باللجوء الى التحكيم، فانه يتدخل عندها للمساعدة في حل الصعوبات التي تعترض تشكيل الهيئة، على الرغم من صعوبة الآليات المحددة في الاتفاق التحكيمي ولا يقوم القاضي باعلان البطلان او عدم الكفاية في هذه الحالة والاّ كان متجاوزاً لسلطته37 :
«Le président du tribunal qui refuse de prêter son concours à la
constitution du tribunal arbitral au motif de l’existence d’une difficulté
sérieuse excède ses pouvoirs.»

3) ما هي الحلول التي يمكن للقضاء العادي اعتمادها لتشكيل الهيئة في حالة تعدد اطراف
التحكيم؟ إن الحلول التي ابتكرها القضاء لتبديد صعوبات تشكيل الهيئة التحكيمية هي متعددة وترتبط بالقانون المطبق على اجراءات التحكيم. لقد اقترح بعض الفقه والاجتهاد حلولاً تختلـف في مدى قابليتهـا للتطبيـق علـى الحالـة موضوع التعليق. ولكن قبل الخوض في هذه الحلول والاقتراحات لا بد من اسـتبعاد فئـة مـن الحلول يتم اعتمادها في بعض الانظمة القانونيـة التي تسمحـ بـضـم الاجـراءات التحكيميـة ًقضائيا forcee consolidation من اجل معالجة الصعوبات التـي يطرحهـا تـشكيل الهيئـة التحكيمية في الاجراءات المتعددة الاطراف، ومن بين هذه الانظمة نذكر على سبيل المثال ولايتي فلوريدا38 وكاليفورنيا39 الاميركيتين وهولندا40 . الاّ ان هذه الحلول القائمة على ضم عدة اجراءات تحكيمية قائمة بين عدة اطراف جبراً ضمن تحكيم واحد في حال التلازم فيمـا بينهـا، لا يمكـن الاستعانة بها في نظامنا القانوني الذي لا يتضمن نصاً قانونياً يتيح ذلك41 (مع العلم ان الامر يبقى ممكناً باتفاق الاطراف). وبالعودة الى الحلول الاخرى التي تم اقتراحها فيمكن توزيعها على فئات ثلاث.
(أ) فئة الحلول القائمة على زيادة عدد المحكمين في حال تعارض المصالح بين جميع اطراف
التحكيم: يقوم هذا الحل على اعتماد آلية تشكيل الهيئة ذاتها كما وردت في البند التحكيمي، فيقوم كل
 

طرف بتعيين محكم، تماماً كما حصل في القضية موضوع التعليق. وتطبيقاً لمبدأ المساواة يرى بعض الفقه في مصر مثلاً، ان يختار الطرف المحتكم (اي السيد سمير بستاني فيما لو طبقنا الحل على القضية الراهنة) محكماً اضافياً، فيصبح عدد المحكمين المعينين من الاطراف اربعة، ويقوم هؤلاء عندها بتعيين محكم خامس احتراماً للوترية ويجري التحكيم امام هيئة من خمسة
محكمين.42 وقد توصلت احدى المحاكم الاميركية الى حل مشابه بعض الشيء في قضية Neureus
SA Shipping مثلاً43، حيث قررت، امام تعدد اطراف التحكيم، تشكيل هيئة من خمسة اعضاء يعين كل من الاطراف الثلاثة واحداً منهم. ثم يعين المحكمون الثلاثة اثنين اضافيين وفي حال عدم الاتفاق تعينهما المحكمة 

ان هذا الحل يطرح، برأينا، مشكلتين في اطار القضية موضوع التعليق: فهو من ناحية اولى، يثير - حقيقة هذه المرة- مسألة تعارض تشكيل الهيئة مع ارادة الاطراف الذين نصوا في اتفاقهم صراحة على انشاء هيئة من ثلاثة محكمين. ومن جهة ثانية، ان تكبير حجم هيئة التحكيم بهذا الشكل قد يطرح عدة اسئلة تتعلق بفاعلية efficacite – Efficiency التحكيم وكلفته واطالة أمده الخ...44 .
ب( ) فئة الحلول القائمة على الطلب الى الفرقاء المتحدي المصالح تعيين محكم واحد عنهم: لا يتبين من القرار موضوع التعليق بوضوح ما اذا كان هنالك من تضارب ام وحدة في المصالح بين شركة BUMC والسيدين بستاني المحتكم بوجههما لكي يتبين ما اذا كان يصح الطلب اليهما تعيين محكم واحد، ام عدمه. ويبدو ان القرار قد جاء بصيغة مطلقة لناحية رفض تطبيق هذا الحل اسوة بما سار عليه قرار Dutco في فرنسا. ولكن هذا الرفض للبحث في هذا الحل بالمطلق من قبل رئيس المحكمة ودون التطرق الى موضوع تضارب مصالح الاطراف او اتحادها، قد لا يكون في محله، على الرغم من المبدأ الذي
 

أرساه قرار Dutco. فهذا الحل القائم على الطلب الى الفرقاء المتحدي المصالح تعيين محكم واحد يجد اساساً قانونياً له في التحكيم الدولي المؤسسي في ضوء ممارسة غرفة التجارة الدولية اثر صدور القرار بقضية Dutco في حال اتحاد مصالح الاطراف المحتكم ضدها والتي اشرنا اليها سابقاً بالنسبة الى التحكيمات الجارية خارج فرنسا. ويجد هذا الحل كذلك تأييداً في التحكيم الخاص hoc ad من قبل الفقه، الذي لا يرى في ذلك تعارضاً مع مبدأ مساواة الاطراف في
تشكيل الهيئة التحكيمية، حتى في غياب نص قانوني صريح يجيز ذلك للقضاء العادي.45 ونقرأ بهذا الصدد لماتيو دو بواسيزون Boisseson de Mathieu في ما يتعلق بالتحكيم الدولي الجاري في فرنسا والخاضع لقانون الاجراءات الفرنسي: 

 

« L’arbitrage ad hoc à Paris
Si les défendeurs contestant, à la réception d’une requête d’arbitrage,
leur obligation de désigner en commun un arbitre, afin que cet arbitre
nomme à son tour, en compagnie de l’arbitre désigné par le demandeur, un
troisième arbitre, il pourrait avoir recours à l’assistance du président du
tribunal de grande instance de Paris. En effet, le texte de l’article 1493 du
Nouveau Code de procédure civile énonce que « si pour les arbitrages se
déroulant en France…, la constitution du tribunal arbitral se heurte à une
difficulté, la partie la plus diligence peut, sauf clause contraire, saisir le
président du tribunal de grande instance de Paris selon les modalités de
l’article 1457 ».
Le Président serait donc certainement compétent pour résoudre une telle
difficulté. On se rappelle que a jurisprudence est guidée par le souci de
respecter la volonté des parties. Sauf circonstances particulières, sa solution
reviendrait sans doute à enjoindre aux deux parties défenderesses de
désigner en commun un arbitre, à moins qu’il estime, notamment au
regard de l’égalité des parties et des conventions internationales signées par
la France, qu’une autre solution s’impose. » وهذا الحل كان من الممكن اعتماده في القضية موضوع التعليق، بالنظر الى تشابه النصوص القانونية بين لبنان وفرنسا، ولاسيما في ضوء المادة /810.م.م.أ/ ، التي تحيل في التحكيم الدولي على المادة /774/ المطبقة في التحكيم الداخلي والتي بدورها تحيل على المواد
 /

764/ /و 771/ و /773م.م.أ/ . ولا سيما ان مبدأ المساواة في تشكيل الهيئة التحكيمية الذي ثبته قرار Dutco لا يعني بحسب المعلقين، حق كل فريق في تعيين "محكمه"، بل مساواتهم في آلية
تشكيل الهيئة.47 وان احترام هذا المبدأ لا يمنع من اعتماد حلول اكثر "ليبرالية" تلافياً للصعوبة الناشئة في تشكيل الهيئة، بدلاً من الامتناع عن الخوض في هذه المسألة.48 وبالطبع لا بد من التذكير بأن اعتماد هذا الحل قد يكون أسهل في حال اتحاد المصالح في النزاع بين الاطراف المحتكم ضدها عل( ماً ان هذا الأمر ام عدمه، لا يظهران بوضوح من القرار موضوع التعليق). أما في حال وجود تعارض جدي في مصالح جميع الاطراف، فإن الباب يبقى مفتوحاً لايجاد حل عن طريق فصل الاجراءات والسير بتحكيمين مستقلين.
ج( ) فئة الحلول القائمة على السير باجراءات تحكيمية مستقلة ومتعددة وفقاً لتعدد الاطراف
وتعارض مصالحهم: إن البند التحكيمي الوارد في نظام شركة BUMC في القضية موضوع التعليق، لا ينص اطلاقاً على وجوب السير باجراءات تحكيمية واحدة بين جميع الاطراف، بل ان خيار اعتماد
تحكيمين مستقلين (او حتى اكثر) يبقى مفتوحاً. وكان يمكن للمحتكم التقدم بطلبه في هذه
الصيغة بدلاً من تلك التي جاء فيها في القضية الراهنة.49 ولكن لم يكن هنالك ايضاً ما يمنع رئيس المحكمة من الطلب الى المحتكم تعديل صيغة طلبه على غرار ما كانت تفعله محكمة التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية في حالات مشابهة قبل تعديل قواعدها. اما قرار رئيس محكمة باريس الصادر عام 1997 بقضية Preatoni /c Spefin والذي جرى بحثه سابقاً في هذا التعليق، فلا نرى انه أرسى اجتهاداً مبدئياً de jurisprudence
principe يحول دون السير في هذا الطريق، نظراً لكونه قراراً ابتدائياً ووحيداً في هذا المجال وبالنظر الى الوقائع والظروف التي صدر في ظلها .

 

وفي هذه الحالة، ليس هنالك ما يمنع من اعتماد الرئيس ذاته للهيئتين التحكيميتين كما سبقت الاشارة اليه، واعتماد اجراءات متناغمة بين التحكيمين لتفادي صدور أحكام متناقضة.50 وإن هذا الحل، وان لم يكن الامثل لناحية الكلفة والوقت، من شأنه ان يحافظ على ارادة الاطراف الذين ارادوا انشاء هيئة من ثلاثة اعضاء مع احترام حقهم في المساواة المتمثل بالتأثير
المتساوي لكل منهم في تشكيل الهيئة التحكيمية التي ستنظر في نزاعهم. لا بد من الاشارة اخيراً، الى ان اعتماد مثل هذا الحل قد يكون من شانه عملياً حمل الاطراف على الاتفاق على ضم التحكيمين وعلى كيفية اعادة تشكيل الهيئة التحكيمية. وهذا الامر يبقى مفتوحاً في حال توافق الاطراف عليه.

خلاصة: كما رأينا، ليس هنالك من حل مثالي ونمطي للصعوبات التي يثيرها تشكيل الهيئة التحكيمية في الاجراءات المتعددة الاطراف. لكن الممارسة العملية تُظهر ان رجال القانون لا يعدمون وسيلة من اجل المساعدة على حل الصعوبات احتراماً لارادة الاطراف باللجوء الى التحكيم. وهذا ما فعلته معظم مؤسسات التحكيم بعد صدور قرار Dutco وحتى قبل تعديل قواعدها لتكريس الحلول العملية التي كانت توصلت اليها بالممارسة. ولكن المفاجىء ان يمتنع القضاء العادي عن مواجهة تلك الصعوبات، في حين يمنحه القانون السلطة الأمرية imperium التي تفتقدها المؤسسات التحكيمية الخاصة. وغني عن القول ان النتيجة التي توصل اليها القرار موضوع التعليق في حال تكرست،
 

يخشى معها ان تتيح للخصوم السيئي النية التهرب من التزامهم التعاقدي بعرض نزاعاتهم على التحكيم، عن طريق التذرع بتعدد الاطراف ومبدأ المساواة للمطالبة بابطال الاتفاق على التحكيم او على الاقل عرقلة بدء الاجراءات.

 

هل يقتضي اذاً الرجوع عن مبدأ المساواة الذي أرساه قرار Dutco، ام أنه يقتضي إدخال تعديل تشريعي لحل الصعوبة الناشئة هنا؟ لا نعتقد ان هنالك من ضرورة لاي من الحلين. فمبدأ المساواة الذي رأينا انه لا يعني بالضرورة حق كل طرف في تعيين "محكمه"، بل مساهمته في تشكيل الهيئة بصورة متساوية مع الاطراف الآخرين53 يبقى حتى بالنسبة الى محكمة التمييز الفرنسية في قرارها بقضية Dutco، قابلاً للتنازل عنه بعد نشوء النزاع. مما يحمل على التساؤل عن الفرق وعن الهدف من هذه الحماية الزائدة للاطراف لدى اتفاقهم على التحكيم في حين يمكنهم التنازل عن تلك الحماية لدى وضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ؟54 أو ليس ابرامهم اتفاق التحكيم الذي ينص على ثلاثية عدد المحكمين مع علمهم بتعدد عددهم كاطراف تجاوز الثلاثة، تنازلاً واعياً عن تلك الحماية المفرطة التي ذهب اليها القرار؟55 . فلا يكون احترام المساواة معيقاً لتشكيل الهيئة .

 

اما الحاجة الى تعديل تشريعي، فلا يبدو أنه من المستحب ادخال نصوص جديدة تجيز للقضاء ضم الخصومات التحكيمية جبراً، كما في انظمة قانونية أخرى، او إدخال نصوص تشريعية على غرار المادة /10/ من قواعد غرفة التحكيم الدولية في صلب نظامنا القانوني. والحقيقة ان الحاجة الى هكذا تعديل تنتفي متى تيقّن القضاء العادي انه ليس مجرداً من السلطة الأمرية imperium، مما يمنعه من البقاء مكتوف الايدي امام الصعوبات التي تعترض تشكيل الهيئة التحكيمية، كما حصل في القرار موضوع التعليق. بل على العكس تماماً فان قانون التحكيم قد تطور اساساً بفضل التدخل الجريء للقضاء لمساعدة التحكيم ودعمه. أوليس مبدأ استقلالية البند التحكيمي compromissoire clause la de autonomie أحد ابرز الامثلة على ذلك؟ كذلك، ان مبدأ احترام ارادة الاطراف التي ارتكز عليها القرار موضوع التعليق، او حتى مبدأ المساواة الذي أرساه قرار Dutco، لا يتعارضان اطلاقاً مع الدور الخلاق للقضاء في حل الصعوبات التي تعترض التحكيم في مثل الحالة الراهنة فان التدخل القضائي هنا يؤدي من جهة، الى حماية حق المساواة بالنسبة الى الطرف المحتكم الذي عين محكماً من قبله، احترام حقه في تعيين هذا المحكم. ومن ناحية ثانية، ان تدخل القاضي للمساعدة في تشكيل الهيئة والمساعدة في اطلاق اجراءات التحكيم من شأنه كذلك احترام الارادة الحقيقية للاطراف جميعاً بعرض نزاعهم على التحكيم والذي يجب ان يعلو على ما عداه.

واخيراً، واذا كان هنالك من امثولة يجب استخلاصها من القرار موضوع التعليق، فهي ضرورة حسن صياغة الاتفاق على التحكيم تفادياً للصعوبات من ناحية، ومن ناحية اخرى، كيفية اللجوء الى القضاء العادي طلباً لمساعدته في تذليل تلك الصعوبات في حال نشوئها ودقة تحديد المهمة المطلوبة من القاضي في ادائه لدوره .