وهي الوظيفة الأكثر قرباً المهمة المحكم وبتحليل وظيفة القاضي نجد أن لهذه الوظيفة جانبين جانب سلطوي (إن صح التعبير) وجانب عملي.
ففي الجانب العملي من وظيفة القاضي يقوم الأخير بفض النزاعات وقطع الخصومات وذلك بتقدير المقصر وتحديد الجزاء مدنياً کان أم جزائياً ويكتسب قراره حجية الشيء المقضى به لكي لا تنظر الدعوى ويحكم فيها مرتين ويصبح عنوان الصحة فضاً للنزاع.
أما الجانب السلطوي فهو تمثيله لسلطة مستقلة من سلطات الدولة التي تظهر من خلالها كصاحبة السلطان فتفرض الأمن والاستقرار من خلال فض النزاعات بهذا الطريق.
ويوفر هذا الجانب للقاضي الهيبة والحماية للجانب العملي من وظيفته وذلك بأن يفرض القرار الذي يصدره بقوة القانون ويحوز هذه القوة بمجرد إصداره منه ويجبر الخصوم والشهود أو أي شخص على الحضور أمامه ويفرض عقوبة على من يتخلف عن الحضور ومع هذا نقول أن المحكم يختلف عن القاضي في:
تتمتع وظيفة القاضي بالدوام النسبي وولايته في الفصل في المنازعات الأصل أنها مطلقة وتشمل ما يثار من منازعات إلا إذا حدد النص القانوني ولايته.
بينما تكون وظيفة المحكم مؤقته وتنتهي بانتهاء مهمته ويرسم القانون حدودها العامة ويترك للإرادة حيزاً للتصرف في هذه الولاية ضيقة واتساعة.
. قرار القاضي له حجية الشيء المقضي به وهو عنوان الحقيقة وله قابلية التنفيذ بحكم القانون بينما حكم المحكم وإن كانت له حجية الشيء المقضي به إلا أنه ليس له قابلية التنفيذ إلا بتدخل القضاء
وعليه نستنتج من هذا الكلام أن المحكم قاض إذا نظرنا للجانب العملي من وظيفة القاضي فقط دون الجانب السلطوي.
فالمحكم يقوم بفض منازعات معينة ويصدر فيها أحكاماً تحوز حجية الشيء المقضي به غير أنه يفتقد إلى الجانب السلطوي الذي يتمتع به القاضي.
فالتحكيم قضاء - إن صح التعبير - ينظر المشرع إليه بعين القصور لذا يحرمه مما يغدق به على النظام القضائي وإن كان لا يخفى إحساس المشرع ونظرته للتحكيم بنظرة أقرب ما تكون للقضاء منها إلى أي شيء آخر... فهو إن صح القول قضاء تحكيمي تحت التجربة ومرحلة أولية للوصول إلى القضاء التحكيمي المنظم. فهو قضاء لم يصل حد التنظيم المتكامل من قبل الدولة.
فالقانون حدد خطوطه الأساسية التي تكفل الحفاظ على النظام العام وتكفل تحقيق أهداف وجوده وترك الباقي لتحددها إرادة الأطراف.
ولم يترك الأمر يجري دون إشراف فاستوجب استحصال قرار قضائي ليكتسب حكم التحكيم قوة التنفيذ.
وقد وفر للتحكيم الحماية التي وفرها للقضاء في بعض الحالات كحالة إجبار الخصوم والشهود على الحضور أمام المحكم وفرض العقوبات المترتبة قانوناً على هذه الحالة ولكنه اشترط الرجوع للقضاء لاستعمال هذه الحماية.
ولا أراه بعيداً ذلك الزمن الذي يعطي فيه للتحكيم المنظم سلطة قضائية كاملة.
وهذا الكلام إن كان قد طبق على التحكيم الداخلي فهو ينطبق من باب أولى على التحكيم التجاري الدولي لأن نشأة القضاء العادي بدأت بالتحكيم فلا بد أن تبدأ نشأة القضاء التجاري الدولي بالتحكيم ايضاً .