لم يشترط القانون المصرى السابق لصحة عقد التحكيم الاتفاق على شخص المحكم، وهذا على خلاف القانون الفرنسي الذي يوجب ذلك وإلا كان العقد باطلا (المادة ١٠٠٦ من قانون المرافعات الفرنسي ) ، والذي يوجب انقضاء التحكيم إذا توفى الحكم ( المادة ١٠١٢ من قانون المرافعات الفرنسي)
و كانت المادة ٨٢٥ من قانون المرافعات المصرى السابق تنص على أنه إذا وقعت المنازعة ولم يتفق الخصوم على المحكمين أو قام مانع من مباشرتهم له ، ولم يكن هناك شرط خاص بين الخصوم في هذا الصدد عينت المحكمة التي من اختصاصها أصلا نظر النزاع من يلزم من المحكمين بناء على طلب من يهمه تعجيل نظر النزاع من الخصوم .
ولعل أهم مستحدثات القانون المصرى الحديد في باب التحكيم هو بالنص على أنه ومع مراعاة ما تقضى به القوانين الخاصة يجب تعيين أشخاص المحكمين في الاتفاق على التحكيم أو في اتفاق مستقل ، ( م ٣/٥٠٢) والنص بالتالي على أن أحكام المحكمين لا تقبل الطعن فيها بالاستئناف ( م ٥١٠ ) .
وجاء في المذكرة التفسيرية للقانون لتبرير ما تقدم .... ان الثقة في حسن تقدير المحكم وفي حسن عدالته هي في الأصل مبعث الاتفاق على التحكيم ..
وقلنا من قبل ( حقيقة المقصود من التحكيم الاستغناء به عن الالتجاء إلى القضاء ، وكثيرا ما تكون الثقة في حسن تقدير المحكم وفي حسن عدالته هي مبعث الاتفاق على التحكيم ، ومن هذا الاتفاق ينبثق الحكم ، لهذا يكون من المغالاة فى التمسك بالشكليات ، بل نقول من المغالاة في تحقق ضمانات الخصوم أن يكون حكم المحكم قابلا للطعن . ومن الغريب أن يجيز المشرع التحكيم، ثم يجيز استئناف حكم المحكم أمام المحاكم وتأخذ بعدئذ الاجراءات سبيلها إلى طبقات المحاكم المختلفة بينما تكون قد بدأت بالتحكيم بقصد تفادي السير في هذه الاجراءات واختصارها ) .
وللأسباب المتقدمة نص القانون الجديد أيضاً على أن المحكمين يصدرون حكمهم غير مقيدين باجراءات المرافعات هذا ما نص عليه في باب التحكيم () (م١/٥٠٦).
وجاءت هذه العبارة المتقدمة بذاتها فى المذكرة التفسيرية للمادة ٥٠٤ من القانون الجديد التي تنص على أنه الخصومة أمام المحكم تنقطع إذا قام سبب من أسباب انقطاع الخصومة المقررة فى هذا القانون ، ويترتب على هذا الانقطاع الآثار المقررة في هذا القانون ).
وقلنا أيضاً إنه يجب النص صراحة على أن تنفيذ الحكم يقف بقوة القانون بمجرد رفع الدجوى بطلانه. وجاءت المادة ٣/٥١٣ من القانون الجديد تنص على أنه و يترتب على رفع الدهرى يعالان حكم المحكمين وقف تنفيذه ما لم تقبض المحكمة باستمرار هذا التنفيذ .
ويستوى أن يتم الاتفاق على شخص المحكم في صلب عقد التحكيم شرط أو مشارطة - أو يتم في اتفاق مستقل. ويستوى أن يكون هذا الاتفاق المستقل سابقاً العقد أو تالياً عليه .
والجدير بالذكر أن القانون السابق الذي كان يوجب في التحكيم بالصلح ذكر جميع أسماء المحكمين المصالحين في صلب العقد وإلا كان باطلا كان يجيز اتفاق الخصوم على المحكمين المصالحين في عقد مستقل بشرط أن يكون هذا العقد سابقاً على عند التحكيم (م ٨٢٤ من القانون السابق ) : وذلك حتى يتحقق القانون تماماً من أن أسماء المحكمين المصالحين كانت واضحة جلية في أذهان الخصوم قبل الاتفاق على التحكيم ، وأن هذه الأسماء هى التى أوحت إليهم بالثقة في اجراء التحكيم بالصلح .
ولقد أحسن القانون الجديد بعدم النصر على ترتيب زمني بين الاتفاق على التحكيم والاتفاق على شخص المحكم ، أن الجائز أن يهما معاً أو أن يتم هذا قبل ذاك أو بعده.
وإذا اتفق فى عقد تحكيم على ثلاثة محكمين ، وتم اختيار أحدهم فقط ، وحضر الخصوم أمامه جلسة التحكيم ، فان هذا يعتبر بمثابة تعديل لعقد التحكيم والاكتفاء محكم واحد .
وإنما إذا اتفق على ثلاثة محكمين، وتم اختيار اثنين منهم فقط، وحضر الخصوم أمامهما جلسات التحكيم فان هذا لا يصحح البطلان المنصوص عنه في المادة ٢/٥٠٢ التي توجب عند تعدد المحكمين أن يكون عددهم وترا . ولا بد - حتى ينفذ عقد التحكيم من اختيار المحكم الثالث .
ومن الحائز اتفاق الخصوم على تحويل شخص - معين باسمه أو بصفته اختيار المحكم أو المحكمين .
كذلك من الجائز تعيين المحكم بصفته إذا كانت هذه تصلح لتحديد شخص معين بذاته
وبناء على ما تقدم لا يوجد تحكيم ولو لم يكن الحكم مفوضاً باله بالصلح إن لم يتفق الخصوم على شخص المحكم ، ولا قيمة لعقد تحكيم لا يتفق الخصوم فيه أو في ورقة لاحقة أو سابقة على اسمه ، فالعقد لا ينفد في هذا الصدد .
وتوحى الفقرة الثالثة من المادة ٥٠٢ بأن التعاقد على التحكيم قد يتم على مرحلتين ، المرحلة الأولى هي الاتفاق على حسم النزاع بالتحكيم ، والمرحلة الثانية هي الاتفاق على شخص المحكم .
ويثور الخلاف حول الطبيعة القانونية الاتفاق في مرحلته الأولى ، وفيما إذا كان يعتبر ملزماً للطرفين، بحيث يتعين عليهما اتمامه بالاتفاق على شخص المحكم أم أن كلا منها يملك التحلل منه. وفى الفرض الأول يلتزم المخل بالتزامه بالتعريض فضلا عن جواز توقيع غرامة تهديدية عليه حتى يقوم بتنفيذ ما التزم به عيناً .
وقد يقال ان الاتفاق على التحكيم دون الاتفاق على شخص المحكم يعتبر عقدا معلقا على شرط واقف لأن هذا الشرط ، وإن كان شرطا إرادياً متروك المطلق إرادة الملتزم إلا أنه يتصل بعقد ملزم للجانبين ، إذا اتفق الطرفان على شخص المحكم تحقق الشرط بأثر فوري .
وقد يقال أيضاً فى تكييف عقد التحكيم الذي لا يتفق بصدده على شخص المحكم انه يعتبر قابلا للابطال ( أي باطلا بطلانا نسبياً ) وان الاتفاق بعدئذ على شخص المحكم يزيل هذا البطلان . وقد قيل فعلا في فرنسا أن شرط التحكيم يكون باطلا بطلانا نسبياً لعدم تضمنه موضوع النزاع وأسماء المحكمين وفقاً لما نقضى به صراحة المادة ١٠٠٦ من قانون المرافعات الفرنسي ، و أن شرط التحكيم ينشىء التزاما بعمل ومن ثم لا يمكن اجبار المتعاقد على تنفيذ ما التزم به و اختيار المحكمين عملا بالمادة ١٠٠٦ المتقدمة ، وأن هذا البطلان النسبي يزول ( بغير أثر رجعى ) إذا تم تنفيذ الشرط اختيارا ، أو تم قبول الشرط بعد قيام الخلاف .
وحكم - في ظل القانون السابق الذي يوجب في التحكيم بالصلح أن يكون عدد المحكمين وترا ، وأن تعين أسماء المحكمين في المشارطة أو في عقد سابق عليها عملا بالمادة ٨٢٣ والمادة ٨٢٤ منه - أن البطلان الناشيء عن مخالفة ذلك هو بطلان من النظام العام .
وفي نظرنا أن محل عقد التحكيم قد أصبح بمقتضى قانون المرافعات الجديد هو الاتفاق على حسم النزاع بواسطة محكم معين بشخصه : ولم يعد هذا المحل مجرد اتفاق الخصوم على طرحه على محكم دون المحكمة المختصة أصلا ينظر النزاع، بحيث إذا لم يتم الاتفاق على شخص الحكم في صلب عقد التحكيم أو فى عقد مستقل لا نكون أمام عقد تحكيم بسبب تخلف محله وانتفائه : فيكون التحكيم باولا بطلاناً مطلقاً ، وقد يعد معدوما في رأى كفر ، ومثل ذلك مثل عقاء بيع يفتقر إلى محله ..
واذن . وأياً كان الرأى في صدد تكييف عقد التحكيم الذي لا يتفق فيه على شخص المحكم ، فان التحكيم لا ينفذ ولا تترتب آثاره الايجابية أو أثره السلبي بامتناع المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع من نظره – إلا باتفاق الخصوم على شخص المحكم .
وإذا توفى المحكم أو فقد أهليته أو اعتزل ، أو حكم برده ، فلا ينفذ عقد التحكيم إلا باتفاق جديد من الخصوم على شخصص الحكم الجديد . وكذلك الحال إذا حرم المحكم من حقوقه المدنية بسبب عقوبة جنائية أو أفلس دون أن يرد له اعتباره ، ولا تملك المحكمة في كل الحالات المتقدمة أو في أية حالة أخرى تعيين المحكم.
و هكذا يختلف القانون الجديد عن القانون السابق اختلافاً جوهرياً في هذا الصدد ذلك لأن القانون السابق كان يجيز التحكيم بالقضاء بغير اتفاق على شخص المحكم : ويجيز للمحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع تعيين المحكم (م ٨٢٥ منه ) . أما في التحكيم بالصلح في القانون السابق. فقد كان يجب اتفاق الخصوم على شخص الحكم وإلا كان التحكم باطلا .
و يستثنى القانون الجديد مما تقدم ما قد تقضى به أية قوانين خاصة .
ويلاحظ أن القانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٦٦ يحدد كيفية تشكيل هيئات التحكيم إلى تنظر المنازعات الناشئة بين شركات القطاع العام والمنازعات بينها وبين جهات الحكومة . كما يلاحظ أن القرارات الصادرة من تلك الهيئات لا تعتبر بمثابة عمل قضائى بمعناه الخاص ، لأن العمل القضائي لا يصدر إلا في خصومة تتوافر فيها الغيرية بين طرفيها ، فاذا كان المدعى هو المدعى عليه لا تنشأ الخصومة l'instance ، فلا تعتبر بمثابة خصومة تلك التى تنشأ بين شركات القطاع العام أو بين الحكومة وتلك الشركات ، لأنه وإن كان لكل شركة من تلك الشركات شخصيتها المعنوية وشكلها القانونى كشركة، وإن كانت تملك مقاضاة الخير وعملك الغير مقاضانها إلا أن اجتماع جميع أسهمها في يد شخص واحد هو الدولة ينفى حتما الغيرية في المنازعات التى تنشأ فيما بينها. ومن المتصور أن يخض تلك المنازعات المتقدمة ووالي بقصد منها في الواقع القاء الالتزامات والخصوم من ميزانية شركة إلى أخرى) بواساطة لجنة إدارية أو لجنة وزارية . كل هذا ما لم ينص في صلب القانون على أن يكون للعاملين في الشركة نصيب محدد من الأرباح، عندئذ تتوافر للشركة مصلحة جدية أكيدة في منازعتها مع الشركات الأخرى أو مع المصالح الحكومية .
إذا أبرم عقد تحكيم في ظل القانون السابق ، ولم يتفق فيه على شخص المحكم ، فان العقد لا ينفذ في ظل القانون الحديد، ولا يجرى التحكيم إلا بعد اتفاق على شخص المحنكم ، لأن المادة ٣/٥٠٢ من القانون الحديد لا تعتد ] بالتحكيم أو باجرائه إلا إذا اتفق الخصوم على شخص المحكم ، ولأن قانون المرافعات الجديد لم تعاد فيه وسيلة مقررة لتعيين المحكم ، وكل هذه القواعد أساسية من النظام العام .
وتجيز المادة ۸۲۹ من القانون اللبنانى الاتفاق على تعيين محكم واحد أو الاتفاق على أن كل طرف يعين حكما ، على أن يكون المحكمين اختيار حكم ثالث ( أو إضافى ) ليكون له الصوت المرجح إذا لم يتحدر أيهما. وان لم يتمكنا من اختيار الحكم الثالث جاز الالتجاء إلى رئيس المحكمة لتعيينه .
وتجيز المادة ۸۳۲ من القانون اللبنانى أن يعين شرط التحكيم المحكم أو المحكمين بصفتهم :
وينقضى التحكيم دون حكم فيه إذا توفى أحد المحكمين أو قام مانع يحول دون قيامه بمهمته ، ولم يتفق الخصوم على تعيين غيره . ولا يملك رئيس المحكمة تعيين من يحل محله ، لأن سلطته المقررة في المادة ۸۲۹ المتقدمة الاشارة إليها مقصورة على تعيين الحكم الثالث . وتنص المادة ٨٤٧ من القانون اللبناني على أنه إذا كان عقد التحكيم قد نص على تعيين محكم واحد ، وامتنع هذا المحكم عن القيام بالعمل ، جاز لكل خصم أن يعدل من التحكيم .