وهي الوظيفة الأكثر قربا لمهمة المحكم وبتحليل وظيفة القاضي نجد ان لهذه الوظيفة جانبين جانب سلطوي (ان صح التعبير) وجانب عملي.
ففي الجانب العملي من وظيفة القاضي يقوم الأخير بفض النزاعات وقطع الخصومات وذلك بتقدير المقصر وتحديد الجزاء مدنية كان أم جزائيا ويكتسب قراره حجية الشيء المقضى به لكي لاتنظر الدعوى ويحكم فيها مرتين ويصبح عنوان الصحة فضا للنزاع.
اما الجانب السلطوي فهو تمثيله لسلطة مستقلة من سلطات الدولة التي تظهر من خلالها كصاحبة السلطان فتفرض الأمن والاستقرار من خلال فض النزاعات بهذا الطريق.
ويوفر هذا الجانب للقاضي الهيبة والحماية للجانب العملي من وظيفته وذلك بأن يفرض القرار الذي يصدره بقوة القانون ويحوز هذه القوة بمجرد اصداره منه ويجبر الخصوم والشهود أو أي شخص على الحضور امامه ويفرض عقوبة على من يتخلف عن الحضور ومع هذا نقول أن المحكم يختلف عن القاضي في:
۰۴ تمتع وظيفة القاضي بالدوام النسبي وولايته في الفصل في المنازعات الأصل انها مطلقة وتشمل ما يثار من منازعات الا اذا حدد النص القانوني ولايته.
بينما تكون وظيفة المحكم مؤقته وتنتهي بانتهاء مهمته ويرسم القانون حدودها العامة ويترك للإرادة حيزا للتصرف في هذه الولاية ضيقة واتساعة.
۰۳ فرار القاضي له حجية الشيء المقضي به وهو عنوان الحقيقة وله قابلية التنفيذ بحكم القانون بينما حكم المحكم وان كانت له حجية الشيء المقضي به الا انه ليس له قابلية التنفيذ الا بتدخل القضاء.
وعليه نستنتج من هذا الكلام ان المحكم قاض اذا نظرنا للجانب العملي من وظيفة القاضي فقط دون الجانب السلطوي.
فالمحكم يقوم بفض منازعات معينة ويصدر فيها أحكاما تحوز حجية الشيء المقضي به غير انه يفتقد إلى الجانب السلطوي الذي يتمتع به القاضي.
فالتحكيم فضاء - ان صح التعبير - ينظر المشرع اليه بعين القصور لذا بحرمه مما يغدق به على النظام القضائي وان كان لايخفى احساس المشرع ونظرته للتحكيم بنظرة اقرب مانگون للقضاء منها إلى أي شيء آخر... فهو ان صح القول قضاء تحكيمي تحت التجربة ومرحلة اولية للوصول إلى الفضاء التحكيمي المنظم، فهو فضاء لم يصل حد التنظيم المتكامل من قبل الدولة.
فالقانون حدد خطوطه الأساسية التي تكفل الحفاظ على النظام العام وتكفل تحقيق اهداف وجوده وترك البافي لتحددها ارادة الأطراف.
ولم يترك الأمر بجري دون اشراف فاستوجب استحصال قرار قضائي لمكتسب حكم
التحكيم قوة التنفيذ.
وقد وفر للتحكيم الحماية التي وفرها للقضاء في بعض الحالات كحالة اجبار الخصوم والشهود على الحضور امام المحكم وفرض العقوبات المترتبة قانونا على هذه الحالة ولكنه اشترط الرجوع للقضاء لاستعمال هذه الحماية.
ولا اراه بعيدا ذلك الزمن الذي يعطي فيه للتحكيم المنظم سلطة قضائية كاملة.
وهذا الكلام ان كان قد طبق على التحكيم الداخلي فهو ينطبق من باب اولى على التحكيم التجاري الدولي لأن نشأة القضاء العادي بدأت بالتحكيم فلابد أن تبدأ نشأة القضاء التجاري الدولي بالتحكيم ايضا.