الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / تمييز عمل المحكم عن عمل القاضي / الكتب / التنظيم القانوني للمحكم / المركز القانوني للمحكم

  • الاسم

    دكتور طارق فهمي الغنام
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    17

التفاصيل طباعة نسخ

المركز القانوني للمحكم

    لقد اختلف الفقه حول تحديد المركز القانوني للمحكم فمنهم من يري أن المحكم يشغل مركز القاضي ومنهم من يري أن المحكم يشغل مركز الفرد العادي ومنهم من يرى أن المحكم يشغل مركز خاص بين مركز القاضي و مركز الفرد العادي وسوف نتناول هذه الموضوعات على النحو التالي: 

أ- المحكم يشغل مركز الفرد العادي:

   ويرى هذا الاتجاه أن المحكم هو شخص عادى عهدت إليه الأطراف بمهمة الفصل فيما ينشأ بينهم من نزاع و هو ليس قاضيا .

    ويرى بعض مؤيدي هذا الاتجاه أن الحكم الصادر من المحكم يعد عملاً من أعمال الإرادة الخاصة يستمد قوته من اتفاق الأطراف ، فالمحكم يستند في مهمته إلي مجرد عقد يتم قبل بدء إجراءات الخصومة ويخضع لما تخضع له عقود القانون الخاص، والمحكم فرد عادي يملك رفض أو قبول مهمته دون أن يعد منكراً للعدالة ولا يملك الخروج عن اتفاق الأطراف الذين يختارونه ويقبلون حكمه وهو يفتقر إلى السلطة الآمرة التي يتمتع بها القاضي .

   في حين يرى البعض أن سلطة المحكم ، هي سلطة عرضية و مؤقتة ترتبط بمهمة المحكم وهي تعتبر سلطة استثنائية لا يجوز التوسع فيها . فالمحكمون ليسوا قضاة بل أفراد يعهد إليهم بمهمة تنفيذ الاتفاق.

ب- المحكم يشغل مركز القاضي:

   ذهب هذا الاتجاه إلي ترجيح المركز القضائي للمحكم على أساس أن التحكيم ذو طابع قضائي وحكم المحكم ملزم للخصوم متى اتفقوا عليه وأن التملص منه لا يجدي وأنه يحل محل قضاء الدولة الإجباري، فالمحكم لا يعمل بإرادة الخصوم وحدها مما يجعل الصفة القضائية هي التي تغلب علي التحكيم وأن حكم المحكم هو عمل قضائي شأنه شأن العمل القضائي الصادر من السلطة القضائية في الدولة .

    وذهب البعض مؤيداً لهذا الاتجاه إلي أن حكم المحكم ذو طابع قضائي، إذ يعتبر التحكيم قضاءً أصيلاً للتجارة الدولية، ويستند في ذلك إلى أن التحكيم التجاري على الصعيد العالمي ليس عملاً ذا طبيعة إرادية خالصة إذ إنه كثيراً ما يُفرض التحكيم جبراً علي أطراف التجارة الدولية كما يدل علي انتفاء الطبيعة التعاقدية للتحكيم التجاري الدولي باستقلال شرط التحكيم عن العقد الذي نشأت عنه المنازعات وكذلك ليستند إلي اتباع هيئات التحكيم الدائمة لقواعد خاصة للإجراءات تتضمنها اللوائح المنظمة للعمل بها، وكذلك لاعتبار قرارات التحكيم مصدراً مستقلاً لمنازعات التجارة الدولية لما تتمتع به قرارات التحكيم من حجية وقوة تنفيذ.

   في حين ذهبت محكمة النقض إلى إقرار الطبيعة القضائية للمحكم ويؤيد البعض هذا الاتجاه ويرى أن هذا يقتصر فقط علي التحكيم في مجال المعاملات الدولية أو التجارة الدولية دون غيرها من صور التحكيم المختلفة .

ج - المحكم يشغل مركزاً خاصاً أو مختلطاً بين مركز القاضي ومركز الفرد العادي:

    يؤيد هذا الاتجاه جانب كبير من الفقه المصري استناداً إلى الطبيعة  المختلطة للتحكيم؛ فهو عمل يمتد إلي الوجوه التي تشتق من أصل التحكيم وهو العمل الإرادي للأطراف وهو قضائي بالنظر إلي كون الحكم الذي ينتهي إليه المحكم ملزماً للأطرف بقوة تختلف عن القوة الملزمة للعقد، فالأول ملزم بقوة القانون و الثاني ملزم نتيجة لاتفاق الأطراف. 

    ويتبع هذا الاتجاه البعض تأسيساً علي أن التحكيم ليس اتفاقاً ولا قضاء محضاً وإنما هو نظام يمر في مراحل متعددة يلبس في كل منها لباساً خاصاً ويتميز بطابع مختلف؛ فهو في أوله اتفاق، وفي وسطه، إجراء وفي آخره حكم ".

    ويبدو لنا أن الاتجاه الأخير هو الأرجح، فالمحكم يشغل مركزاً خاصاً بين مركز الفرد العادي والقاضي، لأنه يؤدي دورا هاما ذا طبيعة قضائية يدور في فلك القضاء لا ينفصل عنه بل يتممه ولكن دوره لا يبدأ إلا باتفاق فالمحكم يتم تعيينه بناءً علي اتفاق الأطراف بإرادتهم الحرة وهم لا يستطيعون التنصل من أحكامه التي تتمتع بقوة الأمر المقضي ولكنه في نفس الوقت لا يملك السلطة الآمرة التي يتمتع بها القاضي كتوقيع الغرامات على الأطراف أو الشهود. فلا يجب الخلط بين مركز القاضي و المحكم لأنه إذا كانت هناك أوجه للتشابه بينهم فإنه يوجد العديد من النقاط الجوهرية للخلاف بينهم والتي تشكل الوجه الحقيقي للمركز القانوني لكل منهم، سنتناولها علي النحو التالي :

أ- أوجه التشابه بين المحكم والقاضي:

   كل من المحكم والقاضي يسعي إلي تحقيق العدالة في المنازعة المعروضة أمامه وهناك العديد من أوجه التشابه بينهما وسنتناولها علي النحو التالي: 

1- الاختصاص بالاختصاص:

  كل من المحكم والقاضي يختص بالفصل في الدفوع التي تتعلق باختصاصه فالمحكم دون غيره يختص بفحص نطاق اختصاصه والتصدي لكافة الاعتراضات المثارة حول اختصاصه بما في ذلك الناشئ عن اتفاق التحكيم دون حاجة إلى وقف الإجراءات فالمقصود بمبدأ الاختصاص بالاختصاص هو عدم إعاقة سير عملية التحكيم وإطالة أمد النزاع، والاتجاهات الحديثة في التحكيم تتجه إلي تأصيل هذا المبدأ و تأكيده فهيئة التحكيم هي التي تملك سلطة الفصل في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما فيها الدفوع المتعلقة ببطلان العقد الأصلي ، و لقد أقر المشرع المصري هذا المبدأ بموجب المادة 22 من قانون التحكيم.

2- الالتزام بسرية المداولة: 

   يتشابه نظام المداولة في القضاء والتحكيم بأن كلا من القاضي والمحكم يلتزم بالسرية في المداولة وتأخذ العديد من النظم بهذا المبدأ فيجب أن تحدث مناقشات بين المحكمين قبل صياغة الحكم.

3- الحيدة والاستقلالية

   الاستقلالية هي ألا يوجد ما يربط ما بين المحكم أو القاضي بالأشخاص المتنازعة بأي مظهر من المظاهر الخارجية أما الحيدة فهي تفترض ألا يوجد ما بين القاضي والمحكم من الأسباب الظاهرة أو الباطنة ما يجعله يميل إلي أحد الطرفين .

4- احترام حقوق الدفاع الأساسية:

     بما أن المحكم يمارس عملاً قضائياً فهو يشترك مع القاضي في ضرورة احترام حقوق الدفاع الأساسية للخصوم بهدف كفالة الضمانات والحقوق الأساسية لهم، وهو أمر يتعلق بالنظام العام؛ ومن هذه الحقوق والضمانات تلك المتعلقة بكفالة حق الدفاع لكل من الطرفين و معاملتهما علي قدم المساواة و إتاحة فرصة متكافئة لكل منهما في عرض دعواه وطلباته وتقديم مستنداته و احترام مبدأ المواجهة .

5- حجية الأمر المقضي للحكم الصادر من القاضي والمحكم: 

   يحوز كل من الحكم الصادر من القاضي أو المحكم قوة الأمر المقضي فتنص المادة 55 من قانون التحكيم المصري علي أنه» تحوز أحكام المحكمين الصادرة طبقا لهذا القانون حجية الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون ، إلا أن حكم التحكيم لا يجوز الطعن عليه بطرق الطعن العادية كالأحكام الصادرة من القضاء من استئناف أو طعن بالنقض أو التماس لإعادة النظر .

6- تنحي كل من المحكم و القاضي :

   يجوز لكل من المحكم والقاضي طلب التنحي إذا استشعر أي منهما أن هناك أسباب يمكن أن تؤثر علي حياده، والقاضي يستطيع أن يعرض ذلك علي المحكمة في غرفة المشورة أو على رئيس المحكمة وهو أمر جوازي للقاضي ومتروك لضميره، وكذلك الأمر بالنسبة للمحكم فإنه يستطيع أن يتنحي بعد قبوله مهمته فذلك أمر متروك لتقدير المحكم ولا يخضع لمراجعة أو تصديق .

   ونحن إذ نؤيد هذا الاتجاه فيما يتعلق بتشابه التنظيم القانوني لتنحي المحكم و القاضي فإننا نختلف في بعض الجوانب ونرى أنه إذا قبل المحكم أداء مهمته فلا يستطيع أن يتنحي إلا إذا كانت هناك أسباب جدية تمنعه مهمته فإذا قبلها الطرفان فلا مناص من القيام بمهمته، أما إذا كان لا يوجد ثمة سبب جدي فإنه يجوز رفع دعوى تعويض ضده إذا سبب ضرراً لأحد الطرفين أو كليهما ويعد ذلك نتيجة منطقية للطبيعة العقدية للتحكيم.

ب - أوجه الاختلاف بين المحكم والقاضي :

   يوجد العديد من مظاهر الاختلاف بين القاضي والمحكم باعتبار أن الأول يقوم بحماية مصلحة عامة في حين أن الثاني يقوم بحماية مصلحة خاصة وتتمثل مظاهر الاختلاف في الآتي:

1 - حلف اليمين :

  لا يحلف المحكم اليمين القانونية المقررة في قانون السلطة القضائية ؛ وذلك لأنه لا يحلف اليمين القانونية إلا موظفو الدولة (1) ولكن مع ذلك فلا يوجد ما يمنع أن يتفق الأطراف علي أن يحلف المحكم اليمين قبل قيامه بمهمته

   و إن كنا كما نرى أن التزام المحكم بحلف اليمين القانونية هي مسألة وجوبيه وسوف نتناول ذلك بالشرح لاحقاً.  

2- تمتع القاضي بالسلطة الآمرة على خلاف المحكم: 

    لا يتمتع المحكم بما يتمتع به القاضي من سلطة آمرة، فعلي سبيل المثال لا يملك المحكم سلطة توقيع الغرامات علي الأطراف أو الشهود بعكس القاضي .

3- تمتع الحكم الصادر من القاضي بالقوة التنفيذية بعكس المحكم :

   إن الحكم الصادر من القاضي يتمتع بالقوة التنفيذية بعكس المحكم الذي لا يتقرر التنفيذ لحكم التحكيم الصادر منه إلا بعد الالتجاء إلي القضاء .

4- عدم تمتع المحكم بالحصانة ودوام الاستقرار بعكس القاضي: 

    لا يتمتع المحكم بالحصانة القضائية التي يتمتع بها القاضي كما أن مهمته مؤقتة فقد يختار المحكم لحل نزاع ولا يختار لحل نزاع آخر حتى ولو كان يؤدي عمله في إطار منظمة تحكيم دائمة . 

5- يسعى المحكم إلى تطبيق العدالة بعكس القاضي الذي يسعى لتطبيق القانون

    يسعى المحكم إلي تحقيق العدالة في المقام الأول ويبدو الأمر جلياً في حالة التحكيم بالصلح، حيث لا يتقيد المحكم بالقانون وإنما يُصدر حكمه وفقاً لاعتبارات العدالة والإنصاف، في حين يسعي القاضي دائما إلى تطبيق القانون في المقام الأول و العدالة.

6 - اختلاف مصدر سلطة المحكم عن سلطة القاضي: 

    مصدر سلطة المحكم هو اتفاق التحكيم الذي يؤكد مبدأ سلطان الإرادة لأطراف النزاع بعكس القاضي الذي يستمد سلطاته من سلطة الدولة حيث يمثل الدولة فيما يصدره من أحكام.

7 - اختلاف الطعن في الحكم الصادر من المحكم عن القاضي:  

    لا يجوز الطعن علي أحكام التحكيم إلا برفع دعوي بطلان أمام المحكمة المشار إليها في المادة (9) بعكس حكم القاضي الذي يطعن على حكمه وفقاً لطرق الطعن العادية التي سبق الإشارة إليها.

8 - قبول المحكم مهمته كتابة بعكس القاضي: 

   ولقد حرص المشرع علي قطع أي دابر أي لأداء خلاف قد يثور بين الخصوم والمحكم فيما يتعلق بقبول المحكم وهذا الشرط غير مطلوب بالنسبة للقاضي وقد يكون ذلك راجعاً لطبيعة مهمة المحكم ذات الطابع المؤقت.

9- المحكم يستحق أتعاباً بعكس القاضي: 

    المحكم يهدف من القيام بمهمته إلي تحقيق مصلحة خاصة فليس له صفة رسمية وإنما يستمد سلطاته من إرادة الذين اختاروه وارتضوا سلفا بحكمة والأصل في المحكم أن يتقاضي أتعاباً مقابل عمله إذ هو لا يعمل مجاناً وذلك ما لم يتنازل عن هذه الأتعاب. أما القاضي ، فلا يستحق مثل تلك الرسوم أو الأتعاب بل يخضع لنظام الوظيفة العامة .

10- اختلاف أسباب رد المحكم عن القاضي:

  أسباب رد القاضي في الحالات الآتية:

   إذا كان له أو لزوجته دعوي مماثلة للدعوي التي ينظرها إذا وجدت لأحدهما خصومة مع أحد الخصوم أو لزوجته بعد قيام الدعوي المطروحة علي القاضي ما لم تكن هذه الدعوي قد أقيمت بقصد رده عن نظر الدعوي المطروحة عليه.

  •  إذا كان لمطلقته التي له منها ولد لأحد أقاربه أو أصهاره علي عمود النسب خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد الخصوم في الدعوي أو مع زوجته ما لم تكن هذه الخصومة قد أقيمت بعد قيام الدعوي المطروحة علي القاضي بقصد رده.

  •  إذا كان أحد الخصوم خادماً له أو كان هو قد أعتاد مؤاكلة أحد أو مساكنته أو كان تلقي هدية قبل رفع الدعوي أو الخصوم بعده.

  • إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل».

   في حين حددت في المادة 1/18 من قانون التحكيم المصري حالة رد المحكم فنصت علي أنه «لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكاً جدية حول حيدته واستقلاله».

    ويجوز رد المحكم في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما لم يقفل فيها باب المرافعة . في حين أن المشرع حظر علي الطرف الذي اختار محكمه أن يطلب رده إلا إذا تبين أسبابه بعد تعيين ذلك المحكم فتنص المادة 18/ 2 علي أنه «لا يجوز لأي من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين».

11- القاضي يخضع لدعوى المخاصمة بعكس المحكم :

   القاضي إذا أخطأ فإنه يخضع لدعوي المخاصمة في حالة وقوع ضرر علي الغير، في حين أن المحكم لا يخضع لدعوى المخاصمة لأنه ليس تابعاً للحكومة التي لا تسأل إلا عن أعمال تابعيها .

13 - اختلاف النظام القانوني الذي يخضع له القاضي عن المحكم:

  القضاة غير قابلين للعزل في حين أنه يمكن للأطراف عزل المحكم في أي مرحلة من مراحل الدعوى وسنتناول تلك المسألة بالتفصيل لاحقاً.

القاضي:

14- إمكانية قيام المحكم بأعمال أخرى بجانب التحكيم بعكس القاضي .

   لا يجوز للقضاة كقاعدة عامة القيام بأي عمل آخر ولو كان بأجر أو بغير أجر.

15 - اختلاف الشروط الواجب توافرها في أهلية المحكم عن القاضي: 

   القاضي لا يشترط فيه فقط الأهلية ولكن تطلب قانون السلطة القضائية ألا يقل سن القاضي عن ثلاثين سنة والمستشار بالاستئناف عن ثمانية وثلاثين سنة والمستشار بالنقض عن ثلاثة وأربعين بينما المحكم يتطلب فيه قانون التحكيم أن يتمتع بالأهلية المدنية .

16- وجوب تسبيب الحكم الصادر من القاضي بعكس الحكم الصادر من المحكم:

   في حين يلزم أن يكون الحكم الصادر من القاضي مسبباً، فإن الحكم الصادر من المحكم يكون أيضا مسببا إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك، فيمكن للأطراف الاتفاق صراحة أو ضمناً علي عدم استلزام تسبيب الحكم .